أحمد عدنان: تمام سلام استقل/أحمد أبو دوح: بلد صغير داخل ميليشيا كبيرة/خيرالله خيرالله: السعودية تضع اللبنانيين أمام مسؤولياتهم

255

تمام سلام.. استقل
أحمد عدنان /العرب/23 شباط/16

بعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي من رئاسة الحكومة في مارس 2013، كان التوجه في بعض قوى 14 آذار يميل لترشيح اللواء أشرف ريفي لرئاسة الحكومة، وكان هذا الرأي يجد مباركة الأمير بندر بن سلطان (رئيس المخابرات السعودية في ذلك الوقت)، لكن بعض الساسة اللبنانيين الذين يصنفون أنفسهم في موقع الوسط نصحوا بترشيح النائب تمام سلام، وهو ما تم بالفعل بعد الاجتماع الثلاثي الشهير “بندر – سعد الحريري – وليد جنبلاط”، وبالمناسبة فإن المرشح الأساس لوزارة الداخلية كان النائب البقاعي المحنك جمال الجراح، لكن اللحظة الأخيرة قدمت الوزارة على طبق من ذهب للنائب البيروتي اللامع نهاد المشنوق.
إذا سألت أصدقاءنا في تيار المستقبل عن رأيهم في الحكومة الميقاتية ستسمع “السبعة ودمتها”، ومن ذلك ما كتبه رضوان السيد “ظلّت الفتنة مشتعلة في طرابلس رغم أّن ميقاتي منها٬ وما أمكنه إقناع الحزب والأسد بإيقاف ذلك الخراب. وفي ظل تلك الحكومة العتيدة استمرت الاغتيالات أو جرت العودة إليها٬ فاغتيل اللواء وسام الحسن٬ والوزير الدكتور محمد شطح. وفي ظل تلك الحكومة الماجدة أيضا اندفع نصرالله لمساعدة الأسد في الحرب على الشعب السوري٬ فغزا بلدة القصير السورية٬ وقال إنه لم يفعل ذلك إلاّ لمقاتلة التكفيريين الذين انتهكوا مقامات ومزارات أهل البيت٬ والقصير بلدةٌ سنيٌة لا مقامات لأهل البيت فيها. وبنتيجة تلك الغزوة الميمونة للقصير وما حولها٬ لجأ عشرات الآلاف من السوريين المساكين إلى بلدة عرسال اللبنانية٬ وعاد الحزب للتهديد بغزوها بدورها لتطهيرها من الإرهابيين!”، وحمل السيد تلك الحكومة مسؤولية ضغط الأجهزة الأمنية على شباب المسلمين ما أدى إلى ظهور الانتحاريين في أوساطهم، وحملها أيضا مسؤولية غض الطرف عن تأسيس ما يسمى بسرايا المقاومة التي تفننت في إذلال المواطنين على مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية.
لست هنا بصدد الدفاع عن ميقاتي ولا أريد، لكن ما رأيناه من أداء رئيس الحكومة الراهن تمام سلام ربما يدفع أصدقاءنا المستقبليين إلى الترحم على أيام ميقاتي.
الرئيس سلام ينتمي إلى بيت سياسي عريق ومحترم، والرئيس نفسه لا يمكن التشكيك في خلقه ونزاهته، لكن مواصفات “تمام بيك” ليست كافية ليصنف من رؤساء الحكومة الناجحين، فالتردد أو التخوف الذي لازم أداءه رئيسا للحكومة جر على لبنان الكوارث، لو تحدثت بداية عن طريقة إدارته لمرحلة الفراغ الرئاسي بل ولمنهجيته في عقد مجلس الوزراء، فالنتيجة أمامنا هي تفريط صريح في مقام المقعد السني الأول وبصلاحيات رئيس الحكومة، لقد شاهدنا في مقعده قبله كلا من نجيب ميقاتي وسعد الحريري وفؤاد السنيورة، وليس فيهم من أفرغ رئاسة الحكومة من مضمونها كما فعل سلام، وهذا التفريغ ساهم في دعم سياسة قوى 8 آذار بشل الدولة وتعطيل مصالح البلاد والعباد. فلننظر إذن إلى طريقته في إدارة الأزمات، إننا أمام كارثة بكل معنى الكلمة، أزمة النفايات، مثلا، التي لم تحل إلى اليوم يتحمل جزءا من مسؤوليتها سلام، وإذا تطرقنا إلى أزمة العلاقات السعودية – اللبنانية فرئيس الحكومة مسؤول عن هذه الأزمة تماما كوزير الخارجية جبران باسيل، فكل من في لبنان أصبح يعلم أن باسيل شق الإجماع العربي حول إدانة الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران بعد التنسيق مع سلام وأخذ موافقته.
اتخذت السعودية قرارها بإيقاف المساعدات للأجهزة الأمنية بعد أن طفح الكيل، شق الإجماع العربي الذي لم يجرؤ عليه العراق الموالي تماما لإيران، تطاول سرايا المقاومة، وغيرها، على السنة، وقيام أمين عام حزب الله باستهداف دول الخليج قولا وسلوكا.
ماذا أرادات السعودية أن تقول؟ هي لا تريد تسليم لبنان لإيران لكنها لن تخوض معركة اللبنانيين نيابة عنهم، فهي داعم ومساعد، ومن جهة أخرى نفد الصبر السعودي من تخاذل حليفتها (قوى 14 آذار) واستضعافها لنفسها، وفي الوقت نفسه قال القرار مواربة: نحن نحارب إيران في اليمن وسنحاربها في سوريا، وعلى اللبنانيين ألا يتركوا لبنان واحة مريحة وآمنة لعملاء إيران. للأسف جاء تفاعل قوى 14 آذار أقل من مستوى الحدث، كانت السعودية تنتظر الموقف فصعقها بيان، وفي اليوم التالي تمخضت الحكومة فولدت فأرا، وأول من شعر بذلك هو الرئيس سعد الحريري فحاول تغطية الاهتزاز “السلامي” ببدعة مثيرة للشفقة، وثيقة يوقعها اللبنانيون تضامنا مع السعودية!، وكأن قوى 14 آذار لم تدرك أن السعودية تغيرت، والتعامل مع السعودية الجديدة بمنطق السعودية القديمة غير مجد إطلاقا. هذه فرصة أخيرة لقوى 14 آذار، إما أن تثبت جدارة بقائها وإما أن تغلق غير مأسوف عليها، من قاد معركة الاستقلال الثاني ضد الوصاية السورية يستطيع أن يخوض معركة الاستقلال الثالث ضد الوصاية الإيرانية، وإن لم يستطع فلينصرف، ونحن نتحدث بوضوح عن حل رباعي: إيقاف الحوار الترفيهي أو الصوري بين حزب الله وتيار المستقبل، إلغاء المبادرات الرئاسية، إنهاء الحكومة، والنزول إلى الشارع.
لقد قدمت 14 آذار كل تنازل ممكن بترشيح حلفاء الحزب الإلهي إلى رئاسة الجمهورية، وهذه المبادرات أثبتت فشلها الذريع بدليل استمرار الفراغ، والقرار السعودي المدعوم خليجيا رسالة عربية للبنان بأنه لا مجال لرئاسة ميشال عون رغم أن بعض أصدقائنا اللبنانيين لا يريدون تصديق ذلك، فحين أصبحت وزارة الخارجية في عهدة فريقه السياسي وتر انتماء لبنان ببعده العربي فماذا سيفعل لو دخل قصر بعبدا؟ وهنا انتهز الفرصة لشكر وزير الخارجية جبران باسيل الذي أدت تصريحاته عقب البيان الحكومي إلى إلغاء أي مجال للتراجع عن الفيتو العربي على حميه.
حين استعاد ميقاتي نظرية “النأي بالنفس”، قصد أزمة الثورة السورية بين نظام ومعارضة، لكن التذاكي العوني قلبها بين عرب وإيران، وهذا التذاكي الذي يجد هوى في بعض الشارع المسيحي هو الأساس الفلسفي للأزمة الأخيرة، وسيتطور، في حال استمراره، إلى ما لا يحمد عقباه.
المقترح المنطقي، هو أن تضع قوى 14 آذار سقفا زمنيا لترشيح عون وفرنجية وإلا فإسقاط هذه الترشيحات لمصلحة أحد وجوه قوى 14 آذار، لقد جعل القرار السعودي غطاء عربيا لضرورة وجود قوى 14 آذار أو ما يشبهها في قصر بعبدا وفي السراي الحكومي، وإلا فإن العقوبات وسحب الثقة سيتوالى من دولة خلف دولة في قطاع وراء قطاع، وبهذا المنطق ليس من الضرورة استجداء عملاء إيران لتأمين نصاب انتخابات الرئاسة وانتظام مؤسسات الدولة، فمن لا يستطيع الوصول إلى بعبدا من ساحة النجمة يصل من ساحة الشهداء.
من الواضح أن القرار السعودي هز عملاء إيران في لبنان، لقد اكتشفوا فجأة انكشافهم العربي، وقبل ذلك اكتشفوا انكشافهم الدولي بالعقوبات والضوابط المصرفية الأميركية بعد توقيف عناصر من حزب الله في أميركا وأوروبا بسبب تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات، ولو نزلت قوى 14 آذار إلى ساحة الشهداء سيكتشف العملاء انكشافهم المحلي، كما سيكتشف الاستقلاليون قوتهم التي تفوق تصوراتهم المتخاذلة، والحقيقة أنني سعدت بتصريح وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أعلن فيه عن نزول قريب إلى الشارع، وليت سعد الحريري بعد اجتماع بيت الوسط أعلن سبب تعثر هذه الخطوة.
في ظل الانكشافات المحلية والعربية والدولية لقوى 8 آذار، يصبح الحوار السخيف بين تيار المستقبل وحزب الله بلا أي جدوى أو مبرر، وهو كذلك من الأساس، وتصبح فزاعة الدعوة إلى المؤتمر التأسيسي، التي يروجها الحزب الإلهي عبر أبواقه التافهة، غير منطقية مطلقا، لذلك وبعد كل ما جرى، يفترض من الرئيس تمام سلام أن يتخذ قرارا شجاعا لمرة واحدة، فليعلن أنه سينهي حفلة التكاذب، وليسقط آخر مظاهر شرعية حزب الله، عبر استقالته من رئاسة الحكومة في حال إصرار الحزب الإلهي على تعطيل الدولة وشلها، وإن لم يفعلها سلام، كما هو متوقع، فلتفعلها قوى 14 آذار على خطى الوزير أشرف ريفي.
السعودية اليوم هي سعودية أفعال، وإذا استمرت قوى 14 آذار في الاكتفاء بالأقوال فلتتحول إلى جمعية ثقافية لتدبيج البيانات أو جمعية خيرية لتسول الدعم، إنها اللحظة التاريخية لتحقيق أهداف ثورة الأرز، وإذا لم يقم اللبنانيون بخلع شوكهم بأيديهم لن يقوم أحد بتدليلهم، سقوط لبنان في يد إيران سينهي لبنان وسيلغي قوى 14 آذار وشعبها، واللحظة التاريخية مواتية لاستعادة زمام المبادرة والسيطرة على الموقف بدعم سعودي وخليجي وعربي، لكن ردود الفعل ليست على مستوى الحدث، والمتسبب بذلك لن يرحمه التاريخ بعد أن يسحقه حزب الله.

بلد صغير داخل ميليشيا كبيرة
أحمد أبو دوح /العرب/23 شباط/16
أدرك السياسيون في لبنان أنهم بصدد دفع الثمن. هذا الثمن نتاج لمجاراتهم سياسة إيران في لبنان عبر اقتصار معارضتهم لحزب الله على الخطب الشفوية واعتبار أن ما يحدث في بلدهم شيء عادي يندرج ضمن تجاذبات السياسة، من دون أن تكون لديهم القدرة على تقديم أي ورقة تصلح لأن تكون مشروعا وطنيا.
ليست مشكلة لبنان أن ميليشيا مسلحة اختطفت مؤسساته ومجتمعه وقراره الرسمي. المشكلة الحقيقية أن لبنان صار بلدا صغيرا يعيش داخل ميليشيا كبيرة اسمها حزب الله. يتمثل انعكاس الأزمة التي يمر بها لبنان اليوم مع السعودية ومن ورائها دول الخليج الأخرى في ظاهرة الدول الصغيرة التي باتت تريد لعب دور إقليمي معاكس للإرادة العربية العامة من دون أن تكون لديها مقومات تحقيق ذلك. كان لبنان الدولة الوحيدة التي انصاعت لإرادة دولة غير عربية وهي إيران لمعارضة موقف عربي موحد ضد اقتحام مقر السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد. كرر لبنان نفس الخطأ الذي وقعت فيه قطر عندما عارضت موقفا عربيا موحدا لمساندة الضربات الجوية المصرية على مواقع تنظيم داعش في ليبيا بعد ذبح 21 قبطيا مصريا على أيدي عناصر التنظيم قرب مدينة سرت العام الماضي. كانت قطر تنسق حينئذ مع دولة غير عربية أخرى معادية لمصر وهي تركيا. عادت بعدها قطر لتعارض الموقف العربي المندد بقصف الطائرات التركية لمواقع الأكراد في بلد عربي هو العراق. تختلف الدوافع والمقومات بين الدولتين الصغيرتين. قطر لديها من الثروات ما يحصنها من تأثيرات ردود الفعل العربية، كما أنها دولة ذات سيادة تحاول لعب دور إقليمي يفوق إمكانياتها التي تقتصر على الثروات المالية فقط. يختلف الأمر كثيرا في لبنان. منذ تولي رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري السلطة للمرة الأولى عام 1992 يعتمد اقتصاد لبنان بشكل شبه كلي على السياحة والاستثمارات والمساعدات المالية السعودية.
كان الحريري الأب بشكل أو بآخر عقبة أمام رغبة إيران في نقل حزب الله من مجرد شريك معطل لكل المشاريع السياسية والتنموية التي كان يريد الحريري لها أن تغير وجه البلد، إلى قوة عسكرية مهيمنة عليه. أراد الحريري أن تكون رؤيته دافعا إلى تحول لبنان من بلد مازال يعاني من توابع الحرب الأهلية التي قضت على كل شيء جميل فيه، إلى نموذج للتعايش.نجحت إيران بعد اغتيال الحريري في تأهيل حزب الله كي يكون قادرا على ملء الفراغ الذي تركه انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 بعد أربعة أشهر فقط من مقتله.
تعززت سلطات حزب الله لاحقا بعد انتهاء حرب تموز 2006 مع إسرائيل وخروجه منها كما كان سابقا بنفس الهيكلية ونفس الخطب ونفس درجة الالتصاق بإيران، لكن بشعبية وقوة ونفوذ أكبر. وخسر حزب اللّه الحرب الميدانية وكسب الحرب الإعلامية والنفسية. أما لبنان فقد خسر كل شيء. كان الاتفاق الذي وقعته القوى الغربية مع إيران حول ملفها النووي العام الماضي بمثابة التفاحة التي وقعت في حجر حزب الله من دون أن يدري. اعتقد البعض أن هذا الاتفاق قادر على تمكين الغرب من وضع نهاية لأجندة إيران التوسعية عبر نشر الانقسامات المذهبية والطائفية في المنطقة. كان حدوث ذلك ممكنا إن كان الغرب نفسه يريد حدوثه. لكن السعوديين أدركوا أن لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ترتيبات أخرى في المنطقة. لأول مرة تقف السعودية في حيرة من أمرها أمام لبنان من دون أن تعرف كيف تتصرف. فمن جهة تدرك أن أموالها تحولت إلى وقود لحملات طائفية موجهة ضدها، ومن جهة أخرى تخشى أن تأتي سياساتها تجاه لبنان بنتيجة عكسية. تدرك الرياض أن قرار وقف مساعداتها التي تقدر بـ4 مليارات دولار للجيش وقوى الأمن في لبنان فخ قد يكمل تسليم البلد برمته إلى إيران، إن لم تدار الأزمة باتزان حريص. لم تضيع إيران الوقت وأعلنت الثلاثاء استعدادها لتعويض المساعدات السعودية، إذ باتت تتصرف في مئة مليار دولار زائدة بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها مطلع العام. ربما تكون عودة سعد الحريري زعيم تيار المستقبل إلى بيروت جزءا من خطة سعودية تقوم على حمل السياسيين اللبنانيين المؤيدين لها على التحول من مجرد الكلام الذي لم يعد مقبولا إلى الفعل. لكن المعضلة الكبرى تكمن في غياب أي قدرة لهؤلاء السياسيين على فعل أي شيء. بات واضحا أن لبنان يحتاج إلى معالجة أكبر تتخطى طاولة الحوار التي لم يعد حزب الله مهتما بالجلوس إليها. يحتاج لبنان إلى حل إقليمي. لن يكون هذا الحل ممكنا في ظل بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة. تدرك السعودية ذلك، وتدرك أيضا أن عليها تحطيم أي سقف زجاجي تضعه الولايات المتحدة لمطالبها في سوريا. لن يتراجع نفوذ إيران في لبنان بمجرد عودة الحريري إلى بيروت أو عبر إجبار حزب الله على الحوار. سينصلح حال هذا البلد الصغير تلقائيا عندما يتخلص من تناقضاته، ويتغير النظام في دمشق، وتعود إيران إلى حدودها، ويعود هو إلى مكانه الطبيعي بين العرب.

السعودية تضع اللبنانيين أمام مسؤولياتهم
خيرالله خيرالله /العرب/23 شباط/16
يمكن أن يتبيّن يوما أن المملكة العربية السعودية قدّمت أكبر خدمة يمكن تقديمها إلى لبنان. دعت اللبنانيين إلى الاستيقاظ على واقعهم وذلك في ضوء ما اتخذته من إجراءات تعتبر حقّا طبيعيا لها. قضت هذه الإجراءات بتعليق الهبتين المخصصتيْن للجيش وقوى الأمن الداخلي. لم تقدم على هذه الخطوة التي لا سابق لها في تاريخ العلاقات بين البلدين إلّا بعدما أثبت لبنان بالملموس أنّه صار مجرّد مستعمرة إيرانية. أكبر دليل على ذلك أن وزير الخارجية اللبناني، وهو جبران باسيل رئيس التيار العوني، بات بمثابة وزير للخارجية الإيرانية في أيّ محفل عربي أو إسلامي أو دولي. من المفيد أن يعي اللبنانيون أنّ الموقف السعودي هو أيضا موقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي لم يتأخّر عن دعم ما قرّرته المملكة، وشدّد في الوقت ذاته على أن لبنان بات يغرّد خارج السرب العربي.في الواقع، طال صبر المملكة ودول الخليج العربي، خصوصا بعدما تحوّل لبنان منبرا تقول منه إيران ما لا تريد قوله عبر وسائل الإعلام فيها أو عبر مسؤوليها. أكثر من ذلك، صار لبنان مكانا تنطلق منه أجهزة إعلام وفضائيات يحميها “حزب الله” لا هدف لها سوى مهاجمة دول عربية معيّنة. ما الذي يمكن توقّعه عندما يصبح لبنان مجرّد “ساحة” تستخدم في عملية ابتزاز العرب، خصوصا أهل الخليج؟ لم يترك “حزب الله” وأتباعه من جماعة ميشال عون أو من السياسيين المنتمين إلى مجموعة يتامى النظام الأمني السوري – اللبناني مناسبة إلّا وتهجّموا فيها على دول الخليج العربي مع تركيز خاص على السعودية. صار هتاف “الموت لآل سعود” ملازما للخطابات التي يلقيها الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله. صار نصرالله يسمح لنفسه حتّى بإلقاء دروس في الوطنية على السنّة العرب، متجاهلا أن إيران جزء لا يتجزّأ من عملية إثارة الغرائز المذهبية في المنطقة، وهي عملية لا تخدم، للأسف الشديد، سوى دولة عنصرية مثل إسرائيل. كل السياسة الإيرانية قائمة منذ سبعة وثلاثين عاما على المذهبية، خصوصا بعد الاحتلال الأميركي للعراق ووصول الميليشيات الشيعية العراقية إلى السلطة في بغداد على دبّابة أميركية. شعرت إيران، بعد خوضها الحرب على العراق بالتحالف مع الولايات المتحدة، أنّ في استطاعتها إخضاع دول أخرى في المنطقة. هذا ما يفسّر تلك الهجمة على لبنان التي تخلّلها فاصل التخلّص من الرئيس رفيق الحريري في مثل هذه الأيّام قبل أحد عشر عاما. كان ذلك الفاصل نقطة تحوّل على الصعيديْن اللبناني والإقليمي، وكان في جانب أساسي منه تجديدا للهجوم على لبنان من أجل الإمساك بمفاصل السلطة فيه. هل صدفة أن “حزب الله” الذي رفض، دائما، منح الثقة لحكومات رفيق الحريري بدأ يصرّ، بعد اغتيال الرجل، على أن يكون ممثلا في كلّ حكومة منذ اليوم الأوّل للتخلص من باني لبنان الحديث؟ لم يسبق للسعودية أن صبرت على بلد صبرها على لبنان وأبنائه. لم تقدم على خطوة وقف المساعدات المقرّرة لتسليح الجيش ولشراء معدّات لقوى الأمن الداخلي إلّا بعدما طفح الكيل. لم يكن في وسع المملكة الصبر أكثر. كان عليها وضع اللبنانيين أمام مسؤولياتهم في وقت يعاني البلد من مشاكل لا تحصى، بدءا بالفراغ الرئاسي الذي يفرضه “حزب الله” الطامح إلى تأكيد أن البلد كلّه رهينة لديه. في تاريخ العلاقة بين البلدين، وهو تاريخ طويل، لم تقدّم السعودية سوى الخير للبنان وأبنائه. هناك عشرات آلاف اللبنانيين يعملون في المملكة. لم تفرّق السعودية يوما بين شيعي وسنّي أو بين مسلم ومسيحي، كما لم تسأل عن التوجّه السياسي لهذا اللبناني أو ذاك. كان مفترضا في الحكومة اللبنانية أن تتنبّه باكرا إلى خطورة تحوّل البلد قاعدة إيرانية ووزير خارجيته بدلا عن ضائع من وزير الخارجية الإيراني، فضلا عن أن ليس ما يضمن عدم استفادة “حزب الله” من المساعدات السعودية.
كذلك، كان مفترضا في الحكومة اللبنانية اتخاذ موقف واضح من الحملات التي تتعرّض لها المملكة العربية السعودية، كما كان عليها استيعاب أن أيّ شتيمة للمملكة العربية السعودية سترتدّ على لبنان. ما هي المصالح السعودية في لبنان؟ يستطيع السعودي الذهاب إلى أيّ مكان آخر في العالم في حال كان يريد السياحة. ماذا لدى لبنان يقدّمه أكثر مما تستطيع أن تقدّمه تركيا على سبيل المثال وليس الحصر. في هذه المرحلة الصعبة والمعقّدة التي يمر بها لبنان وكلّ القطاعات الاقتصادية فيه، على رأسها القطاع المصرفي، يبدو البلد مقبلا على فترة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنها غير مريحة.
هل في استطاعة لبنان الرافض أن يكون ولاية إيرانية وأن يبقى عربيا، كما يؤكّد الرئيس سعد الحريري، مواجهة العاصفة التي يبدو أنها مقبلة عليه بسرعة جنونية؟ تبدو العاصفة المقبلة على لبنان عاتية. ما قامت به السعودية ليس سوى أوّل الغيث، خصوصا إذا لم يستوعب اللبنانيون أنّ قرار المملكة كان من أجل التنبيه إلى أنّ الوضع الراهن لا يمكن أن يستمرّ إلى ما لا نهاية. هل في استطاعة لبنان الردّ على “حزب الله”، أي على إيران؟ أم صار على اللبنانيين الرضوخ لأمر واقع متمثّل بأن بلدهم مخطوف ومغلوب على أمره وأن نشر البؤس فيه هدف إيراني بحد ذاته؟ بدل انتقاد الموقف السعودي، يتوجب على لبنان توجيه شكر إلى المملكة، لعلّ تعليق الهبتين يثير نخوة الحكومة أوّلا، ويؤدي إلى اتخاذها موقفا يعيد الأمور إلى نصابها. هل هذا ممكن في ظل موازين القوى السائدة في البلد، وفي ظلّ إصرار “حزب الله”، وهو ميليشيا مذهبية مسلّحة، ومن خلفه إيران على خوض الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري من منطلق مذهبي أولا وأخيرا؟ الثابت أن لبنان في وضع لا يحسد عليه. مصيبة إذا استقالت الحكومة، ومصيبة إذا لم تستقل. ما صار مطروحا صراحة كيف تتصرّف الحكومة للحدّ من الأضرار الناجمة عن اعتبار “حزب الله” البلد ملكا له وتابعا لإيران، أي مستعمرة إيرانية بكلّ ما في كلمة مستعمرة من معنى. إنّه الواقع الأليم الذي يستفيق عليه اللبنانيون. لا شكّ أن المملكة العربية السعودية، التي باتت مملكة مختلفة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومعها كل دول الخليج العربي، وضعت اللبنانيين أمام مسؤولياتهم. هل بلدهم مستعمرة إيرانية أم لا؟ هل في استطاعتهم التصدي لهذا الواقع الأليم والمخزي في آن؟