خيرالله خيرالله: بات للبنان مرشد/راشد فايد: عضلات الوهم/غسان حجار: أحزاب لبنان في مواجهة التغيير

262

بات للبنان ‘مرشد’…
خيرالله خيرالله/العرب/26/10/2015
في خطابه الأخير بمناسبة إحياء ذكرى عاشوراء كشف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أمورا كثيرة. لعلّ أول ما كشفه وضع نفسه في مقام من يفرض رئيسا للجمهورية على لبنان. عيّن نفسه “مرشدا” على لبنان واللبنانيين يتحكّم بمصيرهم كيفما شاء ووقتما يشاء مستندا إلى السلاح غير الشرعي للميليشيا المذهبية التي هي تحت تصرّفه. كانت ذكرى عاشوراء مناسبة لقيام هذه الميليشيا باستعراضات لا هدف منها سوى بث الرعب في صفوف المواطنين.
قال نصرالله بالحرف الواحد للبنانيين إن لا رئيس للجمهورية إلا ذلك الذي يريد أن يفرضه الحزب عليهم. الحزب لواء في “الحرس الثوري” الإيراني لا أكثر ولا أقل. إيران لا تريد في الوقت الحاضر رئيسا للجمهورية لأسباب مرتبطة بطريقة لعب أوراقها في لبنان والمنطقة. لذلك لا رئيس للبنان في المستقبل المنظور.
في الواقع، كشف الأمين العام لـ”حزب الله” اللعبة الإيرانية في المنطقة. فالخطاب الذي ألقاه الرجل في ذكرى عاشوراء كان كلام حقّ يراد به باطل. يقول مثلا “إننا نصوّت لمن نشاء”. نعم من حق نواب حزبه التصويت لن يشاؤون وذلك في جلسة يعقدها مجلس النوّاب لانتخاب رئيس للجمهورية. لماذا لا تنعقد مثل هذه الجلسة؟ لماذا ممنوع عقد مثل هذه الجلسة؟ لماذا يقاطع “حزب الله” الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، وقد بلغ عددها حتّى الآن ثلاثين جلسة، ما دام يريد أن يكون هناك رئيس للجمهورية… أو هكذا يدّعي؟
نعم، من حق نوّاب “حزب الله” التصويت لمرشّحهم، ولكن هل من حقّهم فرض الرئيس الذي يشاؤون؟ هل من حقهم فرض القانون الانتخابي الذي يشاؤون؟ حبّذا لو يتعلّم الأمين العام لـ”حزب الله” الفارق بين انتخاب رئيس يكون لجميع اللبنانيين من جهة، وفرض رئيس يكون موظّفا لدى الحزب من جهة أخرى.
لم يعد السؤال هل مسموح لمجلس النوّاب انتخاب رئيس للجمهورية؟ السؤال هل يمكن لميليشيا مذهبية، عناصرها لبنانية، تابعة لإيران فرض رئيس على اللبنانيين على غرار ما كان يفعله نظام الوصاية السوري الذي قتل رينيه معوّض في 1989 ليحل مكانه إلياس الهراوي والذي أراد بعد 1998 الذهاب إلى أبعد في ممارسة وصايته ففرض على اللبنانيين إميل لحّود؟
من يتمعّن في الخطاب الأخير لنصرالله، يكتشف إلى أي حدّ تبدو إيران شبه مفلسة. من المبكر الكلام عن إفلاس كامل لإيران، خصوصا أنّها باتت الطفل المدلل لدى إدارة باراك أوباما التي تختزل كلّ أزمات الشرق الأوسط بالملفّ النووي الإيراني.
أفلست إيران نسبيا، لأنّه بات لها شريك روسي في سوريا. صارت شبه مفلسة لأنّها باتت عاجزة عن نهب ثروات العراق الذي لم تعد لديه أي احتياطات مالية. كلّ ما تستطيعه إيران في العراق، حاليا، هو ممارسة السلطة بطريقة غير مباشرة عبر الميليشيات التابعة لها لا أكثر.
فوق ذلك، تلقت إيران صدمة “عاصفة الحزم” في اليمن. لم تكن تتوقع ردّ الفعل العربي، والسعودي تحديدا، على سعيها إلى تطويق المملكة وشبه الجزيرة العربية ودولها من كلّ الجهات وعبر كلّ المنافذ، بما في ذلك مضيق باب المندب.
لم يعد لإيران سوى لبنان. لذلك صعّد حسن نصرالله في كلّ الاتجاهات، مؤكّدا أنّه يلعب دور “المرشد” في الوطن الصغير. أخيرا صار للبنان “مرشد”، تماما كما الحال عليه في إيران. يريد نصرالله انتخاب الرئيس الذي يشاء، ويريد فرض القانون الانتخابي الذي يشاء. يريد أيضا أن يكون لبنان مجرّد تابع لإيران لا شريك لها فيه. وهذا يفسّر، إلى حدّ كبير، تلك الحملة المستمرّة منذ ما يزيد على أربع سنوات، خصوصا منذ تشكيل الحزب حكومة برئاسة السنّي نجيب ميقاتي في 2011، من أجل عزل لبنان عن محيطه العربي، خصوصا عن أهل الخليج الذين كانوا يساعدون لبنان بكل الطرق الممكنة، بما في ذلك الاستثمار فيه وتطوير القطاع السياحي. كان عزل لبنان عن محيطه العربي خطوة أخرى في مسيرة انقلابية طويلة بدأت مطلع ثمانينات القرن الماضي. تستهدف هذه المسيرة الانقلابية تغيير طبيعة لبنان، مجتمعا ونظاما سياسيا، على غرار تغيير طبيعة المجتمع الشيعي فيه.
تبدو كلّ الوسائل المتوافرة لدى “حزب الله”، في مقدّمتها السلاح غير الشرعي الموجّه إلى صدور اللبنانيين، مشروعة لفرض “مرشد” على لبنان. أكثر من ذلك، تشمل عدّة الشغل لدى “حزب الله” الهجوم على السياسة الأميركية في المنطقة والتذرع بـ”المشروع الأميركي” لتبرير الحرب التي يشنّها الحزب على لبنان واللبنانيين، بالتزامن مع مشاركته في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. من أطرف ما تضمّنه خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” الحملة على السياسة الأميركية في المنطقة متجاهلا الحلف غير المقدّس القائم بين واشنطن وطهران، خصوصا في مرحلة الإعداد للغزو الأميركي للعراق. كانت إيران الشريك الوحيد في الحرب الأميركية التي استهدفت التخلص من النظام العائلي ـ البعثي لصدّام حسين. كلّ حلفاء “حزب الله” في العراق جاؤوا إلى السلطة على دبّابة أميركية ولا شيء آخر غير الدبابة الأميركية. على رأس هؤلاء نوري المالكي الذي بقي رئيسا للوزراء ثماني سنوات والذي رفع “حزب الله” صوره في بيروت، على طول طريق المطار تحديدا! على من يضحك حسن نصرالله؟ يستطيع أن يضحك على أنصاره الذين تسيّرهم الغرائز المذهبية التي تُعمي الإنسان وتجعله يتصوّر أن إيران، التي يعيش نصف شعبها تحت خط الفقر، والتي تحتلّ أراض عربية، يمكن أن تكون مثلا أعلى يحتذى به.
مرّة أخرى استخدم الأمين العام لـ”حزب الله” كلّ المغالطات والتناقضات، بما في ذلك شنّ حملة جديدة على المملكة العربية السعودية، لتبرير وضع يده على لبنان والإعلان عن وجود “مرشد” في هذا البلد. الأكيد أن اللبنانيين لا يمكن أن يرضخوا لهذا الواقع، علما أنّهم يعرفون قدرة الحزب على التخريب والتدمير، كما يعرفون أن لا خيار أمامهم سوى المقاومة. قاوم اللبنانيون في الماضي الوصاية السورية… يقاومون الآن الوصاية الإيرانية التي توّجها تعيين نصرالله نفسه “مرشدا” للوطن الصغير. هل يتحمّل لبنان مثل هذا “المرشد”… أم كلّ ما في الأمر أن “حزب الله” يسعى عبر التصعيد إلى تغطية ضعفه الذي في أساسه بدء تراجع المشروع التوسّعي الإيراني القائم على الاستثمار في الغرائز المذهبية أوّلا وأخيرا…

 

عضلات الوهم
راشد فايد/النهار/27 تشرين الأول 2015
طمأننا الأمين العام، في خطبه العاشورائية، الى أن الخطر الاسرائيلي على حياته لم يعد قائماً: خاطب جمهوره علناً، وليس لبضع دقائق، كما فعل سابقا، بحجة أن وصول طائرة اسرائيلية الى مكانه، أو استهدافه بصاروخ من فلسطين المحتلة، يستلزمان 10 دقائق، على أقل تقدير. ربما في ذلك ما يفيد ان التنسيق الروسي – الاسرائيلي– الايراني – الأسدي، يشمل “لجم” العدوانية الاسرائيلية تجاهه، وإلا علامَ “التمادي” في “الظهور”، بينما لم يتغير، علناً، أي معطى في المواجهة الأبدية الموعودة مع “العدو الاسرائيلي”، بدليل تحية الأمين العام نفسه الى “المجاهدين في المقاومة المرابطين على الحدود الفلسطينية”، أي على حدود القرار 1701، الذي يفيد مضمونه، وتطبيقه، أن الحرب مع العدو انتهت الى غير رجعة، الا اذا أمره الولي الايراني بإدخال لبنان في مغامرة مدمرة جديدة، كما في 2006، أو اذا قرر العدو التمرد على القرار الدولي بأي حجة، ولو واهية، كما في اجتياح 1982. في الوقت نفسه أوحى زي الأمين العام، بأن الخطر المحتمل عليه، هو من عملية اغتيال، أو تفجير مباشر، بدليل الحماية الشخصية له، والدرع الواقية التي يرتديها. في ظلال الأمرين، لم يفعل الأمين العام سوى الاستمرار رأس حربة ايرانية في المنطقة، والداخل: أصرّ على فتح النار على الجميع، في إطار تأصيل المذهبية، واستنفار الجمهور. ومن يعد سماع الخطب، أو يقرأ نصوصها، يتوهم أن الخطيب يتصدى لدور قوة دولية عظمى، تحار عين عنايتها على من تركز، وبأي عدو، أو قضية تهتم: “أساحات القتال في سوريا”، أم “الحرب التكفيرية” أم “حجاج منى” و”آل سعود”، أم “نتنياهو وجد جده”، أم “الإخوان العراقيون الذين يراهنون على أميركا”، أم “الشعب اليمني” أم “البحريني”، أم الأزمة اللبنانية ومعها من ينفرد في اعتباره “الممثل الحقيقي للشعب”. تنويع الخصوم ليس سوى تعبير عن مأزق مع القاعدة الشعبية، التي اعتاد الخطيب شد عودها، حين تبدأ تأففها مما وصلت إليه الأمور، فيشيطن الأعداء، وينشط العصب الديني – المذهبي، ويستوهم دنو الخطر من كل اتجاه. لكنه، وللمرة الثانية في تاريخ خطبه، يدافع عن علاقته بايران، ويبررها بالقول: “نحن سادة عند الولي الفقيه”. السبب أن القاعدة الشعبية لحزبه باتت تتساءل: إن كان يدين الآخرين بتهمة “العمالة” والخضوع لسياسة هذه الدولة أو تلك، فما هو توصيف علاقته بطهران، وهو القائل إنه ينفذ ما يطلبه وليه الفقيه الإيراني بلا احتكام إلى منطق أو قانون أو دستور؟
لم تكن ذكرى عاشوراء مناسبة استقواء كما يتوهم السامع للوهلة الأولى. كانت لحظة استجداء التفاف بعضلات الوهم. وهو، منذ 2006، لم “يظهر” على جمهوره إلا في لحظة أزمة علاقة معه. وما “تنويع الأعداء” إلا من المقتضيات.

 

أحزاب لبنان في مواجهة التغيير
غسان حجار/النهار/27 تشرين الأول 2015
تستنفر الاحزاب اللبنانية التي تتقاسم السلطة والنفوذ والمصالح في وجه كل محاولة للتغيير، أو الرفض الذي يمكن ان يدفع باتجاه تغيير ما، لأن الاوضاع الحالية، وإن سيئة، تؤمن لهذه الطبقة السياسية الاستمرار والتوريث أيضاً. يكذب السياسيون عندما يقولون إنهم يؤيدون الحراك المدني في شقه المطلبي، شرط ألاّ يتحول سياسياً، والا يقوم بأعمال شغب. والحقيقة ان اعمال الشغب الاخيرة اقتصرت على لوحي زجاج وحجار قليلة على حائط فندق. لكن السلطة امتنعت عن فتح الطريق في اليوم التالي لمزيد من إزعاج الناس، وعزي السبب الى الحراك. اما ان تتداخل السياسة بالشق المطلبي، فهذا امر طبيعي، اذ كيف يمكن الاعتراض على أداء وزير من دون ان يطال الانتقاد الفريق السياسي الذي ينتمي اليه. والسبب يعود الى الوزراء والنواب انفسهم، اذ غالبا ما يشكرون رؤساء احزابهم خلال مشاركتهم في احتفالات رسمية تخص الدولة لا الاحزاب، وينسبون الى اولياء نعمتهم الانجازات، ثم يعودون ادراجهم الى حائط مبكى الدولة عند الاخفاقات.
الاحزاب اللبنانية اتفقت على تعطيل الحراك، كل على طريقته:
– “القوات اللبنانية” الاكثر وضوحا ضد الحراك. لا لبس في الموقف. يتخوف من 7 ايار جديد، ومن مشاريع مرسومة في غرف سوداء. بصراحة الحزب ضد الحراك. – “التيار الوطني الحر” التبس موقفه. فالمناصرون نزلوا الى الساحات في الايام الاولى، وأرادوا ان يقطفوا ثمن مشاركتهم. ركبوا الموج فحملهم الى مكان آخر مما استدعى منهم تراجعاً سريعاً، وتحديد مواعيد لحراك خاص بهم. – الحزب التقدمي الاشتراكي شجّع زعيمه الحراك وأيده، لكنه تخوف أيضاً من الانجرار الى الفوضى، فطلبت منظمة الشباب التقدمي من اعضائها الانسحاب. رأوا في اعمال شغب محاولة لإسقاط الحكومة في الشارع، والدفع نحو فراغ كلي يقود الى مؤتمر تأسيسي. – “تيار المستقبل” ضاع بين جمهوره الذي اندفع الى حراك رأى فيه وجهاً مفتقداً من ذكرى 14 آذار 2005، وبين تخوف من شعارات طالبت باسقاط النظام، ومن الحملة المركزة على وسط بيروت والمؤسسات القائمة فيه، فتبدل الخطاب المؤيد، وتحول الى مواجهة “حملة الانتقام من إرث رفيق الحريري”، فوقعوا في الخطيئة.
– حركة “أمل” وقعت في المحظور اذ استعمل مناصروها العنف والشغب لفرط الحراك الذي تجرأ على الرئيس نبيه بري موجهاً له الانتقادات القاسية اللهجة، كغيره من السياسيين، فعمدوا الى ضرب الناشطين وتكسير خيمهم.
– “حزب الله” استوعب الحراك، واعلن امينه العام تأييده لمطالبه، لكنه لم يدفع باتجاه الحل لمساعدة الحراك والحكومة، اذ لم يقدم الثنائي الشيعي حلاً منتظراً منه لسحب فتيل انفجار النفايات.
صحيح ان ناشطي الحراك وقعوا في المحظور باتهام الاحزاب والسياسيين بالفساد فخسروا دعمهم. لكن الحقيقة أيضاً انهم نطقوا بالحقيقة.