روزانا بومنصف: الجلستان الأخيرتان عنوان القدرة على الانتخاب وللبنان أن يقف مع نفسه لأن أحداً لا يبالي/نديم قطيش: ما لا يفهمه اللبنانيون ما لا يفهمه السعوديون

184

ما لا يفهمه اللبنانيون.. ما لا يفهمه السعوديون
نديم قطيش/  الشرق الأوسط/25 آذار/16

منذ انطلاق عاصفة الحزم، في 26 مارس (آذار) الماضي، قبل سنة بالتمام والكمال، افتتح الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية صفحة جديدة في تاريخ هذا التكتل السياسي وفي تاريخ العرب. لم تكن عاصفة الحزم، وما تلاها من «إعادة الأمل» ثم «التحالف الإسلامي» ثم مناورات «رعد الشمال»، سوى منحنيات مختلفة في خط بياني واحد، هو خط إعلان الحرب على السياسة الإيرانية في المنطقة. اللبنانيون هم في طليعة الشعوب المعنية بهذا التحول الخليجي، أقله لسببين اثنين؛ أولهما العلاقات التاريخية بين السعودية ولبنان، التي شكلت الحريرية السياسية أعلى تجلياتها منذ اتفاق الطائف، وثانيهما وجود «حزب الله» في هذا البلد، بوصفه المنصة العربية الأولى للمشروع الإيراني! ما لا يفهمه اللبنانيون، أو كثير منهم، أن الخليج الذي يعرفونه تغير. أهل الخليج، يخوضون حربًا مصيرية، في مواجهة السياسة الإيرانية. وهم يقاتلون باللحم الحي كما قاتل الآباء المؤسسون. أولاد الشيوخ والأمراء موجودون على أرض المعركة وليس في الفنادق أو مراكز القيادة المحمية والمحصنة. يحرسون حدودهم ويقاتلون خارجها ويبذلون الدم والأنفس بشكل غير مسبوق في تجربتهم الحديثة.
المعركة التي يتصدرها «المحمدان»، بن زايد وبن سلمان، هي للسعودية والإمارات وبقية الخليج وعموم العرب، معركة حياة أو موت، بعد أن طال التعايش مع السياسة الإيرانية في العالم العربي، كمشروع مذهبي توسعي وتفتيتي للدولة والمجتمع العربيين!
بإزاء هذا التحول، بدا لبنان «خارج نطاق التغطية»، عاجزًا عن التقاط إشارات البث القادمة من الخليج، فكانت الخطيئة الكبرى لوزير خارجية «حزب الله» جبران باسيل، في مؤتمر وزراء الخارجية العرب ثم في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، وعزوفه عن التصويت على قرارات تستنكر الاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد بحجة كاذبة هي رفض وصف «حزب الله» بالإرهابي! فشل لبنان في امتحانه الأول عربيًا في زمن عاصفة الحزم وما بعدها، وظن من ظن أن بقاء على القديم من السياسات على قدمه ما زال يُصرف في بورصة السياسة العربية. ما لم يفهمه اللبنانيون، أو كثر منهم، أن من يقاتل دفاعًا عن مصيره، لا يقيم وزنًا للمواقف اللفظية، فكيف إذا كانت هذه المواقف لم تأتِ إلا بعد غضبة سعودية، فرملت تعاطي الحكومة اللبنانية مع احتلال «حزب الله» لقرار السياسة الخارجية كبديهة سياسية، ستمر مرور الكرام. ربما من سوء حظ اللبنانيين، الذين قاتلوا بشراسة منذ العام 2005 وحتى الأمس القريب، أن يهب العرب إلى الحرب فيما يعاني اللبنانيون من «الإرهاق الثوري» بعد الكثير من الاغتيالات وعنف السلاح بحق قواهم السيادية وخيرة نخبتهم. هذا ما لا يفهمه السعوديون. ما لا يفهمونه أن لبنان محتل من ميليشيا لديها كل الاستعدادات ولدى بعضها الرغبة في العودة إلى لغة السلاح، اغتيالاً وقتلاً واشتباكًا، عندما تدعوها الحاجة لذلك.
ربما يغيب عن السعوديين أن الطلب المضمر بمواجهة «حزب الله» في لبنان يعني عمليًا تفجير البلد من دون وجود أي أفق حقيقي للفوز عليه، بالنظر إلى الاختلال العميق في توازن القوى بل انعدام التوازن بين قوة عسكرية عاتية وقوى سياسية عزلاء! وهو ما لا يمكن مقارنته بإمكانات دول الخليج، التي تسند قرارها بالمواجهة في اليمن وسوريا وغيرهما. أما سياسيًا، فلا ضمانة أن رفع حدة الاشتباك السياسي في لبنان، لن يؤدي سريعًا إلى اشتباك مسلح يمتلك فيه «حزب الله» اليد العليا في الحسم، والإطاحة بالأساسات التي ينهض عليها توازن الأمر الواقع الحالي والذي يبقي هيكلاً للدولة وخميرة لإعادة النهوض بها حين تتوفر شروط النهوض. أما الانهيار، نتيجة خيار مواجهة غير متكافئة، فيعني عمليًا وضع «حزب الله» في منازلة مع نظرائه من الحركات الدينية المسلحة، وإلحاق لبنان بساحات حرب الميليشيات السنية الشيعية. اللبنانيون، لن يحولوا لبنان إلى سوريا أخرى، ولا أحسب أن بين العرب من يريد للبنان هذا المصير.
هل يستسلم اللبنانيون، ويطالبون العرب بالتوقيع على استسلامهم؟ كلا! لم يكن هذا خيارهم في السابق ولن يكون لا الآن ولا في المستقبل. والاعتقاد بذلك هو دليل آخر على عمق سوء الفهم غير المسبوق بين لبنان والعرب. الواقعية السياسية، والحرص على عدم التضحية بلبنان، يستوجبان التوقف عند معطيين. ثورة الشعب السوري التي أسقطت بشار الأسد بالقوة بانتظار إسقاطه بالفعل، أسقطت مع سفاح دمشق جزءًا كبيرًا من «حزب الله» ومشروعيته ومستقبله وهو ما لم يكن ممكنًا تصوره قبل الثورة السورية. أما السياديون اللبنانيون فقاتلوا قتالاً مريرًا من أجل المحكمة الدولية، التي مهما بدت محبطة في بطء أدائها إلا أنها حبل يلتف رويدًا رويدًا على عنق «حزب الله» ونظام الأسد. هذا التكامل في المسار والمصير بين معركتي اللبنانيين والسوريين لا ينبغي تغييبه تحت وطأة الغضب والانفعال أو الخيبة من لبنان، واستسهال الدفع به إلى أتون الحرب. فائض القوة، جنون أحيانًا. فائض الحكمة خيانة في معظم الأحيان. بين ما لا يفهمه اللبنانيون وما لا يفهمه السعوديون مساحة لبناء تفاهم عساه بدأ.الدستورية لانتخاب رئيس جديد، وغداة جلسة أخيرة فاشلة لانتخاب رئيس جديد حملت الرقم 37، علما أن الجلستين الأخيرتين لا تحتاجان إلا الى القليل لإنجاز انتخاب رئيس، فكانت الجلستان استمرارا للمراوحة نفسها، فيما البلد يدفع تكاليف باهظة على كل المستويات بحيث فقد الكثير من مناعته، وكذلك الحال بالنسبة الى مواطنيه. وقبل جونز، نقل عن مسؤولين أوروبيين كلام أيضا بهذا المعنى قيل للمسؤولين اللبنانيين، مفاده أنه “لا يمكن أن نكون معكم أكثر من أنفسكم”، ما ترجمته أنه إذا أردتم أنتم الانتحار فماذا يمكن أن نفعل لكم؟ ورد الفعل العربي في الآونة الاخيرة يصب في الخانة نفسها بمعنى ما، فيما لا تأبه بعض القوى السياسية لما يجري على أرض الواقع في لبنان، وتمارس سياسة فوقية تروج لمصالحها من دون مصالح البلد او الشعب، فيما يتم الاستمرار في محاولة تجييش هذا الشعب لقضاياهم الخاصة ليس إلا. ورب قائل إن القوى السياسية تنتظر من السفير الاميركي انخراطا أكبر في محاولة إيجاد حل للمأزق اللبناني، لكن كلام جونز كما جواب الاوروبيين من قبل أن ليس هناك الكثير للقيام به إذا لم يساعد اللبنانيون أنفسهم، وان المساعدة التي تقدم، ربما لأهداف معينة، تتصل بالمساعدة على مواجهة الإرهاب أو تمكين لبنان من استمرار قدرته على استقبال اللاجئين السوريين لئلا يثقل هؤلاء على اوروبا التي ستقفل أبوابها أمامهم أكثر من أي وقت مضى. في الوقت الراهن، ثمة تحديات خطيرة جدا يتعامى عنها الأفرقاء السياسيون في ظل شبه قطيعة للبنان مع الدول العربية، من شأنها ان تزيد وطأتها على الوضعين الاقتصادي والمالي وحتى الاجتماعي، فيما التفجيرات الأخيرة التي وقعت في بروكسيل تجعل أوروبا ترسم جدارا عاليا من حتمية الاهتمام بأولويات مختلفة على وقع التطورات الإرهابية التي تواجهها، بعدما دخلت الحرب عقر دارها. وتاليا، لن يكون للبنان أي أهمية على أي جدول خارجي لبعض الوقت، ما لم يأخذ الأمور بيديه ويحسمها بنفسه، ولن تصح مرة أخرى الرهانات على نيسان ولا حتى على حزيران المقبل تحت وطأة تقدم محتمل في الملف السوري، بحيث تفرج ايران عبر “حزب الله” عن ورقة الرئاسة اللبنانية الرهينة. لكن حضّ جونز على ان يقف لبنان مع نفسه، إنما ينطلق من واقع الاعتقاد أن القوى اللبنانية يمكنها ان تقدم على إنجاز استحقاقاتها بمعزل عن رهانات الخارج أو استرهان هذه الاستحقاقات، ولا يزال الاقتناع كبيرا بأن المصالح والحسابات الشخصية تطغى على موضوع الرئاسة الى درجة غير مقنعة كثيرا للخارج، لجهة إبقاء موقع الرئاسة المسيحي شاغرا، فيما يستنزف الحضور المسيحي في المنطقة على وقع الصراع السني – الشيعي العنيف القائم راهنا. وتجربة الجلستين الأخيرتين لمجلس النواب تظهر أن انتخاب رئيس يقف هو على قاب قوسين او ادنى من امكان تحققه، وتتحكم المصالح الشخصية في منعه بما يعزل الى حد كبير العوامل الخارجية المؤثرة. والاقتناع أكبر بأن الصراع المسيحي على موقع الرئاسة استنزف البلد وأنهكه، كما استنزف الكثير من حضور المسيحيين وقدراتهم على مر السنين، ولا يزال، الى درجة أثيرت تساؤلات في بعض مواقع السلطة في أوروبا أخيرا وفي ضوء البحث في أزمة مصير بشار الاسد، اذا لم يكن هناك خطأ ارتكب في تمكين الاقليات، إن في سوريا او في لبنان، والذي بات جزءا من ازمة كبيرة في المنطقة راهنا.

الجلستان الأخيرتان عنوان القدرة على الانتخاب وللبنان أن “يقف مع نفسه” لأن أحداً لا يبالي!
روزانا بومنصف/النهار/25 آذار 2016
كتب القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة في لبنان السفير ريتشارد جونز في عدد يوم أمس الخميس مقالا في “النهار” تحت عنوان “نحن نقف مع لبنان” شرح فيه المجالات التي تدعم بها بلاده لبنان، خصوصا في مجال دعم الجيش اللبناني. وقال: “نحن نقف مع لبنان ولكن على لبنان ان يقف مع نفسه ايضا”. وحض السياسيين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لأن لبنان يحتاج الى استقرار سياسي للاستمرار في تجاوز الأزمات الاقتصادية والأمنية والإنسانية المقاطعة التي تواجهها البلاد”. هذا الموقف الأميركي يضغط ديبلوماسيا لإتمام الاستحقاق ولكي يتحمل السياسيون مسؤولياتهم. فهو يأتي عشية 25 آذار، ذكرى مرور سنتين على بداية المهلة> ينقل بعض الديبلوماسيين الأجانب راهنا، قلقا من جانب بعض المسؤولين على الوضع اللبناني على مختلف مستوياته، وقد رأى البعض منهم في انهيار قدرة الصحف على الاستمرار، على رغم ان صحفا عدة كبرى في العالم أوقفت اصداراتها الورقية وتحولت الى النسخة الالكترونية، جانبا كبيرا من الأزمة التي يشهدها لبنان مع انهيار قطاعه الإعلامي أيضا. فالازمة الاعلامية ليست نتاج ازمة اعلامية فحسب، بل هي جزء من ازمة البلد وانهيار قطاعاته الواحد تلو الآخر، في ظل عزلة قسرية قلصت قدرة لبنان على التواصل وعلى أن يكون له العمق العربي والغربي الذي كان له في الماضي. وهذا لم يحصل إبان الحرب الأهلية، في حين انه يعني للكثيرين ان الحرب عادت الى الواقع اللبناني، ولكن من دون متاريس حربية وقصف كما يجري في سوريا مثلا. وهناك احتمال او ربما رهانات على انهيار للبلد ربما يفيد مراهنين في الداخل او الخارج، ولو ان هناك من يسارع الى تأكيد بقاء البلد معلقا على حبل حكومة متعثرة وغير فاعلة.