رندة تقي الدين: مستقبل أسود لشباب الشرق الأوسط/طارق الحميد: لافروف ومنطق الدفاع عن الأسد/عبد الرحمن الراشد: دنانير داعش هي الباقية

478

دنانير «داعش» هي الباقية
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/02 أيلول/15

يستحق دينار الخليفة الداعشي من يشتريه ويحتفظ به، لأن «داعش» سيقضى عليه، وسيبقى الدينار من شواهد التاريخ المعاصر. ثمنه اليوم نحو 130 دولارا، بحسب قيمة الذهب قيراط 21، وقيمته التاريخية في السوق قد تكون مضاعفة، وسيبقى تذكارا مهما لأكثر التنظيمات رعبا في العصر الحديث. بالنسبة للخليفة أبو بكر البغدادي، وفرقته الدعائية، الدينار ليس عملة بل رسالة، إذ إن إصدار العملات من دلالات سيادة الدولة. ولم يفوت الفرصة ليستخدمه في معركته الدعائية لدغدغة مشاعر الذين يسمعون عن دولة الإسلام والخلافة، ومحاولة لإقناع المهتمين أنها صامدة في ظل الحرب التي تخوضها. وأنه يفرق بينه وبين خصومه، فالجيش السوري الحر المعارض يستخدم الليرات التركية في مناطقه المحررة. ونظام الأسد صار يطبع عملته في روسيا بعد أن سدت طرق المطابع في وجهه في أوروبا. ونحن نعرف أنه ليس كل ما يلمع ذهبا، وسواء كان ديناره دينارا من الذهب الخالص، أو مغشوشا بالنحاس، فإنه أقرب ما يكون إلى المسكوكات التذكارية منه إلى العملات. فالدول تصدر مسكوكات في المناسبات المهيبة تخلدها، وبكميات محدودة. والخليفة مهما سرق من نساء سوريا والعراق من الذهب، وحاول فرضه لبيع النفط لن يجد ما يكفي من الذهب الخالص لفرضه كعملة أو مقايضته بالسلع في السوق اليومية، إلا أن كان حقا قد نهب مخزونات الذهب في بنوك المدن التي سيطر عليها، وكانت كبيرة، لكن لم يظهر ما يؤكد وجود مثل هذه الأرصدة. ومؤيدو التنظيم الإرهابي يحاولون تجميل مسرحية الدنانير الذهبية، زاعمين أنها تعبر عن استقرار الحكم له وقدرته على التحول نحو مشروع الدولة، وهذه مبالغة كبيرة. «داعش» في أخطر أزمة منذ ظهوره لن تنقذه منها دنانير الخليفة الذهبية. فعدد القوى التي انضوت تحت مظلة التحالف الدولي لأول مرة، صارت قادرة على تحجيم التنظيم، وربما سحقه. بدخول تركيا اكتملت الدائرة، وقد لا تكون مشاركتها كبيرة في قصف «داعش»، إنما موافقتها وانخراطها يعني حصارا حقيقيا، ومن تركيا صارت تنطلق عمليات عسكرية متعددة.

لافروف ومنطق الدفاع عن الأسد
طارق الحميد/الشرق الأوسط/02 أيلول/15

في معرض شرحه لمبادرة الرئيس بوتين لمكافحة الإرهاب، دافع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن شرعية بشار الأسد، وعدم منطقية المطالبة برحيله بالقول: «من المستحيل أن يكون الأسد شرعيًا فيما يخص أغراض تدمير الأسلحة الكيماوية، في الوقت الذي ليست له شرعية لمكافحة الإرهاب. يبدو أن المنطق ناقص هناك». والحقيقة أن هذه هي المرة الثانية التي يكرر فيها الوزير لافروف هذه الجدلية، أو التبرير، وبشكل علني، دفاعًا عن الأسد. ونحن هنا أمام أمرين؛ فإما أن الوزير لافروف مقتنع تمامًا بما يقول، وإما أنه يكرر هذا التبرير لأنه لم يجد من يتصدى لهذا المنطق، ويفنده. تعاون الأسد من خلال تسليمه لأسلحته الكيماوية، وذلك بعد التهديد الأميركي باستخدام القوة ضده، أي الأسد، لا يمنح مجرم دمشق الشرعية، ولا يعني أنه قد تم الاعتراف به، عربيًا أو دوليًا، فتسليم الأسد لأسلحته الكيماوية لم يكن نتاج صفقة تنتهي بتبييض صفحة النظام الدموية، بل كانت لتجنيبه عواقب دولية كان يفترض أن تنتج عنها ضربة عسكرية في وقتها. وكان الأولى بالروس، وغيرهم، ممن يتشدقون بالقوانين الدولية، أن يشرعوا وفور تسليم الأسد لأسلحته تلك بالتحقيق حول كيفية حصوله عليها؟ وعبر من؟ وكان الأولى بالروس أيضًا أن يسعوا إلى تحقيق دولي حول استخدام الأسد لتلك الأسلحة ضد الشعب السوري الأعزل، وهي جريمة مثبتة، وكان ولا يزال، من المفروض معاقبة الأسد على استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد السوريين، وليس اعتبار تسليمه لتلك الأسلحة حجة للتعاون معه، أو تبييض صفحته. وطالما أن الحديث هنا هو عن مبادرة الرئيس بوتين لمكافحة الإرهاب في العراق، وسوريا، وغيرهما، فما الفرق بين بشار الأسد الذي استخدم، ويستخدم، الكيماوي لقتل السوريين، هذا عدا عن إلقاء البراميل المتفجرة عليهم يوميًا، و«داعش» التي تحرق، وتجز الرؤوس؟ ما الفرق بين الأسد و«داعش»؟ بالطبع لا فرق، كله قتل وحشي وهمجي، فهل إذا تعاونت «داعش»، مثلا، وأوقفت الذبح بالسكين، يمكن التعاطي معها لأنها توقفت عن استخدام أساليب وحشية في ترويع الآمنين، وكما فعل الأسد حين سلم أسلحته الكيماوية؟ بالطبع لا، وهذا منطق لا يستقيم، وحجة ضعيفة واهية. وعليه، فإن أفضل سبل مكافحة الإرهاب في المنطقة، ليست الدفاع عن المجرمين، بل في تشديد حرمة الدم، وعدم التساهل حيال ذلك، وهو الأمر الذي يتطلب وقف التدخلات الطائفية، وكما تفعل إيران وأتباعها من حزب الله وغيره، في لبنان وسوريا والعراق الذي هو بحاجة ماسة لنبذ الطائفية الرسمية، وضرورة الشروع بمصالحة سياسية. حينها ستكون محاربة الإرهاب معركة مضمون الانتصار فيها، ولو طال الوقت، أما الدفاع عن الأسد، وتبرير جرائمه، ومحاولة منحه الشرعية، فإنه لن يؤدي إلى نجاح «داعش» وحسب، بل وإلى ظهور ما هو أسوأ منها، وحينها سيكون الضرر أكبر مما نرى بكثير، وعلى الجميع.

مستقبل أسود لشباب الشرق الأوسط
رندة تقي الدين/الحياة/02 أيلول/15
ما يجري حالياً في دول الشرق الأوسط مأساة تنبئ بمستقبل أسود للأجيال الشابة فيه. وهو أيضاً خطر كبير على الغرب الذي يواجه اليوم مأساة إنسانية واجتماعية من جراء هجرة أو لجوء أشخاص معظمهم من دول تشهد حروباً وفوضى كارثية. وأوروبا لا تعرف كيف تواجه المشكلة. فسوء الأحوال المعيشية يسود في معظم دول الشرق الأوسط. إن نظرنا إلى لبنان في الأيام الأخيرة، رأينا في التظاهرات الشعبية غضباً ومطالبة محقة من الشعب الذي شارك في المسيرة بأدنى متطلبات العيش الكريم في بلده، من كهرباء إلى إزالة النفايات إلى مكافحة الفساد ومحاسبة كل الطبقة المسؤولة. وإن نظرنا إلى سورية فسبب الحرب فيها كان مطالبة شعبية محقة بمكافحة الفساد وبالحرية. ورد عليها بشار الأسد بالعنف والقتل واستخدام طيرانه وبراميله القاتلة. وإذا نظرنا إلى العراق رأينا بلداً كبيراً كاد يكون غنياً وأصبح فقيراً على وشك التفكك والإفلاس والفساد ورئيس حكومته بدأ يحاول الإصلاح ولكن النتائج لم تظهر بعد لعمق تفشي الفساد. وإن نظرنا إلى ليبيا فالبلد يتمزق ويعيش تحت رحمة الميليشيات المسلحة والفوضى فيه أكثر مما كانت في عهد القذافي الذي هو سبب مآسي شعبه حالياً كونه لم يعمل إلا لفرض سلطته من دون بناء مؤسسات الدولة مكتفياً باللجان الشعبية للتصفيق لنفوذه. واليمن الذي يعيش حرباً دامية بسبب فساد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح والتدخل الايراني الذي حاول إنشاء «حزب الله» آخر في اليمن. ويشهد فقراً وبؤساً لا مثيل لهما منذ عقود، بينما جمع صالح الملايين له ولعائلته لحماية نفوذه على حساب مصلحة شعبه. وباقي الدول مثل تونس تعاني غياب الأمن واقتصاداً مأسوياً، والجزائر رغم أنها في وضع امني مستتب نوعاً ما بسبب سيطرة المؤسسة العسكرية على الاوضاع مقبلة على أيام أصعب مع أسعار نفط منخفضة. فعائداتها ستتقلص ولن تعود كافية لشراء موافقة الشعب على نهج العسكر الذين أهملوا بناء اقتصاد واعد على حساب مصلحتهم في ظل فساد استمر لعقود. وفي الأراضي الفلسطينية يعيش الشعب ألم الاحتلال الاسرائيلي وعدم المحاسبة الدولية لنتانياهو. إضافة إلى تآكل نظام السلطة الفلسطينية مع رئيس وصل إلى نهاية عهده وهو يعتمد نهج فرق تسد وتشديد المراقبة على من يعارضه ورغبة في توريث السلطة إلى المقربين منه مع فساد متفش. ونظام اسرائيلي تمكن من تقسيم الفلسطينيين وإضعافهم، فمن جهة يفاوض «حماس» في غزة ومن جهة أخرى يطالب السلطة الفلسطينية بالقيام بإجراءات أمنية ضد «حماس» في الضفة. أما مصر المعروفة بأم الدنيا فما زالت تعاني من اوضاع اقتصادية رديئة مع فقر وبؤس شعبي واسع رغم المساعدات المالية الخارجية. والاردن يعاني من تراجع كبير في السياحة نتيجة أوضاع متدهورة في المنطقة مما يؤثر على آلاف موظفي الفنادق والشركات الكبرى ويزيد البطالة ويؤثر على الظروف المعيشية التي تشهد غلاء متزايداً.
فمستقبل الشباب في جميع هذه الدول محكوم بالتشاؤم. وذلك إما بسبب وجود رئيس يتمسك بمنصبه ولم يهتم يوماً بمصير شعبه ولا بتنمية بلده والعمل على تحسين ظروفه. او لأن أنظمة هذه الدول بقيت طويلاً من دون محاسبة إلى ان انفجر غضب الشعب في وجه مسؤوليها وطبقتها السياسية، كما يشهده لبنان. فكيف يقبل المنطق ان بلداً مثل لبنان يبقى لعقود من دون كهرباء ومن دون حل لطمر النفايات ثم إنشاء معامل لتحويلها، فالكل مسؤول والشعب أيضاً لانه انتظر طويلاً قبل ان يثور من أجل أدنى المطالب. إن الفساد متفش في لبنان اينما كان وليس فقط في الطبقة المسؤولة ولكن في الشعب نفسه. فلولا فساد الشعب لما انتخب اللبنانيون المسؤولين عن مآسيهم. ولكانوا حاسبوهم مثلما تتم محاسبة السياسيين في الديموقراطيات الحقيقية.
إن يقظة الشعوب العربية تتم حالياً في الفوضى والعنف في بعض الدول مثل سورية والعراق واليمن. والخوف هو ان تتفكك هذه الدول ويكثر اللجوء والهجرة إلى اوروبا والغرب مع انتقال المشاكل والبؤس إلى دول ستجد نفسها مجبرة على إغلاق حدودها وإلا انتقلت عدوى بلدان الهجرة إليها. فمستقبل الاجيال الصاعدة في الشرق الاوسط مهدد بالتطرف والعنف وغياب العلم والثقافة.