حسان حيدر: رشوة أميركية للمعارضة السورية/الياس حرفوش: السؤال في تركيا داعش أو لا داعش/عبدالوهاب بدرخان: الحرب بالوكالة في سورية تستدرج سباقاً إلى الرقّة

206

«رشوة» أميركية للمعارضة السورية
حسان حيدر/الحياة/15 تشرين الأول/15
من المتوقع ان ينجز خبراء عسكريون من الولايات المتحدة وروسيا قريباً جداً تفاصيل اتفاق يتيح تلافي الصدام في الأجواء السورية، في تسليم أميركي واضح بأن الحملة الجوية المدمرة التي تشنها موسكو في سورية ستستمر وفي طريقها إلى التوسع، وأن من الأفضل تجنب أي احتكاك يورط واشنطن في ما لا تريد ولا تسعى إليه. وفي المقابل تلقي طائرات أميركية بعض الذخائر إلى المعارضة، في ما يصح اعتباره «رشوة» سخيفة لتغطية التخلي الأميركي الإرادي عن نجدة الثورة السورية. وكانت الولايات المتحدة ألغت قبل أيام برنامجاً لتدريب معارضين أخضعوا لفحص «سي آي إي» لكشف «الاعتدال»، بعدما مني بفشل ذريع، وأرفقت ذلك بالحديث عن وصول دفعات جديدة من صواريخ «تاو» المضادة للدروع الى مناهضي نظام بشار الأسد لموازنة التدخل الروسي. لكن على عكس ما تشيعه، فإن هذه الصواريخ تسلمها المعارضون في جبهتي إدلب وحلب بشكل خاص، من جهات خليجية قبل سنة تقريباً، وظهر تأثيرها الواضح في التقدم الذي أحرزه الثوار منتصف العام الحالي على رغم غارات الطيران السوري، وهددوا عبره دمشق واللاذقية، ما دفع الجيش النظامي إلى حافة الانهيار وسرّع التدخل الروسي. وبكلام آخر، فإن دخول صواريخ «تاو» المعركة سابق على انخراط موسكو المباشر فيها، والمعارضة السورية باتت الآن بحاجة إلى أكثر من ذلك، أي إلى صواريخ مضادة للطائرات للحد من التأثير المستجد للطيران الروسي. ذلك أن استمرار موجات القصف الجوي والصاروخي الروسي العنيف، وتأمينه التغطية لعمليات برية وشيكة تشنها قوات من «الحرس الثوري» الإيراني وميليشيا «حزب الله» اللبناني، سيضطر المعارضة في النهاية إلى إعادة الانتشار والتخلي عن مناطق خاضت معارك طويلة ومضنية لانتزاعها. غير أن القرار الأميركي بهذا الخصوص لا يمكن أن يكون سهلاً، وقد لا يتخذ أبداً. فهو يتعلق بأمن الولايات المتحدة نفسها، لكنه يتعلق أيضاً، وربما بدرجة أكبر من الأهمية بالنسبة الى واشنطن، بأمن إسرائيل. إذ يكرر الأميركيون المخاوف من أنه لو تسرب صاروخ واحد من هذا النوع إلى أيدي مجموعة متطرفة، وهناك منها الكثير في سورية حالياً، لاستخدمته على الفور ضد الطائرات الأميركية والحليفة التي تغير على مواقع «داعش»، أو ضد الطائرات الحربية الإسرائيلية، أو أي طائرة مدنية تقع في مجاله. ولهذا يتشدد الأميركيون في شروط بيع هذا النوع من الصواريخ الى دول حليفة ويحظرون عليها تسليمه الى طرف ثالث من دون موافقتهم المسبقة. ويعرف بوتين هذه الحقيقة القائمة منذ بداية الانتفاضة السورية، ولهذا اطمأن إلى أن طائراته لن تواجه أي مقاومة مثلما حصل في أفغانستان قبل عقود، بسبب وجود إسرائيل التي نسق عملياته معها تحاشياً لأي صدام عرضي.
لكن المعارضة السورية المعتدلة التي تلح على منحها وسائل التصدي للطيران الروسي ومروحيات البراميل المتفجرة التي يرسلها بشار الأسد، تعتبر هذه الحجة التفافاً أميركياً على طلبها وتهرباً معداً سلفاً من التعاون الفعلي معها، حتى في مستويات أخرى لا تتحفظ واشنطن عنها، وتؤكد أن هدف الأميركيين الحقيقي ليس فقط عدم الصدام مع الروس، بل خصوصاً الاستجابة لرغبة إسرائيل في إنقاذ النظام السوري. فاستمرار الرفض الأميركي لتزويد المعارضة بما يتيح لها موازنة التدخل الروسي سيؤدي عملياً الى «تعويم» نظام الأسد وفرضه مفاوضاً أساسياً، ليس فقط في المرحلة الانتقالية، بل في ما بعدها، في حال نضجت ظروف التسوية السياسية، وستكون موسكو حققت هدفها بالحفاظ على حليفها وصانت نفوذها في شرق المتوسط، وتكون واشنطن حققت هدف إسرائيل بالحفاظ على حليفها غير المعلن نفسه، وأنجزت خروجها من المنطقة بما يتوافق مع خطة أوباما المعلنة بإنهاء عهده من دون تدخلات أميركية في الخارج.

السؤال في تركيا «داعش» أو «لا داعش»
الياس حرفوش/الحياة/15 تشرين الأول/15
ربما كان أخطر من التفجير الذي شهدته أنقرة نهار السبت الماضي وأودى بحياة ما يقارب مئة شخص وإصابة أكثر من 500 بجروح، حال الانقسام العميق في المجتمع التركي وبين أحزابه السياسية، منذ انتخابات 7 حزيران (يونيو) الماضي، التي لم تُظهر نتائجها أغلبية حاسمة لحزب «العدالة والتنمية».
تُرافق الانقسام هذا حملات تخوين واسعة من الجميع ضد الجميع. الحكومة تتهم معارضيها بالتواطؤ مع الأكراد، وهم مواطنون أتراك يتجاوز عددهم 15 مليون شخص، أصبحوا كبش محرقة، مع أنهم هم الذين يتعرضون للتفجيرات ويكون أكثرهم من ضحاياها، كما في تفجير بلدة سوروج الحدودية مع سورية في تموز (يوليو) الماضي وفي تفجير أنقرة الأخير. وعلى رأس المعارضين المتّهمين، حزب «الشعوب الديموقراطي» بزعامة صلاح الدين دميرطاش، الذي ساهم تفوقه المفاجئ في الانتخابات الأخيرة في حرمان حزب رجب طيب أردوغان من الأكثرية الحاسمة، وأصبح دميرطاش بالتالي هدفاً للحملات من جانب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو. أردوغان يترفع بكبرياء مقيتة عن لفظ اسم دميرطاش في إحدى مقابلاته التلفزيونية، أما رئيس الحكومة فقد استثناه من المشاورات التي أجراها مع قادة الأحزاب بعد التفجير الأخير. وفي الجانب الآخر، لا يتردد المعارضون وقسم لا يستهان به من الرأي العام التركي في اتهام الحكومة بالتواطؤ مع منفذي التفجيرات وبغض النظر عنهم. أما الذين لا تصل نواياهم السيئة الى هذا الحد، فإنهم في أحسن الحالات يتهمون الحكومة بالتقصير في حماية المتظاهرين، على رغم معرفتها بأجواء العنف التي تعيشها البلاد، والاختراقات الأمنية المتكررة.
ولم يساعد توجيه الاتهام الرسمي الى تنظيم «داعش» بالمسؤولية عن تفجير أنقرة، ثم إقالة مسؤولين أمنيين في شرطة العاصمة، في تخفيف الاحتقان الداخلي. إذ إن الاتهام وقرارات العزل جاءت بعد أن سبق السيف العذل، كما يقال. فالأكراد في تركيا يشعرون الآن أنهم الجهة التي تتعرض لغضب أردوغان أكثر من سواها. والمفارقة أن الرئيس التركي يقف في عدائه المستجد للأكراد في بلاده في صف واحد مع تنظيم «داعش»، الذي كانت المقاومة الكردية في شمال سورية، وخصوصاً في كوباني (عين العرب)، سبباً أساسياً في هزائمه.
من هنا تصل نظريات المؤامرة، المنتشرة في تركيا على نطاق واسع، إلى حد الربط بين المصلحة المشتركة لأردوغان و «الداعشيين» في القلاقل التي تشهدها المدن التركية. أردوغان يحيي المشاعر القومية التركية وأحلام السلطنة الغابرة، بهدف تحسين فرصه الانتخابية من خلال الإيحاء بأن حزبه (مع أن المفترض أن منصب الرئيس يجب أن يكون مستقلاً عن الانتماء الحزبي) هو الأقدر على حماية أمن الأتراك والحفاظ على مستوى معيشتهم الجيد الذي توافر لهم خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية. وتنظيم «داعش» يستغل مناخ العداء السائد في تركيا ضد الأكراد لتنفيذ عمليات الانتقام منهم بتفجير القنابل والسيارات المفخخة في تجمعاتهم الانتخابية. وكان لافتاً في هذا السياق، التحقيق الذي نشرته صحيفة «راديكال» التركية المعارضة، ونشرت «الحياة» مقتطفات منه في ملحق «صحافة العالم» في عدد أمس (الأربعاء)، وفيه معلومات مفصلة عن إهمال الأمن التركي لملاحقة إرهابيين من «داعش» نفذوا سلسلة تفجيرات في تجمع انتخابي لحزب «الشعوب الديموقراطي» في حزيران الماضي ثم في سوروج وربما الآن في أنقرة. وفي إطار الاتهام تصل الصحيفة إلى نتيجة: لو أولت الحكومة اهتماماً بظاهرة المنتسبين إلى «داعش» ومن سافروا للقتال في سورية وعادوا إلى تركيا، وتتبعت خطواتهم لما وقعت تلك التفجيرات، لكن الحكومة لم ترَ أنهم وأمثالهم مصدر خطر!

 

«الحرب بالوكالة» في سورية تستدرج سباقاً إلى الرقّة
عبدالوهاب بدرخان/الحياة/15 تشرين الأول/15
لا يحتاج فلاديمير بوتين الى مَن يقول له أن خطته في سورية «خاطئة» أو «وصفة كارثية» أو معطّلة لأي «حل سياسي»، كما لا يحتاج الى مَن يخبره بأن الحرب التي بدأها لن تتوصّل الى القضاء على الإرهاب بل لعلها تضاعف مخاطره، فهو يعرف كل ذلك وربما يقدّر عواقب استراتيجيته على سورية وحتى على العراق، لكنه مهتم فقط بالمقامرة التي يديرها مع الولايات المتحدة، ولديه شعور بأن ثمة ما يمكن أن يكسبه منها. وضع «القيصر» في حسابه أن الخصم الاميركي – الاوروبي لا يريد الانجرار الى تصعيد عسكري في سورية، وللتأكد من ذلك كان الاحتكاك المبكر بتركيا، فوصلت الرسالة الى حلف الأطلسي وجاء الجواب بأن «الناتو» معني بحماية تركيا، أي أنه لا يزال غير معني برعاية أو حماية أي دور لها في سورية. لذلك لم يبقَ لرجب طيب اردوغان، استبعاداً للخطر، سوى التذكير بـ «الصداقة» بين تركيا وروسيا. لكن بوتين لا يستطيع المراهنة على انعدام لانهائي للخيارات الاميركية والغربية.
كان ذلك هو الاختبار الأول للتصعيد في سورية، ولتمكّن بوتين من أن يحصل على تحييد موقت وجزئي لتركيا، موقت لأن المواجهة لا تزال في بدايتها، وجزئي لأنه لن يمنع أنقرة من مواصلة تقديم الدعم العسكري للفصائل المقاتلة في سورية. لكن حليفي موسكو في طهران ودمشق يعتبران هذا «التحييد» معطىً مهماً يمكن أن يبنيا عليه، وقد رأى رئيس مجلس الشورى الايراني، مثلاً، أن التفجيرين الأخيرين في أنقرة «جزء من الأزمة التي تعصف بالمنطقة». وإذ يرتاب الأتراك بأن «أطرافاً خارجية» تعمل على وضع تركيا وأمنها في سياق تلك «الأزمة» فإن معلوماتهم وشكوكهم أصبحت تساوي بين اتهاماتهم لتنظيم «داعش» وبين ضلوع «حزب العمال الكردستاني» في دور إيراني – أسدي. واللافت أن يكون هناك تناغم بين عمليات الطرفين («بي كي كي» و»داعش») لا يمكن أن يفسّر فقط باستغلالهما الظرفي للثغرات الأمنية بل بوجود جهة تخطّط وتحرّك، ولديها أهداف بعيدة المدى.
في أي حال، لم تعد طهران ودمشق تكتفيان بتسويق التدخل الروسي كعامل حاسم لمصلحة نظام بشار الاسد، بل راحتا تتحدّثان عن تغيير وجه المنطقة وخريطتها. أي أن مخططات الملالي عادت للانتعاش بعد مرحلة رمادية امتدّت لشهور واضطرّت خلالها ايران للظهور بمسلك «دولة مسؤولة» تستحق أن يُبرم «اتفاق نووي» معها، ومرحلة تخللتها هزائم للنظام في سورية ومعوقات قنّنت مشاركة ميليشيات «الحشد الشعبي» في الحرب على «داعش» في العراق مع اصرار اميركي على دور للعشائر في تحرير الأنبار والموصل، بل شابتها أيضاً حرب في اليمن فرضت تراجعاً على طموحات النفوذ الايرانية. وعلى رغم أن طهران كانت موافقة على طلب بغداد – نوري المالكي تدخلاً اميركياً لمواجهة انتشار «داعش»، إلا أنها لم تنجح في توجيه هذا التدخل أو في تحويله فرصة لها، لذا استكانت لجعله حافزاً للاميركيين في مسار التفاوض على الملف النووي ورفع العقوبات. وفيما كان الاميركيون والايرانيون يكثرون من مظاهر «تطبيع» تلقائي يسري في ما بينهم، كانت طهران وموسكو تناقشان خطط «ما بعد الاتفاق النووي»، ومنها على الأخص رفع درجة التدخل الروسي، وتغيير قواعد الحرب على الارهاب في سورية والعراق. وبعدما تأكد المرشد علي خامنئي بأن العمليات الروسية بدأت فعلاً ضد المعارضة في سورية عاد فجدّد حظر أي اتصال بالاميركيين خارج ما يتعلّق بتطبيق الاتفاق النووي.
في حدود ما هو معروف عن العمليات الروسية، حتى الآن، فإنها شديدة الارتباط برغبات نظامَي الأسد وأيران. وفي الجهة المقابلة لم يسجّل سوى المزيد من التحليل والتنبؤات بفشل روسي، غير أن الإفصاح عن تسليح أميركي لمجموعات معينة من المعارضين السوريين يشير الى نقلة نوعية في الردّ على التدخل الروسي. ثمة مؤشرات لتبدّل متسارع في خريطة تحالفات فصائل المعارضة المقاتلة في مناطق مختلفة، ما يعكس توصيات الدول الداعمة التي تحتاج الى وقت للتعرّف الى الخيارات الدولية، لا سيما الاميركية، ولبلورة التوجّهات التالية. واذا كانت المعارك البريّة الأولى لم تسفر عن تغيير ميداني واسع وسريع إلا أن نتائج المساندة الجوية الروسية وعدم تكافؤ السلاح لا بد أن تظهر قريباً، حتى لو لم تكن فيها ملامح حسم عسكري للصراع. وفيما يُضعف هذا التوجّه «الجدّية» الروسية في محاربة «داعش» ويجعلها مجرد ذريعة دعائية، إلا أنه يقوّي موقف الايرانيين ونظام الاسد الساعيين أولاً الى إضعاف المعارضة، وقد بيّنت استهدافات الاسبوعين الماضيين اهتمامهم الرئيسي بضرب بقايا «الجيش السوري الحرّ» وتزويدهم الطائرات الروسية قوائم بمواقعه، فهو عدوّهم الحقيقي الذي تضافرت الفصائل جميعاً لإضعافه.
في المقابل يبدو أن الاميركيين يريدون تسريع الحرب البريّة على «داعش»، وافتتاح حملة عليه في الرقّة قبل أن يشقّ الأسديّون والإيرانيون طريقهم اليها. وفي سياق الحديث عن تسليح معارضين سوريين أُشير فجأة الى ما سمّي «التحالف العربي السوري» الذي قيل أن الاميركيين يركّزون على تسليح مقاتليه ليباشروا فوراً محاربة «داعش»، تحديداً في الرقّة. وفُهم من المعلومات الأولية أن الأمر يتعلّق بمجموعات من «الجيش الحر» درّبتها وكالة الاستخبارات الاميركية (بشروط أقلّ تشدّداً من شروط البنتاغون) وحان وقت استخدامها لمنع الروس وحلفائهم من فرض خطّتهم لمحاربة الإرهاب. لكن الجديد أن هذه المجموعات تضم «مقاتلين عرباً»، ويُعتقد أن الغارات الروسية استهدفت مواقعها. وعدا أن هذا التطوّر يتضمّن ملامح تذكّر بسيناريوات مواجهة الغزو السوفياتي لأفغانستان قبل خمسة وثلاثين عاماً، إلا أن الأدوار تغيّرت. ففيما يواصل «داعش» التجنيد والدعوة الى «الجهاد» يحاذر الاميركيون وحلفاؤهم هذه المرّة الإشارة الى أي مغزى «جهادي» كالذي استُخدم لصدّ المدّ الشيوعي آنذاك ثم تطرّف لاحقاً وانزلق نحو الإرهاب. والواقع أن التدخل الروسي طرح هذه المعضلة على الأطراف التي تواجهه، بل ذهب بعيداً عندما اقحم الكنيسة الارثوذكسية لتزكية ما سمّته «حرباً مقدسة» في الوقت الذي تجهد حكومات عربية وإسلامية لنزع الغطاء الديني الذي يتنكّر به «داعش» وأشباهه، وتصرّ على محاربته باعتباره تنظيماً اجرامياً لا علاقة له أو لأهدافه بأي دين. ومع إصرار روسيا على إغفال حقائق الصراع السوري والشروع في تجريب أسلحتها الفتّاكة ضد المعارضة فقد برهنت عزماً واعياً ليس فقط على استثارة البعد الديني بل خصوصاً على تفجير صراع مذهبي بمناصرتها الحلف الايراني ضد السنّة السوريين. أكثر من ذلك لم يخفِ الروس لامبالاتهم بتحذيرات تلقوها من مصادر عديدة تُلفت الى أن اسلوبهم في محاربة الإرهاب، اذا كانت هي الهدف فعلاً، سيكون بمثابة تعزيز لـ «داعش»، سواء بالتضييق على المعارضة وتدعيشها رغماً عنها أو بزرع أسباب اضافية للتشدد وفتح مرحلة جديدة من «الجهادية» المتهوّرة. لكن مَن يعتقد أن الروس ذهبوا الى سورية لمحاربة الإرهاب فقد أخطأ ولا داعي لانتظار المزيد مما شهده حتى الآن كي يراجع موقفه. صحيح أن المآخذ على الاستراتيجية الأميركية وانتقاد عدم جدواها والتشكيك بمجرياتها وأهدافها كانت محقّة، لكن الاستراتيجية الروسية بدت سريعاً أكثر اقلاقاً لأنها تريد حسم الصراع السوري لمصلحة الأسد وايران اللذين لا يمانعان تعايشاً مع «داعش» شرط أن توفّر روسيا الوسائل اللازمة لاحتوائه. هذا يفترض أن بوتين جاء الى سورية لخدمتهما، أما الأرجح فهو أنه يتخذ من الحرب على الإرهاب والعبث بها وسيلة لاستفزاز الأميركيين والأوروبيين واستدراجهم الى التفاوض معه على أوكرانيا وملفات الأمن الاستراتيجي، لكنهم يرفضون ولا مانع لديهم من خوض مواجهة طويلة في سورية طالما أنهم لا يورّطون جنودهم. الاميركيون كما الروس متهمون باستخدام «داعش» والاستفادة من محاربته أو ادّعاء محاربته لتحقيق أهداف اخرى لا علاقة لها بسورية.