/وسام سعادة: الانتخابات البلدية ومعزوفة «الابتعاد عن السياسة/علي الأمين: بلديات الجنوب منذ 2004: أكبر سرقة للأرض تحت ظلال المقاومة والثنائية

245

بلديات الجنوب منذ 2004: أكبر سرقة للأرض تحت ظلال «المقاومة» والثنائية
علي الأمين/جنوبية/24 أبريل، 2016

الانتخابات البلدية المقبلة لن تكون جنوبًا على مقياس التفاهم بين أمل وحزب الله، فالحسابات تبدلت والشعارات ما عادت تكفي لإقناع الناخبين بأنّ التحالف هو في مواجهة اسرائيل، فيما شهدت البلدات والقرى في العموم تحت ظلال هذا الاتفاق فشلاً ذريعًا للتجربة البلدية واكبر عملية نهب للاملاك العامة والمشاعات منذ نشأة لبنان. في جولة على عدد من مدن وبلدات الجنوب يمكن ملاحظة أنّ الإنتخابات البلدية تشكل اهتمامًا متفاوتًا بين القوى السياسية. من الواضح أنّ حركة أمل تبدي حماسة لتحسين شروطها على الأرض وفي اللوائح التي نصّ عليها اتفاق بينها وبين حزب الله، على إبقاء المحاصصة بين الطرفين على ما هي داخل اللوائح المزمعة. فيما حزب الله يبدو من هذه الناحية أكثر حرصًا على الإلتزام بحذافير الإتفاق وعدم الخروج عليه. في موازاة هذا التحالف يبرز غياب الخصم أو العدو الذي يجب التصويب عليه، والذي كان استحضاره في الإنتخابات البلدية إحدى الوسائل المهمة لتوفير الفوز، سواء من خلال إضفاء عنوان المقاومة على مرشحين أو لائحة محددة، أو وضع الآخرين ممن هم في اللائحة المقابلة أو المستقلين في مصاف المتصدين للمقاومة. يبدو هذه المرة أنّ نغمة المقاومة لم تعد تشكل عنصرًا حاسمًا في التنافس داخل البلديات، خصوصًا في ظلّ تحالفي أمل وحزب الله، وتمايزهما عن بعضهما في البلديات. ومع إقرار عام بأنّ التجربة الإنمائية التي قدمتها البلديات الحالية لم تكن ناجحة، بل كشفت في كثير من البلديات عن تحوّلها إلى سلطة نفوذ، ومصدر فساد، ووسيلة من وسائل مصادرة الأراضي لبعض الأفراد المتنفذين الذين يحظون بدعم حزبي. ففي العديد من البلديات كشفت وقائع السنوات الست الماضية أنّ عددًا من مرشحي ما يسمى المقاومة ورافعي أعلامها وصور قياداتهم الحزبية، نجحوا إلى حدّ بعيد في الإستحواذ على أملاك عامة وحوّلوها إلى أملاك خاصة. المشكلة اليوم أنّ فرض خوض المعركة البلدية على أساس هدف المقاومة، أو التصدي لداعش أو التصدي لقوى 14 آذار، لم تعد كافية. أو أنّها شعارات فقدت قدرتها على فرض اللوائح البلدية على الناخبين. الملاحظة التي يمكن أن يلامسها المتابع لبعض ما يجري من سجالات داخل المدن والبلدات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، هي أنّ ثنائية أمل وحزب الله، باتفاقهما المعلن، شكل عنصر تحدي للإعتبارات الإجتماعية المحلية. لا سيما العائلات التي لا تزال تشكل عنصرًا مؤثرًا، ويزداد تأثيره مع عجز النموذج الحزبي عن تقديم خيار جاذب ومنتج على مستوى التجربة البلدية. ويتفوق في النزاهة وفي التنمية والإدارة الشفافة على النماذج البلدية القائمة على تحالفات عائلية. أي أنّ التجربة الحزبية لم تقدم ما يمكن أن يُشار إليه على أنّه تحديث وتطوير، بقدر ما كانت الحزبية عنصر قوة لحماية الفساد والضغط على المجتمعات المحلية لمصادرتها أو تهميشها. وإلى الحساسية التي تبرز اليوم بين السطوة الحزبية السلطوية من جهة والإعتبارات المحلية والعائلية من جهة ثانية، تبدو غير يسيرة القدرة على فرض لوائح توافقية في كثير من البلدات. لا بل تبرز في كثير من الدوائر الانتخابية البلدية جنوباً حالة من عدم الإرتياح لهذا الاسلوب في مصادرة إرادة الناخبين. لا سيما أنّ هذا الإتفاق المنزل من فوق ليس هناك ما يبرره سوى ترهيب المجتمع المحلي. فالتنافس ليس قائمًا في معظم المدن والبلدات إن لم يكن كلها على خيارات سياسية. كما لا يقدم التحالف بين أمل وحزب الله أيّ ميزة إضافية على المستوى التنموي. علمًا أنّ التجارب الماثلة تميل إلى إظهار آثار سلبية لهذا التحالف على عمل المجالس البلدية، كما هو حال المجالس الصافية حزبياً. مجرى الإنتخابات البلدية جنوبًا هذه المرة مفتوح على مشهد مختلف عمّا سبق في الدورات الثلاث الماضية. ثمّة عنوان يفرض نفسه ويتقدم على ما عداه هذه المرة. فالتنافس اليوم يقوم بين المساحة المتبقية للخيارات المحلية بحساباتها البلدية، وبين القوى الحزبية التي تريد التهام هذا الهامش المتبقي من الخصوصية المحلية. والذي أمكن في فترات سابقة مصادرته برفع شعارات سياسية واستراتيجية أتاحت كتم صوت الخصوصية المحلية. أمّا اليوم فإنّ هذه الخصوصية المحلية العائلية أو المناطقية تحاول إثبات حضورها، ليس في مواجهة مباشرة مع السطوة الحزبية، بل في محاولة التناغم مع من يحفظ هذه الخصوصية حينًا، أو من خلال فرض شروط على التحالف المنزل من فوق. وفي هذا السياق يحاول كل من أمل وحزب الله، بمواجهة تنامي ظاهرة التململ من الإتفاق، بناء تحالفات من تحت الطاولة في أكثر من بلدة، حيث بدأ يبرز مرشحون مستقلون في أكثر من بلدة يتلقون عروضًا بالتعاون. هذه العروض قد لا تكون جدية وقد تكون مرفوضة، لكن الثابت، كما ينقل متابعون لها في الجنوب، أنّها ستشهد هذه المرة خروقات متبادلة، وانقلابا على التفاهم الفج وغير المقنع بين حركة أمل وحزب الله. تفاهم حكم المجالس البلدية منذ العام 2004 حتى العام 2016، وسمح بأكبر عملية نصب للمشاعات والأملاك العامة لم يشهدها الجنوب لا في زمن الوجود الفلسطيني ولا الاحتلال الاسرائيلي ولا حتى في زمن ما يسمى الاقطاع السياسي قبل الحرب في العام 1975.

 

الانتخابات البلدية ومعزوفة «الابتعاد عن السياسة»
وسام سعادة/المستقبل/25 نيسان/16

عشية كل انتخابات بلدية كما كل انتخابات نقابية، تساق مقولة «النأي بالاستحقاق عن التسييس«. مقصد النأي في كل مرة يختلف، وكذلك وجهة الردّ عليه. فالدعوة الى ابعاد السياسة عن الانتخابات البلدية تأخذ تارة لباس المجتمع الأهلي، أي «تركها« للعائلات، كما لو كان المجتمع الأهلي «ما تحت سياسي«، وتأخذ لباس المجتمع المدني تارة أخرى، أي «افساح المجال« لـ«الكفاءات«، كما لو كانت السياسة عارضاً يتسبب بإدخال الزغل الى النفوس، فلا تعود تسهّل مهمّة «الكفاءات«، وكما لو كانت كفاءات المجتمع المدني هذه «ما فوق سياسية«. فكرة انتخابات لا دخل لها بالسياسة هي بحد ذاتها فكرة عبثية. اذ كيف يكون الاستحقاق ديموقراطياً، وكيف يجري الاصرار على اعتبار البلديات «ديموقراطية محلية« والمناداة بتوسيع صلاحياتها في ضوء ذلك، ان كانت السياسة في واد، والبلديات في واد آخر. السياسة في كل مكان. انكار التسييس، أو النأي بالذات عنه، هو تسييس سلبي. قد يكون تسييساً سلبياً محتقناً عن وجه حق من أنماط متفشية من السياسة الغليظة، المُحبطة، الهستيرية، المُدمّرة، لكن ايجاد موطئ قدم لسياسة تراكمية، تفاعلية، تداولية، تحررية، لا يكون بدفن النعامة رأسها في الرمل، لا في رمل تصور الاستحقاق البلدي كاستحقاق فولكلوري، تختلق – سياسياً – لأجله العائلات الكبيرة من جديد (اذ يجري الكلام آخر أسبوعين كما لو كانت العائلات الكبيرة كيانات منتظمة تعقد دورياً مجالسها العشائرية على امتداد الجغرافيا اللبنانية، في حين أن العشائر نفسها بلغت درجة من الذرية أكثر بكثير مما تخفيه يافطتها)، ولا في رمل تصور الاستحقاق البلدي كاستحقاق «برمجة انمائية«، تطرح خلالها المنظمات غير الحكومية بضاعتها المترجمة غير المعنية، لعلّ وعسى تصيب بعض الناس بـ«توعية«. في الانتخابات البلدية، كما في الانتخابات النقابية، ثمة مصالح طبقية وطائفية وجيليّة ومناطقية وجهوية متناقضة، ثمة معارضة وسلطة، ثمة أشخاص أقدر من أشخاص عن التعبير عن الفكرة نفسها، وثمة قبل كل شيء انعكاس وامتحان للتيارات السياسية الأساسية. الانتخابات البلدية سياسية بامتياز، لكن سياسيتها مختلفة عن سياسية الانتخابات النيابية. ليس لأن البلدة هي وطن قائم بذاته، وهذه انتخاباته، بل العكس تماماً. لأن مآل المعركة في بلدية صغيرة يتجاوزها. طبعاً، سياسية الانتخابات البلدية غير سوية في بلد يفصل فيه بين الانتخابات البلدية وبين مكان السكن، في وقت يتكثف أكثر سكانه في بيروت الكبرى، ويخوض كثير منهم على أرض بلديات يسددون لها الرسوم ولا يشاركون في اختيار مجالسها، معاركهم هم في انتخابات افتراضية لبلديات متخيلة يأتونها في الغالب للاصطياف أو قضاء العطل. العمل البلدي في تقنيته ليس سياسياً فقط، وكذلك هو العمل النقابي، لكن أيضاً العمل التشريعي النيابي. كل عمل في أي مؤسسة، في أي سلطة، تقلّ سياسيته كلما زادت تقنيته. لكن هنا بيت القصيد أيضاً: من الخطأ دفع الجانب التقني الاداري لاستلاب العمل البلدي، أو النقابي، أو التشريعي البرلماني. السياسة هي الرئة، الرئة كي لا يستأثر الاختزال التقني الاداري المحض للأعمال بكل شيء. العلم السياسي هو في مكان أساسي منه النقيض للعلم الإداري، بخلاف الميل المتعاظم لاختزال هذا في ذاك، وقضم هذا بذاك، في اللغة الركيكة لعدد من المنظمات غير الحكومية. أما أهم محك لسياسية الانتخابات، أي انتخابات، فهو ان المشارك بها ترشحاً، يفترض به أن يسعى للفوز، وأقل ما هو مطالب بتقديمه للناس هو تصوره لكيفية فوزه، وليس فقط ماذا سيفعل في حال الفوز. واذا كان لا يترشح من أجل الفوز، بل من أجل ايصال «فكرة« أو الوقوف بوجه «محدلة«، عندها لا يمكنه أن يقول ماذا سأفعل في حال فزت.