نديم قطيش: أبعد من ترشيح جعجع لعون/منال شعيا: أي حوار سيكون الاربعاء بعد ترشيح عون/ثريا شاهين: ثلاثة احتمالات تحكم المرحلة المقبلة رئاسياً

264

أبعد من ترشيح جعجع لعون
نديم قطيش/الشرق الأوسط/22 كانون الثاني/16

كثير من الأصدقاء العرب اتصلوا مستفسرين عن «مشهد معراب» مساء الاثنين الفائت، حين أعلن رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ترشيح خصمه اللدود الجنرال ميشال عون لرئاسة لبنان. فبين انقلابات المشهد السياسي اللبناني الكثيرة، يعد مشهد معراب الأكثر استعصاءً على الفهم، لاعتبارات كثيرة، أبرزها نجاح جعجع في تسويق صورة الثبات والمبدئية السياسية عن أدائه السياسي، مما جعل قبوله بعون مفارقة كبيرة لشريحة وازنة من المتابعين العرب. فهو القائل: «يمكن للمرء أن ينتخب شخصًا غير نفسه، لكن أيعقل أن يصوت لمشروع غير مشروعه؟»، وإذ به يقر اليوم بالتقاطع الانتخابي مع حزب الله على عون، مؤكدًا أن «موقف حزب الله واضح، وهو يسير في السراء والضراء خلف الجنرال». أي أن النص السياسي الذي قرأه جعجع يوم ترشيح عون لا يعدو كونه مخرجًا نصيًا لحفظ ماء الوجه في لحظة التقاطع الانتخابي مع حزب الله وتوجهه لانتخاب شخص بل «مشروع غير مشروعه»!
من العدل والإنصاف لجعجع القول إنه لا يجوز الطعن في مصالحة تقفل جرحًا من أعمق جراحات الحرب الأهلية اللبنانية. كما ليس منطقيًا الطعن فيه لإقدامه على ما أقدم عليه منتقدوه مرارًا وتكرارًا، من التحالفات الانتخابية البرلمانية، لا سيما عام 2005، وصولا للمحاصصة الدائمة مع حزب الله في الحكومة. ويمكن لأنصار الحكيم أن يقيموا هذه الحجة بصوت مرتفع لو أننا، في خطوة جعجع، أمام تحالف انتخابي مصلحي عابر.
في ترشيح جعجع لعون حسابات انتخابية كثيرة، بلا شك، تتصدرها حاجته لمرشح يوقف به قوة الدفع السياسية التي قد توصل خصمه الآخر سليمان فرنجية للرئاسة. لكننا في الحقيقة أمام ما هو أعمق بكثير.
في معراب، المقر العام للدكتور جعجع، أعلن الرجل انتقاله من هوية الرابع عشر من آذار، بما هي هوية وطنية جامعة تلتقي عندها الهويات الفرعية، المذهبية والحزبية، إلى الهوية المسيحية، بل إلى القضية المسيحية، إذا جاز التعبير، واضعًا على الطاولة مشروع إعادة النظر في الهوية الوطنية اللبنانية وكل منطق الشراكة مع المسلمين داخل النظام السياسي اللبناني.
فالترشيح، أوصل عون أم لم يوصله، حرك عمليًا كل فوالق الهوية الوطنية اللبنانية، الحقيقي منها والمفتعل، الواقعي منها والمتخيل، وهز أسسها، ومنح جعجع زعامة «القضية المسيحية» في لبنان، لسنوات طويلة ستأتي.
سيتضح أننا بإزاء اصطفاف مسيحي ذي حيثية تمثيلية لا يمكن تجاوزها قرر ترشيح عون، يقابله اصطفاف إسلامي (بري، جنبلاط، المستقبل) يتجه، حتى الآن، لدعم فرنجية، مدعومًا من مسيحيين أقل تمثيلا من الثنائي الماروني جعجع – عون!
وهنا لب القضية المسيحية التي أعاد جعجع تكوينها في معراب!
تعداد الأصوات البرلمانية، بصرف النظر عن المذهب، يفيد بأن الاصطفاف الإسلامي (ناقص حزب الله) قادر على توصيل «مرشحه» وإسقاط مرشح الاصطفاف المسيحي أي الجنرال عون!
فالكتلة البرلمانية التي تستطيع الأغلبية المسلمة تجييرها أكبر من تلك التي تستطيع تجييرها الأغلبية المسيحية، وهو ما لم يكن ممكنًا حصوله لو أن قانون الانتخابات البرلمانية كان قانونا فيدراليا مذهبيا، كالذي طرحه جعجع يومًا، بما يعطي الصوت المسيحي للمسيحي والصوت المسلم للمسلم.
فبسبب طبيعة العقد الاجتماعي في لبنان، ومنطق الشراكة بين المسلمين والمسيحيين، والطبيعة الميثاقية للنظام السياسي، تتيح القوانين الانتخابية للكتلة المسلمة الناخبة توصيل نواب مسيحيين يصطفون معها في خياراتها السياسية كما هو حاصل اليوم، ويكون ذلك مقررًا في طبيعة التصويت واتجاهاته في كل القضايا المطروحة.
في العمق هنا تكمن الأزمة. وإعادة النظر بمنطق الشراكة وفلسفتها هي السؤال المطروح منذ اليوم على الإجماع السياسي اللبناني، أيًا تكن اتجاهات المعركة الرئاسية.
وهو ما حاول لبنانيون كثر مداراته وأحيانا القفز فوقه منذ عام 2005 وحتى اليوم. فكانوا يغازلون هوية وطنية جامعة وتغازلهم، في حين بقيت شقوق الهويات المذهبية القلقة تتسع. زادها انصراف حزب الله منذ ذاك التاريخ إلى شحن طائفته بأعلى مستويات الاستقطاب المذهبي، ثم صعود الإسلام المتشدد السني بأبشع صوره مع «داعش» ومن على مقربة من حدود لبنان، في سوريا، ثم انهيار الحدود الوطنية، في سوريا والعراق وليبيا، وخلخلتها عند الأطراف الصحراوية لمصر، وانتهاء الربيع العربي إلى أعنف انفجار للهويات الفرعية في كل هوية وطنية على حدة!
ترشيح جعجع لعون، بسياقه وتفاصيله ونتائجه، هو معبر واضح لإعادة تأسيس القضية المسيحية اللبنانية، خارج خطاب السنوات العشر الماضية، وهي قضية مرشحة لأن تسقط من خطاب المسلمين الكثير من ثوابتهم حيال الشراكة القائمة والمهددة.
لم يسبق، منذ انتخاب بشير الجميل، أن عبرت معركة رئاسية في لبنان عن كونها معركة في صلب العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، وفي صلب المعركة على هوية كيانهم السياسي، والمؤسساتي، وفي صلب هويتهم الوطنية!
فالصورة الآن ليست صورة زعيمي الرابع عشر من آذار وصراعهما لتوصيل أحد صقري حزب الله للرئاسة، على ما في هذه الصورة من أدلة على انهيار المشروع السياسي للحركة الاستقلالية، بل هي صورة انهيار الهوية الوطنية اللبنانية التي كنا نعرفها.

أي حوار سيكون الاربعاء بعد ترشيح عون؟ فتفت لـ”النهار”: مواصفات الرئيس “ما بتوفّي” مع الجنرال
منال شعيا/النهار/22 كانون الثاني 2016
27 كانون الثاني موعد جديد لطاولة الحوار. تلك الطاولة التي خصصت للبحث في الاستحقاق الرئاسي اولا، وها هي عبر جولات عدة اخيرة، تجنح عن مهمتها الاساسية لتتحول طاولة دعم او تعزيز للعمل الحكومي. بعد مفاجأة معراب، بات السؤال اكثر من ملح عن مصير، او جدوى، تلك الطاولة. حتى الان، هناك مرشحان رسميان من 8 اذار هما رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب العماد ميشال عون ورئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجيه، لا بل ثلاثة، اذا اضفنا اليهما المرشح النائب هنري حلو، الذي لا يزال “اللقاء الديموقراطي” متمسكا به.
أليست مهزلة ان يتوافد المتحاورون الاربعاء المقبل، لاعادة البحث في مواصفات الرئيس، فيما “الطبخات” الرئاسية تكثر في الخارج، لا بل حلقات المناورة و”النكايات” السياسية هي التي تغلب العمل الجدّي؟ “باختصار الحوار لم ينتج شيئا”: هكذا يبادر عضو كتلة “المستقبل” النائب احمد فتفت في تعليق اولي على جدوى استمرار الحوار. يقول لـ”النهار”: “في الاساس، ويا للاسف، لم يحرز الحوار الوطني اي تقدم في السابق، فكيف ستكون الحال اليوم؟”.
ويشرح: “حزب الله لم يلتزم مرة بنود الحوار، فلمَ تضييع الوقت؟”. يعود الى تجربة الـ2006، ليذكر كيف “نقض الحزب المحكمة الدولية، على رغم القول انه سيحترمها، وكيف قبل ترسيم الحدود مع سوريا، ثم عاد ونقضها، وكيف وافق على عدم تجاوز الخط الازرق، ثم عاد وخرق الخط. ولا ننسى كيف وعدنا الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في 28 حزيران 2006، بان موسم الصيف سيكون ممتازا، فها نحن نتفاجأ بأسوا صيفية تمرّ علينا في تموز 2006”. كل تلك التجارب، في رأي فتفت، لا تشجع على ان نأمل خيرا من الحوار الحالي، أكان ثنائيا ام موسعا.
وما دامت الحال هكذا، لماذا لا تزال كتلة “المستقبل” تشارك في الحوار؟ يجيب فتفت بأن رأيه شخصي، الا ان الكتلة لا تزال تعطي الوقت لاي امكان للتلاقي، علما ان التجارب السابقة لا تشجع. يتذكر فتفت جيدا كيف التزم “حزب الله” اتفاق الدوحة ثم عاد وأسقط الحكومة، وكيف اعلن تأييده لـ”اعلان بعبدا”، ثم عاد وتراجع. كل هذه الاخفاقات، يضعها فتفت في اساس سبب التعطيل الذي نعيشه في حياتنا السياسية. ويرى ان “ما سيجري يوم الاربعاء من خلال استمرار طاولة الحوار هو اتقان لسياسة تضييع الوقت. باختصار، لا ضرورة له، ومعروف سلفا انه لن يؤدي الى اي نتيجة”.
كل هذه “النقمة” لدى فتفت، لا يصبّها على “حزب الله” لمجرد الانتقاد او بسبب الخصومة السياسية، بل لانه يرى ان “الحزب لا يزال ينفذ شروطه على الدولة. هنا بيت القصيد، وما جرى اخيرا عبر تخلية سبيل الوزير السابق ميشال سماحة ابلغ دليل”، في رأيه. ويتدارك: “اي حوار يمكن ان يقدّم نتيجة، والحال هكذا. ما يجري مجرد محاولة الهاء وتسلية، او محاولة ايهام الرأي العام اننا نعمل، وان للسياسيين دورا. كل ما يحدث جدّيا هو خارج اطار الحوار”. ربما يكون كلام فتفت مجرد صرخة او حتى انتقاد ذاتي، لكن صورة طاولة الحوار الاربعاء المقبل، لا شك انها ستعطي اللبنانيين مزيدا من “القرف” والنقمة، والمفارقة ستكون اذا خرج المتحاورون وقالوا انهم لا يزالون يبحثون في مواصفات الرئيس المقبل. هنا يعلق فتفت: “ماذا تعني المواصفات، الطول ام عرض الاكتاف؟ في كل الاحوال، هذه المواصفات “ما بتوفّي” مع الجنرال!”.

ثلاثة احتمالات «تحكم» المرحلة المقبلة.. رئاسياً
ثريا شاهين/المستقبل/22 كانون الثاني/16
أيام قليلة لا بل ساعات، وتتضح صورة المرحلة المقبلة ما بعد ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع لرئيس تكتل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون، بحيث إن المواقف التي سيتخذها الأفرقاء ستحدّد المسار الذي ستسلكه الأمور.
مصادر سياسية بارزة، تقول إن هناك ثلاثة احتمالات ممكنة وهي:
الأول: حصول ما يطالب به دائماً تيار «المستقبل» و14 آذار، أي النزول الى المجلس النيابي وانتخاب رئيس. فإذا كان الموضوع قراراً لبنانياً، عندها يفترض أن يتخذه اللبنانيون. ويبدو أن عون لا يقبل بهذا الاقتراح، ولن تنزل كتلته الى البرلمان إلا إذا كان يضمن مئة في المئة فوزه، عون يرفض النزول الى المجلس للانتخاب إلا ليتم انتخابه هو. وذكّرت المصادر بأنه تحدّث من حيث أُعلن ترشيحه، من معراب، عن الإجماع.
والعديد من النواب الذين يؤيدون توجّه النزول والانتخاب طلب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، عدم انتظار جلسة 8 شباط لحصول الانتخاب، بل أن يدعو الآن الى جلسة للانتخاب.
والاحتمال الثاني هو محاولة «حزب الله»، وكذلك النظام السوري، الضغط من أجل أن يسحب النائب سليمان فرنجية ترشيحه، بحيث يبقى عون مرشحاً وحيداً. وفي هذه الحالة، لن تحصل انتخابات، وكل الاحتمالات مفتوحة أمام «المستقبل» وأفرقاء آخرين في 14 آذار، طبعاً في السياسة بحيث تكون هناك معارضة حتى النهاية تصل الى التعطيل. الاحتمال الثالث، وهو وارد الى حد كبير، وهو بقاء فرنجية وعون مرشّحين، مع بقاء التعطيل قائماً، وعندها لا يتأمن ثلثا الحضور في المجلس، وتبقى الأوضاع تراوح مكانها.
حالياً، وفي هذا الظرف القضية ليست قضية أصوات، وعدد الأصوات لن يكون له معنى في ظل طغيان القرار السياسي على مصير الانتخابات. وتفيد هذه المصادر، أن سبب عدم نزول عون وكتلته الى المجلس للانتخاب مهما كانت النتائج، يعود الى انه يدرك انه سيخسر. فلا رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط الى جانبه، ولا الرئيس بري، وقد يخوض عون معركة لإقناع الحزب للضغط على القطبين اللذين لديهما 23 نائباً لتغيير موقفهما. فضلاً عن أن هناك، مواقف كل من «الكتائب» والمسيحيين المستقلين من النواب.
السؤال الكبير الذي يطرح، هو أين إرادة «حزب الله» الحقيقية؟ إن حظوظ فرنجية أكبر، لكن إذا كان «حزب الله» سيتخذ قرار التعطيل فلن تكون هناك انتخابات.
وتفيد أوساط وزارية، أنه طالما أن فرنجية مرشح فإن تيار «المستقبل» سيدعمه. وان المرشحين يجريان اتصالاتهما لاستطلاع آراء الكتل النيابية. بحيث إنه إذا جرى الذهاب الى الانتخابات، فالسؤال الأساسي المطروح هو هل أن «حزب الله» جدي في انه يريد رئيساً للجمهورية، وهل سيقول انه حليف للمرشَّحين، وان لا مشكلة في اختيار أي منهما، أم انه سيمارس ضغوطاً على فرنجية لينسحب من المعركة الرئاسية؟ هناك وزراء في الحكومة يعتبرون ان الحزب سيقف مع عون فعلاً، وانه سيكون مرتاحاً إذا انتخب.
إذا ذهب الحزب في اتجاه النزول الى الانتخاب ويفوز من يفوز، فإن مواقف الأطراف التي تسهم في حسم العملية، مبني أيضاً على الأغلب لا سيما الكتل والمستقلين المسيحيين على الحسابات الانتخابية النيابية في مناطقهم عندما يحين أوانها.
وكان لافتاً لدى الأوساط الوزارية، موافقة عون على النقاط العشر التي أعلنت في معراب، والسؤال هو كيف جرت هذه الموافقة لا سيما وان عون متحالف مع طرف يعبّر عن رفضه للقرارات الدولية، أي «حزب الله»، لا سيما القرار 1559 الذي يعني انهاء سلاح الحزب، والقرار 1701 والذي من بين بنوده ما يصب في هذا التوجه، والقرار 1757 الخاص بالمحكمة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟
النقاط العشر هي في صلب مبادئ قوى 14 آذار. ومن ضمنها علاقات جيدة مع الدول العربية، مع ما يعني ذلك ان المملكة في مقدمها. وعون متحالف مع حزب تابع لإيران، ومواقف الحزب واضحة حيال المملكة. فهل عاد عون الى حظيرة 14 آذار، أم ان مبدأ الحزب في التعاطي مع قبول عون بالنقاط العشر هو «تعا وحكي شو ما بدك»؟ في مسألة توفير النصاب، لا يمكن أن يتوافر فيما لو كان الحريري معارضاً لأن تتوجه كتلته الى المجلس لهذه الغاية. هناك اتصالات واسعة بين قيادات 14 آذار، وهي تدور حول التأييد لعون أم لا، كما تدور حول الشكل الذي يجب أن يتخذه عدم التأييد في حال تقرّر ذلك. إن الاحتمالات متعددة تبدأ من عدم التأييد وصولاً الى المقاطعة.