طارق الحميد: هل الخلاف الإيراني ـ الروسي حقيقي/عبد الرحمن الراشد: الروس والإيرانيون في خندق واحد

321

الروس والإيرانيون في خندق واحد
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/26 كانون الأول/15

صحيح أن هذه المرة الثالثة خلال أشهر التي أكتب فيها عن شائعة الخلاف بين الحليفين الروسي والإيراني. لم أستطع، بعد، أن أصدقها، وأظن أنها رواية مصطنعة، هدفها تجميل التدخل الروسي، وتخفيف الغضب العربي الواسع ضد الروس. وكانت وسائل الإعلام العربية رددت، أمس، نبأ مصدره من بغداد، ومع أنها تعتبر مركزًا جيدًا لتسقط الأخبار بحكم تعدد الانتماءات، لكن لا يوجد هناك ما يثبت صحة الخلاف بين الكرملين وقم، بل كل الشواهد على الأرض تؤكد أن العسكر والسياسيين من البلدين ينامون في نفس الخندق! على أرض المعركة السورية، العمل موزع بشكل مريح. لا توجد قوات برية روسية، كما لا توجد قوة إيرانية جوية، مما يجعلهما جيشين متكاملين. وحتى لو وقعت خلافات بين قيادات عسكرية، حول إدارة التفاصيل اليومية، تظل مسألة مألوفة في مثل هذه الأجواء، بما في ذلك إجبار قيادات الحرس الثوري الإيراني على نقل بعض وحداتها من مناطق معينة، كما تردد حديثًا، أو قصف الطيران الروسي خطأ ميليشيات تحت قيادة إيرانية. ويبدو لي أن إشاعة تضارب المصالح بين الروس والإيرانيين التي تكررت كثيرًا، هي من باب التمنيات عند البعض، أو جزء من البروباغندا التي اعتادت موسكو إطلاقها منذ دخولها في الحرب إلى جانب الإيرانيين لإنقاذ نظام بشار الأسد. العلاقة متينة بين الحكومتين. فلا يمكن أن يوجد خلاف ويقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارته المهمة قبل ثلاثة أسابيع إلى طهران. فهي الأولى له إلى هناك منذ ثماني سنوات، التقى خلالها بالمرشد الأعلى، وأهداه نسخة مصحف قديمة، وتعهد للرئيس حسن روحاني بصادرات قيمتها خمسة مليارات دولار، ووقعت الحكومتان مجموعة اتفاقيات بينها عسكرية! صعب أن نصدق بوجود خلاف والعلاقة على هذا المستوى الرفيع. رواية المصدر العراقي عن خلاف بين الحليفين لا قيمة لها، والأرجح أن الحقيقة عكس ذلك. العراق، وليس سوريا، هو البلد الذي يقع في وسط منطقة الضغط العالي، بين القوى الدولية والإقليمية. فالأميركيون يقاتلون في الرمادي، والروس يتنقلون في الشمال الشرقي، والإيرانيون في بغداد والجنوب، والأتراك في إقليم كردستان وفي محيط الموصل، وتنظيم داعش يحفر المزيد من الخنادق في الموصل وعدد من مدن المحافظات الغربية. وجاء إعلان واشنطن أنها ستنشر قواتها على حدود العراق مع سوريا، وكذلك توليها إدارة المعارك مع العشائر السنية في الأنبار، كله ليؤشر على ارتفاع حدة التنافس بين المحاور. ومع أنه لا شيء مستحيلا في السياسة، فإنه يصعب أن أصدق بوجود خلاف بين الروس والإيرانيين، وتكرار الرواية يعني أنها من مطبخ الحرب النفسية.

هل الخلاف الإيراني ـ الروسي حقيقي؟
طارق الحميد/الشرق الأوسط/26 كانون الأول/15

نشرت صحيفتنا هذه تقارير متعددة عن خلافات إيرانية – روسية في سوريا عززها اغتيال سمير القنطار، وتُتهم به إسرائيل، في منطقة تحت الحماية الروسية بدمشق. فهل الخلاف حقيقي؟ وهل يعني نهاية الحلف الرباعي بين الروس وإيران والعراق، وسوريا؟ أم إنه لا خلاف، وبالتالي فإن التحالف بات خماسيًا بانضمام إسرائيل له؟! أول مؤشرات الخلاف الإيراني – الروسي هو الكلمة التي ألقاها اللواء محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، وقال فيها إن روسيا تساعد في سوريا.. «لكنها غير سعيدة بالمقاومة الإسلامية»، مضيفًا أنه «ليس من الواضح أن مواقف روسيا تتطابق مع إيران» بشأن مستقبل بشار الأسد! وهذا ليس كل شيء، فمفتاح الإجابة حول حقيقة الخلاف الروسي – الإيراني تكمن في فحوى المكالمة التي دارت بين الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وبعد ثلاثة أيام من اغتيال القنطار. فعلى أثر تلك المكالمة صدر بيانان شبه متطابقين من إسرائيل وروسيا جاء فيهما أن بوتين ونتنياهو اتفقا على «مواصلة الحوار والتنسيق بين البلدين في مسألة محاربة الإرهاب»، وأن بوتين أكد لنتنياهو أنه يجب «خوض حرب لا هوادة فيها ضد (داعش) والتنظيمات المتطرفة الأخرى في سوريا». كما نقل عن مسؤول إسرائيلي أن التنسيق العسكري الروسي – الإسرائيلي حول سوريا «يعتبر ممتازًا». وعليه، فإن الاتفاق الروسي – الإسرائيلي بوجوب خوض حرب لا هوادة فيها ضد الإرهاب، وبعد اغتيال القنطار، يعني أننا أمام احتمالين؛ فإما أن الإيرانيين غير قلقين من التنسيق الروسي – الإسرائيلي، مما يعني، عمليًا، أن إسرائيل باتت حليفًا لروسيا وإيران وسوريا والعراق! وإما أن طهران، وحلفاءها، قرروا الانحناء للعاصفة، وبالتالي تقبل المزيد من الصفعات الإسرائيلية، وهذا في حد ذاته مبرر كافٍ لتصديق أن ثمة خلافات إيرانية – روسية. ومن يتابع سير الأحداث في سوريا يعِ أن إسرائيل لا تكترث بخطورة «داعش»، بقدر ما إنها معنية بملاحقة حزب الله، وإيران. وبالنسبة للروس فإن آخر همهم سلامة حزب الله، أو الميليشيات الشيعية الإيرانية هناك، ومن اللافت هنا الاقتباس الذي أوردته صحيفتنا لما كتبه عاموس هرئيل، في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، بأن نظام الرئيس بوتين لا يخفي «اشمئزازه من التطرف الإسلامي بكل أنواعه»! الواضح أننا أمام خلاف إيراني – روسي، وهو متوقع، وهذا ربما ما يفسر دعوة إيران مؤخرًا للصين للعب دور فعّال بقتال «داعش»، إلا أن السؤال هو: من يستفيد من هذا الخلاف لمصلحة سوريا، والمنطقة؟ بالتأكيد، إن الأسد يحاول، ولن ينجح، كما أن الروس، وبعد تنفيذ أكثر من خمسة آلاف ضربة جوية، لم يستطيعوا قلب المعادلة على الأرض. وبالنسبة للإيرانيين، وحزب الله، فإن خسائرهما بعد التدخل الروسي بسوريا باتت لافتة، فمن يبادر الآن للاستفادة من هذا الخلاف، أو قل التباين، الإيراني – الروسي؟