عبد الوهاب بدرخان: نظام إيراني واجهته نصرالله – عون/موناليزا فريحة: رائحة الحرب الأهلية في لبنان/نبيل بومنصف: لئلا تخذلوا الرفاق

281

نظام إيراني واجهته “نصرالله – عون
عبد الوهاب بدرخان/النهار/26 آب 2015
شركاء في الحكومة، وفي تعطيلها، وفي السعي الى اسقاطها… هذه هي الرسالة التي أطلقها “حزب الله”، وبذيله “التيار العوني”، من خلال “البلطجية” الذين حوّلوا الحراك الشبابي المدني الى مجرد شغب، واذا عاد سيعودون، وكلما استمر كلما أمعنوا في التوسيخ، فهم والغون في “النفايات السياسية” كما سمّاها الرئيس تمّام سلام، ولدى من أفلتهم في الشارع “أجندة” وفقاً للوزير نهاد المشنوق. هذا يضاعف الصعوبات أمام منظمي حملة “طلعت ريحتكم”، وبمقدار ما أن احتجاجهم مشروع بمقدار ما لديهم مصلحة في أن لا يتعرّض تحركّهم للتشويه. ولعل تجربتهم يومي السبت والأحد وانقلاب الوضع عليهم واضطرارهم للانسحاب برهنت لهم أنه لم يعد في الشارع اللبناني حيّز واضح للاحتجاج المدني والسلمي، سواء بفعل الطائفية وسمومها أو في ظل احتدام الصراع الداخلي على خلفية الصراع الاقليمي.
ما هي “الأجندة”؟ ليست جديدة، وهي تنتقل للأسف من مرحلة الى اخرى من دون معوّقات تُذكر، فهناك مَن يريد بل مَن أعلن صراحة أكثر من مرّة أنه يعمل لـ “اسقاط النظام” بالتعطيل المنهجي للدولة وليس بانقلاب جلي المعالم، بالتخريب المتعمد وليس بالقوة العارية. ليس سرّاً أن “حزب الله” و”التيار العوني” يتناوبان الأدوار في هذه “الأجندة” السوداء: ها هي خمسة عشر شهراً مضت من دون انتخاب رئيس للجمهورية لأن هذين الفريقين يدركان أن انتخابه وفقاً للدستور الحالي يجدّد التزاماً لا يحبّذانه بـ “نظام الطائف”، لذلك صار هذا الانتخاب أو عدمه مفتاح التخريب والاسقاط. وما دامت الشرعية انتقلت الى الحكومة مجتمعة فقد أقحما صراعات الرئاسة الفرعية في عملها ونجحا في تعطيلها تدريجاً، مستندَين الى خلو الدستور من تحديد واضح لصلاحيات الحكومة في غياب الرئيس، فقادت الفذلكات الى اعتبار كل وزير رئيساً، ثم الى تعطيل التشريع في المجلس النيابي بحجة عدم وجود رئيس. والآن جاء دور التخريب على الأمن بغية تعطيله أيضاً لأن “الحزب” و”التيار” يعتبرانه تحت سيطرة الفريق الآخر (14 آذار). واذا نجحوا في ذلك سينتقلون الى محاصرة المؤسسة الأخيرة، أي الجيش، وربما استهدفت محاولات اقتحام السرايا والمجلس اقحام الجيش ليكون شاهد الزور على “اسقاط النظام”، لتصبح الدعوة الى “مؤتمر تأسيسي” أمراً واقعاً. في حسابات ايران و”حزب الله” قد تكون اللحظة الراهنة الأنسب، أو حتى الفرصة ما قبل الأخيرة، لاجتراح “نظام ما بعد الطائف” وادراجه في مساومات “ما بعد الاسد” في سوريا. لذلك قد تكون حال الفوضى التي شهدها اللبنانيون أخيراً مجرد تمرين تجريبي وراء ستار النفايات للسيناريو الخفي الذي قد يعاود الاغتيالات والترهيب بالفتنة. فـ”المؤتمر التأسيسي”، كما هو مطروح، ليس مشروع وفاق جديد، وانما يرمي الى نظام واجهته “نصرالله – عون” وجوهره الهيمنة الايرانية.

رائحة الحرب الأهلية في لبنان
موناليزا فريحة/النهار/26 آب 2015
لبنان الذي نجح في البقاء بعيداً نسبياً من الأتون السوري المشتعل حوله منذ أكثر من أربع سنوات، فاجأ الحلفاء قبل الاعداء. استقراره، وإن يكن هشاً، أدهش كثيرين. مراراً، حاولت النيران المشتعلة من حوله مد ألسنتها الى اراضيه، قصفا حيناً وخطفاً حيناً آخر وتفجيرات أحياناً، لكنه صمد. العبء الثقيل لمئات آلاف اللاجئين السوريين ذوي الولاءات والانتماءات المختلفة لم يثنه عن التكيّف مرغماً مع ديموغرافيا جديدة، على رغم تركيبته السياسية والطائفية المعقّدة. تورّط فريق من اللبنانيين طوعا في حرب سوريا لم يزعزع اقتناع فريق آخر بوجوب النأي بالنفس عن نزاع أكبر من طاقتنا. وبسحر ساحر، أمكن تجنيب لبنان مصيبة أكبر، واقتصرت معاناتنا حتى الآن على تشييع الذين يسقطون في حرب الآخرين على ارضهم. لبنان ليس بعيداً مما يحصل في سوريا. الحرب المفتوحة التي يخوضها الجيش اللبناني مع المسلحين على الحدود كبّدته خسائر كبيرة في الارواح. الخلايا النائمة التي تفكك بين الحين والآخر ليست الا قنابل موقوتة. ومع ذلك، يمكن التباهي بأن التداعيات الامنية وخصوصاً للحرب السورية بقيت محصورة. الخسائر المباشرة أصابت المؤسسات الدستورية. الجمهورية بلا رئيس منذ أكثر من سنة ومجلس النواب ممدد له مرتين، ومثله القيادات الامنية. حكومة تعمل بلا تفويض شعبي، ونشاطها معلّق على مزاج بعض الزعماء. الا أنها مع ذلك بقيت الحصن الاخير أمام الفراغ الكبير. لكن الاستقرار الهش هذا يكاد يسقط أمام أزمة النفايات. صحيح أن هذه المشكلة ليست بنت ساعتها، الا أن الحلول السريعة والقذرة التي حاولت الحكومة اجتراحها، سواء ببيع أسوج النفايات أو محاولة رشوة بلديات مناطق نائية لتحويلها مكبات في مقابل مساعدات انمائية، ليست بعيدة من اخلاقيات أمراء الحرب الذين حكموا لبنان طويلاً. السماح بحرق النفايات في الشوارع أو نقلها من هذا الشارع الى ذاك الوادي، يعكسان غياباً تاماً للوعي. ارجاء فض العروض اسبوعاً افساحاً في المجال لهذه الشركة أو تلك، فيما الشوارع تضيق بالنفايات واللبنانيون يختنقون بروائحها، ليس قرار سلطة مسؤولة. المحاصصة العلنية والمفضوحة في مناقصات النفايات بحجة التعجيل في معالجة الازمة وتلبية مطالب المحتجين ليست الا دليل عجز وفساد طبقة سياسية تمعن في تقويض هيبة الدولة أو ما تبقى منها. في المونتيفيردي، احدى اجمل بقاع لبنان الخضراء، رائحة تحيي في أذهاننا ذكرى الحرب الاهلية. رائحة مكب النفايات الذي كان خط تماس بين المتن الجنوبي والمتن الشمالي. وكما في المونتيفيردي كذلك في قلب العاصمة روائح منبعثة تنذر بأزمات أكبر. فهل من ينقذ لبنان قبل أن تحقق النفايات ومَن وراءَها، ما عجزت عنه الحرب السورية بترساناتها الضخمة؟.

لئلا تخذلوا “الرفاق”!
نبيل بومنصف/النهار/26 آب 2015
حتماً كان وقحاً واستفزازياً جدار العزل في ساحة رياض الصلح ولم يخذل الرئيس سلام مجدداً “الناس والاوادم” في قراره إزالة هذا الجدار. ولكن الجدار لم يبلغ وقاحة من دسّ عصابات الشغب التي عاثت تخريباً وانتهاكاً في وسط بيروت حيث لم يصدح صوت لدى الغيارى على منع الفتنة يسمي الزعران بأسمائهم. مع ذلك ترانا أمام مشهد غرائبي يحمل “فرح الشماتة” لمن لا يزالون على إيمان بأن اشتعال حمى شعبية اعتراضية لبنانية سيؤدي الى إيقاظ شعلة تغيير. طلائع هذا التحول الجاري في يوميات ساحات بيروت تتنفس واقعيا بكل تناقضات لبنان، وأفضل ما يتعين تسليط الأضواء عليه هنا هو الجانب الاجتماعي اكثر من الجوانب السياسية التي من شأنها التعجيل في الإجهاز على نقطة مضيئة. ولذا من المهم جدا ان تغادر الحركة المدنية الناشئة “طلعت ريحتكم” المراهقة الطبيعية في طور الولادة بعدما فوجئت وفوجئنا جميعا بحجم استقطابها الشعبي الواسع العابر للطوائف والطبقات والفئات والمناطق. يبدأ ذلك من حقيقة انها ليست المرة الأولى التي يحصل فيها استقطاب مماثل خصوصا على خلفية اجتماعية صرفة. هيئة التنسيق النقابية الحالية كانت حققت آخر التجارب المماثلة ولكن تحركها أجهض. الآن يتعرض هذا الوليد الداخل على مسرح التأثير، الذي هو حقل ألغام حقيقي، لفائض احتضان لا يقل خطره عليه من غرف العتم العاملة لوأده في مهده. حين يستقطب التحرك هرماً اجتماعياً بكل فئاته وطبقاته سواء بسواء فهذا يعني ان رمية من غير رام تحققت في بيئة مأزومة مختنقة حتى الذروة بفضائح السياسيين وألاعيبهم وعجزهم وقصورهم وتبعياتهم الخارجية. حين تستحضر الحركة الناشئة الكثير من عصر اليسار وأدبيات “الرفاق” الاجتماعية وحتى خطابهم الذي كاد يندثر وينقرض فهذه علامة صحية بالكامل يجب ألا ينظر إليها من المنظار الخشبي الذي يصنف كل طالع من خارج الاصطفافات المتكلسة الداخلية كأنه وليد مؤامرة. مع ذلك ثمة الكثير مما يدفع الى الخشية من ان تغدو الفورة الطالعة سبب خذلان متجدد للذين اعاد هذا التحرك نفح روح الرهان فيهم على تغيير داخلي جذري ما لم يمتلك الحريصون فعلا على مضيّه نحو مكاسب جادة القدرة على حمايته. يبدأ ذلك بتواضع الأهداف وتحديدها وحصرها وتجنب الإفراط القاتل في تكبير الحجر أو تحويل التظاهر وحده وسيلة “إدمان” يومي مستهلكة. ان تستفز “الطبقة السياسية” بخطاب شرس ليس إلا القليل المنتظر من أي تحرك احتجاجي وليس الأمر مدعاة لاي استغراب. ولكن ان تضيع اجندة حركة مدنية بين سنابك التوظيف الخبيث المتعدد الجهة والوقوع في وهم “اسقاط النظام” فهنا تماماً تبدأ النهاية الدراماتيكية السريعة جداً.