خيرالله خيرالله: الفائدة من تبني سمير جعجع لترشيح ميشال عون//خيرالله خيرالله: متى ترفع إيران عقوباتها عن لبنان

546

الفائدة من تبني سمير جعجع لترشيح ميشال عون
خيرالله خيرالله/العرب/20 كانون الثاني/16

يعتبر تبنّي الدكتور سمير جعجع ترشيح النائب المسيحي ميشال عون لرئاسة الجمهورية حدثا في غاية الأهمية في لبنان، خصوصا أنه سيكشف ما إذا كانت هناك نية لدى معرقلي انتخاب رئيس للبنان في تغيير موقفهم. لعلّ أهمّ ما في الحدث أنّ جعجع تلا على عون في المؤتمر الصحفي المشترك بيانا لا يؤمن الأخير بأيّ كلمة فيه، خصوصا أنّه بيان يتضمّن كل المبادئ التي تنادي بها حركة الرابع عشر من آذار التي قامت من أجل استعادة لبنان لحرّيته واستقلاله وسيادته. قبل كلّ شيء، لا يمكن إلا الترحيب بأي تقارب مسيحي – مسيحي في لبنان، خصوصا في حال كان لهذا التقارب مضمون ما، وفي حال ساهم في انتخاب رئيس للجمهورية بعد ما يزيد على تسعة عشر شهرا على شغور هذا الموقع ووضع إيران، عن طريق “حزب الله”، عراقيل في وجه انعقاد جلسة لمجلس النوّاب يُنتخب فيها رئيس للدولة. في تاريخه السياسي والعسكري الطويل، لم يعمل ميشال عون سوى من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية بأيّ ثمن كان. هل صار القائد السابق للجيش اللبناني الذي أدخل الجيش السوري إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية مهتما في السنة 2016 بوثيقة الوفاق الوطني، أي باتفاق الطائف، وبحصر السلاح بالقوى الشرعية اللبنانية، أي بالجيش وقوى الأمن الداخلي؟
الأكيد أن عون صفّق لجعجع من دون أن يسمع أي كلمة قالها الأخير في المؤتمر الصحفي المشترك أو يستوعب معنى الكلام الصادر عن رئيس حزب “القوات اللبنانية” ومغزاه. كان كلّ همّه محصورا في سماع تبني “القوات اللبنانية” لترشيحه للرئاسة.
من الواضح أن سمير جعجع أراد من خلال تبنّيه ترشيح ميشال عون خلط الأوراق السياسية في لبنان. بكلام أوضح، أراد الردّ على الرئيس سعد الحريري الذي عقد اتفاقا مع الوزير السابق والنائب الحالي سليمان فرنجية “صديق بشّار الأسد” الطامح، بدوره، إلى أن يكون رئيسا للجمهورية.
على خلاف ميشال عون، بقي سليمان فرنجية دائما في خط سياسي معروف. ذهب بعيدا في مرحلة معيّنة في ممالأة النظام السوري وفي قول كلام عن “المقاومة” وما شابه ذلك. كان عليه قول هذا الكلام الذي يعرف أنّه ليس صالحا سوى للاستهلاك الداخلي وتمرير الوقت في أحسن الأحوال.
لكنّ ما لا بدّ من الاعتراف به أنّ سليمان فرنجية لم يلعب يوما دور المنافق كما فعل غيره. كان معروفا في كلّ وقت أنّه ورث زعامة جدّه سليمان لأنّ عمه روبير قال كلاما جريئا، بل جارحا، للرئيس السوري حافظ الأسد في العام 1988 بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل. وقتذاك، تخلّى الأسد الأب عن ترشيح سليمان فرنجية الجدّ لرئاسة الجمهورية بحجة أنّه مرفوض أميركيا، فما كان من روبير فرنجية إلا أن اتّهم حافظ الأسد بـ”قلة الوفاء” في جلسة بينهما.
كان ردّ فعل الرئيس السوري الراحل أن طلب أن تنتقل زعامة آل فرنجية إلى سليمان الحفيد واضعا نهاية للحياة السياسية لروبير فرنجية.
هذه، بكل بساطة واختصار، قصّة سليمان فرنجية الحفيد الذي اغتالت مجموعة كتائبية، على رأسها إيلي حبيقة، والده وأمه وأخته. كان سمير جعجع ضمن المجموعة التي توجّهت لتنفيذ عملية الاغتيال في إهدن يوم الثالث من حزيران ـ يونيو 1978، لكن الذي حصل استنادا إلى شهود العيان أن جعجع أصيب في الطريق إلى إهدن ونقل إلى المستشفى. على الرغم من ذلك، تصالح سليمان فرنجية مع إيلي حبيقة وبقي خصما لدودا لسمير جعجع، لا لشيء سوى لأنّ النظام السوري يريد ذلك. فحبيقة انتقل من الحضن الإسرائيلي إلى الحضن السوري، فيما حافظ سمير جعجع على مواقفه المعروفة، بما في ذلك تأييده اتفاق الطائف في العام 1989 وقبوله حلّ ميليشيا القوات اللبنانية وبيع سلاحها.
من حقّ سمير جعجع الاعتراض على سليمان فرنجية، الذي ظلمه، ولكن هل من حقّه تبنّي ترشيح ميشال عون للرئاسة؟
توصّل سمير جعجع إلى تفاهم مع ميشال عون قبيل خروج أمين الجميّل من قصر بعبدا في أيلول ـ سبتمبر 1988. لم يحترم ميشال عون الاتفاق الذي جعل منه رئيسا لحكومة مؤقتة في انتظار انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بدل تنفيذ المهمّة الوطنية الموكولة إليه، حصر ميشال عون طموحه في القضاء على “القوات اللبنانية” التي كانت لا تزال ميليشيا مسلّحة، لعلّ ذلك يقنع السوري بإيصاله إلى رئاسة الجمهورية. بين 1988 و1990 دارت حروب بين عون وجعجع. معظم المسيحيين الذين هاجروا من لبنان، إنّما هاجروا بسبب تلك الحروب.
هل تغيّر شيء في ميشال عون في السنة 2016، كي يصبح في الإمكان تبني ترشيحه لرئاسة الجمهورية؟
الأكيد أن شيئا لم يتغير، كما أنّه لا يمكن لشيء أن يتغيّر في الرجل. الدليل على ذلك، أن جبران باسيل، صهر عون ووريثه، الذي يشغل حاليا موقع وزير الخارجية، كان في الواقع وزير خارجية إيران في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة. كان الهدف من الاجتماع التضامن مع المملكة العربية السعودية بعد إحراق الجمهور الإيراني “الغاضب” سفارتها في طهران والقنصلية في مشهد. ماذا فعل باسيل في الاجتماع الذي كان فيه مزايدا حتّى على وزير الخارجية العراقي المعروف بعلاقته الوثيقة بطهران؟
ليس سرّا أنّ وزير الخارجية اللبناني ذهب إلى أبعد حدود في إثارة الشكوك العربية في قدرة ميشال عون على أن يكون خارج وصاية “حزب الله” وسيطرته.
هل هذا هو الرئيس الذي يريد سمير جعجع، الرجل المبدئي، إيصاله إلى قصر بعبدا؟ هل يستطيع ميشال عون التراجع عن وصفه للشهيد جبران تويني بأنّه كان “مياوما”؟ هل يستطيع العودة عن تبريره لاغتيال “حزب الله” الطيار سامر حنا لمجرّد أنّه حلّق في هليكوبتر تابعة للجيش اللبناني في منطقة لبنانية يعتبرها الحزب محظورة على جيش البلد؟
هذا غيض من فيض الأسئلة التي يمكن طرحها على شخص مثل ميشال عون قبِل يوما أن يكون “جنديا صغيرا في جيش حافظ الأسد” من أجل أن يقبل به الأخير رئيسا للجمهورية…
في كلّ الأحوال، هناك فائدة لتبنّي “القوّات اللبنانية” ترشيح ميشال عون. تتمثّل هذه الفائدة في معرفة هل يمكن لـ”حزب الله” السماح بعقد جلسة لمجلس النوّاب يتنافس فيها سليمان فرنجية وميشال عون على الرئاسة؟ هذا هو السؤال الذي سيطرح نفسه بإلحاح في الأيّام القليلة المقبلة في وقت سيطغى تبني ترشيح “القوّات” لميشال عون على فضيحة إطلاق المحكمة العسكرية ميشال سماحة المدان بنقل متفجرات إلى لبنان وسوريا، ومحاولته قتل لبنانيين لإثارة فتنة طائفية ومذهبية!

 

متى ترفع إيران عقوباتها عن لبنان؟
خيرالله خيرالله/المستقبل/20 كانون الثاني/16
تحرّكت الإدارة الأميركية على وجه السرعة واتخذت كلّ الإجراءات المطلوبة من اجل مباشرة التطبيع مع طهران، وذلك في ضوء اعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التزام ايران بنود الاتفاق في شأن ملفّها النووي. فرّقت واشنطن بين الملفّ النووي الإيراني وكلّ السياسات الأخرى للبلد في وقت لم تمض سوى بضعة ايام على احراق متظاهرين ايرانيين، كانوا يتحرّكون بإشراف من السلطات الرسمية، السفارة السعودية في طهران وقنصلية المملكة في مشهد. مبروك لإيران التي التزمت ما تعهدته بموجب الاتفاق الذي امكن التوصل اليه في تمّوز الماضي بينها وبين مجموعة الخمسة زائداً واحداً. لكنّ هذا الانفراج الواسع في العلاقة بين طهران و»الشيطان الأكبر» لا يمنع من التساؤل متى ترفع ايران عقوباتها الظالمة المفروضة على لبنان؟ ليس لبنان سوى واحد من الأمكنة التي تمارس فيها ايران سياسة تقوم على الهدم والعرقلة ليس الّا وذلك عن طريق الاستثمار في الغرائز المذهبية. الأمل كلّ الأمل ان ينعكس رفع العقوبات الدولية عن ايران ببدء سياسة جديدة تظهر ان هناك سياسة ايرانية مختلفة تشير اوّل ما تشير الى ان ايران دولة طبيعية وليست ضحيّة اوهام من نوع القدرة على لعب دور اقليمي والهيمنة على دول اخرى في المنطقة. لا حاجة الى تعداد ما تقوم به ايران، بدءاً بالعراق وصولاً الى لبنان، مروراً بسوريا طبعاً. لا داعي ايضاً الى التذكير باضطرار المملكة العربية السعودية الى قطع العلاقات الديبلوماسية بطهران في اعقاب اعتبار ايران نفسها مرجعية كلّ شيعي في العالم، بما في ذلك المتشيعون الجدد في نيجيريا. لا حاجة ايضاً الى التذكير بأنّ ايران تحتل الجزر الإماراتية الثلاث الطنب الصغرى والطنب الكبرى وابو موسى منذ العام 1971، اي منذ ايام الشاه، بما يؤكد ان شيئاً لم يتغيّر في البلد، بعد ثورة 1979 وقبلها. لم يتغيّر شيء، اقلّه في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية والرغبة في لعب دور شرطي الخليج وفرض امر واقع على دول المنطقة، تماماً كما تسعى اسرائيل الى عمله مع الفلسطينيين. لا حاجة بالطبع الى استعادة التهديد الإيراني للبحرين وتدخلها في شؤون هذه المملكة الصغيرة من منطلق مذهبي. ولا حاجة، بالتأكيد، الى التذكير بأفضال ايران على الكويت والى مخازن الأسلحة والمتفجرات التي اكتشفت في هذه الدولة اخيرا. ولا حاجة اخيرا الى الإشارة الى الدور الإيراني في اليمن والى دعمها للحوثيين الذين باتوا يحملون تسمية «انصار الله» بعدما صار طموحهم محصورا في ان يكونوا ميليشيا مذهبية، على غرار «حزب الله» في لبنان. لم يعد سرّا ان ادارة باراك اوباما اختزلت كلّ ازمات الشرق الأوسط بالملفّ النووي الإيراني. قرّرت بكل بساطة انه يكفي التوصّل الى تسوية في شأن هذا الملفّ من اجل ان يدخل اسم باراك اوباما في كتب التاريخ.
مشكلة ايران مع جوارها، وما يتجاوز جوارها، تبرز من خلال ما يتعرّض له لبنان منذ العام 1982، تاريخ قيام «حزب الله». تعتقد ايران انّ التدخل في شؤون الدول الأخرى وتعطيل الحياة فيها وانشاء ميليشيات مذهبية كفيل بضمان دور لها على الصعيد الإقليمي واعتراف اميركي بهذا الدور. هذا ما تؤكّده الاحداث.
من حقّ اي لبناني التساؤل لماذا زادت عدوانية ايران تجاه البلد في الأسابيع التي سبقت الإعلان رسمياً رفع العقوبات عنها؟ لماذا استمرار الاعتراض على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية؟ لماذا ذلك الكلام الذي لا سابق له في التعاطي مع السياسيين اللبنانيين، اي الكلام الذي صدر عن النائب محمد رعد، رئيس كتلة نواب «حزب الله» في حقّ الرئيس سعد الحريري؟ منذ متى يحقّ لحزب، يعتبر نفسه لبنانياً، القول انّ هناك لبنانيين آخرين ممنوع عليهم ان يكونوا في لبنان؟ اخيرا وليس آخرا، لماذا هذا الإصرار على اطلاق شخص مثل ميشال سماحه، مدان بالصوت والصورة بنقل متفجّرات والسعي الى تنفيذ عمليات ارهابية لخلق فتنة طائفية ومذهبية، في تحدّ لمشاعر كلّ اللبنانيين الشرفاء حقّا؟ هل بدأت ايران تحصل على مكافآت على حسن سلوكها في تنفيذ الاتفاق في شأن الملفّ النووي؟ قبل فترة قصيرة، بدأ الكلام الإيراني الصريح الذي ترافقه خطوات اجرائية عن ان لبنان صار محكوماً من طهران. ممنوع على مجلس النوّاب الانعقاد لانتخاب رئيس للجمهورية حتّى لو كان المفروض ان يصبح رئيساً من قلب جماعة الثامن من آذار التابعة لـ»حزب الله». ممنوع على الحكومة ان تجتمع بكامل اعضائها وان تتخذ قرارات تسهل حل الأزمات التي يعاني منها المواطنون. صار القضاء العسكري مقيّداً بما يريده «حزب الله» وما تريده ايران. لم يعد من فصل بين السلطات في لبنان. اكثر من ذلك، يتجرّأ وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل حيث لا يجرؤ آخرون يمتلكون حدا ادنى من الشعور الوطني، بما في ذلك وزير الخارجية العراقي، فيصبح ناطقاً باسم ايران في مؤتمر لوزراء الخارجية العرب! هل على لبنان دفع ثمن الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني؟ انه سؤال مشروع بعدما رفع العالم العقوبات على ايران وسمح لها في الوقت ذاته بزيادة عقوباتها على لبنان.