علي حماده: تمام سلام في دافوس/سعد كيوان: جعجع واللعب في الوقت الضائع

320

تمام سلام في دافوس
علي حماده/النهار/23 كانون الثاني 2016
أحسن رئيس الحكومة تمام سلام بالمجيء الى دافوس- سويسرا للمشاركة في جانب من أعمال “المنتدى الاقتصادي العالمي” الذي يعتبر اللقاء الاقتصادي – السياسي السنوي الأهم في العالم، إذ يضم في عداد المشاركين أكثر من الف رجل اعمال عالمي معظمهم رؤساء الشركات الاكبر في العالم في جميع القطاعات، يضاف اليهم خمسمئة مسؤول رسمي من معظم دول العالم بينهم عدد كبير من رؤساء الدول، رؤساء حكومات ووزراء خارجية واقتصاد ومال وطاقة، فضلا عن رؤساء كبريات المؤسسات الاممية كافة. لذا كان حضور لبنان مهما، بل ضروريا، ليس على مستوى رئيس الحكومة فحسب بل ينبغي ان يقترن حضوره بترؤسه وفدا رسميا ينضم اليه ممثلون للقطاع الخاص بكل فئاته. فالمناسبة ثمينة جدا لبلد مثل لبنان كان دائما يعوّض صغر حجميه الجغرافي والاقتصادي بقوة حضوره في المحافل الدولية. طبعا ليس سلام الاول الذي تنبه للامر، بل كان سبقه الرئيس رفيق الحريري قبل أكثر من عقدين عندما ساهم في إطار منتدى دافوس مطلع التسعينات، ومن خلف الكواليس، في تنظيم ما يشبه المهرجان اللبناني بالتعاون مع مجموعة من رجال الاعمال اللبنانيين، ويومها كانت المقاطعة السورية مفروضة على لبنان الرسمي والخاص، بحجة أن دافوس منبر لـ”التعامل مع العدو الاسرائيلي”! طبعا كان المنع السوري وجها من وجوه الهيمنة على لبنان. وللتاريخ، كانت “النهار”، عبر جبران تويني والعبد الفقير، بدءا من 1995، أول من اخترق الحظر السوري علنا، بل ودعت، عبر مقالات تويني آنذاك القيادتين اللبنانية والسورية الى الكف عن ترك المنابر والمحافل الدولية مسارح مشرعة للاسرائيليين يسرحون ويمرحون فيها، معززين حضورهم، ومقدمين وجهة نظرهم في غياب لبنان وسوريا. وللتاريخ ايضا، نشهد ايضا للرئيس نجيب ميقاتي انه تنبه مبكرا لاهمية المشاركة في أعمال منتدى دافوس، بداية كرجل أعمال مستقل، ثم كرئيس حكومة بين 2011 و2013. بناء على ما تقدم نقول ان سلام أحسن بالحضور. لكن تبقى لنا ملاحظتان نوجههما له بكل صراحة ومحبة: الاولى انه كان اجدى له ان يختار مواضيع الندوات التي شارك فيها بعناية اكبر. فالاطلالة الاولى له في ندوة صباح البارحة الى جانب رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي بعنوان “أمن الشرق الاوسط وشمال افريقيا”، كان يمكن الاستعاضة عنها باطلالة في ندوة أول من امس الى جانب الملكة رانيا العبدالله، وموضوعها قضية اللاجئين من زاوية دول الجوار السوري التي تتحمل العبء الاكبر من اللاجئين. ومؤسف ان يكون لبنان قد غاب، فيما كانت الملكة رانيا نجمة الندوة والى جانبها وزير الخارجية التركي! وكانت الندوة حاشدة كما ونوعا وتأثيرا، طرحت خلالها مطالب دول الجوار السوري وحاجاتها. وركزت الملكة رانيا على نقطة مهمة مفادها ان الاردن لا يريد مساعدات، بل استثمارات طويلة الامد، لكون الازمة طويلة… الملاحظة الثانية للرئيس سلام، انه بالرغم من موقفه المشرف بالنسبة الى الخلاف العربي – الايراني، كان في غنى عن اصطحاب وزير الخارجية جبران باسيل بعدما تحولت وزارته فرعا لوزارة الخارجية الايرانية!

 

جعجع واللعب في الوقت الضائع
سعد كيوان/العربي الجديد/22 يناير 2016
فعلها سميرجعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية. ظل كثيرون يعتقدون (أو يراهنون) أنه لن يقدم على خطوة ترشيح الجنرال السابق ميشال عون، خصمه اللدود منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، لرئاسة الجمهورية اللبنانية. وهو الذي خاض معه مواجهات وحروبا دموية (“حرب التحرير” من الجيش السوري و”حرب إلغاء القوات”) في سنوات الحرب، أوقعت مئات الضحايا، ودمرت مناطق مسيحية، تنازعا السيطرة عليها، بين عامي 1989 و1990 يوم تمركز قائد الجيش (عون) في قصر بعبدا، مغتصباً سلطة رئيس الجمهورية ودوره وصلاحياته.
فعلها جعجع، وذهب إلى حد التنازل عن طموحه الشخصي وغروره، وأعلن قراره باحتفاليةٍ غير مسبوقة، مقصودة ومحسوبة، استقبل فيها، ولأول مرة، في مقر إقامته في معراب، على التلال شمال بيروت، الجنرال العجوز (82 سنة) زعيم التيار الوطني الحر، وحرص برفقة زوجته على الترحيب به، وتكريمه ومعانقته، واستخدام كل أساليب اللياقة والتقدير والاحترام. وراح يطلق النكات مضفياً جواً من المرح على الاحتفال بهدف كسر الجليد الذي كان يخيم بدايةً على وجوه الحاضرين. واختتم الاحتفال بقطع الجنرال و”الحكيم” قالب الحلوى، وشرب الشامبانيا.
لماذا فعلها جعجع؟ حاول، من خلال هذه المشهدية، أن يمحو على الأرجح صورة الماضي الأسود والمأساوي بين الطرفين، وتوجيه رسالة تعاطف إلى العونيين للاستحواذ على تأييدهم، ربما في المستقبل من الأيام، هو الذي يصغر جنرالهم بنحو عشرين سنة. وهي خطوة من شأنها أن تفتح صفحة جديدة بين القطبين اللذين يقفان (أو كانا؟) على طرفي نقيض منذ إحدى عشرة سنة، غداة اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005. وهو الحدث-الجريمة الذي أجبر النظام السوري على سحب جيشه من لبنان بعد نحو ثلاثين سنة، وسمح لعون بالعودة من منفاه الباريسي بعد خمس عشرة سنة من إخراجه من القصر الجمهوري بالقوة، ولجعجع من الخروج من السجن، بعد أن أمضى إحدى عشرة سنة.
عاد الاثنان إلى الساحة السياسية، لينطلقا مجدداً من قواعد يباعد بينها الحقد والعداء والكراهية، قواعد تواجه واحدتها الأخرى، عاشت على مدار السنين في عزلةٍ يشدها الحنين إلى الماضي الأليم، وشعور باليأس والإحباط عززته رغبة بالانتقام، غذّته سلطة مرتهنة للنظام السوري، عملت على قمع الفريقين وملاحقتهما واضطهادهما وتهميشهما. عاد القطبان المسيحيان الوحيدان، الخارجان من رحم الحرب، ليقف كل منهما في معسكر مواجه للآخر. عون في صف فريق سورية وحزب الله، اللذين عملا على إنجاز صفقة عودته إلى لبنان عشية اغتيال الحريري، كي يتم توظيفه في مواجهة الفريق العريض والعابر للطوائف الذي انتقض على الوصاية السورية، وعمل على إصدار قانون عفو عن جعجع وعودته إلى الحرية. وقف عون إلى جانب فريق 8 آذار وجعجع في صفوف 14 آذار، واستكملا مواجهتهما السياسية الحادّة
“مسألة انتخاب الرئيس ليست مجرد عملية احتساب للأصوات، بل سياسية بامتياز” التي لامست أحيانا الصدام، ضمن الفريقين وثنائياً بينهما، حول خياراتٍ أساسية في النظرة إلى الدولة والسيادة وممارسة السلطة والتحالفات والعلاقة-التبعية للنظام السوري، وخصوصاً حول سلاح حزب الله وازدواجية السلطة ضمن السلطة. وذهب عون إلى حد توقيع، في فبراير/شباط 2006، “ورقة تفاهم” مع حزب الله الذي كان يعتبره عون، حتى سنة فقط قبل عودته إلى لبنان في 2005، مليشيا إرهابية في خدمة النظام السوري. في حين كانت خيارات جعجع حاسمةً، في ما يخص سيادة الدولة والقانون وأحادية امتلاكها السلاح، وبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، وتصديه بشكل حاسم لسياسة حزب الله ورفضه القاطع أي تدخل سوري في لبنان، ووقوفه إلى جانب الثورة السورية منذ انطلاقتها. وتفرّد جعجع بجرأة تقديم الاعتذار، في سبتمبر/أيلول 2008، للشعب اللبناني عما ارتكبته “القوات” من أعمال في أثناء الحرب.
ولكن، ماذا تحقق من ذلك كله، أو ماذا تغير لدى الخصم، لكي يقوم جعجع بهذه الخطوة؟ يعيش لبنان بدون رئيس حمهورية منذ سنة وثمانية أشهر، تقابل خلالها جعجع وعون مرشحيْن لفريقيهما، ولم تنفع كل المحاولات للوصول بالعملية الانتخابية إلى خواتيمها وانتخاب رئيس، بسبب مواظبة حزب الله وعون على مقاطعة جلسات الانتخاب، وتطيير النصاب المطلوب. وتجاه هذا المأزق الخطير الذي ينتظر رحمة تدخل القوى الخارجية، فاجأ سعد الحريري الجميع بتبني ترشيح سليمان فرنجية، أحد شخصيات الفريق الخصم، لعله يحدث اختراقاً، ويؤدي إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي، إلا أن الخطوة أغضبت الجميع، حلفاء وأخصاماً على السواء، وخصوصاً حليفه الوثيق جعجع الذي تفصل بينه وبين فرنجية عداوة وخصام، وحتى ثأر شخصي منذ زمن الحرب الأهلية. كيف للحريري أن يرشح خصماً سياسياً مباشراً لجعجع (“لم ينزل برداً وسلاماً على قلبي”) في عقر داره (الشمال) ومن دون استشارته؟ ذهب هو إذاً، وبدون استشارة الحريري، إلى تبني ترشيح خصمه اللدود عون، المدعوم من حزب الله لتعطيل ترشيح فرنجية، وللقول إن الاستحقاق الرئاسي يجب أن تكون كلمة الفصل فيه للمسيحيين، لأن الرئيس مسيحي، كما هو يحصل في انتخاب رئيس مجلس النواب (شيعي) وفي اختيار رئيس الحكومة (سني).
فهل سيتمكّن جعجع، إذاً، من فرض عون رئيساً؟ على الأرجح كلا، أولاً لأن الأرقام تميل لغاية
“يقف حزب الله، على ما يبدو، في وجه عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، أقله في هذه المرحلة من الكباش السعودي-الإيراني” اليوم لصالح فرنجية (75 صوتاً) وليس لعون (48 صوتاً) من أصل 127 نائباً. وهذا يعني أن نواب كتلتي عون وحزب الله لن ينزلوا إلى جلسة انتخاب الرئيس غير مضمونة النتيجة. وثانياً، بما أن مسألة انتخاب الرئيس ليست مجرد عملية احتساب للأصوات، بل سياسية بامتياز، لها علاقة بالحسابات والتوازنات الداخلية والمكونات الطائفية والتأثيرات الإقليمية، لذلك كون الرئيس هو بحسب الدستور يمارس دور الحكم بين اللبنانيين، لا يمكن أن لا يحظى انتخابه بتأييد إحدى الطوائف الأساسية الثلاث. وهذا هو اليوم حال المرشح عون الذي يفتقد إلى دعم الطرف السني الأقوى، أي كتلة الحريري (“تيار المستقبل”). أما فرنجية فهو يلقى دعم كتلة نبيه بري (الشيعي) وكتلة الحريري (السني) وكتلة جنبلاط (الدرزي)، بالإضافة إلى كتلته ومجموعة من النواب المسيحيين المستقلين. ثالثاً، يقف حزب الله، على ما يبدو، في وجه عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، أقله في هذه المرحلة من الكباش السعودي-الإيراني، فهل هذا يعني أنه لا يريد حتى إيصال حليفه عون إلى سدة الرئاسة؟
يدرك جعجع كل هذه المعطيات المتشابكة والمتداخلة، لكنه عند الدخول في زواريب السياسة يصبح كالـ”دكنجي”، يغوص في الحسابات الصغيرة، وحسابات الربح والخسارة، مثل كثيرين من الطبقة السياسية، فهو تبنى ترشيح عون، لأن فيه ربحا، في حال تم انتخابه أم لم يتم، فإذا تم يكون قد حجز دوراً وازناً، وحصة راجحة في العهد الجديد. وإذا لم يتم، يكون قد سلف عون والعونيين موقفاً يبنى عليه للمستقبل، وفي الوقت عينه، يكون قد كسب مسيحياً، وأخرج عون، وكشف حقيقة موقف حزب الله تجاهه. وهناك من يفترض أن ربحه الأهم سيكون حرق عون وفرنجية معاً، لكنه في الوقت عينه قد فرّط بتحالفه مع الحريري وقوى 14 آذار. وعليه، يصبح السؤال الأهم: لماذا إذا لم يقم بخطوة “المصالحة المسيحية” هذه من زمان.