روزانا بومنصف: فرنجيه مرشحاً اليوم: دلالات ورسائل بارزة عون وجعجع في موقع حرج خارجياً/إيلي فـواز: عنزة ولو طارت/علي حماده: الموارنة والحقائق المرّة

240

عنزة ولو طارت
إيلـي فــواز/لبنان الآن/17 كانون الأول/15
لم يكن مفاجئاً أن تُشعِل تسوية الحريري فرنجية مواقع التواصل الاجتماعي. مَن مع ومَن ضد وقفوا وجهاً لوجه ونهلوا من تعابير التخوين والتهكّم لغةً للتخاطب. ومع أن تلك المواقع ليست معياراً علمياً يخوّل معرفة توجهات الناس من قضيةٍ ما، إنّما هي تعكس بعضاً من مزاجها بشكل بسيط وعفوي لا يمر برقابة مهنية أو أخلاقية، بعكس الصحافة. وهذه الأخرى اشتعلت. بعض الرؤوس الحامية انبرت للدفاع عن المبادرين والرافضين بشكل غريزي، ومنهم من له باع طويل في مهنة المتاعب. نسي هؤلاء أن يقيموا للمبادرة، تقييماً عاقلاً، فأقاموا بلحظة متاريس عشائرية، وكتبوا وبعضهم ما زال على أساس “عنزة و لو طارت”.
وجد اللبنانيون أنفسهم أسرى زواريب صغيرة. “زعيمي” دائماً على صواب ورأيه لا يحتمل الخطأ، والزعيم الآخر دائماً على خطأ واعتراضه لا يحتمل الصواب. بعض ما كتب معيب بحق الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع. وكأنّ مبادرة الحريري لا تريد سوى النيل من جعجع، وأنّ منطق رفض الأخير لتلك المبادرة ليس هدفه سوى النيل من الحريري. هكذا صوّرت بعض الرؤوس الحامية تلك المنازلة على أنّها ثأر شخصي، متجاهلين أن ما يعرفه الرئيس الحريري بفضل علاقاته دفعه إلى هذا الموقف السياسي، وما يعرفه الدكتور جعجع دفعه للاعتراض عليه. هنا تنتهي الحكاية. ومن هذا المنطلق يبدأ الدفاع عن هذا الخيار أو رفضه. يعلم كل من الحريري وجعجع أن لبنان قام أساساً على مبدأ التسويات، وهو للأسف – أي لبنان- لم ينجح في تحويل تلك التسوية التاريخية الميثاق الوطني إلى ثابتة دستورية لا تتغير بمجرد تغيّر طرأ على موازين القوى الداخلية، أو عند كل أزمة حكم، أو عند كل مبارزة إقليمية. لم يُنتِج لبنان نظامًا يحمي نفسه من خضات الداخل والخارج. لذا نحن اليوم بلا رئيس جمهورية وبلا حكومة فاعلة أو مجلس نيابي منتج. نحن أمام معضلة، يرى البعض أن الخروج منها يقتضي التمسّك بالطائف، بينما يرى البعض الآخر أن تعديل الطائف هو الحل. وبين هذين المعطيين يعمل الرئيس الحريري كما الدكتور جعجع طبعاً. ثم إن لبنان في قلب دوّامة مجنونة تُغيَّر معالم الشرق الأوسط. فكل يوم يحمل مفاجأة. أو ليس الإعلان السعودي عن تشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب جزءاً من التغييرات المتسارعة والمفاجئة التي تهز المنطقة؟ وقبلاً ألم يكن التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا هو الآخر مفاجأة؟ السؤال المطروح والذي يسعى الرئيس الحريري للإجابة عليه، هو أي لبنان “سيعطى لنا” بعد إن تهدأ المعارك وتبدأ عملية المفاوضات بين الدول الكبرى ولو بعد حين؟ ما سيكون تأثير الواقع السوري على لبنان؟ كيف ستكون صورة الاتفاق على سوريا وكيف ستنعكس على محيطها؟
ثم أليس هناك مسعى لدى البعض عن سابق تصور وتصميم لدفع اللبنانيين إللا الاعتراف بأن نظاماً لا يستطيع إنتاج سلطة يجب أن يعدّل؟ هل يبقى الطائف اتفاقاً يجتمع عليه اللبنانيون، أم أن هناك محاولة جادة لتعديله بشكل يؤمّن لحزب الله وسلاحه وجهاً قانونياً دستورياً كما في الجمهورية الاسلامية في إيران مع الحرس الثوري؟ المهم أن جعجع بحاجة إلى الحريري بقدر ما الحريري بحاجة إلى جعجع لمواجهة الاستحقاقات الآتية على المنطقة وعلى لبنان تحديداً، من أجل إما تلافيها أو بالحد الأدنى التقليل من أضرارها على الرؤية التي تجمع الزعيمين ومعهم جمهور 14 آذار “القرفان” أو “الحردان”، حول المناصفة خصوصاً كما حول الحريات العامة والديمقراطية. لهذا يجب لبعض الرؤوس الحامية أن تهدأ، لأنه إن “طارت العنزة” فلن يبقى لنا “مرقداً في جبل لبنان”.

الموارنة والحقائق المرّة
علي حماده/النهار/17 كانون الأول 2015
صحيح أن “المبادرة الرئاسية” التي أطلقها الرئيس سعد الحريري شهدت عثرات كبيرة إلى درجة جعلت معها الاستحقاق الرئاسي يواجه إمكان تمديد الشغور الى أمد قد يطول كثيرا، إلا أن مبادرة الحريري أظهرت قصورا مسيحيا، وتحديدا مارونيا لا يرقى إليه شك في تعيين مصلحة تلك الجماعة العامة والدفاع عنها بوجه المصالح الخاصة التي تمعن يوما بعد يوم في ترسيخ فكرة قديمة مفادها أن المسيحيين، ولا سيما الموارنة، هم أعداء أنفسهم قبل أن يكون الآخرون أعداءهم. هذا ليس بتهجم على الموارنة، بل ملاحظة نسمعها في البيئة المارونية، وخصوصا بين النخب التي تشاهد بمرارة كبيرة تفريغ الموقع الأول الماروني في البلد من عناصر قوته الحقيقية، تارة بحجة رفض الرئيس “الضعيف” شعبيا وانتظار الرئيس القوي لكي يستعيد “حقوق ” الطائفة ” المسلوبة “، وطورا بذريعة انتظار ” انتصار ” لمحور إقليمي على آخر ينعكس على موازين القوى في الداخل اللبناني! وفي الأثناء يبقى منصب الرئاسة الذي يعود الى الموارنة شاغرا، على العكس من منصبي رئاسة مجلس النواب، ورئاسة مجلس الوزراء. في النهاية، تقع الخسارة الأولى على أصحاب المنصب الشاغر منذ شهور طويلة، ولا يمكن الآخرين أن يكونوا أكثر ملكية من أصحاب الحق الأول. ولكن، إذا كان المنصب الأول مارونيا، فإنه لا يعني في أي حال أن قادتهم الذين أخفقوا حتى اليوم في حل أزمة الشغور في ما بينهم – على الرغم من تعيين أربعة متقدمين منهم – لا يعني أن إخفاقهم لا يتسبب بأضرار على البيئات الأخرى. وأيا يكن رأينا في مبادرة الحريري وفي المرشح سليمان فرنجيه، فإن القيادات الإسلامية تبدو أكثر جدية في طرح مخارج لأزمة الشغور من القيادات المارونية التي لم تفلح حتى اليوم إلا في التلاقي على تبادل ” الفيتوات”: الجنرال عون لا يقبل أحدا غيره، والدكتور جعجع لا يقبل بعون ولا يطرح بدائل من ترشيحه الذي يواجه “فيتو” مزدوجا من عون و”حزب الله”، والرئيس الجميل يقول انه يقف خلف مرشح 14 آذار، لكنه مرشح، ويفضل أن يصل مرشح من 8 آذار على أن يصل جعجع. أما النائب فرنجيه، فإنه بعد تجربته الأخيرة مع ” شبق” عون الرئاسي، قد نراه أقرب إلى المرشح الوسطي الذي ينظر بمرارة إلى تعامل حلفائه معه لحظة الحقيقة، وبات، إلى “الفيتو” على جعجع يضع ضمنا “فيتو” على عون يعزز أحقادا حقيقية تضاف إلى أحقاد قديمة ترسخ على مدى عشر سنوات . في مطلق الأحوال، كان لا بد من تذكير الزعماء الموارنة بأن الرئاسة شاغرة . أما الحقوق فمآلها الى الضياع عندما لا يحسن أصحابها الحفاظ عليها، مكتفين برمي البيئات الأخرى بتهمة الافتئات عليها. وفي النهاية لن يبقى على هذه الأرض إلا الأقوى والأكثر التصاقا بحقائق التاريخ!

فرنجيه مرشحاً اليوم : دلالات ورسائل بارزة عون وجعجع في موقع حرج خارجياً؟
روزانا بومنصف/النهار/17 كانون الأول 2015
يتوقع ان يعلن النائب سليمان فرنجيه مساء اليوم ترشحه لرئاسة الجمهورية ما يعني عمليا تخليه عن دعم العماد ميشال عون بعدما كان يردد حتى الايام الاخيرة تمسكه بهذا الدعم. والدلالة التي يحملها ترشيح فرنجيه لنفسه انه يأتي معاكسا لكل ما سرب اعلامياً على اثر لقاءات عقدها مع كل من الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله والرئيس بشار الاسد، بمعنى ان المضي نحو خطوة ترشيحه عقب اللقاءين يوجه رسالة قوية الى تلقيه الدعم للمضي فيها وليس التراجع عنها. وفيما يصدر كلام كثير عن الذين لا يملكون معلومات في حين ان مالكي المعلومات لا يتحدثون كثيرا ما ساهم في صورة غامضة للتطورات خلف الكواليس، تكشف مصادر معنية لـ”النهار” ان اعلان فرنجيه سيشكل خطوة جدية لاثبات فاعلية المبادرة وصدقيتها وليس تراجعها او طيها، وانها بدأت تشق طريقها الفعلي الى التنفيذ وما تحتاج اليه هو مزيد من الوقت ليس الا لاقتناع الافرقاء المعارضين بها، علماً ان الوقت الذي تحتاجه لن يكون طويلاً بما يتعدى مهلة الشهر او الشهرين على أبعد تقدير. سألت مصادر ديبلوماسية المعنيين بالتسوية التي تطرح ترشيح فرنجيه عن ثلاث صيغ او نظريات لما يجري، باحثة عن جواب: النظرية الاولى ان التسوية تحتاج الى وقت من اجل ان يتم تقبلها في ظل اسباب سياسية مانعة او ايضا اسباب شخصية. والثانية ان هناك اعتراضا على مقترح التسوية اي الرئيس سعد الحريري الذي كان هو ايضا المقترح في مبادرة ترشيح العماد عون قبل ما يزيد على السنة باعتباره العامل المشترك الذي يمكن ان يسقط المبادرتين الواحدة تلو الأخرى نتيجة أي رفض لعودته وترؤسه الحكومة. والنظرية الثالثة ان هناك ارادة بابقاء الفراغ في رئاسة الجمهورية نتيجة الرهان على مزيد من التطورات كما تم الرهان على انتهاء الازمة السورية او توقيع الاتفاق النووي. وتلقت هذه المصادر اجوبة قاطعة من أكثر من مصدر معني بالتسوية المطروحة ان النظرية الاولى التي تتحدث عن حاجة التسوية الى بعض الوقت ليس الا هي الاصح. اذ ان النائب فرنجيه لم يتلق اي رد فعل سلبي ازاء ما نقله الى “حزب الله” الذي كان على معرفة بالاتصالات التي اجراها مع الحريري وكذلك الامر بالنسبة الى الاسد الذي كان على معرفة مسبقة بها هو ايضا. يروي بعض العارفين ان جلسات الحوار بين “تيار المستقبل” والحزب التي توالت في عين التينة حملت في احد عناوينها بند رئاسة الجمهورية وكان يرد عليه ممثلو الحزب بأن الممر الاساسي لذلك هو التحدث الى العماد عون، في حين ان هذا الجواب اختلف على ذمة هؤلاء العارفين في الجلسة الاخيرة حيث قال ممثلو الحزب إن الحزب كان على اطلاع على الاتصالات التي جرت بين فرنجيه والحريري وهو باركها وسيقوم باتصالاته او مساعيه في هذا الاطار.
من جهة المملكة العربية السعودية وتحفظها عن فرنجيه وفقاً لنظريات في هذا الاطار، فقد عقد موفدون من فرنجيه لقاء مع سفير المملكة في لبنان علي عواض عسيري اتسم بايجابية كبيرة ومباركة من المملكة للمسار الجاري على نحو يناقض ما ينسج او يراهن عليه في هذا الاطار. وهو ما قد يكشفه فرنجيه ايضا في حديثه التلفزيوني المرتقب. هل اقفلت الحلقة اذا على المعترضين المسيحيين منهم في شكل خاص؟ الفريقان المسيحيان المعنيان اي التيار العوني وحزب “القوات اللبنانية” هما في موقع حرج حيال اي تعاطف خارجي انطلاقاً من ان الازمة استهلكت ليس سنة ونصف السنة من الشغور من دون نتيجة بل السنة التي سبقت انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ما يجعلها سنتين ونصف السنة من المراوحة في ظل اصرار غربي خصوصا على ملء الفراغ الرئاسي وعدم قدرة لبنان على تحمل المزيد. الكرة في ملعب “حزب الله” من اجل اقناع عون فيما تجرى اتصالات حثيثة في المقابل من اجل اقناع الدكتور سمير جعجع الذي ليس خافياً انه كان أساسياً ومرجحاً في رفض دعم ترشيح عون قبل سنة تقريباً، فيما انه رفض قبل ثلاثة أشهر او ما يقاربها قائمة طويلة من المرشحين الذين يمكن ان يكونوا توافقيين من اجل تسويق أحدهم والدفع في اتجاه انهاء الفراغ الرئاسي. هذا الفراغ الرئاسي ومدى خطورته يقول معنيون بالتسوية هو السبب في الخلاف بين الحريري وجعجع الذي يعتبر ان البلد يمكنه ان يتحمل فترة اضافية وظروفاً أفضل فيما لا يراها الحريري كذلك. لكن المعنيين انفسهم يقولون إن جعجع الذي رفض قائمة من الأسماء تضم رياض سلامة والعماد جان قهوجي والنائب بطرس حرب والنائب روبير غانم والسفير جورج خوري والوزير السابق جان عبيد حين عرض الحريري عليه في الرياض اختيار احد هذه الاسماء، لا يزال على موقفه من دون أي حلحلة على رغم رغبة بعض حلفائه في اقناعه بجدية الخطوة وتقبلها واستيعابها. فحلفاؤه ضنينون به جدا ويحرصون على التواصل لاقناعه وعلى استمرار التحالف معه خصوصاً انهم على احترامهم لقراراته ان في شأن عدم مشاركته في الحكومة الحالية او في شأن عدم مشاركته في جلسات الحوار، ويعتبرون انه “اخطأ” في ذلك ولا يودون رؤيته “يخطئ” في الاستمرار في موقفه المعارض لوصول فرنجيه خصوصا ان مجرد تلويحه بقبول ترشيح عون او احتمال دعمه يعني انه كسر محظور التحفظ عن الموقف السياسي ويبقى الموقف الشخصي هو الاساس.