الدكتور جورج كلّاس/هل لبنان وطن بلا غد؟/الداعشية والأسدية… بين “باقية وتتمدد” و”الأسد أو لا أحد

419

الداعشية والأسدية… بين “باقية وتتمدد” و”الأسد أو لا أحد”
موقع 14 آذار/15 أيلول/15
اتفق العالم أجمع على أن تنظيم “الدولة الاسلامية” ارهابي، وفعلاً إن أي تنظيم يرتكب ما ارتكبه أقل ما يقال عنه انه ارهابي، وفي حال مقارنة تصرفات النظام مع “داعش” لخلصنا بنتيجة واضحة، لا يريد المجتمع الدولي الاقتناع بها حفاظاً على مصالحه، وهي أن النظام السوري أيضا “داعشي” ولا يقل ارهاباً
عن تنظيم البغدادي. وربما تختلف المسميات… “نظام الاسد” و”داعش”، لكن يجتمع الاثنان على الكثير من العناصر، خصوصا الجرائم والمجازر التي قاما بها في حق السوريين وتراثهم الحضاري. ويقول الصحافي السوري وليد سليمان لموقع “14 آذار”: “لم يخف تنظيم “داعش” هدفه الاستيطاني والساعي إلى الحكم الابدي، وظهر ذلك من خلال شعاره “باقية وتتمدد”، لكن هذا الشعار كانت قد اطلقته قوات النظام منذ قيام الثورة السورية، فكتب على الجدران في المناطق التي يتم اقتحامها ويقتل اهلها ويعتقل عدداً كبيراً منهم “الاسد أو نحرق البلد”.
ويضيف: “يشارك مع الطرفان مرتزقة طائفيين وكل منهما له هدفه الخاص والمباشر ويتضمن فرض الفكر والرأي والسيادة بقوة السلاح وشرب الدماء، لكن كليهما له هدف غير مباشر وهو منع الشعب السوري من الحرية والعودة به إلى عصور التخلف بما يخدم المشروع الصهيوني”.
المجازر
يقول سليمان: “منذ 14 شهراً على اعلان تنظيم “داعش” دولته المزعومة بلغ عدد الشهداء الذين قضوا بين أيدي عناصره المسلحة، بحسب الشبكة السورية لحقوق الانسان 1841 مواطناً مدنياً بينهم (76) طفلاً و(95) مواطنة رمياً بالرصاص، أو بالنحر أو فصل الرؤوس عن الأجساد أو الرجم أو الرمي من شاهق أوالحرق، لكن منذ ذلك الوقت إلى اليوم تجاوزت مجازر الاسد اضعاف هذا العدد حيث وثقت الشبكة الحقوقية استشهاد (8506 ) مدني خلال النصف الاول للعام 2015 بينهم (1216) طفلا و (815) سيدة، في حين بلغ عدد الشهداء خلال شهري ( 7- 8 ) من عام 2015 (2179) مدنيا بينهم (588) طفلا، ليبلغ عدد الاشخاص الذين قضوا تحت ضربات النظام الجوية والقذائف الصاروخية والمدفعية (10685) مدنيا، ما يجعل نسبة القتل لدى تنظيم “داعش” لا تتجاوز 18 % من عدد الاشخاص الذين قضوا على يد قوات الاسد”.
اثار بصرى الشام وتدمر
لم تسلم الحضارة السورية من كلا الفصيلين الارهابيين ويشير سليمان إلى ان “النظام كان السباق في فتح الباب أمام المنظمات الارهابية لتدمير الحضارة السورية، ففي الجنوب لا تزال مدينة بصرى الشام وقلعتها الاثرية شاهدة على تاريخ عظيم من السمو والتطور بناه الرومانيون منذ ألاف السنين، حيث تعتبر لأكثر من عصر عاصمة هامة و مركز للمقاطعة الرومانية في الشرق وعاصمة دينية وتجارية لحضارات عدة وهي مصنفة ومسجلة دوليا في اليونسكو ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، إلا انها ايضا لا تزال شاهدة على اجرام نظام الاسد وسرقاته، فقد حولها ثكنة عسكرية حوت على المرتزقة من مليشيا حزب الله والحرس الثوري الايراني الذين عاثوا فسادا وتخريباً فيها، إضافة إلى سرقة ممتلكاتها الاثرية من متحفها الوطني منذ بداية الثورة السورية، إلى ان تمكنت فصائل الجبهة الجنوبية من محاصرتها ومن ثم تحريرها، لكن قدم هذه المدينة واهميتها التاريخية لم تشفع لها أمام قذائف المدفعية والصواريخ والبراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات الاسد المروحية”.
وبالانتقال إلى مدينة تدمر الاثرية يشير سليمان إلى أن “نظام الاسد عمد إلى نقل جميع ممتلكات تدمر الاثرية والتي تقدر بمليارات الدولارات إلى ايران مقابل دعمها العسكري والسياسي والاقتصادي، ومن ثم تسليمها لتنظيم “داعش” الارهابي من دون الدفاع عن المدينة وبأقل الخسائر العسكرية الممكنة لقواته هناك، لتأتي بعد ذلك مرحلة جديدة يقوم بها التنظيم الارهابي وهو تدمير ما تبقى من اثار المدينة كبيرة الحجم والتي لم يستطع النظام نقلها لإيران ويدمر معبد بعل شمين، وبالتالي يوجه الاعلام نحو التطرف الاسلامي بحق الحضارات ويبرء نظام الاسد من جرم السرقة بحق اغنى الممتلكات الاثرية في العالم، وهذا ما أكدته التقارير الاستخباراتية ونظرية المراقبين لكل من نظام الاسد وهذا التنظيم والتي تدل على الارتباط الوثيق بين كليهما حتى وان كانا يخوضان ضد بعضهما حربا لم تكن سوى عدائية اعلامية لا أكثر، فلم تشهد مواقع تنظيم داعش أي قصف من طائرات الاسد منذ اعلان خلافتها المزعومة وكانت اسلحة كلا الطرفين موجهة باتجاه الشعب السوري المطالب بالحرية والعدالة”.
التغيير الديمغرافي
يعمل نظام الاسد وضمن خطة ايرانية تم فرضها على تغيير البنية الديمغرافية لسورية وفقا للمذاهب والطوائف الدينية فيها، وذلك حتى تكون ايران قادرة على التحكم اكثر بوجودها على الارض في المنطقة، خصوصاً بعد الخسارة التي منيت بها قوات النظام وادراك طهران لسقوط الاسد قريباً، وبحسب سليمان “ذلك ظهر جليا بمشاركة الحرس الثوري الايراني وقوات المرتزقة الافغان في المعارك الدائرة في سوريا، ومن ثم الدخول في مفاوضات مباشرة بينها وبين فصائل الثوار لإفراغ مناطق من سكانها ومن ثم الاتيان بعوائل المرتزقة الطائفيين والتي كان اخرها مدينة الزبداني”.
ويضيف: “لم يختلف دور تنظيم داعش عن دور النظام في خطة التغيير الديمغرافي لسوريا، وانتهاج السياسة نفسها، فكانت مهمة التنظيم تكفير الطوائف والاديان الاخرى ومن ثم الحكم عليها بالقتل وهذا ما دفع هذه الطوائف إلى مغادرة بيوتها ومنازلها”.
اللاجئون الى أوروبا
ويقول سليمان: “لعل السيف يستطيع ان يقتل شخصا او اثنين بضربة واحدة، لكن طائرات النظام استطاعت ان تقتل عشرات الاشخاص ببرميل متفجر واحد، وهو ما دفع بألاف السوريين إلى الهجرة نحو اوروبا، لكن ما يعمل اعلام الغرب على اظهاره هو أن هؤلاء فروا من سوريا خوفا من خطر داعش ونسوا أن هذا التنظيم الارهابي لم يمتلك الطيران الحربي”.

 

هل لبنان وطن بلا غد؟
الدكتور جورج كلّاس/الجامعة اللبنانيّة
النهار/16 أيلول 2015
من غرائب الاحوال، في زمن السقط والانحلال، ان يتحوّل لبنان من وطن عريق في التاريخ والفكر والديموقراطية، الى بلد سحيق، كَثُرَتْ فيه الساحات، وقلَّتْ فيه الحريّة…!
إن قراءةً عُمْقيّةً للحالة اللبنانية، بكلِّ مشهديّاتها وتقلّباتها، تؤكِّد للناظر اليها والباحث فيها، ان (لبنان) الكيان، هو الآن على مفترقات خطرة، تهدِّد صورته التعدديِّة، ودوره الحضاري ووظيفته التلاقوية، والجامعة بين الثقافات التعايشيّة، والديانات التسامحيّة..!
استحال لبنان، بعد عقود من الحروب المتناسلة، (من حربِ الآخرين على ارضه، الى حرب الغرباء عليه، الى تحارب ابنائه نيابة عن روّاد الحروب الباردة والحروب بالواسطة)، ساحة مفتوحة، سقطت فيها خطوط الحدود والترسيمات الافتراضية، وماتَتْ فيها المواطنة الصلبة، وخَفُتَ الولاء، وقلَّ فيه منسوب الانتماء..!
ومن مشهديات البانوراما اللبنانية في هذا الظرف الأغبر، لوحاتٌ تساؤليّة كثيرة تفرض نفسها على واقعنا المأزوم، ومنها:
١ – مشهدية الساحات الاعتراضية، حيث الحراك الشبابي في انطلاقته العفوية، يؤسِّس لنمطٍ جديد وواعد من المواطنة المسؤولة، بعيداً عن الالتصاقات العمياء والانقيادات الاستسلامية.
٢ – مشهديّة الشعارات واللافتات التعبيرية التي تنحصر بمحاربة قضايا الفساد الإقطاعي، وتصوّب على تقاطع مصالح أهل السلطة والماسكين برقاب الناس من مختلف الطوائف والمذاهب والتوجّهات العقيدية والفكرية .
٣ – مشهدية التحرّر الموصوف عند الشباب، الذين أخافوا القابضين على المناصب والوزارات والأحزاب، و تجرّأوا على كسر أسوار الخوف والمتاريس، التي أحكم سلاطين المال المنهوب بناءها للاحتماء وراءها، سعياً لتمتين امبراطوريّتهم الفاسدة والقاهرة للشعب.
٤ – مشهديّة التحالف الخفي بين فريقَيْ الموالاة والمعارضة، من ضمن سيناريو توزيع الأدوار المدروس والمنظّم، حفاظاً على تقاسم المغانم، والمداورة في رعي الغنم القومي، وأكل لحمه وشرب حليبه.
٥ – مشهديّة تصويب البوصلة نحو الأمور المعيشية، التي تحمل مطلبياتها إتهامات مباشرة لكلّ أهل السلطة الذين تناوبوا على اغتصاب الشعب باسم الطائفة والمذهب والدفاع عن حقوق المغلوبين.
٦ – مشهديّة اختفاء الشعارات المندّدة بسوريا، والتي استثمرها بعض السياسيين أكثر من عشر سنين، وكأن الساحات البيروتية التي أمعنت كثيراً بجَلْد سوريا، ها هي اليوم تبرّئها من مظلوميّة الاتّهام الأعمى، وتنتقل الى اتهام أهل السلطة بأصولهم وفروعهم وبجرأةٍ إندفاعيّة موصوفة.
٧ – مشهديّة الأجيال اللبنانية التي تنتفض لحقوقها السياسية وحقّها في الحياة، خارج الولاءات التقليدية والموروثة.
٨ – مشهديّة إستعادة الشباب المبادرة حيث هتفوا بصوت واحد و موحّد ، وقالوا ” الأمرُ لنا “، من الان فصاعداً.
٩ – مشهديّة الأجيال اللبنانية الجديدة التي انتفضتْ على منظومة التخويف من المؤامرة، واستثمار توظيف عملية توزيع الولاءات بين سوريا وإيران والسعودية والغرب، وكلّ ذلك من أجل الامساك اكثر بالأرض والشعب والمال الفاسد.
١٠ – مشهديّة المطالبة بتغيير السلطة، من اجل حياة ديموقراطية سليمة ونظيفة.
١١ – مشهديّة غياب مفهوم الكيانيّة اللبنانيّة، بسبب إشغال الناس بهمومهم الحياتية البسيطة، وإقصائهم عن التفكير النقدي والتطلّعات الوطنية الحرّة والمتحرّرة.
١٢ – مشهديّة التفاف أهل السلطة والقابضين عليها، خوفاً على مواقعهم، وعلى ماضيهم ومستقبلهم.
١٣ – مشهديّة (الثورة الاعلامية) التي تترك حولها أسئلة كبيرة حول التمويل والهدف، مع ملاحظة تغييب التجييش ضدّ الجهات الخارجيّة بشكل قاطع. وهذا تحوّل واضح في مسار الاعلام اللبناني.
١٤ – مشهديّة تنامي الحراك الشبابي والشعبي وتوزّعه في كلّ المناطق، بما يشكّل انتفاضة ضدّ السلطة المركزيّة، والهيئات التمثيلية النيابية التي احتكرت السلطة بدعم خارجي صارخ ومفضوح.
١٥ – مشهديّة صمت المجتمع الثقافي والفكري وتسليمه بالواقع المرير، وقبوله التدجين وان يصبح مُلْحَقاً بحاشية السلطة، وان يقبل الخنوع الذي تعوّد عليه وارتضاه طوعاً أو غصباً من اجل الحفاظ على مصالحه ومكتسباته، بعدما مات عنده وفيه الحِسُّ النقدي والاعتراضي والوطني.
١٦ – مشهديّة الانتظار والاتكال على موعودات قد يحملها اليهم الغد، من دون ان يدروا ان لبنان، ويا للأسف اصبح بلا غد… لولا هذه الجماعات الشبابية التي يجب ان نلاقيها الى منتصف الطريق، ونقول لها ” معكم كلّ الحق”..!