خيرالله خيرالله: ما يجمع بين البعث وحزب الله/بول شاوول: البدائل والاستعارات

184

ما يجمع بين البعث و’حزب الله’
خيرالله خيرالله/العرب/13 آذار/16

في الثامن آذار ـ مارس من كلّ سنة، لا نتذكّر فقط حركة “الثامن آذار” في لبنان، وهي كناية عن تظاهرة كبيرة لـ”حزب الله” جاءت بعد ثلاثة أسابيع على اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط ـ فبراير 2005. خطب في تلك التظاهرة الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله وكان عنوان خطابه: “شكرا سوريا”. هل أراد شكر النظام السوري على تغطية اغتيال رفيق الحريري، في أقلّ تقدير، أم شكره على هذه التغطية التي ستقود إلى الانسحاب السوري العسكري والأمني في لبنان تاركة لـ”حزب الله” ملء هذا الفراغ؟ في كلّ الاحوال، سارت الأمور في لبنان بعد الثامن من آذار ـ مارس 2005 في اتجاه مرحلة جديدة واجه فيها “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، إرادة اللبنانيين ورغبتهم في الحرية والسيادة والاستقلال وصولا إلى ما نحن عليه الآن من وضع يد إيرانية على البلد. لعل أفضل تعبير عن وضع اليد هذه التي قاومها اللبنانيون وما زالوا يقاومونها بأجسادهم العارية، منع انتخاب رئيس للجمهورية وذلك بعد أقل بقليل من سنتين على خلوّ موقع الرئاسة في البلد. قبل لبنان، كان الثامن من آذارـ مارس، تاريخ شؤم في سوريا. في مثل هذا اليوم من العام 1963، نفّذ حزب البعث انقلابا عسكريا استهدف تدمير سوريا بشكل تدريجي، وذلك بعد محاولات لإعادة بناء الحياة السياسية في البلد استمرّت أقل من سنتين. بدأت هذه المحاولات في أيلول ـ سبتمبر 1961، شهر انتهاء الوحدة مع مصر.
سيصمد لبنان
لم يكن الثامن من آذار السوري أقلّ سوءا من الثامن من آذار اللبناني. ففي الحالين، هناك فلسفة جديدة في الحكم تقوم على البناء على الهزيمة وتحويلها انتصارا. في سوريا، انتصر البعث الذي انبثق منه النظام العلوي ثم نظام العائلة الحاكمة على سوريا والسوريين. وفي لبنان، انتصر “حزب الله” بعد رفعه شعار “المقاومة” على لبنان واللبنانيين وذلك إرضاء للمشروع التوسّعي الايراني الذي يستثمر في إثارة الغرائز المذهبية. منذ ما قبل العام 1963، أي منذ ما قبل وصول البعث إلى السلطة تنتقل سوريا من كارثة إلى أخرى. تمثّلت الكارثة الأولى في الوحدة غير الطبيعية مع مصر التي أسست في العام 1958 لنظام أمني راح يقضي على الحياة الحزبية والسياسية والنظام الاقتصادي الحرّ شيئا فشيئا. جاء نظام البعث ليشكل في 1963 استمرارا لما بدأ في 1958. خرجت كل النخب السورية من سوريا. لم يعد من مكان سوى لعسكريين جهلة أزاحوا في البداية البعثيين المدنيين من السلطة وما لبثوا أن حوّلوا النظام إلى نظام طائفي تحت سيطرة ضباط علويين في البداية، مثل صلاح جديد ومحمّد عمران وحافظ الأسد، ثمّ تحت سيطرة الأسد الأب الذي انفرد بالسلطة ابتداء من خريف العام 1970. مهّد ذلك لقيام نظام العائلة الحاكمة مع التابعين لها منذ خلافة بشّار الأسد لوالده في صيف العام 2000.
في كلّ المحطات التي مرّ فيها هذا النظام، كانت لديه القدرة على الاستفادة من الهزائم وتحويلها إلى هزائم للشعب السوري وانتصارا للنظام. صبّ حرمان سوريا من أفضل السوريين عن طريق تهجيرهم ومصادرة أملاكهم ومصانعهم في خدمة نظام جعل من إفقار الشعب هدفا بحد ذاته. كانت كلّ الحروب التي خاضها النظام هزائم، لكنه أحسن استخدامها لتقوية وضعه. هل من هزيمة أكبر من هزيمة حرب 1967 التي مهّدت لوصول حافظ الأسد إلى قمّة الهرم في السلطة، علما أنّه كان وزيرا للدفاع في أثناء تلك الحرب؟ خسرت سوريا مرتفعات الجولان التي لا تزال محتلّة إلى اليوم. لم يسع النظام يوما إلى استعادة الجولان، بل خاض حرب 1973 من أجل الوصول إلى اتفاق لفصل القوّات في الجولان وطيّ صفحة استرجاع الأرض المحتلة. لولا الولايات المتحدة التي أوقفت حرب 1973، لكانت إسرائيل وصلت إلى دمشق. على الرغم من ذلك، تحدّث النظام السوري عن انتصارات كانت في الواقع تمهيدا لاحتلال لبنان لسنوات طويلة وتوريط الفلسطينيين في حروب داخلية جعلت قضيّتهم في مهبّ الريح.
كان النظام السوري عبقريا بالفعل، خصوصا بعدما أدرك أن لا مانع لدى إسرائيل في دخوله لبنان وسعيه إلى السيطرة عليه وترك الجنوب “ساحة” لتبادل الرسائل. كان إبقاء الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي بمثابة ضمانة للنظام السوري الذي عرف تماما أن الانتصار على لبنان صار بديلا من الانتصار على إسرائيل.. وأن التغاضي عن الجولان بمثابة بوليصة تأمين له. خسر النظام السوري كلّ المواجهات العسكرية مع إسرائيل، بما في ذلك مواجهة حرب صيف العام 1982 في لبنان. كانت هزيمته في 1982 تمهيدا للعودة إلى بيروت ثم لوضع اليد على البلد كلّه بفضل بطولات النائب المسيحي ميشال عون، قائد الجيش السابق، الذي هيأ كل الأجواء المطلوبة من أجل دخول القوات السورية القصر الجمهوري في بعبدا ووزارة الدفاع القريبة منه في العام 1990. كان الثامن من آذار ـ مارس السوري الكارثة الكبرى على السوريين وكان الثامن من آذار ـ مارس اللبناني يوم شؤم على اللبنانيين. استفاد “حزب الله” من تجربة البعث السوري. حوّل الهزائم غلى انتصارات له. كانت انتصاراته ولا تزال انتصارات على لبنان واللبنانيين. أفقر البعث سوريا ودمّر النسيج الاجتماعي فيها من أجل الإمساك بالبلد والمحافظة على النظام. يعمل “حزب الله” بالطريقة ذاتها. ألحق هزيمة منكرة بلبنان في حرب صيف العام 2006 التي خاضها مع إسرائيل. كان في لبنان مليون سائح في ذلك الصيف فأصبح فيه مليون مهجّر. لم يمتلك الحزب، حتّى، حدّا أنى من الوفاء للعرب الشرفاء الذين ساعدوا لبنان في إعادة بناء ما دمّرته إسرائيل. كان على رأس هؤلاء المملكة العربية السعودية التي بذلت كل جهد من أجل تمكين لبنان من تجاوز المحنة واستعادة بعض من عافيته.
على الرغم من كلّ ما لحق بلبنان، رفع “حزب الله” علامات النصر. إذا كان انتصاره في حرب صيف 2006، التي كلّفت لبنان آلاف الضحايا ودمارا هائلا، انتصارا، فما هو مفهومه للهزيمة. هل يكفي أن ينتصر “حزب الله” على لبنان، كي ترضى عنه إيران؟ هل يكفي أن ينتصر النظام السوري على السوريين ويهجّرهم بمئات الآلاف وأن يدمّر القرى والبلدات والمدن بصواريخه وبراميله المتفجّرة، مستعينا بالروسي والإيراني والميليشيات المذهبية، كي تجدّد له إسرائيل بوليصة التأمين التي يبحث عنها؟ لكلّ من لبنان وسوريا الثامن من آذار ـ مارس الخاص به وكأن تجربة “حزب الله” اللبنانية امتداد لتجربة البعث في سوريا.
ما يجمع بين ما يشهده لبنان وتشهده سوريا فلسفة واحدة مبنية أوّلا وأخيرا على عبقرية بعثية تقوم على اختراع أحلام يقظة تحوّل الهزائم إلى انتصارات وهمية لا تصبّ في نهاية المطاف سوى في القضاء على البلدين. “سوريا الأسد” التي عرفناها انتهت. هل يصمد لبنان؟

 

 

البدائل والاستعارات
بول شاوول/المستقبل/13 آذار/16
حزب الله يكون موجوداً من خلال «عدو» دائم ومفترض أو مختلف أو لا يكون. صُنع أو فُبرك أصلاً في إيران لمحاربة أعداء «محددين» مختارين له. وسميت ميليشياته على هذا الأساس «مقاومة» لأنها تحارب «عدواً» ليس من شأن الحزب ان يُعينه بنفسه بل من شأن صانعه على الطريقة الفرانكشتينية. فاحتلال اسرائيل الجنوب هو عمل عدواني يتطلب من يحاربه وسُمي «مقاومة». لهذا عرفنا في السابق «المقاومة الفلسطينية» بوصفها تواجه عدواً احتل بلادها ثم المقاومة الوطنية. ولهذا كان لا بد أن تستبدل «المقاومة الفلسطينية» التي «صفّاها» نظام الأسد واسرائيل، بمقاومة «خارجية» أخرى. أي لا بد من تصنيع كائنات برانية أو كوكبية «جديدة» تحل محل المقاومة السابقة وتنتحل اسمها باعتبار ان العدو ما زال في الجنوب والجنوب ما زال يحتاج إلى «مُحرر». ولا يأتي «المحرر» إلا تحت يافطة «المقاومة». الاسم واحد ولكن الأدوار اختلفت، وكذلك الهوية والمواقع والأسباب. وحُمّل الحزب هذه «الصفة» وقام بالدور المطلوب منه وواجه اسرائيل، ثم انسحبت هذه الأخيرة (استُبقيت مزارع شبعا للشعار والذريعة).
ومن الطبيعي انه عند انسحاب العدو ان تنسحب المقاومة لأنها باتت «لزوم ما يلزم». لكن عندما يغيب عدو فيجب المحافظة على عنوان «المقاومة» لكي تكون مبررة. كيف! إما بالاستمرار في اعتبار العدو المنسحب عدواً لكن من دون أن تواجهه أو ان يُعين لها صانعها عدواً آخر… لا يحتل لا بلادها ولا جزءاً منها. وهكذا تواصلت المقاومة من دون مقاومة، لكن كبديل احتياطي جاهز ليصبح العدو داخلياً. والعدو الداخلي يرتبط بهوية المقاومة. فاذا كانت يسارية فالعدو هو اليمين (كما حصل في الحرب الأهلية الإسبانية)، وإذا كانت يمينية فالعكس صحيح. وبما أن مقاومة «حزب الله« «مذهبية» صرفة بلا غش ولا «تهجين» بحسب هوية «مبتكرها» وهي إيران، فالعدو يصبح من المذهب الآخر أو المذاهب الأخرى أو الاثنية المختلفة.
وهكذا ازدوجت «هوية» «حزب الله«: مذهبية على دين مرشدها، وفارسية على أصوله. وهنا تسقط سببية المقاومة لتكتسب «سببية» أخرى، ان تصير هي المحتل نفسه وهنا يتبدى «ثوبها» الجديد: فبدلاً من أن تكون المقاومة المفترضة «جامعة» ومحتضنة بلادها فها هي تتقدم كمقّسمة، ومدمرة: حلّت اذاً محل الاحتلال الاسرائيلي في لبنان. لكن ورثت أيضاً من «عدوها» كل ما يجعله عدواً لبلادها وللعالم العربي ولفلسطين. تصبح «ميليشيا» بلا هوية تماماً كالمرتزقة، لكن بأهداف «كبرى» تبدأ من وطنها فتحاول سحقه بسلاحها، ثم ترتد على الدولة، ثم على الحرية، ثم على التحرير، ثم على المجتمع المدني (بما انها فاشية) ثم على العالم العربي باعتبارها «فارسية».
فالعدو الأول أي اسرائيل صار مصوناً، بات خارج الأولويات وخارج الأجندة لكن كرفيق درب تتقاطع معه على استراتيجية في صناعة الفتن المذهبية وتدمير العالم العربي وتقسيمه وتهجير أهله… بالتحالف مع من سبق أن حققت معه انجازات في هذا المضمار: أي النظام السوري. فالحلف منسجم بين أقلية صهيونية اغتصبت فلسطين وأقلية حكمت الأكثرية السورية (السنية) في سوريا وبين امتداد إلى مكونات العالم العربي سواء الاثنية أو الدينية أو المذهبية، لتستغل هذه التناقضات تسللاً إلى إثارة فتن تتصل بتلك المكونات. من لبنان: تماهت «المقاومة» بالنظام السوري «شكراً لسوريا» كأقلية لتستولي على لبنان، من خلال مراحل تعطيل الدولة ومؤسساتها ومصادرة القضاء واختراق الجيش وتشويه القوى الأمنية وضرب الاقتصاد ثم عزله عن محيطه العربي، لإستفراسه وتعطيل كل شيء وصولاً إلى انتخابات رأس الجمهورية.
[مقاومة مملوكة
ولأنها «مقاومة» حزبية (مملوكة) كانتونية فقد جعلت من لبنان منصة عسكرية ومربعاً أمنياً للعدوان على العالم العربي الذي صار «العدو» البديل من اسرائيل. إذاً العدو العربي الجديد يستحق أن تستمر في اعتبار نفسها مقاومة! تواجه دولاً ذات سيادة وحكومات وشعوباً متجذرة، فها هو اليمن: خطة إيران هي تقسيمه مستغلة وجود فئة أقرب إلى «الشيعة» هي الحوثيون: الشيعة المفترضون ويتمردون على نظام بلادهم، باسم الفتنة المذهبية. والحزب كمقاوم يرسل خبراءه ومقاتليه (بتكليف شرعي من إيران الشيعية) لشحن الفتنة واحداث انقلاب مسلح تمهيداً لمد نفوذ الفرس إلى هذا البلد الشقيق. وها هو العراق: حلف مع أميركا لإسقاط النظام السني والاستيلاء على البلد من خلال فتن مذهبية: الشيعية الإيرانية ضد السنية العراقية، ثم ها هي سوريا: أقلية (شيعية) تتحكم ببلاد 80 بالمئة سُنة، وتواجه ثورة مدنية بالبطش لينضم إليها حزب «المقاومة» بشعار مذهبي ويعين الشعب السوري عدواً، يجب قتله، وتشريده وتدمير مدنه وتهجيره.
كل ذلك باسم «المقاومة»! وخلف غبار المعارك يخضع الحزب أكثر فأكثر لإيران المجسدة بفرض استراتيجيتها على العالم العربي وتفتيته دويلات وإقامة «هلالها» الشيعي كمعادل «اسرائيل الكبرى»: وهنا، وفي العراق وفي لبنان وسوريا… تختلط الإدارة الفارسية بالإسرائيلية ليصبح وجود «حزب الله« في هذه البلدان «بديلاً» موضوعياً من اسرائيل. فكيف يمكن ان تقاوم «المقاومة» اسرائيل وهي شريكها الاستراتيجي (كما اسرائيل شريك آل الأسد الأبدي) بل كيف لا تعلن ان اسرائيل ليست من «أولوياتها» ليعلن حسن نصرالله انه لا يريد ان يحارب اسرائيل. بل أكثر ليبدو الاتفاق بينهما جلياً في معظم القضايا المرتبطة بالمنطقة: يعني صار عند «حزب الله« مرشدان «أعلى». مُرشد جعل من الحزب حزباً «مملوكاً» وأداة طيعة وخاضعة ومرشد آخر جعل الحزب يمر قرب الجولان في سوريا… مرور الكرام ليقاتل العرب والسنة في سوريا.
[من البوسنة
لكن كل هذا لا يكفي، فالمعركة واحدة، ذات أسلاك واحدة ومخططات واحدة في كل العالم العربي. فاليمن وسوريا والعراق ولبنان (وحتى البوسنة سابقاً) جزء من «المقاومة» المتماهية بأميركا واسرائيل ويجب عبر هذه المنصات العربية الوصول إلى كل العرب. واذا كانت اسرائيل لم تعد أولوية (ولا أُخروية ولا ثانوية ولا أساسية) فالأولوية إذاً اليوم مخصصة بعدو آخر: الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية. فهذه الأخيرة هي «بيضة القبان» و»قِبلة» مخططات الصهاينة وأميركا… والمملكة هدف إيران لأنها الجامع القوي لعنصرين: العروبة والإٍسلام. وهي الدولة الكبرى، اقتصادياً، وتأثيراً رابطاً بين الأرومة العربية والانتماء الإسلامي الأكثري. وهي العائق الأساسي أمام الحلف الجديد: تل أبيب + طهران + واشنطن + موسكو! فالرهان يستحق المجازفة ويستدعي المواجهة.
من هنا، فإن مقاومة «حزب الله« صارت ذات أذرع كثيرة بحسب ارتهاناتها: فلا الأميركان ظلوا «الشيطان الأكبر» ولا اسرائيل «الشر المطلق» ولا روسيا النظام الامبراطوري الأرثوذكسي (فهناك اليوم الاسلام السني متمثلاً بالسعودية والعروبة متمثلة بأكثرية الشعب العربي: والاثنان يجب تفكيكهما لاستحداث حدود جديدة ودول أو دويلات جديدة أو حتى شعوب «جديدة» تحت عنوان «البدائل» و«الاستعارات«. ونظن أن الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة تصب نتائجه ودوافعه في لُب هذا المخطط الهجين (أو ليس هذا ما حدث في العراق: حلف بين إيران وبوش الابن واسرائيل). أوليس هذا ما سبق ان حصل في البوسنة عندما كُلف الحزب محاربة الصرب خدمة للولايات المتحدة وليس للمسلمين يا سيد حسن).
[الأرض
لكن الأوطان والشعوب لا تنحصر لا بالأمكنة ولا بالأزمنة، ولا بالمناسبات ولا حتى بالحروب، أو بالمؤامرات أو الأزمات. فسوريا تاريخ وجغرافيا وانتماء ووشائج وولاء قبل أن تكون مجرد نظام أو سلطة. وكذلك اليمن ولبنان والعراق ولا يكفي أن ينتهز عدو كإيران الصهيونية الظروف لإلغاء كل هويات الأوطان المتراكمة عبر ألوف السنين. كل الأنظمة عابرة أما الأرض فباقية. كل الطغاة إلى زوال والشعب راسخ. يعني أنه لا يمكن أن يختزل بلد بحدث أو بظاهرة أو حتى باحتلال. وهذا لم تفهمه دولة الملالي ولا الكيان الصهيوني ولا روسيا بوتين ولا بوش الابن… ولا أميركا. فمن السهل اقتلاع حاكم أو تغيير طبيعة سلطة لكن لا يمكن اقتلاع الأرض وتالياً الشعب وتالياً الذاكرة وتالياً التاريخ وتالياً الانتماء. فهي ليست اعشاباً تُجزّ أو مبنى يُدمر. بل هي روح الأمة. هذا ما تعلمناه في لبنان: فقد خرج كل المحتلين منه وكل الميليشيات المرتبطة بالخارج وكل الأحزاب التي خانت أهلها.. وبقي الشعب، والأرض ولبنان. وهذا ما ينطبق على سوريا واليمن والعراق… والدلائل الحالية قرائن: إيران ذات المطامع التوسعية تتراجع أمام تحرك العراقيين وأمام هزيمة الحوثيين وأمام كثرة المتدخلين: صار تأثيرها في سوريا هامشياً ازاء روسيا. وهذه الأخيرة لن تكون سوى ضيف ثقيل سيغادر بلا أسف.
[لعبة العبثية
انها اللعبة العبثية التي يحترفها الطغاة؛ فاذا كانت السعودية، اليوم، مستهدفة من طرف الحلف الاسرائيلي الإيراني الأميركي فهذا يؤكد أن المقاومة المزعومة التي يفاخر بها «مملوك» إيران، باتت في صفوف أعداء هذه البلدان العربية ولا فارق بينها وبين الصهيونية. وان هذا الحزب «الشعُوبي» الذي حُدّد له دور «لمحاربة» اسرائيل لا يتورع أن يُحدّد له دور للتحالف مع اسرائيل وخدمتها، فكيف تكون «مقاومة» ما، اذا باتت عدواناً على بلادها ودول لا تحتل أرضها؟ بل كيف تكون مقاومة اذا صارت هي جزءاً من احتلال دول أخرى. فهي في لبنان باتت «احتلالاً» تتمتع بكل مواصفات الاحتلالات التي عرفها هذا البلد. بل كيف تستمر هذه «المقاومة» متمسكة باسمها، وهي تعتدي باسم إيران على حدود بلد عربي هي السعودية، أو تحتل أجزاء من سوريا أو تتسلط بقوة السلاح الفارسي على الشعب اللبناني. مقاومة ماذا هذه؟ الشرعيات العربية؟ الوجود الإسلامي؟ الظواهر الديموقراطية؟ بل كيف تستمر مقاومة وهي تمحو حدود البلدان بتكليف وتمويل وتخطيط من بلد فارسي يحتل مدينة عربية هي الأهواز وثلاث جزر عربية هي طمب الصغرى وطمب الكبرى وجزيرة أبو موسى؟ بل كيف يمكن أن تتحالف مقاومة مع محتلين سابقين وحاليين ولا تكون امتداداً لتلك الدولة الصهيونية التي ما زالت تحتل فلسطين.. وتذبح الشعب الفلسطيني؟
[ماذا فعلتم لفلسطين؟
وتقولون لنا يا سيد حسن «فلسطين»! وماذا فعلتم لفلسطين سوى عرقلة كل حل لقيام دولة مستقلة بحدودها ونظامها؟ وماذا فعلتم لفلسطين سوى تقسيم مقاومتها خدمة لاسرائيل؟ وماذا فعلتم لفلسطين سوى دفع بعض الأفرقاء المرتبطين لاستجرار اسرائيل لتدمير غزة؟ بل ماذا فعلتم لفلسطين سوى تحويل الانتباه عن قضيتها باختلاق تناقضات عربية تهمش نضالاتها وتضعف روافدها؟ ماذا فعلتم للقدس منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية؟ تعملون على التحريض ضد رموز فلسطين؟ أولم تهدر دم شعلة القضية الفلسطينية ياسر عرفات وهو الذي نجا من تواطؤ النظام الأسدي، وعاد إلى بلاده ليؤسس دولته؟ بل ماذا فعلتم لفلسطينيي سوريا سوى تدمير مخيم اليرموك وراء النظام «البعثي» الصهيوني؟ أدفن القضية العربية المركزية أولوية، واسرائيل لم تعد أولوية؟ وأسأل حزب سليماني (مجرم الحرب المشهود له) بم ساعدتم الفلسطينيين؟ لا شيء يذكر سوى الأذية والتآمر عليهم؟ وفي المقابل من دعم المقاومة الفلسطينية في لبنان وسواه وفي فلسطين سوى العرب الذين يهجوهم اليوم بحمية وكراهية لا حدود لهما السيد حسن نصرالله؟ المال والسلاح والمحافِل الدولية والصمود هي مسألة تنكبها العرب من العراق إلى ليبيا إلى مصر (عبد الناصر) إلى الجزائر إلى الخليج إلى تونس إلى المغرب… ما عدا نظام الأسد ثم ملاليهم! ولا نظن أن بعض البهرجات الاعلامية التي تلمع أحياناً في خطب خامنئي ونصرالله ضد اسرائيل ومع القدس، سوى ذر الرماد في العيون. نوع من محاولة بلاغية لفظية رنانة لتذكير الناس بأن إيران «صامدة» مع فلسطين، بعدما رمت كل الأسلحة ضد اسرائيل ووجهتها إلى صدور الشعب العربي؟ وهل يظن «حزب الله« (وخلفه الفرس) اننا نصدقهم عندما يهددون ويرعدون ويطبلون في كلمات طنانة ونطناطة الدولة العبرية وأميركا. كلام الاستهلاك لم يعد «يقبضه» أحد حتى حلفاء هذا الحزب الذي لم يتفوه يوماً بلسان الحقيقة أو الصدق!
القضية الفلسطينية هي في روح الأمة العربية وفي صُلب ايمانها لكن ماذا نفعل عندما يحاول بعض الخوارج «سرقة» الانتباه لا للعمل، ولا للمواجهة بل لحرف الأنظار عن هذه القضية وتيئيس الناس وتحويل المعارك الداخلية إلى أمكنة أخرى.
أأقول لم تفعلوا شيئاً منذ «اختراعكم» يا «حزب الله« في «مختبرات» المخابرات الإيرانية! لا! عفواً! كنتم أكثر من أحصنة طروادة داخل الأمة العربية.
ونظن انه بات ضرورياً ان تفهموا ان محاولاتكم لعب أدوار جديدة فاعلة قد انتهت. أو على الأقل قد انكشفت، بل باتت في أسفل احتمالات التأثير. فالعرب اليوم عرفوا أن وجودهم هو المستهدف وان الحروب المعلنة عليهم أكثر من سياسية… وها هم في عز صحوتهم يواجهون المخططات التي تريد محوهم من الخريطة. فهي إذاً باتت معركة حياة أو موت. نعم! فأنتم يا إيران من أيقظ المارد العربي! ليشكل مقاومته الشرعية التي لن توفر «مقاوماتكم» الفرانكشتينية!
نظن أن لعبة «البدائل» والاستعارات» بدأت ترتد على صانعيها!