علي الحسيني: الهرم المقلوب على قادة حزب الله/منير الربيع: حزب الله: التوزانات عنوان المرحلة/عبد الوهاب بدرخان: عون وتبرئة النظام السوري

329

«الهرم المقلوب» على قادة «حزب الله»
علي الحسيني/المستقبل/14 تشرين الأول/15
يتسلل الخوف الى قادة وعناصر وجمهور «حزب الله» بعد دفع الاخير بقادته العسكريين والميدانيين إلى جبهات القتال المباشر في سوريا ومقتل أعداد كبيرة منهم، حيث بدأ هؤلاء يتساءلون عن المصير الذي بات ينتظرهم في ظل الإنزلاق المدوي للحزب في دوّامة الصراع السوري ورماله المتحركة والذي لن يجد لنفسه ولو نافذة صغيرة ليعود منها إلى ما يُفترض أنها حالته الطبيعية ومعها يُعيد خيرة من الشباب الذين ذهبوا إلى حتفهم طوعاً أو كرهاً أو ترهيباً أو ترغيباً. يوماً بعد يوم يزداد تورط «حزب الله» في سوريا وتزداد معه الأمور تعقيداً، فلا هو عاد قادرا على تحقيق ما سبق ووعد به ولا عاد جمهوره قادرا على تحمل المزيد من الخسائر بعدما دخل الموت الى كل قرية ومنزل بدءاً من الضاحية الجنوبية والبقاع وصولا إلى الجنوب. ومع إستمرار هذا النزف القاتل، تزداد حيرة الحزب من خلال عجزه عن تقديم المزيد من الأعذار والحجج لبيئة ما عادت تؤمن لا بنصر ولا بوعود إلهية ولا بتكاليف شرعية بعدما أصبح الموت يتحكم بمسارها ومصيرها.
أمس تمحور حديث جمهور «حزب الله» فقط حول نوعية «الشهداء» الذين يسقطون للحزب في سوريا ومراكزهم ونوعيّة المسؤوليات التي يتولونها. حضرت سيرة جهاد مغنية والقائد العسكري محمد احمد عيسى المعروف بـ«ابو عيسى« والقائد العسكري إبراهيم الحاج « أبو محمد سلمان» من بلدة قليا مع العديد من الأسماء وصولاً إلى القيادي حسن حسين الحاج الملقب بـ«أبو محمد الإقليم« قائد عمليات الحزب في منطقة ريف إدلب- سهل الغاب والذي سبق ان نجا من عدة محاولات لاغتياله على يد اسرائيل والقائد الميداني في «حزب الله« مهدي عبيد إضافة إلى العديد من ضباط كبار في الحرس الثوري وآخرهم العميد حسين همداني وهو أحد أبرز المساعدين الميدانيين والاستشاريين للجنرال قاسم سليماني في سوريا، فتساءل الجمهور«بأي وجه حق تقتل كل هذه الاسماء في حرب تتبدل فيها المصالح والاولويات، فتارة تكون فيها «القلمون» الصراع الحاسم وسرعان ما تنتقل الى جرود عرسال وبعدها «الزبداني» واليوم في ريف إدلب.
من الواضح ان «حزب الله» يعيش أزمة تفوق التصورات والإستراتيجيات التي كان وضعها لحربه هذه. ففي عملية حسابية يتبين أنه ومنذ دخوله العلني والفعلي في الحرب في سوريا، أي منذ ما يقارب الثلاث سنوات، يتبين أن خسائره البشرية التي تخطت الف عنصر، تفوق حجم الخسائر التي تكبدها ضد إسرائيل لفترة تزيد ربما عن عشرة أعوام، عدا الخسائر الكبيرة التي تكبدها في صفوف العناصر الذين تراوح اعمارهم بين السادسة عشرة والخمسة والعشرين عاماً، وهو ما يُفسره البعض على أنه السبب الحقيقي وراء خسارة الحزب هذا الكم من القياديين العسكريين الذين كانت لهم بصمات واضحة وفاعلة في زمن الحرب مع إسرائيل، بعد استنفاده العنصر الشبابي وتمنع اعداد غير قليلة منهم عن المشاركة في هذه الحرب.
يكتوي الحزب بنار حروب يبتكرها هو ويُلاحقها من مكان إلى آخر ويتبرّع بقتل عناصره وقادته بالمجان في سبيل قضايا لا تعود عليه بالنفع ولا بالفائدة ولا على أبناء طائفته. شبح الموت يخطف منه خيرة الشباب« ويُحاصر بيئته من الجهات كافة. ولعل هناك من بدأ يسأل عن قادة من زمن «جبل الرفيع» و»الدبشة» و»علي الطاهر» تحوّلوا اليوم إلى مشروع للموت دفاعاً عن نظام بشار الأسد. يقول احدهم «في حرب تموز وقبلها، سقطت مجموعة من القادة الكبار والشُبّان صغار السن، يومها كان للشهادة معنىّ وقيمة على عكس اليوم إذ تحوّلوا إلى مجرّد أرقام في عمليّة حسابيّة ضيّقة عنوانها «حان وقت القادة».
صرخات متكررة لكنها خجولة لم تجد طريقها بعد إلى مسامع قيادة «حزب الله» التي بدأت بدورها تبحث للمرة الألف عن مخرج يجنبها غضب عائلات تواصل دفع ضريبة الدم نتيجة سياسات لا طريق لها سوى إلى النعوش، ووسط حالات التساؤل هذه، يتمنى البعض أن يستبدل قادة الحزب في المرّات المقبلة زياراتهم لعناصرهم من جرود عرسال الى مناطق أكثر إشتعالاً مثل «القلمون» و«الزبداني» و«إدلب» على غرار قادة «المقاومة» العسكريين والميدانيين الذين بدأوا يدفعون حياتهم ضريبة لسياسات لم تعد ترى في تاريخهم أكثر من مجرّد خطوة لإعادة هرم الحزب المقلوب إلى وضعه الطبيعي.

 

“حزب الله”: التوزانات عنوان المرحلة
منير الربيع/المدن/الثلاثاء 13/10/2015
يبدو “حزب الله” مرتاحاً للوضع في لبنان، صحيح أن التعطيل قائم، والحكومة غير منتجة، لكن الوضع الأمني جيد جداً في ظلّ ما يحصل في الجوار. عملياً لا يهتم الحزب بكامل التفاصيل اللبنانية، تنصب اهتماماته في الخارج خصوصاً في الميدان السوري، فأساس المعركة هناك، ومنها تتبلور الصورة اللبنانية وتوازناتها.  لبنانياً، كل شيء مؤجل بالنسبة إلى الحزب، الوقائع المفروضة لا تتيح إحداث أي تغيير سياسي، لا اهتمام دولياً في لبنان وأحداثه، وينحصر الإهتمام والتشديد الدوليين على ضرورة الحفاظ على الإستقرار بأي ثمن وبأي شكل من الأشكال.  تقول شخصية حزبية رفيعة لـ”المدن” إن الوضع باق على ما هو عليه، فلا أحد يأمل تغيير الستاتيكو الموجود، لأن هناك توازناً سياسياً بين المحاور الإقليمية المتشابكة في لبنان، والكل يجمع على أن يبقى هذا الستاتيكو على ما هو عليه، وحمايته من خلال فرض الحوار الذي “لا يقدم شيء حالياً، إلا أنه ليس سلبياً، بل إيقافه فيه الكثير من السلبية”.  لا أحد يتوقع إنجاز أي من الإستحقاقات، الإنتخابات الرئاسية لا تزال بعيدة وفق ما ترى الشخصية الرفيعة، ولكن ماذا عن الحكومة؟ هل أزمة الترقيات وانسداد الأفق أمام خطة النفايات سيؤديان إلى استقالتها؟ لا يبدو هذا الأمر واقعياً وفق ما تقول الشخصية، لكنها في المقابل لا تخفي أن الحكومة ستبقى معطلة لأن لا بوادر لدى بعض الأفرقاء لتقديم أي تنازل، وبالتالي فإن التعطيل مستمر من دون فقدان الحكومة.
السبب الرئيسي وراء تعطيل الحكومة، يعود بالنسبة إلى الحزب إلى إرادة أحد الأفرقاء بكسر رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون. وبالتاكيد أسهم الإتهام توجه فوراً إلى تيار “المستقبل” ومن خلفه المملكة العربية السعودية لأنه “لا يستطيع ميشال سليمان تعطيل البلد والتسويات فيه لو لم يكن لديه غطاء مستقبلي سعودي، وهذه أبرز الإشارات على الإستئثار وإرادة كسر عون”.  لماذا الحوار إذاً، خصوصاً الثنائي بين “حزب الله” وتيار “المستقبل”، بما أنه لم يحقق أي خرق في هذه الأزمات. يجيب المصدر أن “الحوار في جلساته الأولى نجح بتخفيف الإحتقان وبتنفيذ الخطة الأمنية في المناطق، اما في ما بعد فهو إيجابي بمجرد الجلوس على طاولة واحدة”. وماذا يدور خلال الجلسات؟ يقول: “في كل جلسة تجري مناقشة آخر التطورات، فمثلاً في قضية الترقيات كاد المتحاورون أن يتوصلوا إلى نتيجة إيجابية، لكن ثمة قراراً خارجياً أدى إلى عرقلتها”. يتمسك الحزب بوجهة نظره أن الإنتخابات الرئاسية بعيدة، لأن الإستحقاق خارج حسابات الدول واهتمامتها، بل ما يهمهم هو الحفاظ على الإستقرار الذي يتأمن من خلال الحوار، ولكن ماذا عندما يحين وقت التسوية؟ يجيب المصدر بأن الكلام مبكر في هذا السياق، لكن على الجميع أن يأخذ ويعطي، ومن يأخذ في سوريا سيرضي الخصم في لبنان، أو من يحصل في لبنان على رئيس للجمهورية سيرضي الفريق الآخر بقانون انتخابي، لكن كل شيء ينتظر الخارج.  ويشير المصدر إلى أن الحزب أصبح مقتنعاً بضرورة إقرار قانون إنتخابي جديد، قائم على أساس النسبية، لأنه من غير الممكن الإستمرار بالقانون الإنتخابي الحالي. لكن هل تستفيد القوى السياسية الكبرى من القانون النسبي؟ يؤكد ان الجميع يستفيد والجميع يخسر، لكن يجب إحداث تغيير يحقق خرقاً ما، مشيراً إلى أنه عددياً يعتبر الحزب نفسه كاسباً أكثر من “المستقبل”، خصوصاً أن هناك شخصيات سياسية من الطائفة السنية مهمشة وفق القانون الحالي، أما في القانون النسبي، فإن الوزير السابق عبد الرحيم مراد، والوزير السابق فيصل كرامي، والنائب أسامة سعد، وآخرون سيدخلون إلى الندوة البرلمانية، وهؤلاء يأكلون من رصيد “المستقبل”، اما في حال نجاح شخصيات مناهضة للحزب في مناطقه، فيعتبر المصدر أنها ستكون بلا حيثية أو هيكلية. لكن هل هناك إمكانية لإقرار القانون النسبي؟ يستبعد المصدر ذلك حالياً، كل شيء مؤجل.  كل الإستحقاقات معلّقة على حبال التطورات الإقليمية، لكن ماذا بعد إتضاحها وتبلورها؟ وكيف يتوقع الحزب أن تكون الأمور؟ ومن هو المنتصر؟ يستبعد الحزب منطق النصر، فالتوجهات الدولية اليوم قائمة على التفاهمات، والتوازنات، وهناك توازن روسي – أميركي، وإيراني – سعودي، والاميركي يسعى لكسب الروسي إلى جانبه لمواجهة الإقتصاد الصيني وإعادة التوازن، وعلى هذه القاعدة التي سارت عليها الإدارة الأميركية، فإن حقوق الجميع ستكون محفوظة، فلا يمكن للسعودية أن تنهي الحوثيين او العلاقة الإيرانية مع اليمن، كما لا يمكن لأحد إنهاء حلفاء السعودية في لبنان، وفي سوريا هكذا ستكون الأمور في ما بعد، التوازنات هي عنوان المرحلة المقبلة وفق ما ترى مصادر الحزب.

 

عون و”تبرئة” النظام السوري
عبد الوهاب بدرخان/النهار/14 تشرين الأول 2015
حلّت الذكرى الـ25 للثالث عشر من تشرين الأول (اكتوبر) كمناسبة استغلّها بطلها السلبي، العماد ميشال عون، لتقديم قراءة مغايرة للحدث، ولابلاغ اللبنانيين من مناصريه وخصومه أن ما حصل في ذلك اليوم لم يكن كما ظنّوا أنه حصل فعلاً. أي أن مَن أخرجه من قصر بعبدا وقتل بضع مئات من عسكريين ومدنيين ليس النظام السوري، بدليل أنه متحالف معه اليوم. فالتاريخ عنده لا يكرر نفسه، ولا جديد في القول إن “الجنرال” لم يعد هو نفسه، رغم أنه يدّعي العكس. والمفارقة أنه اختار لوم اللبنانيين الذين حقد عليهم، وكأن المعركة كانت معهم، أكثر مما لام الذين كانت المعركة معهم وقد سفكوا دماء جنوده ونكّلوا بمن وقعوا أسرى في أيديهم. يُصادف أن كاتب هذه السطور لم يكن ممن قال العماد إنهم صرخوا في 13 تشرين “اصلبوه، اصلبوه”، بل على العكس تماماً، كان ممن اعتبروا ما حدث جريمة حرب ارتكبها نظام الوصاية السوري ضد لبنان وليس ضد عون فحسب، خصوصاً بما تبعها من انتهاك ونهب لمقر الرئاسة ووزارة الدفاع. وبمقدار ما كان العماد يحاول آنذاك استنهاض الوعي ضد الوصاية والاحتلال، بمقدار ما ارتكب من أخطاء لم يعترف بها لاحقاً، اذ لم يقرأ في “اتفاق الطائف” سوى أنه “مؤامرة” عليه شخصياً، ورفض أن يرى التوافق على انهاء “الحرب الأهلية” أو أن يثمّن المغزى التعايشي للمناصفة بين المسيحيين والمسلمين. لعل الذين راهنوا على عون خلال وجوده في قصر بعبدا، وكانوا متعدّدي الطائفة، رأوا فيه مشروع “قائد تاريخي” يمكن أن ينهي الاحتلال والوصاية، لكن الأهمّ أن يحرّر البلد من السرطان الطائفي. ورغم أنه اجتذب القلوب بانتقاده طبقة حاكمة كانت “تزحف أمام الاحتلال”، إلا أنه بعد عودته من المنفى القسري لم يستطع اظهار فارق حقيقي مع تلك الطبقة التي يستنكر بقاءها في الحكم رغم أن “الوصي تغيّر”، كما يقول، في حين أن تحالفه مع الوصيَّين الحالي والسابق لم يوصله بعد الى الرئاسة. وفي الحرب التي يخوضها لبلوغ المنصب، لم يعد يرتكب أخطاء بل خطايا، كتغطية جرائم الاغتيال السياسي وتزكية نظام يقتل شعبه، واستثماره في الانقسام الأهلي، وصولاً الى تعطيله الدولة والعبث بمؤسسة الجيش التي تخرّج منها. في الذكرى الـ25 فوّت عون فرصة مخاطبة جميع اللبنانيين بقيمه التي كانت ولم تعد. لا شك في أن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة دفعه الى دهاليز لم يتصوّر أحد أن يرتادها، كدفاعه المستميت عن مشروع متخلّف يجعل المسيحي ناخباً للمسيحي حصراً، ثم اتخاذه “حقوق المسيحيين” شعاراً لحملته الرئاسية واستجابةً لرغبة حليفه – “حزب الله”/ الوصي البديل – في تعطيل الدولة والحكومة، وكذلك في مناوراته لفرض نفسه رئيساً توافقياً / غير توافقي.