أحمد عدنان: عرسال بعد مضايا/الياس الزغبي: إخلاء سبيل 14 آذار

224

عرسال بعد مضايا
أحمد عدنان/العرب/17 كانون الثاني/16

الصور القادمة من قرية مضايا السورية أكثر من مأساوية، والمعلومات الصادرة عنها أكثر من مفجعة وكارثية، يرتكب محور الممانعة جريمة التجويع العمد ضد أهل البلدة، وليس السبب فقط أنها من أوائل القرى السورية التي قالت لا لبشار الأسد ولا لإيران، فحين تشاهد الجغرافيا تعرف الحقيقة، الدرس الأول في السياسة دائما “أنظر إلى الخريطة”. قام ما يسمى بحزب الله بتفريغ المراكز السنية على شريط الحدود اللبنانية-السورية، القصير مثلا، القرية السنية الخالصة، أصبحت وكرا للأشباح ولعناصر الحزب الأمنية، الزبداني شاهدنا تهجير أهلها قبل أسابيع عبر مطار بيروت، ومضايا تعاني الجوع والقصف الإرهابي الممارسين من الحزب الإلهي وبشار الأسد، وعندما تلوح لأهلها أيّ ثغرة لن يبقى فيها أحد، فلعنة الله على من حاصرهم وجوّعهم وشرّدهم وهجّرهم. بعد أن يفرغ الحزب الإلهي من مضايا، أمامه المهمة شبه الأخيرة، قرية عرسال اللبنانية، المركز السني في قلب السطح الشيعي. لا أدري أيّ أسلوب سيستخدمه الحزب الإلهي لتهجير أهالي عرسال، لكنه ماض إلى مؤامرته لا محالة، أتذكر مانشيت صحيفة (الأخبار) اللبنانية المقربة من الحزب عن عرسال “إما الإخلاء وإما الحرب الشاملة”، بدأ التمهيد للمؤامرة قبل أيام باستشهاد عنصر أمني لبناني (ينتمي إلى شعبة المعلومات المتناغمة سياسيا مع تيار المستقبل)، اغتيل العنصر على يد داعش، عدد عناصر داعش في عرسال عشرة أفراد بالعدد وبالاسم، دعاية الممانعة بدأت منذ دهر بترويج أن داعش استولت على عرسال، أو عرسال هي مركز داعش في لبنان، وهذا كذب بواح، فالجيش اللبناني من يرحب به ويتمسك به ويطالب بوجوده ويتعاون معه هم أهل عرسال ولولا ذلك لما نجح الجيش في تحركاته هناك، لكن المسألة عند الحزب الإلهي هي معاقبة عرسال على موقفها الإيجابي من الثورة السورية إضافة إلى تهجير السنة. كل داعش في عرسال عشرة أفراد، أتمنى من القوى الأمنية أن تستأصلهم وتبيدهم، فالتهاون مع هذه الحالة له آثاره الوخيمة لبنانيا وإنني أتعجب من التأخر غير المبرر في التعامل معهم، والغريب أن هؤلاء الدواعش العشرة كانوا عناصر سابقة في “سرايا المقاومة” التابعة لما يسمى بحزب الله، وبين يوم وليلة أصبحوا دواعش، وهذا التحول -من وجهة نظري- شكلي صرف، فهم ما زالوا ضمن سرايا الحزب الإلهي، وتغيير اليافطة من مخططات الميليشيا الإيرانية لتحقيق أهدافها القذرة، تأملوا هذا الرباط الخفي والعجيب بين داعش والحزب الإلهي، لا جبهات متحاربة في سوريا، تفصل داعش بين المعارضة السورية وبين بشار الأسد، وفي لبنان تتفرغ داعش لخدمة أهداف الحزب الإلهي، ولن أتحدث عن التمويل غير المباشر من حزب الله لعناصر داعشية في عين الحلوة وشاتيلا، ولا أدري هل سيتآمر الحزب على أهل فلسطين قبل عرسال أو بعدها. فلتكن هذه المقالة بلاغا إلى جامعة الدول العربية، أو حتى إلى مجلس الأمن، لا بد من رفع الصوت عاليا لفضح الارتباط الإيراني مع الإرهاب، بل إن إرهاب الحزب الإلهي يتجاوز الجرائم الصهيونية، شاهدنا التطهير العرقي الذي مارسوه في العراق وفي سوريا، ولبنان ليست بعيدة، هم يمكرون لكن الله خير الماكرين.

إخلاء سبيل “14 آذار”
الياس الزغبي/لبنان الآن/16 كانون الثاني/16
“ربّ ضارّةٍ نافعة”. معادلة تنطبق على حالة “14 آذار” إذا أحسنت قراءة معاني إخلاء سبيل ميشال سماحة، والضرر الوطني والسياسي والأمني الذي يكتنفه، وحوّلت الحدث المثير بكلّ المعايير القانونيّة والأخلاقيّة والسياسيّة، إلى فرصة. وكأنّ “انتفاضة الاستقلال” التي قامت في أساسها على ركنَي الحريّة والعدالة، كانت في حاجة إلى صدمة وعي من هذا النوع المؤذي والخطير، كي تستعيد ذاتها من التغرّب في غياهب القراءات الخاطئة والحسابات الضيّقة وتجاذبات المصالح. ففي متابعة سهلة لمواقف أركانها بعد الإخلاء – الفضيحة، يتبيّن عمق التقائهم على أسس انطلاقها وثباتهم على أهدافها العليا، ويتضح مدى حاجتهم إلى تصحيح المعادلة التي يرفعونها وتكاد تتحوّل إلى خشبيّة، وهي: نتّفق على الأسس الكبرى ونتمايز أو نختلف في التفاصيل والأداء وبعض الخيارات! والسؤال الذي يطرحه اليوم أهل “ثورة الأرز” عليهم هو: وهل رئاسة الجمهوريّة تفصيل أو ترف سياسي يمكن الاختلاف فيه، وكذلك التسليم المجّاني بها ل”8 آذار” وكأنّها باتت حقّاً مكتسباً لهذا الفريق؟ الدكتور سمير جعجع كان سباّقاً في الإجابة على السؤال حين رفض رئاسة جمهوريّة تؤدّي إلى دولة على شاكلة إخلاء سبيل سماحه. وكذلك تعليقات الرئيس سعد الحريري وسائر أركان “14 آذار”، والوجدان الاستقلالي برمّته في تعبيره على وسائل التواصل الاجتماعي.
إذاً، لم يبقَ سوى توسيع معادلة اتفاقهم على الأسس كي تشمل الرئاسة وكلّ المسائل المحوريّة مثل قانون الانتخاب وسبل تكوين السلطة بما فيها رفض بدعة الثلث المعطّل والثلاثيّات الأُخرى. ويجب ألاّ تقتصرالفرصة التي شكّلها إخلاء السبيل أمام “14 آذار” على الحراك العفوي أو المنظّم للتنظيمات الشبابيّة، على غرار ما حصل بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، ولا على المعالجة القانونيّة فقط لأنّها غير سهلة في ظلّ تشريع شبه مشلول في مجلس نوّاب شبه غائب ،  بل تكون منطلقاً لعمل منهجي يُعيد إحياء النضال الوطني الأصيل الذي حقّق إنجازات مشهودة في مراحله الأُولى. والأمر السريع والملحّ الآن هو إعادة تقويم الأداء “الرئاسي”، والعودة عن الخطوات المتسرّعة المتّسمة بشيء من تسطيح السياسة وتبسيطها في أخطر مرحلة من التعقيدات الخارجيّة والداخليّة. فهنا لا يصحّ القول الشهير لشارل ديغول بأنّه يذهب “إلى الشرق المعقّد بأفكار بسيطة”. فالوضع اللبناني والإقليمي المعقّد لا يُعالَج بالبساطة، وربّما السذاجة، السياسيّة.
ويكفي أن يطرح أركان “14 آذار” على أنفسهم الأسئلة الآتية:
–  هل المجيء برئيس للجمهوريّة من “8 آذار” يناقض إخلاء سبيل سماحة أَم يعزّزه؟
–  وهل يُتيح المجال لإلقاء القبض على “قدّيسيّ” جرائم الاغتيالات المحميّين في مربّعات “الممانعة”، أَم يزيد حصانتهم ضمن وعد الـ”300 سنة”؟
–  وهل يحصر ضرر المحاكم الاستثنائيّة، العسكريّة، أَم يعمّمه على سائر القضاء، تيمّناً ب”عدالة” الثلاثي عضّوم – السيّد – غزاله؟
–  وهل يجعل لبنان يلتزم الشرعيّة العربيّة ووحدة الموقف العربي، أَم يتمادى في التفرّد بخرقهما كما فعل وزير خارجيّته، بل خارجيّة “8 آذار”، أخيراً؟
ويكفي أن يعاينوا الأرشيف منذ ثلاث سنوات ونصف كي يروا مَن الذين كانوا الأشدّ حماسةً في الدفاع عن المُخلى سبيله سواء في تصريحاتهم أو في بكائيّات وسائل إعلامهم، وأن يتابعوا مَن هم اليوم الأشدّ فرحاً وتهليلاً، وراء إشارة مرجعيّتهم التي أطلقها النائب محمّد رعد في تصريحه الساخط.
بعد ذلك، يجلسون إلى طاولتهم التاريخيّة النبيلة، يستعيدون صفاء المراحل الخوالي، ويُعيدون تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح، نحو المعادلة العقلانيّة السليمة القاضية بأنّ انتخاب رئيس للجمهوريّة ليس من الترف السياسي الذي يُمكن الاختلاف فيه، بل هو من صلب الأهداف المركزيّة التي تشكّل أرضيّتهم الصلبة.
صحيح أنّها أزمة قضاء وسياسة وأخلاق، لكنّها بالتأكيد فرصة.
فرصة لفكّ أسر “14 آذار” وإخلاء سبيل مسيرتها الوطنيّة. هي ليست ملكاً لقياداتها، بل لأبنائها.
فلا قيمة، ولا وجود، لملوك بلا رعايا!