حامد الكيلاني: سوق تبادل الجوع والموت في البورصة الفارسية/ألكس راول: رجل الدين النيجيري، ابراهيم الزكزاكي قضية جديدة لحزب الله

273

سوق تبادل الجوع والموت في البورصة الفارسية
حامد الكيلاني/العرب/20 كانون الثاني/16

شكسبير في جملته “أكون أو لا أكون” من مسرحية هاملت، أو ديكارت في مقولته “أنا أفكر إذن أنا موجود” وغيرهم من كتاب وشعراء ومفكرين وفنانين، اختصروا ذواتهم أو حياتهم أو مجدهم وخلودهم بمفردات موجزة لا أبالغ إذا قلت إنها كانت حربهم الخاصة التي كان يجب أن يخوضوها وينتصروا في نهايتها لمصيرهم. ولعل كافكا أكثر أثرا في ما أريد أن أبني عليه، عندما قال “أنا خائف إذن أنا موجود” لأنه في خوفه يَعُدُ العدة لمقاومة ما يمكن أن يهدد وجوده، ويزيد من طاقة تفكيره لإنتاج الأساليب، وصولاً إلى ذروة التركيز للتفكير الصحيح وبلوغ الهدف في حماية الفرد أو المجموعة أيضاً.
من تاريخ العراق، أمثلة ممتدة الأزمنة لمواجهات عنف واجتياحات متكررة لموجات همجية، أكثرها فداحة بحجم الخسائر في البشر أو التدمير، هي تلك التي رافقت قلة التحسب للعدو وضعف كيان الدولة وعدم الشعور بوحدة المصير المشترك بين العرب.
الحكاية ذاتها، تتداعى حدود شرق العراق ويتدفق الشر بعدها إلى سوريا وهكذا، مغولاً أو فُرساً أو أقواما أخرى، لكن ما ينطبق على الماضي هل بالإمكان أن يجري تطبيقه على الحاضر مع كل ما جادت به البشرية في القرن العشرين، بعد تجارب حربين عالميتين وحروب إقليمية وما تمخض عنها من اتفاقات وعلاقات وإنشاء منظومات أممية متعددة الاهتمامات للحفاظ على السلم العالمي، واستقرار مفاهيم التعايش والتطور الحضاري والتكنولوجي، وضمان حقوق الإنسان وعدم الحط من كرامته وكبريائه وحقه في العيش، وأهمها توفير أمنه الغذائي وإبعاد جائحة الجوع عن الشعوب. ما يخطر ببالي مباشرة، عادات أهلنا في مدينة الموصل، من تأمين المواد الأساسية وتخزينها في أماكن خاصة وجهد الأسر في الإعداد والاعتماد على نفسها في توفير حاجة الأفراد لفصل أو أكثر، لاستمرار الحياة في حالات القحط الشديد وقلة كميات المطر في مواسم الزراعة.
الحقيقة أن مدينة الموصل تعرضت أكثر من مرة للحصار من قبل الأعداء، وشاهدها البطولي مقاومتها لحصار نادر شاه في منتصف القرن الثامن عشر بعد سلسلة مآس في المدن العراقية الأخرى، وعلى الرغم من جيشٍ بلغَ تعداده 300 ألف مقاتل مع أعداد كبيرة من المدافع لكنهم عجزوا عن اقتحام المدينة لبسالة الأبناء وبطولاتهم الاستثنائية، وأيضاً لتكديس مستلزمات العيش من محاصيل زراعية وكذلك المواشي وخشب التدفئة.
الصراع كان حينها لذات الأسباب المذهبية والطائفية، ومع تعجيل الانتقال إلى حاضرنا، ما كان لنا أن نصدق ما يجري في بلدة مضايا السورية لولا حقائق الأرض ورصد الهواتف النقالة والناشطين الذين دونوا واقع حصار أكثر من 40 ألف إنسان أغلبهم من مهجري مدينة الزبداني المتاخمة للحدود اللبنانية والمدمرة بالكامل، تم زج الناس في البلدة وأغلقت منافذها الرئيسية وطوقت جهاتها الجبلية بالألغام ولمدة 7 أشهر من قوات النظام الحاكم ومن الميليشيات الإيرانية التي ارتهنت الدولة اللبنانية لمشروع ولاية الفقيه.المحاصرون، عاداتهم في التموين والإعداد تشبه إلى حد كبير عادات أهلهم العرب في الموصل، لأنهم يستعدون بجهود ربات البيوت لفصل الشتاء وأيام الثلج، لكنهم لم يتحسبوا لحصار خانق من حاكم يفترض به أن يحميهم ويدافع ويمنع عنهم تغول التطرف ونيات الميليشيات الطائفية التي كانت عوائلهم في ضيافة أهل الزبداني والبلدات التابعة لها ومنها مضايا أيام حرب 2006 مع العدو الصهيوني. على حدود العراق من جهة الشرق، إيران ومشروعها القومي الفارسي يتمدد بشعاراته الطائفية في البلدات التابعة لمحافظة ديالى وضحيتها الكبرى المقدادية وما يجري فيها من إبادات وتدمير وتهجير، لتأمين وضمان الشريط الحدودي داخل عمق العراق من الجنوب إلى إقليم كردستان لبسط سيطرة الميليشيات الإيرانية ومشروعها الطائفي الذي تجهر به ليل نهار، وفي الجهة المقابلة عبر امتداد الأرض العراقية السورية، أي الحدود الغربية المحاذية للبنان، حيث تجري السيطرة على الشريط الحدودي بذات النهج والأهداف السياسية والطائفية.
المشروع الفارسي لولي الفقيه يطبق بفكيه على حدود العراق الشرقية وحدود سوريا الغربية المتاخمة للبنان، وما حدث من اتفاق في منطقة الزبداني بين إيران وجهات من المعارضة السورية في تركيا، لا يمكن تحجيم أهدافه في النواحي الإنسانية لصراع الحصار المتبادل بطابعه الطائفي بين بلدتي كفريا والفوعة من جهة، والزبداني وبلداتها من جهة أخرى.
إنه اتفاق مصغر وبالون اختبار لمشروع التقسيم الطائفي القادم بقوة من خلال مساعي طهران ونظامها بإذكاء الحروب العبثية وتدمير العرب وجرهم إلى خندق طائفي مقابل.
العرب بشبه إجماعهم على مجابهة التحديات الكبرى وبكل الوسائل وبشجاعة واعتمادهم على عمق أمتهم العربية والإسلامية وتحديهم للإرهاب بوجهيْ عملة التطرف المذهبيتين، إنما ينفتحون على حلم وحدتهم بواقعية تعادل خوفهم على مستقبل أجيالهم كأمة، وعلى مصير شعوبهم التي اكتشفت بالتجربة فادحة الثمن، أن المأساة توحدهم وأن المخاطر والتحديات جوهرها فُرْقَتهم والتفرد بهم وعزلهم وتطويقهم باليأس والعجز، ومحاربتهم حتى بسلاح التجويع حتى الموت.
ولي الفقيه الفارسي يريد كل شيء، العرب، أمتهم، دينهم، تاريخهم، حياتهم، كعبتهم، بغدادهم، ألا يكفي ذلك أن نكون أو لا نكون، أو نفكر إذن نحن موجودون، أو نخاف على مستقبلنا بما يكفي لنتوحد وننتفض على صبرنا وحلمنا تجاه من لا يراعي حرمة لجار أو إنسانية أو دين أو تعايش تمليه القوانين السماوية والوضعية. إيران كنظام سياسي ودور حمامة السلام والأفلام العاطفية مع روسيا وأميركا وغزل المصالح الأوروبية وما يأتي من رفع جزئي للعقوبات وإطلاق سراح ما يقارب من 50 مليارا من أرصدتها المجمدة، يجب ألا يكون على حساب العرب أو زيادة دعم أوجه الإنفاق على الفتن الطائفية في منطقتنا.
أستنجد بما آلت إليه مشاعر المهمشين في المدن العربية ومنها الموصل وديالى والمقدادية ومضايا والزبداني وكفريا والمعضمية وتعز، بل مواطني دول كالعراق وسوريا ولبنان واليمن ودول أخرى تحت يد الإرهاب وملفات المشروع الطائفي الفارسي، السؤال هو هل يمكن العيش أو الحياة مع من لا يمكن الاتفاق معه؟
محاولات بعض الساسة والقادة اللعب على الأديان والطوائف وارتداء زي رجال الدين وتناوب الأدوار والحماسة في حماية الشريعة مرة، وحماية القوانين مرة أخرى، أو دفع الناس لمزيد من الطقوس يقابلها في الحقيقة غياب أبسط الحقوق الإنسانية حتى البدائية منها، وهي حق الإنسان في العمل والحصول على الطعام.
ظاهرة انعدام تأثيرات التقدم الحضاري وعدم تجاوز سقطات الوعي الإنساني كما في حصار مدينة الموصل قديماً، زمن نادر شاه الفارسي وهزيمته المنكرة وفشله في اختراق صمود قلعة الموصل (باشطابية) التي تصلح أن تكون نموذجاً بطولياً لردع ودحر كل مدارس الإرهاب وأخطرها نظام ولي الفقيه الفارسي ومشتقاته الإرهابية من داعش وغيرها، إنه نظام نادر في كراهيته للعرب والحياة ولا يعترف أبداً بمقولة شاعر مثل اللورد بايرون “أنا أحب إذن أنا موجود” لكن اقتراب موعد مباحثات جنيف، سيوسع الأحداث على طاولة النزاعات وحصار المدن ويعيد مفردة “الإنسانية” للاستخدام السياسي، ويفتح بابا واسعا لنفاق المصالح الإقليمية والدولية على حساب الأبرياء.

رجل الدين النيجيري، ابراهيم الزكزاكي قضية جديدة لحزب الله
ألكس راول/لبنان الآن/19 كانون الثاني/16
ليس من الغريب على أمين عام حزب الله حسن نصرالله أن يتطرّق في خطاباته المتلفزة من حين إلى آخر، إلى أحداث تجري خارج الحدود اللبنانية. بل على العكس من ذلك، غالباً ما تحتلّ التطورات في العالم العربي، لا سيّما في مناطق النزاع مثل سوريا وفلسطين، جزءاً هاماً من تصريحاته التي يشاهدها مناصروه وأعداؤه على حد سواء. إلا أن من النادر أن تستنفذ منطقة غرب أفريقيا انتباه هذا القائد، لكن هذا التحوّل حصل أثناء خطاب له في 21 كانون الأول، وبدا واضحاً. “قبل أن أتطرّق إلى الحدث الأبرز” – وهو اغتيال اسرائيل للقائد العسكري في حزب الله سمير القنطار في دمشق- “أُريد أن أذكر أيضاً […] حادثاً دموياً حصل في نيجيريا قبل أيام قليلة”، قال نصرالله أمام الكاميرا. “أتحدّث عن المجزرة المرعبة في مدينة زاريا، 260 كلم شمال أبوجا التي أودت بحياة مئات أتباع الحركة الاسلامية على يد الجيش النيجيري، بالاضافة الى اعتقال قائد الحركة فضيلة الشيخ العالم، المجاهد ابراهيم الزكزاكي”. وناشد نصرالله الحكومة النيجيرية إطلاق سراح زكزاكي و”القبض على المسؤولين عن الحادث ومحاسبتهم”، ومن ثم تحدّث عدة دقائق عن فضائل هذا الشيخ النيجيري- “ثلاثة من أبنائه قُتلوا قبل عام خلال مسيرة يوم القدس، إحياءً لقضية القدس وفلسطين”- خالصاً الى القول إنّ “أكثر ما نخشاه هو وجود أيادٍ أميركية أو اسرائيلية أو تكفيرية خلف هذا العمل الفظيع الذي ارتكبه جنود في الجيش النيجيري، لوضع نيجيريا وحكومتها وجيشها وشعبها في مواجهة فتنة مخيفة، كما يحدث في العديد من البلدان في المنطقة”. ولم يكن نصرالله السياسي الشرق أوسطي الوحيد الذي عبّر فجأة عن اهتمام غير مسبوق في الشؤون النيجيرية. حيث أطلق رجل الدين العراقي الشهير مقتدى الصدر تصريحاً دعا فيه أبوجا إلى إطلاق سراح زكزاكي، كما دعا “شعب العراق” إلى التظاهر تكريماً له. وقد وصل الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى حدّ الاتصال شخصياً بنظيره النيجيري، محمد بحاري، للتعبير عن تذمّره، في حين عبّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن انزعاجه ممّا حصل لوزارة الخارجية النيجيرية. وحتى المرشد الأعلى للثورة في إيران، آية الله علي خامنئي، وضع على “تويتر” صورةً يظهر فيها جنباً الى جنب كل من القنطار، ومؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين، الشيخ السعودي المعدوم مؤخراً نمر النمر، وزكواكي، تحت عنوان: “لا يمكن إخماد الصحوة”.
ما الذي حصل تحديداً في نيجيريا لجعل هذه الشخصيات المتباينة مستخدمة جداً؟ وما الذي يجمع ما بين رجل دين معروف جداً في نيجيريا وكبار قادة الميليشيات في لبنان، والعراق، ورئيس إيران؟ فيما يلي يعالج NOW هذه الأسئلة الواحد تلو الآخر.
“خسارة فعلية في الأرواح”
ممّا لاشك فيه بأنّ عدداً كبيراً من أفراد الحركة الاسلامية في نيجيرية (IMN) – ربما أكثر من 300- قُتلوا على يد الجيش النيجيري في زاريا بين 12 و14 كانون الأول 2015، وفقاً لمنظمات حقوق انسان دولية.
وفي حين يزعم الجيش بأنّه أُجبِر على إطلاق النار على حشد مناصري الحركة الاسلامية الذين كانوا يحاولون اغتيال رئيس الأركان، توكور بوراتي، بينما كان يمر في المدينة، تقول منظمة هيومن رايتس ووتش – التي نشرت تقريراً مفصلاً يستند الى فيديو وإلى شهادات شهود عيان- إنّ هذه “الرواية للأحدث ليست متماسكة”، بل إنّ الجيش قام بإطلاق الرصاص الحي على الناس الخارجين من أحد مراكز الحركة الاسلامية “بدون أي استفزاز خارجي”- أفراد الحركة مسلمون شيعة- ما دفع الحشد الغاضب الى حمل العصي والحجارة والنزول الى الشارع احتجاجاً، كما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش. ففتح الجيش النار على الحشد، قاتلاً العديد منه، ومن ثمّ تقدّم الى منزل زكواكي، حيث تجمّعت مجموعة أخرى من أفراد الحركة الاسلامية لمنع اقتراب الجيش. وتم اطلاق النار على هؤلاء أيضاً، ومن ثم جرى اعتقال زكزاكي، الذي أصيب بجروح، واعتُقلت معه زوجته زينات. “في أفضل أحوالها تُعتبر هذه ردّة فعل مبالغ فيها، وفي أسوأ الأحوال تُعتبر اعتداءً مخططاً له على هذه المجموعة الشيعية التي تعتبر أقلية”، كما قال المدير الأفريقي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، دانيال بكيلي. وفي بيان صحافي، قال مدير منظمة العفو الدولية في نيجيريا م.ك ابراهيم إنه “في حين لا تبدو حصيلة الوفاة النهائية واضحة، لا شك بأنّ كان هناك خسارة كبيرة في الأرواح على يد الجيش”. لا يزال زكزاكي وزوجته في الاعتقال “أحياء وفي صحة جيدة”، وفقاً للمتحدث باسم الشرطة. وفي حديث لموقع NOW الاثنين الماضي، قال المتحدث باسم الحركة الاسلامية النيجيرية ابراهيم موسى بأنّ زكزاكي ممنوع من استقبال أي زوار، بما فيهم المحامون والأطباء- على الرغم من تقارير شهود عيان تحدّثت عن تعرّضه لاطلاق النار أربع مرات أثناء عملية الجيش. “لم يره أحد أو يتحدّث اليه”، قال موسى، “نعتقد أنه في وضع مزر يتطلّب عناية طبية”. ولدى سؤاله عمّا إذا كان يتوقّع إطلاق سراح زكزاكي في وقت قريب، أجاب موسى بالنفي، ذاكراً النقد الكبير الذي يوجّهه المسؤولون ووسائل الإعلام المحلية للحركة الاسلامية واصفينها بـ”الدولة صعبة المراس ضمن الدولة”، والتي تهدد الأمن القومي. “نعتقد بأنّ الحكومة اتخذّت قرارها بشأن أتباع الشيخ ابراهيم زكزامي والحركة الاسلامية”، قال موسى لـNOW، “نعتقد بأنّ ما يحصل اليوم ليس من صنيع الحكومة بحد ذاتها، بل من فعل المؤامرة الوهابية الصهيونية ضد الحركة”.
“أتباع تعاليم الإمام الخميني”
لم يكن مصادفةً أن تحمل ملاحظة موسى الأخيرة أصداء ما عبّر عنه نصرالله حول وجود “أيادٍ إسرائيلية أو تكفيرية”، فما يجمع الحركة الاسلامية بالعديد من المجموعات الشيعية في لبنان والعراق وغيرهما، هي علاقات سياسية وعقائدية- وعلى حد اعتقاد العديد من المحللين، علاقات تنظيمية ومالية- بالنظام الحاكم في طهران. أما كيف أصبح مواطنو نيجيريا- هذا البلد حيث لم يكن المذهب الشيعي معروفاً فيه قبل 40 عاماً- جزءًا من كيان سياسي عابر للأوطان، فهي قصة لا تنفصل عن حياة رجل واحد، هو الشيخ ابراهيم الزكزاكي. انخرط زكزاكي، 63 عاماً، في النشاط الاسلامي منذ أيام مراهقته في أوائل السبعينات. وُلد مسلماً سنّياً، وبدأ حياته السياسية كمناصر للإخوان المسلمين، وقيل إنّه كانت تجمعه علاقات صداقة بالمجموعة- التي تضم في صفوفها محمد يوسف، مؤسس الحركة الجهادية المعروفة اليوم باسم بوكو حرام- حتى التسعينات. إلاّ أنّه ومنذ أوائل الثمانينات، قام زكزاكي بزيارة تحولية الى إيران، التي كان آية الله روح الله خميني قد أمسك فيها السلطة للتو، وبعد تلك الزيارة تحوّل إلى شيعي. منذ منتصف الثمانينات، الدعوات المتكررة لزكزاكي للاقتداء بالثورة الايرانية في نيجيريا أكسبته زيارات متكررة إلى السجن، لكن الزخم خلف الحركة الاسلامية (التي انشقت عن الإخوان المسلمين عقب تحوّله إلى المذهب الشيعي) كان يزداد مع كل اعتقال له. واقتداءً بزكزاكي، ازدادت أعداد معتنقي الشيعية ليقارب عددهم بعدما كانوا عبارة عن أقلية ضئيلة الى ما بين “عشرات الآلاف” و”ثلاثة ملايين”.
قد يكون هناك ما يقارب الثلاثة ملايين نيجيري، يسعون ظاهرياً الى استبدال الحكم الجمهوري الديمقراطي الموجود لديهم الآن بولاية الفقيه، أي النموذج الإيراني للحكومة الدينية التي أسسها الخميني والتي يطالب بها علناً على موقعهم الإلكتروني أفراد الحركة الاسلامية النيجيري (المزيّن بصور الخميني وخليفته، خامنئي، وإلى جانبهما زكزاكي). وفي خطاب أثناء مؤتمر الإمام الخميني في لندن، أوضح زكزاكي مدى إعجابه بالخميني. “العالم بحاجة إلى أفكار الإمام الخميني […] ما يتبقّى للعالم هو اتّباع تعاليم الإمام الخميني. لا يمكننا الحديث عن الإمام الخميني وكأنه قائداً سابقاً، أو قائداً أكبر سنّاً، هو لا يزال القائد، والحمد لله بأنّ خلفه كان السيد علي خامنئي، حماه الله، حيث لا تزال تعاليم الإمام مستمرة كما لو أنّ الإمام نفسه لا يزال على قيد الحياة”. وفيما يتعدّى الالتزام بولاية الفقيه، يمكن وصف سياسة زكزاكي بالمعادية للأميركيين وللإسرائيليين، وتغذّيها نظرية المؤامرة والمعاداة للسامية. وفي دراسة له حول موضوع “الإرهاب” نشرها على موقع IMN الإلكتروني، يزعم في معرض ذلك، بأنّ الحكومة الأميركية نفّذت اعتداءات 11 أيلول، وبأنّ الحكومة الإسبانية نفّذت تفجيرات القطار في مدريد عام 2004، وبأنّ الـCIA اغتالت الرئيس جون.ف. كينيدي. ويشدد فيها على أنّ “لا أحد ينفي حقيقة أنّ “يهودياً واحداً لم يُقتل” في اعتداءات 11 أيلول، ويرى أن المستفيد من الحرب على العراق، هو “الشعب اليهودي”، أما إسرائيل “فكافة مواطنيها، 100% هم إرهابيون”.
وبالتالي قد لا يكون من المفاجئ بأنّ وجهات سفر زكزاكي، تشمل اليوم بالإضافة إلى لندن، لبنان الذي زاره العام الماضي، وجال على مواقع عمل حزب الله (بينها مدافن شهداء المقاومة، وسجن الخيام، ومتحف المقاومة في مليتا)، وحضر مؤتمر الاتحاد الدولي للمقاومة، وقام بمقابلة مطولة مع تلفزيون المنار (حاول خلالها أن يصل ما بين أحداث حصلت في أفريقيا وأخرى في الشرق الأوسط، حيث قال إنّ داعش، وجبهة النصرة، وبوكو حرام، والشباب الجهادي في الصومال كلهم موظفون من قبل الغرب وإسرائيل).
حزب الله النيجيري؟
يثير تاريخ العلاقات مع حزب الله – إلتقى وفد من IMN بمسؤولي الحزب في بيروت عام 2012 – أسئلةً حول احتمال تسليحهم في قتالهم مع الدولة النيجيرية. وأصرّ موسى، المتحدّث باسم IMN أمام NOW على أنّ علاقاتهم بحزب الله كانت مجرّد مسألة “وجهات نظر مشتركة”، ولا يوجد شيء “مالي أو عسكري أو أي شيء من هذا القبيل”. لكن عام 2013، اكتشف الجيش النيجيري مخزناً للأسلحة يمتلكه لبناني، هو طلال أحمد روضة في مدينة كانو، على بعد 160 كلم شمال شرق زاريا. وفقاً لأوراق من المحكمة النيجيرية، اعترف روضة ولبنانيان آخران، اعتُقلا معه بأنهم جزء من خلية تابعة لحزب الله في البلد. وحُكم روضة بالسجن مدى الحياة لامتلاكه أسلحة بشكل غير قانوني (ليُطلق سراحه في كانون الثاني 2015)، ولكن نُفيت عن الآخرين تهمة الارهاب بناء على أنّ حزب الله لا يُعتبر منظمة ارهابية حسب القانون النيجيري. ومع ذلك، في شباط 2015، اتهمت وزارة الخزانة الأميركية اثنين من الثلاثة- مصطفى فواز وعبدالله طحيني- ومعهما شقيق فواز، فوزي، بالقيام بنشاطات عسكرية ومتعلقة بجمع المال بالنيابة عن حزب الله في نيجيريا. وقال موسى لـNOW إنّ الحركة الاسلامية النيجيرية “ليس لديها اي علاقات” بالجالية اللبنانية الكبيرة في نيجيريا. غير أنّ محللين أمنيين في البلد، قالوا العكس تماماً.
“لدى الدولة النيجيرية الكثير من المعلومات التي تجمع الـ IMN بمئات اللبنانيين المقيمين في نيجيريا، لاسيما اللبنانيين الموجودين في كانو”، قال لـ NOW شتا نوانز، رئيس قسم الابحاث في استخبارات SBM، “يعتقدون بقوة بأنّ هذه قاعدة للتنسيق بين حزب الله ولبنان”. هكذا، في أعقاب أعمال القتل في زاريا العام الماضي، تتزايد المخاوف في نيجيريا من أن تتطور الحركة الاسلامية- بمساعدة حزب الله- لتصبح قريباً جناحاً عسكرياً كاملاً. وقد اتُّهِمت الحركة في الحقيقة بأعمال عسكرية متفرّقة وعلى مستوى خفيف للعديد من السنوات، معظمها موجّهة ضد منافسيهم السنّة. وقد زعمت برقية مسرّبة للسفارة الأميركية تعود الى شباط 2008 بأن “معسكرات تدريب للحركة الاسلامية توجد في الشمال”، على الرغم من أن الكاتب، الذي كان حينها السفير روبن ساندرز، لم يعتقد حينها بوجود “تهديد كبير للنضال المستوحى من الشيعة”. واليوم، يخشى محللون من أن أي تمرد للحركة الاسلامية لم يعد احتمالاً بعيداً، بما أن الحركة تواجه اعتداءات من قبل الدولة ومن قبل مجاهدي بوكو حرام- الذين قتلوا 22 عضواً من الحركة كانوا يسيرون في كانو في ذكرى عاشوراء في تشرين الثاني 2015 بتفجير انتحاري. “المزيد من الأعمال ضد زكزاكي ومناصريه، لا سيما إذا ما كانت مخالفة للقانون، قد تجعل الحركة الاسلامية النيجيرية، كما كانت الحال مع بوكو حرام، تعبّر عن ظلم الدولة النيجيرية لها بأعنف السبل”، كتب الأسبوع الماضي، ريان كامينكز، المحلل الأساسي للشؤون الافريقية في red24. ولا داعي للقول إنّ الثورة كاملة من قبل بوكو حرام- التي سمّت نفسها ولاية غرب أفريقيا عقب تعهدها بالولاء لداعش في آذار 2015- التي بدأت بالغليان في شمال شرق نيجيريا، تجعل المحللين يتخوّفون جدّياً من احتمال أن تطلق IMN ثورتها في أراض متاخمة. “الجيش النيجيري بدأ أصلاً بالتمدّد في قتال بوكو حرام، هناك عنف في وسط الشمال واحتمال حصول تمرّد جديد في دلتا النيجر، عندما سينتهي برنامج العفو الرئاسي في غضون أسبوعين”، كتب نوانزه على موقع SBM الالكتروني، “بالاضافة الى أنّ تمرداً شيعياً قوياً يدعمه الملايين في قلب نيجيريا هو الوصفة لكارثة لا يمكن لنيجيريا تحمّلها”.
جميع العيون على إيران
في النهاية، يقول محللون، إن العامل المتغيّر الحاسم في المعادلة هو ايران، الدولة التي تدعم حزب الله، ومهما كانت احتجاجات الحركة الاسلامية، فقد دعمتها منذ اعتناق زكزاكي للمذهب الشيعي في أوائل الثمانينات. فإذا أرادت ايران للوضع أن يتدهور- و”بأن تتحوّل مسألة صغيرة الى قضية كبرى”، وفقاً لتعبير الرئيس روحاني- فهي ستقوم بذلك. غير أنّ نوانزي، وغيره، قالوا لـ NOW إنهم لا يعتقدون بأنه تم الوصول الى مرحلة الثورة المسلحة. بل بدلاً عن ذلك، حتى اللحظة، قد تكتفي إيران باستغلال قضية زكزاكي سياسياً كوسيلة أخرى لتقويض حكومة صديقة للغرب، فتقدّم نفسها على أنها مدافعة عالمية عن المصالح الاسلامية (وبشكل خاص عن مصالح الشيعة)، في حين أنّ همّها هو توسيع نطاق سلطتها، بكل السبل. “على الأرجح فإنّ إيران تحاول أن تلعب دوراً علنيًا أكثر مع عملائها لتبيان وحدة الشيعة في ظل قيادة إيران”، قال لـ NOW الباحث في جامعة ماريلاند والمتخصص في الشؤون الاسلامية الشيعية، فيليب سميث، “هي تحاول مما لا شكّ فيه أن تقدّم نفسها على أنها ممثلة عالمية للمذهب الشيعي. يكفي النظر الى الوضع في سوريا، والعراق، ومؤخراً مع اعدام السعودية للشيخ نمر النمر”.قد لا تعاني نيجيريا من مستويات الرعب التي نشاهدها في سوريا والعراق، ولكن مع اندلاع أعمال القتال وغليانها غير المسبوق تاريخياً حول العالم، يبدو للأسف بأنّ المواد التي ستساهم في احتراقها وتأججها أكثر من متوفرة.
هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية
(ترجمة زينة أبو فاعور)