نبيل بومنصف: عن الاختلال المتدحرج/روزانا بومنصف: تجميد دعم فرنجيه للرئاسة الأولى هل يعطّل فصل لبنان عن حرب سوريا/عبد الوهاب بدرخان: ارهابي طبعاً مَن يقطع رأس الدولة

202

عن الاختلال المتدحرج
نبيل بومنصف/النهار/13 كانون الثاني 2016
ما بين 2005  و2015 لم يتمكن تحالف قوى 14 آذار من انجاز الكثير من استراتيجياته وطموحاته بفعل ظروف اقليمية وداخلية قسرية حالت دون تغيير ميزان قوى مختل أصلا لمصلحة خصومه ولا سيما منهم “حزب الله” الذي ظل وسيظل يشكل حالة الاستقواء على مشروع 14 آذار بطبيعة التصادم المبدئي والواقعي بين المشروعين والحالتين. مع ذلك يصعب التنكر موضوعيا للأثر الكبير الذي تمكن التحالف من احداثه وترسيخه سحابة عشر سنوات بحيث لم تجنح الدولة، على رغم كم هائل من أخطار وتضحيات وشهداء، نحو ذاك الشيء الآخر المناهض لطموحات تاريخية اجمعت عليها قواعد التحالف منذ قيامه. ليس في هذه الحقائق ما يملي اعادة التذكير بها ولكن ما يجري على مستوى المعركة الرئاسية وتداعياتها يبرز بقوة اكبر خطورة التقليل من انكشاف انعدام التوازن بالكامل في حال مضت احوال تحالف 14 آذار في تدهورها الراهن. ثمة كثير مما يحبط في سلوكيات هذه القوى ومناحراتها الذاتية التي اوصلت الامور في توقيت هو الاخطر اطلاقا الى زج التحالف في زاوية الانفجار من الداخل على قاعدة الخيار بين مرشحين رئاسيين للتحالف الخصم. وليس أسوأ من هذا المصير سوى بعض وجوه التعامل السياسي مع هذه الازمة المتدحرجة كأنها صنيعة ترف معهود فيما هي تنبئ واقعيا بان انتقال المعارك السلطوية الى ملعب 14 آذار على قاعدة الاختيار بين مرشحين خصمين يشكل إيذانا بنهاية دراماتيكية لهذا التحالف لا يمكن تجميلها. وليس مبالغة ان تشكل واقعة تفرد لبنان وانفراده عن الاجماع العربي الذي حصل في اجتماع وزراء الخارجية العرب قبل ايام آخر النماذج الناطقة الحية لفقدان آخر معالم التوازن الداخلي بفعل المعارك الداخلية الصامتة التي تخوضها قوى 14 آذار وتجعل خاصرة الحكومة والحكم بصورته الرمزية رهنا باختلال ميزان القوى. حتى في قضية مبدئية صارمة كهذه لم تقف قوى 14 آذار صفا متماسكا صارما واقتصر الاحتجاج على فريق او اكثر فيما كانت ملابسات المعارك الصغيرة الاخرى تشغل معظم الآخرين. مرت صورة لبنان الفاقد كل بقايا استقلاليته في اتخاذ قرار يعرضه لعزلة عربية محتملة من دون رفة جفن لان ميزان السياسة الخارجية صار انعكاسا حرفيا لواقع المعارك الرئاسية الجارية، فكلا المرشحين الان هو حليف الحلف الاقليمي الذي دانه بيان القاهرة ولا من يناهض الانزلاق نحو ترسيخ سياسات محورية سيدفع لبنان ثمنها الباهظ ليس في عزلة بل في تهميش قاتل لصورة بلد تسبغ عليه تهمة التبعية لايران بأسوأ نعوتها. فمن تراه سيضمن في كل يوم الا تتكرر هذه السياسات الآخذة بلبنان قدما نحو تبديل جذري في صورته من دون حاجة الى انتظار انقلابات ما دام الانقلاب حاصل على هذه الوتيرة الدراماتيكية ؟

تجميد دعم فرنجيه للرئاسة الأولى هل يعطّل فصل لبنان عن حرب سوريا؟
روزانا بومنصف/النهار/13 كانون الثاني 2016
على رغم مسارعة عدد من السياسيين الى إعلان نعي مبادرة دعم ترشيح النائب سليمان فرنجيه للرئاسة الاولى بناء على التفاعلات والتداعيات التي بدأت تظهر على أثر الصدمة التي أحدثتها فكرة ترشيحه، لا تعتقد مصادر ديبلوماسية غربية أن هذه المبادرة سقطت فعلا، بل هي تجاري رئيس مجلس النواب نبيه بري في اعتبارها مجمّدة في ظل تساؤلات تطرحها هذه المصادر حول من يستطيع ان يخطو في اتجاه اعادة تحريك الموضوع الرئاسي بناء على ذلك، وهل يمكن ان يحصل ذلك عبر طاولة الحوار برئاسة بري أو عبر سبل أخرى؟ وفي الافق على سبيل المثال الزيارة المرتقبة للرئيس الايراني حسن روحاني لباريس بعدما كانت أرجئت منذ ما قبل الاعياد انطلاقا من أن فرنسا وحدها لا تزال تولي موضوع الرئاسة في لبنان الاهمية التي يستحق، لكن من دون اغفال واقع ان ايران غالبا ما رمت الكرة في موضوع الرئاسة في ملعب “حزب الله” الذي طلبت منه الكثير الكثير في الموضوع السوري، فتترك له القرار في موضوع الرئاسة جنبا الى جنب مع رمي كرة حسم الموضوع في ملعب الافرقاء المسيحيين أنفسهم. كما تجاري هذه المصادر بري في دعوته الى نزول النواب الى المجلس وانتخاب أحد المرشحين من قوى 8 آذار، أي سليمان فرنجيه أو ميشال عون، ما دام الخلاف بات محصورا بينهما على رغم الاقرار بأن الأمر ليس بهذه السهولة، بمعنى أن الخيارات ليست سهلة أمام النواب لانتخاب هذا او ذاك، ولا يمكن من جهة أخرى أن ينزل العماد عون الى مجلس النواب لمنافسة فرنجيه ما لم يكن متأكدا من حسم المعركة الانتخابية لمصلحته.
جملة أسئلة تثيرها هذه المصادر بناء على هذا الواقع، ومن أبرزها ما يتصل بما إذا كان تجميد مبادرة دعم فرنجيه يعني إفشال محاولة فصل لبنان عن الحرب السورية، انطلاقا من أن هذا الاحتمال قد يعني تأجيل موضوع الرئاسة الى أمد غير معروف ربطا بموضوع سوريا. فكل المساعي التي جرت في موضوع الرئاسة اللبنانية، ومنها ما تولته باريس في أكثر من محطة في اتجاه كل من المملكة السعودية وايران، انطلاقا من عدم رغبة البلدين في شمول لبنان بالصراع الاقليمي بينهما، يجب ان تدفع بهما الى العمل على تمتين استقراره الهش باتاحة المجال امام الافرقاء الداخليين للاتفاق على تسوية في ما بينهم من اجل تأمين انتخاب رئيس للجمهورية والاتفاق على سائر الملفات، اي حكومة الوفاق الوطني العتيدة وقانون الانتخاب وحتى البيان الوزاري للحكومة. ويبدو ان السعودية تجاوبت مع هذه المساعي من خلال تغطية انفتاح الرئيس سعد الحريري على النائب فرنجيه والتحاور في ما بينهما، إذ تكشف المصادر الديبلوماسية الغربية أنها تبلغت من الديبلوماسية السعودية تداول اسم فرنجيه او احتلاله الواجهة في الملف الرئاسي في الخريف من العام الماضي. والاسم في ذاته أثار جملة اسئلة مقلقة بالنسبة الى دول تهتم بلبنان. وتفيد هذه المصادر ان الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالنائب فرنجيه بعد استقباله الرئيس الحريري في الاليزيه لم يكن بهدف تزخيم مبادرة الحريري او دعم فرنجيه، وفق ما تم تفسير هذا الاتصال في الداخل، بمقدار ما كان اتصالا للتعرف الى فرنجيه واستيضاحه مواقفه من جملة أمور، من بينها كيفية رؤيته للفصل بين الوضع في لبنان والوضع في سوريا، وكذلك بالنسبة الى نقاط تقلق فرنسا في شكل خاص ويمكن أن تقلق غيرها في سياسة الرئيس المقبل. ويهم الدول المعنية أن تبرز النقاط الاساسية التي تعنيها في موضوع لبنان والخطوط العريضة التي تتوقعها. في أي حال، فإن المبادرة المتصلة بدعم ترشيح فرنجيه لم تلق تجاوبا او دعما ايجابيا من أفرقاء ينتمون الى المحور نفسه. فهناك من جهة قيادة “حزب الله” التي صمتت على موضوع ترشيح فرنجيه، فيما جمدت المبادرة في الواقع ورفع سقفها بالاصرار على دعم العماد عون، في حين أن طرفين آخرين بدا لافتا إدلاؤهما بدلوهما في هذا الاطار، هما روسيا ونظام بشار الاسد. ولم تبد روسيا التي لا يوردها الافرقاء اللبنانيون في حساباتهم في الموضوع الرئاسي، على عكس ما يحسبون حسابا للموقفين الاميركي والفرنسي الى جانب موقفي السعودية وايران، حماسة لبت موضوع انتخاب فرنجيه في هذا التوقيت، وكان هناك رد فعل مماثل او مشابه من جانب النظام السوري وفق ما تكشف هذه المصادر، بمعنى أن الموضوع الرئاسي اللبناني يحتمل التأجيل وفق ما تنتهي اليه خلاصات مواقف أركان هذا المحور.
الى أي مدى يبقي الحزب موضوع الرئاسة معلقاً؟ وما العامل الذي سيحفزه على تبديل موقفه الراهن؟ هذان السؤالان يضافان الى السؤال المتعلق بما إذا كان تجميد دعم فرنجيه هو لمنع فصل استحقاقات لبنان عن الحرب في سوريا، وهو العنوان الذي رفعه الحريري على الاقل لهذه الفكرة، وتاليا، هل تجميد انتخاب فرنجيه يمكن أن يؤدي تبعا للتطورات الى الذهاب نحو خيار ثالث غير فرنجيه وعون، بحيث يضحي الحزب بمرشحين أساسيين لا يمكن أن يحلم بوصول أحدهما لجهة ترشيح واحدهما بعد الآخر من خصومه؟

ارهابي طبعاً مَن يقطع رأس الدولة
عبد الوهاب بدرخان/النهار/13 كانون الثاني 2016
لماذا كان هناك تفهّم عربي لموقف لبنان في اجتماع الوزراء العرب، ألأنه بلد مريض، واقع تحت الترهيب، مغلوب على أمره، ولا حول له ولا قوة، أم لأن موقفه لا يقدّم ولا يؤخّر؟ كل الاحتمالات صحيحة، بما فيها أن نمط وزراء الخارجية منذ الانقسام بين 8 و14 أصبح عبئاً إن لم يكن عاراً على البلد. والنكتة السمجة أنه يراد ايهام الناس بأن جبران باسيل “أنقذ لبنان” من فتنة فيما هو يمثّل دور”البطل القومي” الايراني. أما في داخل رأسه فكان دوره أضأل من ذلك بكثير، اذ خاض عدم التصويت على بيان الجامعة كما لو أنه يثأر لعمّه الجنرال الذي يعتقد أنه لولا معارضة السعودية ترشيحه لكان اليوم رئيساً.
وفي سبيل شرح الموقف، نظرياً، قال باسيل: “حضَرنا لنُعربَ عن تضامننا مع السعودية بعد الاعتداءات التي تعرّضَت لها بعثتُها الديبلوماسية والقنصلية في إيران”. أما في شرحه عملياً فيتبنّى الرواية الايرانية القائلة بأن الاعتداءات حصلت “خارج إرادة السلطات المعنية”، ولذلك لجأ الى “توجّهات الحكومة باعتماد سياسة الامتناع والنأي بالنفس”، وهي الحكومة نفسها التي لم يوفّر مناسبة للتقليل من اعتبارها. غير أن الامتناع والنأي ناسباه هذه المرّة، تحديداً لأنه اصطدم باسم “حزب الله” وقد رُبط بالارهاب في البحرين بناءً على اعترافات متورّطين معتقلين إسوة بمعتقلين آخرين في الكويت والسعودية. كانت حجّة باسيل أن لـ “حزب الله” وزراء في الحكومة اللبنانية، وكانت هذه الحجّة لتكون “قوية” لو أن هذا “الحزب” يلتزم أيضاً “توجّهات الحكومة بالامتناع والنأي بالنفس”، لكنه يريد أن يشارك في تجويع السوريين وقتلهم، وفي تعويق ادخال الاغاثة الى مضايا كما فعل يوم الاثنين، وفي هندسة حروب الحوثيين، وفي تصنيع ميليشيات في العراق واخرى في دول الخليج… وإذا وُصف بالارهاب يستهجن ويذكّر متهميه بأنه “حزب المقاومة”! المشترَك بين العراقي ابرهيم الجعفري واللبناني جبران باسيل أنهما جاءا من ولايتين في “الامبراطورية الفارسية”، ولديهما “اعتبارات داخلية” تنبغي مراعاتها. أما الفارق بينهما فهو أن الأول، وهو من قياديي “حزب الدعوة”، استطاع خلال اجتماع الجامعة العربية تغليب مصلحة دولته حتى قيل إنه “خذل” ايران وهو بالتأكيد لم يخذلها، فيما غلّب الثاني مصلحة حزب حليف على مصلحة الدولة وأظهر حكومته أعجز من أن تتضامن مع السعودية التي برهنت دائماً أنها نصيرة للبنان الدولة والجيش، وأقدر على التضامن مع اساءات يرتكبها “حزب الله” خارج لبنان وكأن اساءاته في الداخل لا تكفيه. ثم ماذا عن الارهاب، اذا اختُزِل بالشحن المذهبي وتخريب الدول وقطع الرؤوس، فإن “حزب الله” يفي بكل الشروط. ألا يشكّل منع انتخاب رئيس للجمهورية قطعاً لرأس الدولة؟