نبيل بومنصف: هنا الخط الأحمر/سابين عويس: المسيحيون أمام تهمة التعطيل وشلّ المؤسسات/نديم قطيش: عن ديما صادق ودعوى حزب الله

258

المسيحيون أمام تهمة التعطيل وشلّ المؤسسات وهل يتقدّم قانونا الانتخاب والجنسية الإنقاذ المالي؟
سابين عويس/النهار/6 تشرين الثاني 2015
مع غياب الكلام على جلسة حكومية تعالج أزمة النفايات المتراكمة في الطرق والشوارع، بفعل تعذر التفاهم على المطامر او الترحيل أو غيرها من الشروط التعجيزية التي تقف حائلا دون معالجة الأزمة، ينشغل الوسط السياسي بفصل جديد عنوانه “تشريع الضرورة”، بعدما هُيئت البلاد لمناخ تهويلي ضاغط حيال الاخطار المالية والاقتصادية المحيطة بسبب غياب إقرار القوانين المطلوبة. كل الأجواء باتت جاهزة لعقد جلسات تشريع الضرورة التي لم يختصرها رئيس المجلس بواحدة على مدى يومين متتاليين في ١٢ و١٣ من الشهر الجاري. فتوسع جدول الأعمال الضيق ليشمل ٣٨ مادة لحظت مشاريع القوانين المالية والضريبية والقروض مع المؤسسات والصناديق العربية والدولية، بينما لبى الرئيس بري طلب “التيار الوطني الحر” بإدراج مشروعي قانونين حول إستعادة الجنسية وأموال البلديات، وبقي مطلب القوات اللبنانية المتعلق بقانون الانتخاب خارج الجدول. تتكثف الاتصالات حاليا ولا سيما على محور الرابية – معراب التي زارها امس النائب إبرهيم كنعان موفدا من العماد ميشال عون بهدف التنسيق بين الفريقين المسيحيين حول المشاركة في الجلسة. وفي حين باتت مسألة مشاركة “التيار” شبه حتمية بعدما نُفذت شروطه حيال جدول الأعمال، يبدو ان “القوات” تنحو في اتجاه البقاء خارج التشريع كما بقيت خارج الحكومة، وإن كان ثمة متسع من الوقت بعد أمامها لتعديل موقفها، خصوصا في ظل الانتقادات التي توجه الى الفريق المسيحي من أنه، وتحت شعار عدم تفعيل المجلس والحكومة قبل انتخاب رئيس للجمهورية، اوقع البلاد تحت وطأة الانهيار. ولكن اين يقف المسيحيون من هذا الاتهام وهل هم الذين يقفون فعلا وراء شل المؤسسات؟
لا شك ان المسيحيين، على ضفتي ٨ و١٤ آذار نجحوا في شكل ما في تعطيل عمل السلطة التنفيذية نتيجة لتمسك “التيار العوني” برفضه تفعيل الحكومة قبل بحث آلية عملها في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في غيابه، او نتيجة تمسك “القوات” و”التيار” برفض فتح أبواب البرلمان الا لانتخاب رئيس (بصرف النظر عن وجهة نظر كل فريق من المرشح الرئاسي)، لكن هذا الفريق بجناحيه ساهم في شكل كبير في دفع كرة تحميله مسؤولية التعطيل الى ملعبه، بعدما ربط مشاركته بمشاريع لا تحمل أي طابع ملح او ضروري. فقانونا الانتخاب واستعادة الجنسية لا يشكلان راهنا، وعلى أهميتهما، أولوية ملحة، خصوصا في ظل الأوضاع المتردية التي باتت تدفع بعض اللبنانيين الى التخلي عن جنسيتهم والبحث عن جنسيات أخرى تؤمن لهم الحماية والضمان والعيش الكريم بعد الانحدار الذي بلغه المستوى المعيشي في لبنان وغياب الطمأنينة الى المستقبل. أما قانون الانتخاب، وعلى أهميته في إعادة تكوين السلطة على قاعدة انتخابات نيابية، فهو حتما لن يكون راهنا في مصلحة أي فريق سياسي أغفل ان اللبنانيين الذين يعيشون اليوم بين أكوام النفايات هم عمليا ناخبو الغد. والمفارقة ان المكسب الوحيد الذي يقتنع به المسيحيون في هذه المعركة، أنهم نجحوا في إبراز مخاطر بقاء الدولة من دون رأس. لكن هذا المكسب يقلل الأفرقاء الآخرون أهميته على قاعدة ان الاخطار الجاسمة لا تعود الى غياب رأس الدولة وإنما لقرار إقليمي بإبقاء لبنان في مرحلة الستاتيكو حتى نضوج التسوية الإقليمية، وتبيان المعادلة السياسية الجديدة التي ستحكم النظام السياسي الجديد في البلاد. وعليه، فإن الكباش الحاصل راهنا على المحور المسيحي لن يكون عائقا أمام إنجاز التشريعات المطلوبة بعدما ثبت أن التهويل بالمخاطر المالية والاقتصادية قائم وان التهديدات مرشحة لأن تتحول الى حيز التنفيذ إذا إستمر لبنان على تخلفه في احترام توقيعه.

عن ديما صادق ودعوى حزب الله
نديم قطيش/الشرق الأوسط/06 تشرين الثاني/15
لعلها من سخريات الحياة السياسية اللبنانية أن نقرأ خبرًا عن استدعاء حزب الله للإعلامية اللبنانية في محطة «إل بي سي» ديما صادق، أمام محكمة الجنايات بتهمة التشهير بالحزب. ثمة عنوانان للسخرية؛ الأول أن الحزب لا يحتاج إلى القضاء لأخذ حقوقه. فمن حظ الحزب أن إسرائيل (ويا للعجب!) تكفلت بتصفية أعتى خصومه الإعلاميين، كسمير قصير وجبران تويني. كما أن حزب الله يعد بين أقرانه اللبنانيين الأقل اعترافًا بالدولة في قضايا أكبر بكثير من الاعتراف المفاجئ بالقضاء واللجوء إليه ضد إعلامية شاكسته كتابةً أو حديثًا، بل هو في موضوع القضاء نفسه لا يقيم وزنًا لأي اعتبار قانوني يتصل بمتهمين من قادة حزبه، لا سيما المتهمين بقضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، بل ويجاهر بأنه يحميهم ويعلّي من شأنهم إلى مرتبة القداسة، ويتحدى أن يوقفهم أحد خلال 300 سنة! أيًا كان، لا يستقيم الاعتراف بدعوى تقيمها ميليشيا ضد إعلامية، بينما الميليشيا نفسها لا تفعل يوميًا إلا كل ما هو مهين للقضاء ولبقية السلطات في لبنان.ثاني عناوين السخرية أن الحزب الذي احترف التشهير بخصومه يقاضي إعلامية بتهمة التشهير! الحقيقة أنه إذا كان من سبب منطقي للدعوى، فالأجدى أن يكون الدفاع عن حقوق الملكية الحصرية؛ إذ إن التشهير والاغتيال المعنوي (والجسدي!) هو لعبة حزب الله المفضلة؛ فالإعلاميون من خصوم حزب الله، ممن قتلتهم إسرائيل (تخيلوا الصدف!)، كانوا «بمحض الصدفة» قبل تصفيتهم عرضة لأبشع حملات التشهير من قبل حزب الله أو حلفائه أو من قبل جمهوره الذي يقوم من موقعه «غير الرسمي» بما يتحرج الحزب كمؤسسة من القيام به.
يذكر اللبنانيون مظاهرة لكتيبة من فيلق «أشرف الناس»، رفعت صور الوزير السابق والنائب مروان حمادة وابن شقيقته رئيس تحرير «النهار» جبران تويني، بهيئة حاخامات يهود. ويذكرون أنه سبق اغتيال تويني التشهير به والطعن في وطنيته وإهدار دمه بتهمة العمالة، بل مهد ذلك للاغتيال باعتباره الثمن المنطقي الذي ينبغي أن تدفعه «للأصوات الصهيونية»، سواء كان الاغتيال من مسؤولية نظام بشار الأسد أو حزب الله أو «نمور التاميل»! ومن يراجع سجل حزب الله يعثر على أطنان من اللغو الذي يطعن في وطنية خصومه وإحالة مواقفهم إلى التآمر والعمالة، وبالتالي هو أكثر من يعرف أثر التشهير في موقف الرأي العام من المشهر بهم. فكيف إذا كان الفضح الإعلامي يأتي في وقت ما عاد الحزب يحتمل فيه الإحراجات المتفاقمة التي يواجهها في بيئته؟ وقد أشار الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى ذلك بوضوح في خطاب له مؤخرًا بالقول: «في الموضوع المعنوي، أنا أو أي أخ من إخواني، في كرامته الشخصية يتجاوز، لكن عندما تكون هناك كرامة ناس وتيارات طويلة وعريضة، ونشعر أن هذه الكرامة يتم المسّ بها، كلا، الموضوع مختلف». للإعلامية الصديقة ديما صادق أسلوب خاص في إدارة الحوار السياسي. حادة هي في أخذ مسافة من الموضوع والضيف ومن وقائع ما يناقش. عرَّضها هذا الأسلوب لشتى أنواع التهم. فهي ضد حزب الله عند جمهوره، وهي ضد «14 آذار» عند جمهورها. وأكثر ما يزعج حزب الله أن يأتي الطعن به عن طريقها ومن هذا الموقع بالذات، لأنها لا تنطلق في تعاطيها مع الملف من موقع خصومة معلنة مع حزب الله. ثم إن انتماءها إلى الطائفة الشيعية، بصرف النظر عن قناعاتها الخاصة، وهذان أمران مختلفان في لبنان، يجعل حزب الله أكثر حساسية حيال استعادة صادق «الشيعية» بمبادرة شخصية أو بإعادة نشر حيثيات تربط بين حزب الله أو أشقاء مسؤولين فيه، وبين ملف صناعة وترويج الكبتاغون، في الوقت الذي يبالغ فيه الحزب في الاستثمار بالخبر لصالح الإساءة للسعودية. المسألة في الحقيقة أبعد من مسألة الحريات العامة وحرية التعبير وحماية مهنة الصحافة.. هي في العمق مواجهة مع محاولات حزب الله تطويع الدولة في خدمة مشروعه، مما يجعل من الدولة أداة إسناد له، تخضع لمتطلباته ولا يخضع هو لسلطتها. وعليه، لا ينبغي التعامل مع دعوى حزب الله، أو أي دعاوى مستقبلية، بأي جدية، بل ينبغي رفع التحدي في مواجهته إلى أعلى مستوى ممكن، حيث لا استجابة لأي تبليغ قضائي من حزب الله قبل أن يلتزم الحزب نفسه بموجبات هذا القضاء، وتكون البداية بتسليم المتهمين الخمسة في جريمة اغتيال الحريري.

 

هنا “الخط الأحمر”
نبيل بومنصف/النهار/6 تشرين الثاني 2015
مُحق “التيار الوطني الحر” في رفضه الشعار الرائج “كلن يعني كلن” أقله من منطلق القاعدة القانونية والمنطقية التي تحرم تعميم الاتهامات بالفساد بالمطلق. لا يعني ذلك ان ليس من واجب الحراك المدني أو غيره ان يرفع مكافحة الفساد مدماكاً اول في انتفاضة غضب عارمة على وسط سياسي قد يكون أسوأ ما ضرب لبنان من آفات، ولا أيضاً تبرئة على الطاير لطرف أو اتهام لآخر أيضاً على الطاير. انها المسألة التي تتصل أولاً وأخيراً بدور الهيئات الرقابية والقضائية في الاضطلاع بدور مختلف بات الانفجار الداخلي في امس الحاجة اليه. حسناً فعل رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان باصداره بياناً يؤكد ان جميع الوزراء والنواب أودعوا المجلس كشوفاً عن ممتلكاتهم ووضع القاعدة الحصرية لمكافحة الفساد بالادعاء على المتهمين في الإثراء غير المشروع. هذا بلد توغل في الافراط في الجنون المبرر وغير المبرر. الجميع يصبحون بين ليلة وضحاها خبراء في اي شيء وتغدو مواسم الثرثرة الصورة الفاضحة عن جهل وخلل في الانتظام قاعدة تسيير للناس والدولة والمجتمع بما يمعن في التدمير والهلاك. بالأمس كان الجميع خبراء في شؤون الجيش وفي الاقتصاد وايضاً في النفايات واليوم صاروا خبراء في الشؤون المالية لا يرعوون عن رمي النظريات التهويلية دونما اي حرج أو استشعار بخطر تعميم الحكي المجاني. ثمة خطورة بالغة في تعميم الخفة اللامتناهية التي بدأت تطل علينا في جولة جديدة تتصل بالأوضاع المالية والاستقرار النقدي هذه المرة، اذ ان ما يمكن التسامح حياله في شؤون أخرى لا ينسحب على هذا الملف القاتل حقاً. قد تكون الضرورات التي باتت معروفة في إلزامية عقد جلسة تشريعية للتصديق على رزمة مشاريع وقوانين مالية ومصرفية ذات طابع دولي تملي رفع بطاقات التحذير من مغبة التخلف عن هذه الخطوة الحتمية. ولكن ذلك لا يقلل خطر ان يترك الخبز لممتهني الثرثرة والتضخيم السياسي لا للخباز المختص وحده. هذه لغة حقائق مجردة لا تحتمل جاهليات، ولا نرى حاجة هنا الى التذكير بسوابق أغرقت البلاد بانهيارات واستهلك ترميم الاستقرار النقدي والمالي أكثر من ربع قرن للخروج من تداعياتها المدمرة. ترانا نتساءل أمام الحال الطالعة بمن نثق بعد؟ هل بغرغرة السياسات ام بلغة الخبراء الحقيقيين؟ أخطر ما في الجهل انه يغدو شريك المتآمرين أصحاب الأهداف المبيتة في دفع البلاد الى الانهيار. هذا الملف هو الأخطر إطلاقاً من كل أزمات لبنان المبتلي بحصار محكم على مؤسساته وبقايا العافية. ولا يمكن تركه عرضة للاستباحة الكلامية الجوفاء التي تسقط أيضاً في محظور تعميم الخراب على قطاعات لا تزال صامدة رغم كل المحن.