الياس الزغبي: فخامة السلّة الفاضية/خالد الدخيل: مأزق نصرالله بين عون وفرنجية/خيرالله خيرالله: شهادة حسن سلوك من حسن نصرالله لعون وفرنجية

297

فخامة السلّة “الفاضية”
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/31 كانون الثاني/16
لم يتوقّع أحد، في السياسة والإعلام، أكثر ممّا قاله قائد “حزب الله” حسن نصرالله، في الملفّ الرئاسي، بعد الصمت الثقيل الذي فرضته عليه معراب، والحرج الكبير الذي لاحقه به سمير جعجع إلى عقر داره. وبعد الإرتباك الواضح الذي استمرّ 11 يوماً، لم يكن في استطاعة نصرالله أن يواجه المأزق بغير الوسيلتين المعروفتين:
– الاستمرار في الدعم النظري الإنشائي لميشال عون كثابتةٍ سياسيّة أخلاقيّة منذ إعلانه “الدّيْن في رقبته إلى يوم الدِين” على أثر “حرب تمّوز” 2006، وقبلها ببضعة أشهر “ورقة مار مخايل” التي لم يكن يحلم بأفضل منها التحاقاً بمشروعه وتسليماً بسلاحه. مع إضافة “ديمقراطيّة” طارئة عن تسامي وتسامح و”عجز” في مسألة الضغط على “8 آذار”، خصوصاً ركنيها برّي وفرنجيّه!
– الهروب إلى الأمام بعودته إلى “السلّة” السياسيّة، لناحية الربط المحكم بين انتخاب الرئيس وبينها، فينتهي الأمر بلا رئيس ولا سلّة.
وهذا هو الخيار الأمثل الآن لـ”حزب الله” نزولاً عند توجّهٍ إيراني واضح يكشف عدم جهوزيّة طهران لبازار البيع والشراء في رقعة النفوذ من الخليج إلى لبنان.
ولعلّ المؤشّر البليغ على هذا التوجّه أتى من باريس، ففي حين تحدّث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن ضرورة معالجة الملفّ الرئاسي اللبناني، ذهب همّ الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى “الاستقرار” غير مبالٍ بانتخاب الرئيس، بما يعني الإبقاء على الوضع الراهن في السياسة والأمن، إلى أن تبدأ مرحلة توزيع حصص التسويات لأزمات المنطقة. وهذا يوجب دفع الفراغ الرئاسي اللبناني شهوراً إضافيّة إلى الأمام.
كلّ ما أراده نصرالله من إعلان موقفه هو الاحتفاظ بالمكاسب التي منحه إيّاها عون بكرم حاتمي مجّاني منذ عشر سنوات حتّى الآن، وتمويه الحقيقة التي باتت ساطعة وحاسمة، وهي أنّه غير جاهز لانتخاب رئيس، ولو كان من صلبه ومتبرّعي “انتصاراته” ومقدّمي خدماته.
ومسارعة عون، قبل ساعات من خطاب نصرالله، إلى تكرار مقولته بـ”التحالف الوجودي” بينهما وكَيل المدائح لشقّه التوأم، لم تقدّم ولم تؤخّر في موقف الأخير. فما كتبته المصلحة الإيرانيّة قد كُتب، ويستطيع الأوّل الانتظار أسابيع وأشهراً أُخرى، طالما أنّه انتظر سنتين، بل أكثر من ربع قرن، على حلم اليقظة.
والمثير في هذا الواقع “الناصع”، أنّ مرشّح معراب لا يريد أن يصدّق مناورات نصرالله، ولم يتعلّم من تجربة سواه قبل أسابيع، حين اصطدم ترشيح شريك تكتّله وأحلافه سليمان فرنجيّه بالتمنّع نفسه لدى “حزب الله”. والأكثر إثارة أنّه يفتّش عن أعذار وتبريرات لنكث نصرالله بوعوده الحاسمة، مكتفياً بالكلام المعسول.
حتّى أنّه لم يُبدِ ارتياحاً إلى الموقف الإيجابي القوي لسمير جعجع في حضّه نصرالله على التقاط فرصة اتفاق معراب والتوجّه فوراً لانتخاب عون في مجلس النوّاب. وتبيّن أنّ هناك صوتاً خبيثاً همس في أذنه بأنّ هذا الموقف يضرّ أكثر ممّا يفيد، و”ينقّز” الضاحية بدلاً من تشجيعها!
وفي الحقيقة، “نقزة” الضاحية ليست ناتجة عن اتفاق معراب، ولا عن تصريحات جعجع، بل هي حالة مقيمة في سياستها الرافضة لوجود رئيس شرعي للجمهوريّة إذا لم يكن ثمرة اختراقات نوعيّة في التوازنات تحت مسمّى “السلّة”، على خلفيّة تحقيق أهداف “المؤتمر التأسيسي” بدون عقده.
وحتّى الآن، لا يدرك عون هذه الحقيقة، بل ربّما يداورها ويتهرّب من مواجهتها لعلّه يصل تسلّلاً إلى قصر بعبدا كما غادره. ولم يقل كلمة واحدة بعد في “السلّة” التي يضعه فيها حليفه “الوجودي”.
قبل معراب، كان رأس حربة “السلّة”، يحارب لإجراء الانتخابات النيابيّة قبل الرئاسيّة، ويذهب بعيداً لانتخاب الرئيس من الشعب. كان يسبق “سلّة” نصرالله بأشواط. بعد معراب، يهادن ويساوم في كلّ شيء. تغاضى عن “السلّة”، فتح خطوطاً مع الجميع باستثناء غريمه فرنجيّة، حاول تفسير “البنود العشرة” لترشيحه بما لا يتناقض مع التزاماته مع “حزب الله”، حتّى أنّه برّرها بأنّها مطابقة لـ”معاهدة التعاون والتنسيق” الموقّعة مع النظام السوري بعد هزيمة 13 تشرين 1990! لكنّه لم يقل كلمة واحدة عن التناقض الفاقع بين ما وقّع عليه في معراب وما وقّع عليه في مار مخايل. وسكوته عن “تفاهم 6 شباط” يدفع “حزب الله” إلى تذكيره به. وقد بات هذا الصمت المدوّي أكثر ما يُثير حفيظة حارة حريك وشكوكها. ولم تَعُد لازمة عون عن “التكامل الوجودي”، ومزايا “السيّد”، والتزام “التعاون والتنسيق” مع النظام السوري، كافية لإقناع “حزب الله” بانتخابه. وقد اهتدى نصرالله إلى ما يظنّ أنّه يبرّىء ذمّته تجاهه، ورأى في درع نبيه برّي و”شطارته” ما يقيه سهام معراب وحساب الرأي العام. وهكذا يسقط ترشيح عون ضحيّة “السلّة” التي حشره فيها حليفه، وضحيّة اللعب على ورقتين متناقضتين. والنتيجة… سلّة رئاسيّة “فاضية”!

 

مأزق نصرالله بين عون وفرنجية
خالد الدخيل/الحياة/31 كانون الثاني/16
لماذا من المهم الحديث عن مأزق حسن نصرالله الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني، أمام الاستحقاق الرئاسي في لبنان؟ الحزب ذراع إيرانية في الشام. وهذا تحديداً ما يفتخر به نصرالله بقوله إنه يعمل تحت راية «ولاية الفقيه». ولأن هذه الولاية في أصلها وفصلها ولاية دينية- سياسية، ينتظم الحزب في القتال بمثابة ميليشيا إيرانية في سورية إلى جانب بشار الأسد حليف إيران. الأخيرة تدشن مرحلة انفتاح سياسي واقتصادي على الغرب بعد الاتفاق النووي في الوقت الذي تتحالف فيه مع روسيا على الساحة السورية. رحبت إيران بهذا التحالف بعدما فشلت في حسم المعركة هناك لمصلحة حليفها، ولأن روسيا بوتين قررت التدخل لمنع المعارضة السورية من استكمال إسقاط الأسد ونظامه. تعرف طهران ذلك عن يقين. وتعرف أيضاً أن بقاء الأسد هو خيارها الوحيد الذي من دونه تخسر الشام بما في ذلك ذراعها في بيروت الذي تصرف عليه مئات ملايين الدولارات سنوياً. طهران تعرف ذلك بحسها وأهدافها المذهبية، فالأغلبية الكبيرة من أهل سورية لا يشاركونها المذهب، وهو ما يقض مضجع سدنة «ولاية الفقيه» التي يعمل تحت ظلها حسن نصرالله. والتدخل الروسي، معطوفاً على الانكفاء الأميركي، هو ما تأمل إيران بأن يحيد الوزن السياسي لهذه الأغلبية في لجة الصراع. ومع ذلك يبقى أن إيران ليست متيقنة مما يمكن أن تنتهي إليه الثورة السورية حتى بعد التدخل الروسي، فهي تدرك تماماً أن الثورة السورية، وهي تقترب من إكمال عامها الخامس، لم تنطلق، ولم تراكم كل التضحيات والآلام والدمار، والأرقام الفلكية للقتلى والمفقودين والمهجرين، لتنتهي بحسب وصفة يتم وضعها في موسكو، أو تنازل تقدم عليه واشنطن، أو أمانٍ مذهبية تراود القيادة في إيران ومعها نصرالله في الضاحية. قبل العودة إلى المأزق الرئاسي لحسن نصرالله في لبنان لا بد من ملاحظة الغائب الأبرز عن معادلة تقرير مصير الثورة، ومصير سورية بأكملها. إنه الرئيس السوري بشار الأسد. تحول من وريث للحكم إلى ورقة تفاوضية في أيدٍ كثيرة، ليس بينها يد سورية واحدة. الجميع يتحدث عن سورية، وعن ضرورة الإبقاء على مؤسسات الدولة فيها تفادياً لتكرار كارثة ما حصل للعراق إبان الغزو الأميركي. لكن لا أحد يجرؤ على الحديث عن ضرورة بقاء الأسد. يتعمد الروس إطلاق مواقف غامضة ومتناقضة حيال ذلك. حتى الإيرانيون يتفادون مثل هذا الحديث. يتشدقون بدلاً منه بأن مستقبل الأسد يقرره الشعب السوري. يقولون هذا على رغم أنهم يمدونه بالمال والسلاح والميليشيات الشيعية من كل حدبٍ وصوب، وعلى رغم يقينهم بأن مستقبل نفوذهم في الشام من دون الأسد ستذروه رياح كثيرة محلية وإقليمية ودولية. مواقف الدول الإقليمية ليست أفضل حالاً من ذلك. بعضها يصرح، مثل السعودية وتركيا وقطر، بأنه لا مكان للأسد في مستقبل سورية. وبعضها الآخر، مثل مصر والمغرب والجزائر، يلتزم الصمت، ما يشير إلى أن بقاء الرئيس السوري بات عبئاً على الجميع.
هذا يشير بوضوح إلى أن مستقبل الأسد لم يعد بيد الأسد، ولا بيد حلفائه وحدهم. ارتهن هو ومستقبله لقوى متعددة ليس بينها الشعب السوري. هناك روسيا وإيران، اللتان لجأ إليهما تباعاً بعد تخليه عن الشعب إبان الثورة. ثم هناك الولايات المتحدة ما بعد أوباما وما يمكن أن يطرأ على موقفها من الصراع في سورية في العام المقبل. والأنكى أن مسألة بقاء الرئيس السوري لم تعد حصراً في يد «الجيش العربي السوري» الذي تحول بفعل مسيرة الصراع وخيار الرئيس نفسه إلى ميليشيا أخرى. صار لحسن نصرالله بالميليشيا التي يقودها، ولقيس الخزعلي رئيس ميليشيا «عصائب أهل الحق»، العراقية الإيرانية، وغيرهما من الميليشيات، قول في تقرير مصير الأسد، لكنه قول مثل الصدى في إطار التدخل الإيراني والروسي والاستراتيجية التي تحكم كلاً منهما.
في مثل هذه الوضعية المعقدة للأزمة السورية، وارتباطها المباشر بالأزمة اللبنانية، وجد حسن نصرالله نفسه أمام مأزق الاختيار في موضوع انتخاب رئيس جديد بعدما فاجأه خصومه، سعد الحريري وسمير جعجع، بترشيح اثنين من حلفائه، هما سليمان فرنجية وميشال عون. بدا له أن في الأمر مكيدة أو ابتزازاً كما يقول. بعدما كثرت الأقاويل حول هذا الصمت، خرج نصرالله يوم الجمعة الماضي بخطاب انتظر الجميع أن يحسم خيار الحزب، ويضع حداً لمعضلة انتخاب الرئيس. لكنه لم يفعل. بدلاً من ذلك قال شيئاً لا يقل ارتباكاً عن الصمت. كرر التزامه بأن ميشال عون هو المرشح الأول للحزب لرئاسة الجمهورية، وأنه لن يتخلى عن ذلك إلا إذا أعلن عون تخليه عن ترشيح نفسه. وهذا يعني شيئاً واحداً، وهو أن فرنجية المرشح الثاني للحزب. اللافت أمام هذا الموقف الملتبس أن نصرالله بدأ كلمته بقول الإمام زين العابدين علي بن الحسين «خير مفاتيح الأمور الصدق. وخير خواتيمها الوفاء». وهو قول لم يلتزم بمضمونه ومؤداه عندما قال إن إيران لم ولن تعطل الانتخابات الرئاسية في لبنان. واتهم من يقول ذلك بالجهل والغباء (كذا). إذا كان الأمر كذلك، وإذا كان صادقاً في ما يقول، فلماذا يراوغ الأمين العام في اتخاذ موقف واضح ونهائي من أحد المرشحين، عون أو فرنجية، وكلاهما ينتمي للتحالف الذي يهيمن عليه؟ نصرالله يقاتل في سورية تحت راية «ولاية الفقيه»، ويتلقى السلاح ومئات الملايين من الدولارات الأميركية من إيران، ثم يقول إن موقفه من الاستحقاق الرئاسي لا علاقة له بإيران ولا بسورية. وفي هذا تذاكٍ مكشوف، واستهانة بذكاء اللبنانيين والسوريين معاً.
ربما فات نصرالله أن كلمته ضاعفت من أهمية التساؤل عن مراوغته، وعن رفضه الذهاب إلى مجلس النواب، والقبول بترشح الاثنين معاً، ثم التصويت لأحدهما. فرنجية صديق لعائلة الأسد في سورية. وعون وفر من خلال حجم تياره النيابي، الثاني بعد تيار «المستقبل»، الغطاء المسيحي لسلاح «حزب الله» في الداخل، ولقتاله في سورية. لكنه لم يحصل في مقابل ذلك على شيء حتى الآن. يعرف نصرالله أن الهدف الأول والأهم بالنسبة إلى الجنرال عون هو الوصول إلى قصر بعبدا، فلماذا يرفض مقابلة سمير جعجع، ويعمل على تحقيق حلم الجنرال؟ الأرجح أن السبب ليس في بيروت تماماً، وإنما يمتد إلى دمشق، حيث يبقى مستقبل الأسد غامضاً في أحسن الأحوال. تبني فرنجية في ظل هذا الغموض المقلق سيكون على حساب الحزب، وخصوصاً أن القاعدة النيابية لفرنجية صغيرة، وأنه سيأتي من خلال تحالف سني مسيحي، سيجعله رهينة للوزن السياسي لهذا التحالف، وأقل قابلية لضغوط الحزب. وستعزز هذه النتيجة في حال غاب الأسد عن المشهد في سورية خلال السنة أو السنتين المقبلتين. هنا تبرز أفضلية عون بالنسبة الى الحزب. فهو أقرب إلى إيران منه للأسد. وإذا كان الأسد مرشحاً للغياب، فإن إيران باقية باعتبارها دولة في الإقليم. لكن يبقى الإشكال ذاته. غياب الأسد، أو تقسيم سورية، ينهي النفوذ السوري تماماً في لبنان، ويضعف الدور الإيراني. ومن حيث أن عون سيأتي للرئاسة من خلال تحالف مسيحي- مسيحي وازن، فإن هذا سيمنحه مساحة أوسع من الاستقلال أمام الحزب. والجنرال معروف بنزعته الاستقلالية. المصدر الثالث لمأزق الحزب أن تبنيه النهائي لعون سيربك علاقته مع فرنجية، وسيعمق انقسام تحالف «8 آذار»، وفي الوقت نفسه سيعزز من زعامة سمير جعجع للتيار المسيحي ومن احتمال وصوله للرئاسة لاحقاً، وخصوصاً أن عون كبير في السن. من هنا لا يستطيع نصرالله حسم خياراته قريباً، قبل اتضاح المآل الذي ستنتهي إليه الأزمة في سورية، والدور الإيراني في الشام. الأمر الذي ينسف ادعاء الأمين العام بأنه لا دور لإيران في تعطيل انتخاب الرئيس اللبناني، ويؤكد أنه وحزبه رهينة لهذا الدور. ما هو المخرج في هذه الحال؟ في تعزيز مروحة تحالف لا يكون مقصوراً على السنة والمسيحيين والدروز، بل يشمل المستقلين والشيعة من غير «حزب الله». وإذا كانت فرصة فرنجية هي الأرجح في مثل هذه الحال فليكن، لكن من خلال التفاهم مع أصحاب التيار البرتقالي. سيقال: وهل من الممكن عزل «حزب الله» على هذا النحو؟ وهذا سؤال موجه الى اللبنانيين في ضوء حقيقة أن الحزب يتحول بسلاحه وتحالفاته الإقليمية إلى مأزق للجميع.

 

شهادة حسن سلوك من حسن نصرالله لعون وفرنجية
خيرالله خيرالله/العرب/31 كانون الثاني/16
بعد ساعة وربع ساعة من اللف والدوران، أكّد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أنّه يريد الفراغ الرئاسي في لبنان ويسعى إليه. الفراغ هدف بحدّ ذاته للحزب ولإيران التي تقف خلفه. لو لم يكن الأمر كذلك، في ضوء إعلانه الانتصار على حركة الرابع عشر من آذار، كان في استطاعة حسن نصرالله السماح بانعقاد جلسة لمجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية من الثامن من آذار، أي إما ميشال عون وإما سليمان فرنجية. في ذلك الانتصار الحقيقي، وهو انتصار على الذات أوّلا وليس على المسيحيين في لبنان. لماذا لا يترك “حزب الله” اللعبة الديمقراطية تأخذ مجراها.. أم أن الديمقراطية بالنسبة إليه موجودة فقط في إيران حيث تجرى تصفية مسبقة للمرشّحين، فلا يدخل مجلس النواب ولا الهيئات العليا سوى أشخاص من طينة معينة. حتّى حسن الخميني، حفيد آية الله الخميني مؤسس “الجمهورية الإسلامية” مُنع من خوض الانتخابات الخاصة بمجلس الخبراء كونه صار محسوبا على تيّار “الإصلاحيين”، من أمثال مهدي كروبي ومير حسين موسوي، الموجودين في الإقامة الجبرية، فيما ممنوع ظهور الرئيس السابق محمد خاتمي في التلفزيون الرسمي.
ما الذي يخيف حسن نصرالله ولا يزال يربكه بعد إعلانه هزيمة الرابع عشر من آذار وتخليه عن أيّ رغبة في تعديل الدستور وتبرئة إيران من أيّ تدخّل في الشأن اللبناني، خصوصا في انتخابات رئاسة الجمهورية؟ لماذا لا يسمح بانتخابات رئاسية في لبنان؟ هل صار يلعب دور “المرشد” الذي يعطي شهادات حسن سلوك للسياسيين في بلاد الأرز، بما في ذلك شهادة لسليمان فرنجية وأخرى لميشال عون؟ هل الحصول المسيحي اللبناني على شهادة حسن سلوك من حسن نصرالله طموح أيّ مسيحي في لبنان، بما في ذلك المرشحون لرئاسة الجمهورية والطامحون لهذا الموقع؟
سواد لبنان سينجلي
إذا كان من ملخّص للخطاب الطويل الذي ألقاه مساء الجمعة الماضي، فهذا الملخص هو أنّ الحزب لا يزال ملتزما بتأييد ميشال عون، لكنّه لا يستطيع إجبار حلفائه، وعلى رأسهم حركة “أمل” ورئيسها نبيه برّي على تأييد ما يسمّى بـ”الجنرال”. أكثر من ذلك، لا تزال مسألة انتخاب رئيس للبنان حكاية طويلة تحتاج إلى تفاهمات وحوارات بين اللبنانيين. فجأة صار نبيه برّي خارج نطاق سيطرة “حزب الله”. من أغلق مجلس النوّاب طوال سنوات، في تاريخ لم يمض عليه الزمن، إرضاء لـ”حزب الله” غير نبيه برّي؟ ردّ نصرالله بطريقة مباشرة على الدكتور سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية في حزب “القوات اللبنانية” الذي ألقى الكرة في ملعب “حزب الله” وذلك بإعلانه أن العلاقة بين أطراف الثامن من آذار هي علاقة بين أطراف متساوين، علما أنّها علاقة بين فريق مسيطر في المطلق هو “حزب الله” وتوابع له، حتّى لا نقول أدوات، لا أكثر. على من يضحك الأمين العام لـ”حزب الله”؟
قبل كلّ شيء استخف حسن نصرالله بالنقاط العشر التي طرحها سمير جعجع في المؤتمر الصحافي الذي تبنى فيه ترشيح ميشال عون. كانت رسالته إلى جعجع أن هذه النقاط العشر التي أعلن ميشال عون موافقته عليها، أقلّه ظاهرا، لا تعني شيئا بالنسبة إلى “حزب الله”.
أصرّ الأمين العام لـ”حزب الله”، الذي ليس سوى ميليشيا مذهبية تشكل لواء في “الحرس الثوري” التابع لإيران، على التورط في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري والتي لا يمكن أن تجلب سوى الويلات على لبنان واللبنانيين في كل المناطق.
لا نأي بالنفس للبنان في سوريا، كما حاول أن يصوّر سمير جعجع في النقاط العشر التي يُفترض في ميشال عون أن يكون اعتبرها برنامجه الرئاسي. قرأ حسن نصرالله ما يريده من النقاط العشر وفسّرها على هواه بعدما اعتبر نفسه منتصرا على خصومه في لبنان في ضوء استسلام الرابع عشر من آذار لمرشّح من الثامن من آذار في انتخابات رئاسة الجمهورية. الآن، بما أنّ المعركة صارت محصورة بين سليمان فرنجية وميشال عون، يستطيع “حزب الله” الانتظار إلى اليوم الذي يقبل فيه الجميع بأن البلد صار محكوما من “حزب الله”، أي من إيران. عندئذ ستطرح التعديلات الدستورية وسيطرح حسن نصرالله ما المطلوب من لبنان كي يصبح بشكل رسمي مستعمرة إيرانية. ليس هناك استعجال من أيّ نوع كان لدى “حزب الله” على نقل لبنان من مكان إلى آخر. من دولة عربية مستقلّة، إلى ما يشبه، إلى حدّ كبير، الوضع السائد في العراق منذ العام 2010، لدى استسلام نوري المالكي لطهران عندما أصبح في مواجهة مع الدكتور إياد علّاوي الذي تقدّمت لائحته وقتذاك في الانتخابات التشريعية وصار من حقّه الدستوري أن يكون رئيسا للوزراء. ما فات الأمين العام لـ”حزب الله” أن إيران ليست قوة عظمى، كما يتصوّر. إيران دولة مفلسة ومتخلفة بكلّ المقاييس الإقليمية والدولية. كان في استطاعتها تحقيق ما تحققه الآن من تقارب مع “الشيطان الأكبر” الأميركي ومع الأوروبيين في ظل شروط أفضل بكثير.  كلّ الهدف من هذه المناورة المكشوفة القضاء على ما بقي من الديمقراطية اللبنانية من جهة وتحويل لبنان إلى تابع للنظام الإيراني ومفهومه المضحك
اختارت إيران لعبة الابتزاز. دفعت ثمنا باهظا لهذه اللعبة. ماذا ينفع إيران أن تكون تهديدا لجيرانها؟ ماذا ينفع إيران ممارسة لعبة إثارة الغرائز المذهبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وفي كلّ دولة من دول الخليج؟ يراهن حسن نصرالله على إيران. يراهن في الواقع على وهم أكثر من أيّ شيء آخر. يستطيع إعطاء كل شهادات حسن السلوك التي يريدها لمسيحيين لبنانيين يطمح كل منهم إلى أن يكون رئيسا للجمهورية. يتجاهل أن لعبته مكشوفة وأن كلّ ما في الأمر أنّه يمتلك ميليشيا مذهبية مسلّحة لا هدف لها سوى تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية. يريد إقامة دولة “المرشد” في لبنان لا أكثر ولا أقلّ. هذه الميليشيا المذهبية تستخدم في قهر اللبنانيين. هناك من يقبل هذا القهر وهناك من يرفضه مثل الشيخ سامي الجميّل رئيس حزب “الكتائب” الذي لم يفرّق بين مرشّح من الثامن من آذار وآخر. ما يرفض حسن نصرالله القبول به أن هناك لبنانيين ما زالوا يقاومون مشروع انتصار دويلة “حزب الله” على الدولة اللبنانية. هناك مسيحيون لا يحتاجون إلى شهادة حسن سلوك لا من “حزب الله” ولا من إيران. لا يزال من الباكر إعلان حسن نصرالله انتصاره على لبنان واللبنانيين. فعندما وافق الرئيس سعد الحريري على سليمان فرنجية رئيسا، كان الحريري يستهدف إنقاذ مؤسسة رئاسة الجمهورية والجمهورية. بتهميشه رئاسة الجمهورية وإدخالها في متاهات من نوع الاتفاق على أن يكون ميشال عون رئيسا للجمهورية قبل نزول النوّاب إلى مجلس النوّاب، يتبيّن أن كلّ الهدف من هذه المناورة المكشوفة القضاء على ما بقي من الديمقراطية اللبنانية من جهة وتحويل لبنان إلى تابع للنظام الإيراني ومفهومه المضحك ـ المبكي للديمقراطية من جهة أخرى. هل هذا طموح المسيحي في لبنان؟