عماد موسى: الجنرال التايواني و14 آذار الأصلية/راشد فايد: ما لم يقله فارس سعيَد

230

الجنرال التايواني و14 آذار الأصلية
عمـاد مـوسـى/لبنان الآن/15 آذار/16

يبدو أن تشبيه الدكتور سمير جعجع للمرشّح الرئاسي سليمان فرنجية بأنّه “8 آذار أصلي بينما عون 8 آذار تايواني”، قد وجد صدى في ذهن النائب ميشال عون المتلقّف كل جملة رنّانة، فلجأ إلى التوصيف عينه في إطار مختلف وذلك في الذكرى الأحبّ إلى قلبه، بعد 13 تشرين، ذكرى 14 آذار (1989)، فقال في عشاء الحبتور وفي قلبه كل الحُبور “أطلقوا على أنفسهم تسمية 14 آذار.. لكن اليوم، سقطت 14 آذار التايوانية وبقيت الأصلية”. كثيرون، من محبّي الجنرال عون ومريديه، نسوا أو تناسوا الظروف التي سبقت اليوم المجيد. لا بأس من الإضاءة قليلاً، بعد وصول العماد عون إلى قصر بعبدا في تشرين الأول من العام 1988 طُويت أولاً صفحة انتخاب رئيس للجمهورية من دفتر الأولويات، بعد لقاءات تونس، وقرّر عون في الأسبوع الثاني من آذار 1989 إغلاق المرافئ غير الشرعية (بقواه الذاتية) في المناطق التي كانت خاضعة للقوات السورية وميليشيات حركة أمل، والحزب التقدمي الإشتراكي، وحزب الله، وسائر الميليشيات والأحزاب التي تدور آنذاك في فلك سوريا – الأسد. يكتب النائب السابق ألبير منصور في كتابه الأول، “الإنقلاب على الطائف” أن بعد نصحِه الجنرال الإكتفاء بالموقف السياسي وعدم استخدام القوة العسكرية. وبعد عرض لخطة واقعية لقيت أذنين صمّاوين، قال منصور لعون: “غداً تمنع السفن من الوصول إلى المرافئ غير الشرعية في الجيّه والأوزاعي، فيقصفون المرافئ الشرعية في بيروت وجونيه فتقفل هي الأخرى، فيصبح حصارك لهم حصاراً لك”.
قال عون: “هذا إعلان حرب”.
قلتُ: “نعم! وماذا بعد ذلك”.
قال: “إذن الحرب”.
قلتُ: “هذا ما يطلبون، فهم يستدرجونك إلى حيث يريدون”
قال: “فليكن”.
قلت: “هذا انتحار”
قال: “أريد أن أنتحر”
قلت: “كان عليك أن تنتحر قبل أن تتسلم قيادة الطائرة. أما اليوم فليس بيدك أن تنتحر لأن انتحارك يعني انتحار جميع الراكبين في الطائرة التي تقود. كان عليك أن تنتحر قبل أن تصعد إلى الطائرة وتتسلم قيادتها”.
كان ذلك قبل ثلاثة أيام من إعلان حرب التحرير. أي في 11 آذار 1989. أخذ الجنرال عون يومَها واحداً من أسوأ قراراته العسكرية، وعاد في الأمس ليعيد صياغة التاريخ، ناسباً لنفسه بطولة وهمية، دفع الأبرياء ثمنها.
في سهرة الحبتور قال الحكواتي لجمهور المستمعين: “كنتُ محاصراً مالياً وعسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً، وكانوا يريدون أن يفرضوا عليّ أمراً واقعاً، يقضي بأن أرفع يديّ وأستسلم من دون قيدٍ أو شرط. انطلاقاً من هنا، وُضعتُ أمام خيارين: إما أن أستسلم وتُفرض علينا الإرادات الخارجية على مدى الدهور، أو أن أقاوم، وحتى لو خسرت في مقاومتي، أكون قد حافظت على حقّنا بالاستقلال والمطالبة به، وبعودة السيادة؛ فرفضنا الاستسلام، وعندها بدأت النيران تنهمر علينا من كل الجهات المحيطة بمركز قيادة الجيش والقصر الجمهوري”.
لم يقل إنّه هو من “حركش” بوكر الدبابير باحثاً عن دور يدخله التاريخ حتى لو خرج وأخرج الآلاف من جغرافيا الوطن.
في ذكرى 14 آذار “الأصلية”، لم يأتِ الجنرال الثمانيني على ذكر أي دور للجيش العربي السوري المحوري في معركة “التقاصف”. مجهولون قصفوا القصر الجمهوري وأفسدوا خطة التحرير المحكمة. أما 14 آذار التايوانية، والجمهور العوني من مكوّناتها – وليس جدّها ولا أباها ولا أمها ولا إبنها – فقد تمكّنت بسلميّتها أن تعيد الجيش السوري إلى بلاده بعد ثلاثة عقود من الوصاية والإحتلال.
هذا بخصوص الذكرى. أما الغاية المنشودة أمس، اليوم وغداً فهي استعادة القصر.
“سنستعمل جميع الوسائل المتاحة للوصول إلى الغاية المنشودة. فجهّزوا سواعدكم”، قال مرشح 8 آذار التايواني في ختام موعظته، وهو يقصد بالطبع “جهّزوا أقدامكم”، فاقتُضي التصويب.

ما لم يقله فارس سعيَد
راشد فايد/النهار/15 آذار 2016
كان ينقص الأمين العام لقوى 14 آذار، الدكتور فارس سعيد، أن يدعو جمهور انتفاضة الاستقلال الى الانتفاضة مجدداً، تحديداً في وجه الأحزاب التي تنطحت لتولي قيادته بعناوين بلا برنامج، فوثق بها رغم ذلك، بلا تردد. لم يكن خافيا أن الانفصال جلي بين جمهور الحركة الاستقلالية الثانية وبين القيادات الحزبية. فهذا الجمهور كان ينتظر أن تتحول عناوين يوم 14 آذار 2005 إلى برنامج عمل استراتيجي، توضع لتطبيقه منهجية تحرك، تترجمها مكاتب تنفيذية، يديرها متطوعون سياسيون لا تنقصهم الحماسة لإنقاذ الوطن، وللدفع بالدولة اللبنانية إلى تولي سيادتها بنفسها.
لم يكن للقيادات الحزبية السياسية في يوم الانتفاضة، دور مختلف عن دور جمهورها، وهو رسم الطريق إلى لبنان بلا تبعية، ولا وصاية، لكنه تأتى من موقع رد الفعل، لا الفعل، من مسلسل الاغتيالات المتمادي، الى 7 أيار 2008، وخطابات أمين عام الحزب المتعالية والفوقية الاستفزازية. لم تقدم هذه القيادة الجماعية “المفترضة”، استراتيجية عمل، وأعلت حساباتها السياسية الفئوية، كمعطى لا يجيب عن سؤال جمهور 14 آذار العريض: ما العمل؟ لم يسحب نظام الوصاية عسكره، بالكامل حرصاً على سلامة لبنان، بل أملا في نشر فوضى تُدخل البلاد في حرب أهلية جديدة، تجنبتها “14 آذار” بحكمة، ودفعت ثمنها الشهداء، من مواطنين (نكاد ننساهم) وسياسيين، لكنها هادنت “المفوض السامي الإيراني – السوري”، من دون “استنباط” نمط مواجهة مجدٍ، بل نهج استيعاب كتجريب “الحلف الرباعي”، و”السين- سين”، ثم “اتفاق الدوحة” وطاولات الحوار، وحكومات التسويات اللحظوية. كان يمكن لكل ذلك أن يكون مجديا لو اندرج في منهجية متكاملة، وليس كبنود لا ينتظمها منطق سياسي. ما قاله فارس سعيد يفضي إلى ما لم يقله: ليست الأمانة العامة لقوى 14 آذار ستاراً لأحزاب، لا سيما من يغرق منها، عند أول امتحان، في تكتيكاته الفئوية، ومصالحه الانتخابية والسياسية: الأمانة العامة هي عنوان لـ 14 آذار الشعبية التي هجر أهلها جحور الطائفية والمذهبية والعشائرية، يوم اغتال نظام الوصاية الشهيد رفيق الحريري واكتشفوا ان مهادنته بلا جدوى. لم تقدم الأمانة العامة، بمشهديتها السابقة، أي تجديد في عملها، لأنها سقطت في براثن الأحزاب والتسويات، فظل جمهورها في موقع المتفرج عليها، فزاد بعده عنها، وأبعدت في الانعزال عنه، الى حد إجهاض “المجلس الوطني للمستقلين”. آن الأوان لعودة 14 آذار لأهلها، وحان للمستغضبين عليها، أن يوقفوا “النق” واللوم والعتب، ويقتحموا الأمانة العامة، ليس لتسجيل الأخطاء، بل لفتح آفاق التقدم. ليس في ذلك دعوة الى حرب داخلية، لكن المهادنة تصبح استسلاماً لواقع، وتسليماً به، إن لم تكن في إطار استراتيجية واضحة، تتخطى انتخاب رئيس للجمهورية، إلى التصدي في كل المجالات. بالصوت الصارخ، على الأقل.