الـيـاس الزغـبـي: الملك والوصيف/وليد شقير: عون يربط الرئاسة اللبنانية بأزمة سورية: ما يحكى عن تسوية إقليمية غير جدي

289

الملك والوصيف
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/12 كانون الأول/15

محاولة قيادة “8 آذار” التفتيش عن إيجابيّات ونجاحات في لقاء الرابيه بين ميشال عون وسليمان فرنجيّه، إلى حدّ التباهي بتقديم مرشّحَيْن من صلبها، تكشف مدى هشاشة العلاقة بين أطراف هذا الفريق السياسي، ومدى تسخيف الاستحقاق الرئاسي وتهزيل الموقع الأوّل للبنانيّين، وخصوصاً المسيحيّين. وكأنّ هذا الاستحقاق الدستوري الوطني المفصلي تحوّل لدى هؤلاء إلى ما يشبه انتخاب ملكات الجمال، بين ملكة ووصيفة أُولى ووصيفة ثانية. عون ملك، فرنجيّه وصيف أوّل .. والبحث عن وصيف ثانٍ. والمشكلة أنّ الأوّل ليس ملكاً والثاني يرفض أن يكون وصيفاً، ولم يقبل سابقاً بأقلّ من بطريرك! هذا، في الواقع، ما يحاول “حزب الله” تسريبه والترويج لنجاحه في جمع الحليفين اللدودين في اللحظة الأخيرة، بعدما كان فرنجيّة استنكف عن التوجّه للقاء عون بعد البيان الصادر قبل ليلة عن “التكتّل” وفيه غمز خبيث من “مرشّح الفرصة” وتذكيره بأنّه مجرّد عضو – جندي وليس في موقع قائد هذا “التكتّل”. كان لدى قيادة “حزب الله” همّ أو هاجس واحد لجمع حليفيها: تثبيت “الخطّ الاستراتيجي” وتكريس انتمائهما إليه. وهذا هو الأمر الوحيد الذي اتفقا عليه بحكم عجزهما عن الخروج منه أو التخفيف من وطأته. والنتيجة التي ظهرت من ثنايا لقاء الغريمين هي أنّ “حزب الله” استطاع تطيير الاستحقاق، من خلال تشجيعهما على التنافس والتصادم والاستمرار معاً في الترشّح تحت شعار “الخطّ”، بما يبرّر تأجيل انتخاب الرئيس إلى ما بعد ما بعد الجلسة 33، يوم الأربعاء المقبل. أمّا لماذا يرغب في استمرار الشغور الرئاسي، فمسألة ترتبط مباشرةً بالحساب الإيراني. طهران لم تصل بعد إلى فرز أوراقها في المنطقة، أين تعطي وأين تأخذ، من اليمن إلى العراق وسوريّا ولبنان. وموازين القوى لم تتّضح بعد. وهي تنتظر نجاحاً ما هنا أو هناك كي تفاوض وتبيع وتشتري.

وما يمكن تقديره، أنّ لا مصلحة لإيران الآن، وتالياً “حزب الله”، في وجود رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة، حتّى ولو كان من خطّها وحليفاً لها، ومن صقور “8 آذار” كفرنجيه وعون وسواهما. تدرك إيران أنّ رئيس الجمهوريّة في لبنان يصبح جزءاً من النسيج الإقليمي والدولي، ومرتبطاً بمصالح لبنان العليا، وليس ورقة لتغطية مشروعها. وهناك تجربتان سابقتان تعلّمت منهما: فلا لصيق محورها آميل لحّود استطاع أن يقدّم خدمات فعليّة لمشروعها، ولا الوسطي ميشال سليمان مشى في ركاب “جبهة الممانعة والمقاومة”. هذا الحساب يجعلها تمتنع الآن عن تسهيل وصول رئيس للبنان، كامل الشرعيّة، وهي غير قادرة على دمجه في مشروعها بفعل وجود قوى دوليّة وعربيّة وإقليميّة وازنة لا تسمح بكسر التوازنات لمصلحة طهران. بينما الوضع الراهن، مع غياب شرعيّة الرئيس، يناسب سياستها، إذ يكتفي “حزب الله” بـ”القشرة الشرعيّة” الواهية التي تؤمّنها له الحكومة اللاحكومة، ويعتبر أنّ ذلك يوفّر له غطاء أفضل من أيّ رئيس محكوم بالسياسة الدوليّة والإقليميّة. والواضح أنّ صمت “حزب الله” الموصوف بـ”الألماسي” ناتج عن ارتباك مفتعل أمام ترشيح فرنجيّه. والصحيح أنّه وجد في هذا الترشيح فرصة ذهبيّة لتحقيق أمرين: تكريس الفراغ الرئاسي، وتقوية ارتباط حليفيه به عبر اللعب على تنافسهما. ولكنّه، ومن حيث لا يريد أو يدري، أحدث صدمة وعي في أوصال “14 آذار” التي اهتزّت بقوّة. وجاء الكلام من الرابيه عن “الحلف الاستراتيجي” حافزاً لإعادة تصليب تحالفها وترتيب شؤون بيتها على أسسها الثابتة التي أطلقت ثورة الأرز.

ربّ ضارّةٍ نافعة. فقوى “14 آذار” كانت في حاجة إلى صدمة بعد سنتين من التراخي والخلافات والصراعات. قد تكون الصدمة مقصودة أو رمية من غير رامٍ. فالمهم أنّ ترشيح فرنجيّة، بسلبيّاته وإيجابيّاته، أعاد تنظيم الحسابات وتسديد الخطى. أمّا الحديث عن خاسر أكبر هو الرئيس سعد الحريري، ورابح أكبر هو تحالف “8 آذار”، ففيه الكثير من التسرّع وسياسة الأمنيات. على المدى المتوسّط سيتم إنصاف حسن النيّة، وربما الرؤية، عند الحريري، سياسيّاً وشعبيّاً، ولبننتة التحرّك الرئاسي سلباً أو إيجاباً. كما ستتّضح هوائيّة المقولة بأنّ “مبادرة الحريري” كرّست الرئاسة الأُولى لـ “8 آذار”، ولا يمكن بعد اليوم التراجع عن هذا الالتزام.

في الحقيقة، مع تراجع حظوظ فرنجيّه، لم تتقدّم حظوظ عون. فالفرص لا تتكرّر إلى الأبد، وتاريخ انتخابات الرئاسة في لبنان يحمل أكثر من وعد أو قرار نام عليه رؤساء واستيقظوا على سواهم، ومن بينهم أهمّ رجالات آل فرنجيّه أنفسهم. فكيف بمن يعد نفسه بالرئاسة منذ 30 سنة ويحرق الفرصة تلو الأُخرى وأُولاها كانت سنة 1988 بتسريبة من حافظ الأسد نفسه، وهي الآن تبعد عنه مسافات ضوئيّة. المنطق السياسي يقول بأنّ تعطيل “الفرصة” يعني البحث عن بدائل، والبديل لا يمكن أن يكون من جنس الأصيل. لذلك، سيتّجه الاهتمام اللبناني والإقليمي والدولي إلى بديل توافقي بعد سقوط تجارب مرشّحيّ التحدّي والكسر. وقد بدأ سفراء الدول يجسّون النبض حول البديل. وهكذا تسقط صفقة رئيس جمهوريّة من “8 آذار” ورئيس حكومة من “14 آذار”، مع توزيع سلّة الغنائم. ومعها تسقط حكماً معادلة الملك والوصيف، بما فيها من إهانة للموقع والعقل والكرامة.

 

عون يربط الرئاسة اللبنانية بأزمة سورية: ما يحكى عن تسوية إقليمية غير جدي
وليد شقير/13 كانون الأول/15
العقبات أمام المعني في مبادرة زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري دعم ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة اللبنانية، دفعت الوسط السياسي اللبناني إلى صرف النظر عما سماه البعض «الفرصة» التي تجلّت بتنازل الحريري عبر قبوله بمرشح من 8 آذار، ولو موقتاً، إلا أن توقعات القوى السياسية تراوحت بين القول «بتأخر» هذه التسوية على رئاسة فرنجية وبين تجميدها لأجل غير مسمى نتيجة تعثرها، من دون أن تلغى، لتتم معاودة تحريكها عندما يحين الظرف الإقليمي المناسب، وبين من يرى أنها تعطّلت لأن تأجيلها لكثير من الوقت سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر بحثاً عن تسوية أخرى وربما على اسم آخر أيضاً، ما يعني أن المبادرة قد يكون مصيرها النعي، بعد مدة من الزمن.
ما بعد المبادرة
وبدأت الأوساط المختلفة سواء من قوى 14 آذار أم من تحالف 8 آذار مع «التيار الوطني الحر»، تبحث في مرحلة ما بعد مبادرة الحريري وانعكاسها على الوضع السياسي في البلاد، لا سيما بعــد ما تسرّب عن لقاء فرنجية مع الأمين العــام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ليل الخميس الماضي، حيث أكد الثاني أن مرشح 8 آذار يبقى العماد ميشال عون والاتفاق على أن يبقى الموقف موحداً بين مكونات هذا التحالف في ما يخص حضور أي جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، وأن يطلب فرنجية من الحريري التريث في دعمه ترشيحه… وتعددت الوقائع التي تدفع حلقات ضيـــقة إلى البحــــث عن أسباب خارجيــــة وإقلـيمية لتعثر التسوية على فرنجية لإنــــهاء الشغـور الرئاسي، خصوصاً أن القـــوى التي روجت لها، سواء في أوساط «المستقبل» أم غيره استندت إلى أن بدايات الحوار الذي حصل بين إيران والسعودية انتهت إلى اتفاق على حفظ الاستقرار في لبنان وتجنيبه الخلافات القائمة بين البلدين مع استعدادهما لتسهيل إنهاء الشغور الرئاسي.
ويمكن ذكر الآتي من هذه الوقائع:
1- إن العماد عون أبلغ زواره خلال الـ48 ساعة الماضية، أن ما قيل عن تسوية دولية أو إقليمية يتفرع منها التوافق على انتخاب رئيس في لبنان «غير جدي». وهي تسوية غير مكتملة. ويسأل عون أمام زواره: «ألا تسمعون ما يحصل بين الأميركيين والروس وبين السعوديين والإيرانيين حول الأزمة السورية؟». ويسترجع عون مواقف السعودية بأن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل وأن لا مكان له في المرحلة الانتقالية. ويسأل: «هل هذا يعني أن هناك حلولاً في سورية؟ ألم تسمعوا الموقف الروسي الرافض المطالبة برحيل الأسد؟».
عون مطمئن
ويشدد عون أمام زواره على أن من يرون أن تقارباً دولياً يحصل «يتفاءلون أكثر من اللازم، وإذا كانت هناك بعض مظاهر التقارب الدولي (في السعي لأجل الحل السياسي في سورية، فإنه تقارب غير منجز ولا بد من الانتظار». ويستنتج عون من قراءته الوضع الإقليمي أن الاندفاع نحو التسوية على رئاسة فرنجية كان خطأ وغير مستند إلى أساس متين على الصعيد الإقليمي. وهو ردد أمام زواره «أننا لا نستطيع أن نفصل الوضع اللبناني عن الوضع في سورية، وبالتالي يجب النظر إلى الحلول المتكاملة في المنطقة ككل…». ويرى زوار عون أنه استند إلى هذه القراءة في إبداء ارتياحه في رفضه أن يتنازل لفرنجية عن الرئاسة حين التقاه عصر الأربعاء الماضي. وهو قال لهؤلاء، أنه أبلغ رئيس «المردة» أنه لن يتراجع عن ترشحه وأن «من حقك أن تترشح ومن حق الوزير السابق جان عبيد أن يكون مرشحاً ومن حقي أنا أن أكون مرشحاً أيضاً». وتستدل المصادر التي اطلعت على نتائج لقاء عون مع فرنجية، بوقائعه لتؤكد أن ما تبلغه الأول من حلفائه الإقليميين يعني أن طهران ليست على استعداد بعد لتسليم ورقة الرئاسة في لبنان، لا سيما إذا كانت السعودية تدعم ملء الشغور الرئاسي طالما الخلاف على القضايا الإقليمية على أشده، فهو رفض المنطق الذي تحدث به فرنجية بأن وصوله إلى الرئاسة مكسب للخط الذي يمثلانه معاً، إذ قال لرئيس «المردة»: «إنك لا تستطيع أن تحكم مع الحريري»، حين استخدم حجة أن الحريري معي كمرشح للرئاسة مقارنة بعدم تمكن عون من تأمين أكثرية توصله إلى الرئاسة. كما أن جواب فرنجية على ذلك كان: «بل لا أنوي أن أمارس الحكم من دونك ولذلك جئت أطرح الأمر عليك». واكتفى عون بالقول: «أنا ما زلت أعمل على تأمين الأكثرية. ألم تقل أنت أني مرشح فريقنا طالما أنا مستمر في الترشح؟ أنا لن أنسحب». وسبق لأوساط عون أن أكدت أنه تلقى دعم بشار الأسد، ونصرالله للرئاسة، على رغم أن الأول كان وافق لفرنجية على اتصالاته التمهيدية مع الحريري، وكذلك نصرالله، قبل اجتماعه مع رئيس تيار «المستقبل» في باريس.
نعيم قاسم
2- ما أعلنه نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أول من أمس بقوله أن سكوت حزبه (حيال ترشيح فرنجية) «موقف ونحتاج إلى فترة لنتأمل ونستكمل الاتصالات لنعلن موقفنا النهائي… وعندما نسكت فلأننا لا نرى التوقيت سليماً ولا الفكرة ناضجة»…
وإضافة إلى أن اجتماع نصرالله مع فرنجية انتهى إلى طلب الأول من الثاني التروي، فإن الأوساط التي تفتش عن خلفيات موقف الحزب تتوزع على استنتاجين:
الأول أن الحزب اضطر إلى التراجع عن تأييد اتصالات فرنجية مع الحريري حين تبلغ بها، وأن الحزب لم يكن ليوافق حينذاك على تواصل حليفه مع زعيم «المستقبل» لو لم يكن هناك قبول إيراني بالسعي إلى تسوية في لبنان.
والثاني هو أن هناك فرقاً بين أن يشجع الحزب على التواصل مع الحريري وبين التوصل إلى اتفاق معه على ترشيح فرنجية. وأصحاب الاستنتاج الثاني يتحدثون عن استعجال وتسرّع في اعتبار التسوية قاب قوسين من أن تتحقق وهذا ما وقع به المتحمسون لها، لا سيما الحريري ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط وفرنجية نفسه…
ويشير الذين يشككون في حصول توافق إقليمي إلى استمرار التأزم السعودي – الإيراني، عبر مواصلة طهــران حملتها على نتائج مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، وإلى الـخلاف على أســـس التفاوض بين القوى السياسية اليمنية على الحل السياسي الذي تبدأ اجتمـــاعاته في جنيف مطلع الأسبوع، وتصـــاعد الحملة ضد الرياض من مسؤوليـــن إيرانييــــن وقيادة «حزب الله» فـــي شأن إلغاء عقد تلفزيون «المنار» التـــابع للحزب مع «عربسات» ووقف بثه الفضائي… كأدلة على أن العلاقة بينهما إلى مزيد من التدهور.
لقاء الجبير – ظريف
ويقول متابعون للتقارير التي تحدثت عن لقاء وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش مؤتمر فيينا في 12 الشهر الماضي، أن بعض القيادات اللبنانية بنى آمالاً كبرى عليه، لا سيما أوساط أيدت مبادرة الحريري، معتبرة أنـها جاءت نتيجة هذا اللقاء الذي لم يدم طويلاً كما قيل وهذا ما أوضحه الجبير قبـــــل يوميـن، ولم يتطرق إلى دعم ترشيح فرنجية أيضاً بل تناول الوضع اللبناني من زاوية حفظ استقراره وتحييده عن الصراع لا أكثر، على رغم توافقهما على تشكيل لجنتين سياسية وأمنية، الأولوية على جدول أعمالهما، لأزمة اليمن.
وتشترك أوساط ديبلوماسية غربية فـــي تأكيد أن هــناك تضخيماً لمفاعيل هذا اللقاء الذي شجع عليه الجانب الأميركي وبعض الأطراف الدولية الأخرى.
وعلمت «الحياة» في هذا الصدد أن البحــــث في وضع لبنان جاء نتيجة الإصــرار الأميــركي والغربي عموماً على طهــران والرياض بأن تسعيا إلى التقارب في شأن ملفات المنطقة المختلف عليها، وأن يعتـــمدا لبنان الميدان الأسهل عليهما والأقرب منالاً، تحت عنوان إجراءات بناء الثقة بين الدولتينConFidence building measures) وقد يكون توافقهما علـــى مواصـــلة دعم الاستقرار فيه وتحييده عـــن الصراع هو النتيجة الأبرز من دون اتفاقهما على الرئاسة، لا سيما أن وقائع الأيام الماضية لا تدل على أي تحسن في استعادة الثقة بين الدولتين.

.