المحامي عبد الحميد الأحدب: القضاء على داعش دون الأسد سيُفَرِّخ دواعش كثيرة/سليم نصار: لماذا قرر الغرب إنهاء الدولة التي خلقها/ روزانا بومنصف: رسالة الاجماع الدولي غير المكتمل في فيينا تتفاعل على وقع تجاذب المواقف المتناقضة

321

القضاء على “داعش” دون الأسد سيُفَرِّخ دواعش كثيرة
المحامي عبد الحميد الأحدب/النهار/21 تشرين الثاني 2015
بدأ تنظيم ” داعش” واخوانه من “النصرة “الى غيرها ما قبل وما بعد مجزرة حماة (التي كان عدد قتلاها 100 ألف) ثم في مجزرة الكيماوي العراقي على الاكراد، ثم في الموصل بين الشواف وعبد الكريم قاسم ، الى مجزرة مكة التي احتلها المتمردون على الوهابية لمزيد من الوهابية، الى مجزرة طهران حين قلبت اميركا نظام محمد مصدق الديموقراطي بانقلاب عسكري اعاد الشاه الى السلطة، الى مجازر الجزائر حين استبد الجيش بالسلطة بعد الاستقلال الى ان قرر الشاذلي الانتخابات ففاز الاسلاميون الداعشيون فحل العسكر المجلس، وكانت المجازر طوال عشر سنين! الى الصخيرات في المغرب الى… الى… الى كل المجازر في كل بقعة من العالم العربي الذي استبدّ به المستبدّون في الديكتاتوريات العربية بترحيب ودعم ودلال من الغرب بأسره. “داعش” وأمثاله ليسوا سوى فرع من اصل هو الاستبداد. جاءت الدكتاتوريات في كل البلاد العربية بدون اي استثناء (لبنان كان الإستثناء الوحيد حتى سنة 1975) ففرَّغت أنظمة الاستبداد الانسان من انسانيته، ومن فكره. لم تعد تظهر كتابات لطه حسين وتوفيق الحكيم ومحمد حسين هيكل ونزار قباني و… و… واذا ظهر نجيب محفوظ حاولوا اغتياله، صار وزير التعليم العالي يصدر بياناً من عشرين سطراً فيه ثلاثين خطأ املائياً…. زاد الفقر والبؤس والخوف وفتحت ابواب الجامعات وتوقفت الجامعات عن اعطاء العلم وصارت تعطي شهادات فقر حال وطاعة للنظام. ومن الخمسينات بدأت تغيب الانسانية عن الانسان العربي. اي معنى للحياة اذا لم يعد في الحياة سعادة ولا علم ولا فكر ولا حرية، لم يعد فيها سوى الفقر والخوف والاستبداد، فأُفْرِغ الانسان العربي من انسانيته ومن عقله ومن كرامته ومن مبرر وجوده في الحياة. ومن مئتي مليون عربي يمكن القول انهم انقسموا الى عشرين بالمئة مخابرات واهل السلطة وادوات الإستبداد والإستيلاء على اموال الناس بدون وجه حق… وبقي الباقون 80% يريدون الرحيل، نصفهم يريد الرحيل الى الجنة كإنتحاريين، والنصف الثاني يريد الرحيل عن أرض هذا الشرق التي كانت طاهرة فأصبحت نجسة، قسم ذاب في الديانة التي فبركها المستبدون وفيها انّ طريق الجنة هو الموت الإنتحاري السريع للصعود الى جنات تجري من تحتها الأنهار وفيها الحريم اللواتي لا يأتيهن الحيض وفيها النبيذ وفيها… وفيها كل ما حرم منه العرب في دنيا الإستبداد والذل والتجبر وعقول فارغة… وانسانية معدومة…
هؤلاء اختاروا الموت على الحياة، والدليل تكاثر الإنتحاريين بالمئات وغداً بالألوف… وبدأت ظاهرة الإنتحاريين تتكاثر، يريدون الموت وقتل الآخرين، كما في غارة برج البراجنة الداعشية وغارة باريس وكل الغارات. ونصف العرب الآخر الذي لم يدخل في دين الهرطقة، بل بقي على دين الإسلام الذي ربه رحمن رحيم، والسلام هو اساسه، هؤلاء اختاروا الرحيل، وهم يُعَرِّضون نصفهم للغرق والموت في البحر هم وأولادهم وزوجاتهم من اجل الرحيل من المذلة العربية الإسلامية السائدة الى الحضارة الغربية المسيحية التي فيها من التسامح ما يترك مكاناً للمسلمين… وبدأ الزحف المقدس، مليون، مليونان، ثلاثة!! المانيا فتحت ابوابها لمليون سوري واوروبا تتقاسم. في هذه الأجواء قرر الإنتحاريون من “داعش” غارة على مراكز الثقافة والمسارح والكتب في باريس، الخير لقدام. ايها السادة الغربيون الأغبياء، “داعش” واخواته هي نتيجة آل الأسد ونوري المالكي وصدام حسين والحنبلية والإستبداد الجزائري وزين العابدين وعبد الناصر والسادات ومبارك والإخوان المسلمين وعمر البشير الى القذافي الى… الى… من هنا فرّخ “داعش” واخواته، والحل بالقضاء على “الوكر” اي على ديكتاتورية الأسد وعلى كل الديكتاتوريات التي تولد الداعشيات! الحل بالقضاء على السبب والنتيجة! لما قضوا على القاعدة عادت ففرّخت قاعدة “داعش” و”النصرة وكل الإخوان”… في الحرب العالمية الثالثة يتعرض الغرب لزحف الذين كفروا بالشرق واستبداده ويطلبون الملجأ ويتعرض الغرب لغارات دموية من الداعشية واخواته… في الحرب اذا قضيتم على السبب، على الوكر، “الأسد واخوانه” زالت النتيجة “الداعشية” اما القضاء على النتيجة “الداعشية” وحدها وترك الإستبداد الأسدي وغيره من الديكتاتوريات مدللاً تتعاونون معه للقضاء على النتيجة “الداعشية” ضحك على الذقون وعربدة وغباء. هذا الغباء وخطة القضاء على الداعشية من دون الأسد: اذذاك فحلال عليكم بعد سنة او سنتين داعشية جديدة وقاعدة جديدة اكثر شباباً… لماذا تضيعون عقولكم؟ الهدف الأساسي الذي يجب الإنقضاض عليه مع الإنقضاض على “داعش” فعلاً لا قولاً، واقعياً لا نظرياً، الى هذا الهدف اتجهوا الى السبب الى الدكتاتوريات فهي مسببة كل هذا البؤس وهذا الإجرام. ماذا اصاب العقل الغربي الذي طالما كان عقلانياً، وليس هوائياً؟ الطريق واضح، وصنف الكلام التافه سيرتد عليكم وعلينا بالويلات.

لماذا قرر الغرب إنهاء الدولة التي خلقها؟
سليم نصار/النهار/21 تشرين الثاني 2015
مطلع الشهر الماضي داهمت الشرطة التركية أحد أحياء مدينة “غاز عنتاب”، حيث اعتقلت ستة أشخاص بتهمة الترويج لعملة مزيفة. وقد عثرت الشرطة بحوزة المعتقلين على صناديق خشبية عدة ملآنة بعملة معدنية مسكوكة باسم “خليفة الدولة الاسلامية”. وكانت العملات تتألف من الدينار الذهبي والدرهم الفضي والفلوس النحاسية. يرى المراقبون أن غاية تنظيم “داعش” من سك عملة خاصة يعود تاريخها الى العصر الأموي، هو فرض معاييره القانونية الدولية داخل تخوم بلاده، تماماً مثلما تفعل الولايات المتحدة عبر الدولار… أو مثلما تفعل بريطانيا عبر الجنيه الاسترليني. وكما نشأ تنظيم “الدولة الاسلامية” وتمدد بفعل سياسة القوة والتخويف، كذلك مارس الأسبوع الماضي هذه السياسة بكثير من الشراسة والضراوة في العاصمة الفرنسية باريس. والهدف – كما فسره وزير الدفاع الفرنسي فرانسوا جان ايف لودريان – هو الانتقام من سياسة الرئيس فرانسوا هولاند الذي أمر بقصف قافلة تنقل 139 شاحنة نفط تمثل مصدر التمويل الأساسي لتنظيم “الدولة الاسلامية”. والثابت أن وصول حاملة الطائرات الفرنسية “شارل ديغول” الى المنطقة قد زاد من مخاوف تنظيم “داعش” الذي اعتبر أن سياسة باريس حياله لا تقل خطراً عن سياسة موسكو. لذلك قررت قيادة “التنظيم” تسديد ضربة موجعة لباريس بغرض إرباك الحكومة الفرنسية، ومنعها من استكمال خطتها وزيادة قدراتها العسكرية في سوريا والعراق. في مطلق الأحوال، فان الضربات الموجعة التي تلقاها “داعش” خلال هذا الشهر كانت من النوع المؤثر على وجوده واستمراره معاً. ذلك أن الانتصار الذي حققته البيشمركة جراء استعادتها اقليم سنجار (800 كلم مربع) قد أفقد التنظيم موقعاً استراتيجياً ورمزياً قلَّ نظيره. خصوصاً أن هذا الاقليم، الذي وعده مسعود البرزاني بالتحول محافظة، كان يمثل الرباط الحيوي بين الموصل والمعاقل الأخرى في العراق وسوريا. في الوقت ذاته، خسر التنظيم أسطورته الارهابية التي تمثلت بالذبـّاح محمد اموزاي الذي قتِل في غارة نفذتها طائرة من دون طيار استهدفته في “الرقة” السورية.
وقد اشتهر الملقب بـ “الجهادي جون” في التسجيلات المصورة وهو يرتدي ملابس سوداء كلون علم “داعش”، ويغطي رأسه كاملاً عدا عينيه. وكثيراً ما ظهر على شاشات التلفزيون وهو يذبح رهائنه بسكين طويلة مصنوعة كالمنشار.
وحول توقيت عملية اغتياله، كتبت صحيفة “فايننشال تايمز” تقول إن الرئيس اوباما حرص على القيام بعمل مثير قبل مؤتمر فيينا. وغايته من وراء اغتيال أشهر ذبـّاح لدى “داعش” إقناع الرئيس بوتين بأن الولايات المتحدة تشاركه عملياً في محاربة إرهاب تنظيم الدولة الاسلامية. أي أن هذه الحادثة كانت مجرد عملية “دعاية” سافرة، تغطي بها واشنطن عجزها عن محاربة “داعش”. حقيقة الأمر أن دور الولايات المتحدة ظل غامضاً وملتبساً الى حين انعقاد قمة “مجموعة العشرين” في مدينة انطاليا التركية. والسبب، حسب تعبير المحللين، هو اعتماد الرئيس باراك اوباما سياسة خارجية زئبقية تتحاشى خوض الحروب بشكل مباشر، وانما بواسطة قوى محلية تقوم هي بتسليحها وتدريب عناصرها. وبعكس ما تفعله روسيا، فان الغارات الاميركية تجنبت دائماً إلحاق الأذى باقتصاد التنظيم. لماذا…؟
لأن فكرة إنشاء تنظيم “داعش” هي في الأساس فكرة اميركية تحققت تدريجاً بعدما دعمتها تركيا ودول عربية أخرى بالمال والسلاح. أي الدول التي ترى مصلحتها في وجود جسم سياسي سني يوازي الوجود السياسي الشيعي في عراق المالكي. ولم يكن هدف ادارة الرئيس اوباما الاكتفاء باحياء حروب النقائض، وانما تعدتها بغرض احتواء زخم “الربيع العربي” فوق رقعة شطرت جغرافية سوريا والعراق. ومن المؤكد أن سرعة إسقاط الأنظمة القائمة في تونس ومصر وليبيا قد أعطت واشنطن سبباً إضافياً لخلق تنظيم شرس قادر على اجتذاب الطبقة الراديكالية في العالمين العربي والاسلامي. وبسبب التدخل الروسي المباشر في عملية تقويض النظام الداعشي، زائدا تدخل دول غربية بواسطة الطيران الحربي، أيقن أبو بكر البغدادي أن ساعة تصفية دولته قد آذنت. لذلك استخدم كل عناصره المستنفرة في مواقع مختلفة من أجل إسقاط الطائرة الروسية، وإحراج “حزب الله” في منطقته (برج البراجنة)، والاعتداء على باريس بطريقة جعلت فرنسا تطلب مساعدة عسكرية من دول الاتحاد الاوروبي.
تقول الصحف الاميركية إن الاعتداء على فرنسا بهذا الحجم المخيف شكـّل ضربة قاتلة لتنظيم الدولة الاسلامية. والسبب أن القوى التي ساندتها وأيدت وجودها اضطرت الى التخلي عنها بعدما تحولت دولة إرهاب عالمي تفوقت في شراستها على “القاعدة”. يقول مدير الأمن القومي الاميركي إن بلاده إتخذت الاحتياطات اللازمة لمنع تكرار عملية تدمير البرجين (11 ايلول 2001). وقد ساعدها على ذلك فقدان التنظيمات الارهابية بيئة حاضنة مثل أفغانستان. والمؤكد أن إنشاء دولة “داعش” في قلب سوريا والعراق قد بدّل صورة “القاعدة” بسبب تغاضي المجتمع الدولي عن شبكة الارهاب التي أقامها التنظيم في أماكن سيطرته وخارجها. ومن أبرز أذرعه الطويلة في مصر “تنظيم أنصار بيت المقدس” الذي نفذ سلسلة عمليات في صحراء سيناء. وفي هذا السياق، كتبت الصحف المعارضة في مصر عن الطريقة الغامضة التي استخدمت لادخال القنبلة الى المطار في شرم الشيخ. ثم تساءلت ما إذا كان بالمستطاع إدخال متفجرة الى المكان الذي يعج بالفنادق، على اعتبار أن “داعش” هدد بحرمان مصر من 14 مليار دولار، مردود السياحة. الصحف الفرنسية والبلجيكية ركزت هذا الأسبوع على إطلاق توقعات عدة تتناول الأماكن المرشحة لانتقام “داعش”، جاء في طليعتها ايران والولايات المتحدة. وقالت هذه الصحف إن التنظيم سدد الحساب مع الروس من خلال إسقاط طائرتهم فوق سيناء. كما وجه ضربة مؤلمة الى “حزب الله” كونه يقوم بدور الحراسة للرئيس بشار الأسد. من هنا القول إن قاسم سليماني، قائد العمليات الخاصة في الحرس الثوري الايراني، بدأ يستعد لمقاومة أي عمل تخريبي يفتعله “داعش” لارباك ايران باعتبارها الراعي الأول لـ “حزب الله”، إضافة الى كونها الحارس الأول والأخير لنظام بشار الأسد. منتصف هذا الأسبوع، عقد في إشبيلية مؤتمر لشرطة الانتربول جرت خلاله مراجعة مستفيضة للأعمال المخلة بالأمن الدولي. وفي نهاية المؤتمر أعلن أمين عام المنظمة يورغن ستوك عن وجود 25 ألف إرهابي في العالم، غالبيتهم في سوريا والعراق وأفغانستان.
ومثل هذه التقديرات فتحت المجال لاستعراض مختلف العمليات النائمة التي ستقفز الى حيز التنفيذ في حال قرر أبو بكر البغدادي ذلك. أو في حال قرر جهاز التحكم بهذه الآلة المعقدة نشر الذعر في كل مكان بالعالم، وخصوصاً في الولايات المتحدة. ويبدو أن البعد الجغرافي الذي تتحصن خلفه اميركا لم يمنع عنها تهديد صقور “داعش” الذين توعدوا إدارة اوباما باستعادة مأساة برجي نيويورك. والسبب أنهم مقتنعون بأن الغارات المكثفة التي قامت بها الطائرات الحربية الاميركية هي التي سهلت للبيشمركة استعادة إقليم سنجار. وبما أن هذا التدخل المؤثر يعطي الدليل القاطع على تحول الادارة الاميركية من موقف المهادن الى موقف المعارض، فان التوقعات تشير الى احتمال إحداث عملية تخريب تحرج الراعي الخفي، باراك اوباما. مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي اي) مشغول في هذه الأيام بملاحقة شبكات الانترنت، لعله يكتشف من خلالها بعض التوجيهات المتعلقة بأوامر القيادة المركزية. ويقول مكتب التحقيقات إنه يراقب باستمرار تحركات أكثر من ألف شاب اميركي، يتهمهم بالتعاطف، عقائدياً، مع “داعش”. كما يزعم بأن هؤلاء الشبان قد تأثروا بالرسائل التي تصلهم باستمرار من 250 مقاتلا اميركيا التحقوا بصفوف التنظيم. ويكفي أن يكون في الولايات المتحدة ألف إرهابي فقط، كي يتضاءل عدد المسافرين ويتراجع عدد رواد المسارح وصالات السينما ومواقع التسوق والزحام. وقديماً، عرف القراء حكاية فرانكشتاين الذي قتل صانعه. واليوم تتكرر هذه الحكاية مع “داعش”… الدولة التي خُلِقَت في سبعة ايام فقط

رسالة الاجماع الدولي غير المكتمل في فيينا تتفاعل على وقع تجاذب المواقف المتناقضة
روزانا بومنصف/النهار/21 تشرين الثاني 2015
قياسا على اجماع دولي تم التوصل اليه حول بنود لمعالجة الحرب في سوريا وايجاد حلول لها، اظهرته الدول التي اجتمعت في فيينا في 14 من الجاري، وضم للمرة الاولى ايران والمملكة العربية السعودية معا الى طاولة المفاوضات، وارادت هذه الدول ان توصله الى الافرقاء السوريين وكل المعنيين بالحرب السورية، فإن وحدة الهدف التي تصاعدت خصوصا بعد الاعتداءات الارهابية في باريس حول القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية” لم تظهر ان الولايات المتحدة وروسيا يمكن ان تكونا قد اصبحتا على الوتيرة نفسها، او وفق التعبير الغربي على الصفحة نفسها ازاء التعامل مع الوضع السوري. فقد تصاعد في الايام الاخيرة خلاف كلامي علني واضح بين واشنطن وموسكو على موقع الرئيس السوري بشار الاسد ومصيره، الى حد يقارب الحرب الكلامية، إذ اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما ان تسليم روسيا وايران والنخبة الحاكمة في سوريا بانه لن تكون هناك نهاية للحرب الاهلية في سوريا ولن يتم التوصل الى تسوية سياسية مع بقاء الاسد في السلطة، قد يتطلب بضعة اشهر. فيما اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان ما من سبيل لحل الازمة السورية سلميا من دون الاسد الذي قال انه يعكس فئة كبيرة من المجتمع السوري على نحو يثير تساؤلا جديا عن امكان حصول مفاوضات تبحث في مرحلة انتقالية بات يرفضها رأس النظام السوري ويعلي صوته كأنه ممسك فعلا بخيوط اللعبة السياسية والعسكرية في سوريا، معولا على دعم حلفائه، في الوقت الذي يفترض أن المفاوضات التي ستبدأ مطلع السنة المقبلة ستبحث في سبل اخراجه من الحكم والاتفاق على بديل منه. ومع الاقرار بأن الخلاف على الاسد هو جزء من الاتفاق في فيينا، يجد مراقبون ان ثمة صعوبة كبيرة قد يواجهها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في محاولة تأمين تحالف واحد ووحيد ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” متى كانت الاهداف او النتائج مختلفا عليها الى هذا الحد، ولا مجال للتلاقي، وخصوصا متى كان القضاء على التنظيم يحتمل ان يصب في خانة بشار الاسد، علما ان ثمة من يعتقد ان جهود الرئيس الفرنسي قد تجد زخما اضافيا، ليس فقط من احداث باريس بل ايضا من التطورات المأسوية في مالي، وهو ما وسع دائرة الاعتداءات الارهابية وزاد شموليتها على نحو يفترض الا يسمح بترف استمرار الانقسامات الدولية ازاء سبل مواجهة التنظيم الارهابي.
لكن في الوقت عينه، فإن فرنسا التي تجد نفسها في موقع متناقض مع دول اوروبية ازاء بقاء الاسد، من غير المرجح ان تستطيع دفع واشنطن وموسكو لتكونا على الصفحة نفسها في التحالف. هذا على الاقل ما يعتقده بعض المراقبين، في مقابل آخرين يعتقدون ان موسكو تحظى بغض نظر اميركي للتحرك عسكريا في سوريا، في ظل تلاقي موضوعي على إبقاء الاسد في مرحلة التفاوض وعدم سقوطه قبل المفاوضات، بعدما أتى التدخل العسكري لانقاذه، وفي ظل رضى غير مباشر عن محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” والتورط حيث لا يرغب الاميركيون. ويسجل المراقبون من جهة ثانية في المسار السياسي الذي انطلق للحل في سوريا، ثغرة اخرى في رسالة الاجماع الدولي من فيينا مع نجاح المملكة السعودية في تأمين اقرار لجنة حقوق الانسان في الجمعية العمومية للامم المتحدة بغالبية 115 صوتا وامتناع 51 صوتا ومعارضة 15 قرارا تندد بالتدخل الايراني والروسي في سوريا وبكل المقاتلين الاجانب والقوى الاجنبية التي تقاتل باسم النظام السوري، وخصوصا ما يسمى ألوية القدس والحرس الثوري الايراني وجمعات متشددة مثل” حزب الله”. ومع ان القرار ليس ملزما، وهو على مستوى لجنة أممية وسيحال امام الجمعية العمومية الشهر المقبل للتصويت عليه، فإن ذلك سيثير تساؤلات عن امكان تصنيف الاردن التنظيمات الارهابية وفق ما كلف في فيينا، وما اذا كان يمكن ان يقصر هذا التصنيف على “الدولة الاسلامية” و”النصرة”، في ضوء تصنيف “اجماعي” من جهة اخرى شاركت فيه الولايات المتحدة ودول اوروبية للحرس الثوري الايراني الذي يحارب الى جانب النظام وسائر التنظيمات ك” حزب الله”. فالمؤشر المعبر الابلغ من وجود اجماع دولي حول سوريا، وفق ما اريد اظهاره في فيينا، هو استمرار الخلافات الدولية من جهة والخلافات الاقليمية من جهة اخرى، او على اقل تقدير استمرار المعارك العسكرية والسياسية سعيا الى التأثير في المعركة الديبلوماسية الجارية والتي يتم التحضير لها بين السوريين انفسهم. وتقول مصادر ديبلوماسية انه فيما غلب الاعتقاد بعد دخول روسيا المباشر عسكريا في سوريا على ان روسيا تمتلك اليد العليا في اقرار سبل الحل في سوريا، فإن هناك اعتقادا لا يقل قوة مؤداه أن دخول روسيا الحرب ساهم في تورطها، وان الاسراع الى تحفيز الحل السياسي هو من اجل تجنب الغرق في الوحول السورية. إلا أن هذه النماذج عن الثغر في الاجماع الدولي، والتي يراها المراقبون المعنيون محتملة جدا في ظل الكباش والتجاذب حول مصير بشار الاسد، لا تنفي في المقابل وفق هؤلاء اضطرار الدول الكبرى المعنية الى وضع الحل على السكة، بقطع النظر عن المدة للوصول اليه والرهانات التي ترافقه . وهذا ما يرتقب هؤلاء ان يزداد في كل المراحل المقبلة، سعيا لتغليب وجهة النظر الى الحل مع الاسد او من دونه.