مشاري الذايدي: اليوم التالي للاتفاق الإيراني/فاروق يوسف:عطايا إيران الملغومة//علي بردى: لا شيك على بياض لإيران

261

اليوم التالي للاتفاق الإيراني
مشاري الذايدي/الشرق الأوسط/18 كانون الثاني/16
هل منطقتنا ستصير أكثر أمنًا واستقرارًا بعد رفع أوروبا وأميركا العقوبات عن إيران؟ هذا هو السؤال الجوهري في القصة كلها. بالنسبة لفريق الرئيس الأميركي أوباما، وفي مقدمهم وزير الخارجية جون كيري، هذا هو الأمر الذي سيحصل من إيران بعد توقيع القرار برفع العقوبات، مع كثرة الكلام «التقني» عن إجراءات الرقابة والتحقق من قبل الوكالة الدولية، حول المنشآت النووية الإيرانية، لضمان أن يكون نوويها مدنيًا لا عسكريًا. هكذا يقولون، ويؤكد الغرب كله مع أميركا، مع إبقاء بعض الشكوك كل مرة، كما التأكيد على أن كل هذه الترتيبات محددة بفترة زمنية، يعني بكلمة أخرى هي «ترحيل» للمشكلة النووية العسكرية الإيرانية للمستقبل، وليس حلاً نهائيًا نقيًا لها. بالنسبة لأكثر شخص في العالم تملكته الحماسة طيلة فترة رئاسته الثانية، لهذا الاتفاق، أكثر حتى من المرشد خامنئي، وهو الرئيس الأميركي أوباما، فهذا «تقدم تاريخي»، كما قال، محتفيًا بعيد إعلان رفع العقوبات.
كيف رأى جون كيري العالم والمنطقة بعد هذا الرفع والتأهيل الجديد لإيران؟ أكد عراب الاتفاقية كيري في اجتماعه مع العريس الإيراني للاتفاق وزير الخارجية ظريف، أنه نتيجة للإجراءات التي اتخذت منذ يوليو (تموز) الماضي، فقد باتت «الولايات المتحدة وأصدقاؤها وحلفاؤها في الشرق الأوسط والعالم أجمع أكثر أمنًا».
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، إن هذا التطور من شأنه أن يعزز الاستقرار والسلم الإقليميين. بالنسبة للرئيس الإيراني الذي يجيد بعث رسائل السلام المعسولة لدول الجوار، والمقصود تحديدا دول الخليج، بعد الاتفاق، والضمانة هي نياته الطيبة، فإن تنفيذ الاتفاق هو «انتصار جليل لأمة صبورة». لكن بالعودة إلى الواقع، بعيدًا عن هذه الحفلة، فإن المتاعب، لإيران نفسها، قبل دول المنطقة، بدأت الآن. الاتفاق كما قيل مرارًا مختل البناء، فهو يحصر المشكلة مع إيران في القصة النووية، وليس في النهج السياسي التخريبي بالمنطقة، وهو جوهر المشكلة، والدليل أن إيران ظلت وفية لهذا النهج التخريبي قبل وبعد إعلان التنفيذ، بل إن الخزانة الأميركية فرضت عقوبات جديدة على إيران بسبب تجربة إطلاق الصواريخ الباليستية. ثم هل توقيت تحرير النفط الإيراني يعد جيدًا بالنسبة لإيران في هذا الوقت العصيب لسعر البترول بالعالم؟ الحق أنه لا يجوز الهلع، فهذا الاتفاق بناه أوباما ومن معه على قصور الرمال، وسيجرفه موج الواقع الآتي في المستقبل، فإيران الخمينية لا تقدر على ألا تكون ذاتها، ولا يمكن لأوهام كيري وموغيريني أن تغير حقائق الجغرافيا والديمغرافيا والتاريخ في منطقة الشرق الأوسط.

 

عطايا إيران الملغومة
فاروق يوسف/العرب/18 كانون الثاني/16
أن تنزلق المنطقة إلى حروب طائفية، ذلك حلم إيراني. فهل هناك مَن يمنع وقوع ذلك الحلم؟ 200 ألف هو عدد المقاتلين الذين جهّزهم الحرس الثوري الإيراني للقيام بمهمات قتالية في المنطقة. وهذا ما صرّح به زعيم الحرس الثوري مؤخرا. وإذا ما عرفنا أن لا قوة في المنطقة تهدد إيران بحرب، يعرف الجميع أن لا أحدا يمكنه تحمّل مسؤولية ما يمكن أن تؤدي إليه، فإن الحرس الثوري يُعدّ مقاتليه من أجل التدخل في شؤون دول بعينها. وليس مفاجئا أن تكون كل تلك الدول عربية. على سبيل الجدل لا يمكننا إلا أن نسأل مؤيدي التدخل الإيراني في الشؤون العربية عن المنفعة التي حصل عليها العرب جراء تلك التدخلات؟
لبنان الذي أصبح رهين سلاح حزب الله الإيراني يمر اليوم بأسوأ مراحله، دولة تقف فيها الحكومة عاجزة عن حل مشكلة يسيرة مثل مشكلة النفايات. العراق وقد ألحقه حكامه بإيران يبدو بلدا لا مستقبل له، بعد أن تقاسم الفاسدون ثرواته وصار على حافة الإفلاس، من غير أن يتقدم خطوة ولو صغيرة في مجال إعادة تأهيل بنيته التحتية التي حطمتها الحروب. سوريا التي يقاتل فيها الإيرانيون بضراوة هي بلد مزقته الحرب، ولا أمل في استعادته لجزء مما كان عليه قبل الحرب، بعد أن حوّل الإيرانيون الصراع فيه من مساره الوطني إلى مسار طائفي. وفي اليمن انقلب الحوثيون المدعومون من إيران على التاريخ السياسي اليمني حالمين بقيام دولة الطوائف محطمين مقومات العيش المشترك. البحرين هي الدولة العربية الوحيدة التي استطاعت أن تحد من حجم التدخل الإيراني، وهو ما حفظ للدولة قدرتها على أن تحمي مواطنيها من خطر الانزلاق إلى الهاوية الطائفية. إيران هي القاسم المشترك بين كل تلك التجارب المريرة. لم تقدم إيران لمريديها سوى السلاح. لا شيء غير السلاح. هل تملك إيران شيئا آخر لتقدمه؟ ولكن هل تحتاج المنطقة المدججة بالسلاح إلى المزيد؟ تخبئ إيران أطماعها التوسعية في المنطقة وراء ستار عقائدي هزيل. فهي إذ تلجأ إلى استعمال أدواتها في إشاعة الفوضى، فإنها تسعى إلى إضعاف سلطة الدولة في العالم العربي، بما يسهل لعملائها مهمة صناعة القرار من غير العودة إلى المجتمع كما هو حاصل في لبنان. وما كان الوضع في لبنان يصل إلى ما وصل إليه لولا سلاح حزب الله الذي هو سلاح إيراني. ما يشهده العراق اليوم من عمليات إبادة تقوم على أساس التطهير الطائفي، هو جزء من أجندة إيرانية تهدف إلى إفراغ المناطق العراقية المجاورة لطهران من ساكنيها لتكون في ما بعد نقطة انطلاق لميليشيا الحشد الشعبي في اتجاه بغداد. وهو ما يعني تكرار تجربة حزب الله، لكن بدموية أكثر. وهكذا تكون إيران موجودة حيثما تكون الفتنة. وهو ما أدركته دول مجلس التعاون الخليجي بعد القبض على عدد من شبكات التآمر التي استطاع النظام الإيراني أن ينسجها داخل المجتمعات الخليجية. الأمر الذي دفع بتلك الدول إلى أن تتعامل، بشكل جاد، مع ما يمثله المشروع الإيراني من خطر على نسيجها الاجتماعي. ألا تعني كل هذه التجارب أن من يغرفون من النهر الإيراني لا يقدمون إلى مجتمعاتهم إلا مياها مسمومة؟ فإيران التي لم تقدم لحوارييها سوى السلاح هي دولة لا تتمنى لجيرانها من العرب سوى الحروب الأهلية والأزمات الداخلية. ولأنها دولة أزمة فليس بإمكانها سوى أن تصدر الأزمات، وصولا إلى هدفها في بناء إمبراطوريتها القائمة على استعباد الآخرين.

 

لا “شيك على بياض” لإيران
علي بردى/النهار/18 كانون الثاني 2016
وَفَت إيران بالتزاماتها كاملة في الفصل الأول من خطة العمل الشاملة المشتركة مع مجموعة 5 + 1 للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين الى ألمانيا. أعادت الى الوراء إرادياً عقربي الساعة لبرنامجها النووي. يبدو أن إتمام الفصول الأخرى من الإتفاق سيعطيها أكثر بكثير من زهاء 100 مليار دولار من الأرصدة المجمدة. غير أن ذلك لا يعني البتة أن القوى الست الكبرى منحت طهران “شيكاً على بياض”. هلّل الرئيس باراك أوباما لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. على رغم تشكيك الكثيرين، وليس فقط اسرائيل، لاحظ “تحولات جذرية” في البرنامج النووي لدى ايران. قال وزير الخارجية جون كيري إنها اتخذت “خطوات مهمة” إذ شحنت 98 في المئة من الأورانيوم المخصب الى روسيا، وفككت أكثر من 12 ألف جهاز للطرد المركزي، وصبت الإسمنت على مفاعل كان مصمماً لتخصيب البلوتونيوم. ما لم يقله هو أنها طوت صفحة كانت لا تزال مفتوحة منذ عام 1979 بعد انتصار الثورة بقيادة آية الله روح الله الخميني. بال شعار “لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية”. أنهى الرئيس حسن روحاني عقوداً من العداء مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والغرب عموماً. هذا ما بدأه الرئيس سابقاً محمد خاتمي الذي طبع العلاقات مع روسيا، وريثة الإتحاد السوفياتي، والصين وغيرها من دول ذلك الشرق. لم تفعل ايران ذلك كي يطمئن العالم الى الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي والى نياتها الحسنة حيال البلدان المتوجسة من طموحاتها، بل أيضاً لاعبة رئيسية في حفلة إعادة ترسيم خرائط النفوذ الإقليمية، وخصوصاً في الشرق الأوسط الذي يشهد تحولات عميقة وواسعة لا سابق لها منذ نحو مئة سنة.
في سنته الأخيرة في البيت الأبيض، لن يجد أوباما غضاضة في أن يضم الى ميراثه تصفية العناصر الأخيرة من تركة الحرب الباردة. أعاد العلاقات مع كوبا وها هو يعيدها مع ايران. التحقت بكتب التاريخ أيضاً رطانة التعابير الرنّانة: “نحن نكرهكم، أيها الإمبرياليون” و”الموت لأميركا” وغيره من الشعارات ضد “الشيطان الأكبر”. لم يعد لائقاً كذلك التصنيف الذي وضعته إدارة الرئيس السابق جورج بوش للجمهورية الإسلامية ضمن “محور الشرّ”. انتهى من حيث المبدأ زمن هذه المواجهة بالذات. يفتح تنفيذ الإتفاق النووي صفحة جديدة من العلاقات بين واشنطن وطهران. صحيح أنه يعيد مليارات الدولارات الى ايران. بيد أن هذا الإستثمار الإستراتيجي أكبر بكثير وطويل الأجل بالنسبة الى الدول الصناعية الكبرى في منطقة تشهد حروباً وسباقاً على اقتناء السلاح التقليدي، وتشتهي الطاقة النووية، وتريد تجديد منشآتها النفطية، وتحتاج الى تنمية وإعادة إعمار.
يتطلب هذا الإستثمار دوراً بناء من ايران. لا يعني إطلاقاً إطلاق يدها في هذه المنطقة الملتهبة