وليد شقير: مساعي تجار العقوبات للتعويض عن الانتصار/داود البصري: عصابات العراق الطائفية في حالة جنون

325

مساعي «تجار العقوبات» للتعويض عن «الانتصار»
 وليد شقير/الحياة/25 تموز/15

في27 نيسان (أبريل) الماضي، رد الرئيس الإيراني حسن روحاني على اتهام نواب متشددين إياه وأحد قادة «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» بـ «التبعية لأميركا» في التفاوض على «النووي»، فدعا «المستفيدين من العقوبات» الدولية على إيران الى «أن يفكروا بتغيير عملهم ودرس وسائل أخرى لملء جيوبهم». التهمة بالتبعية لأميركا، في حينها، جاءت على خلفية التنازلات التي كان الوفد الإيراني أخذ يقدمها في المفاوضات، بما فيها تحويل مفاعلي «فوردو» و «أراك» من إنتاج اليورانيوم الى وظائف أخرى، منها الأبحاث… اد «الحرس الثوري» فاحتج قبل يومين بلسان قائده محمد علي جعفري، على تضمين قرار مجلس الأمن الذي صدر الإثنين الماضي، والذي فيه قوننة لاتفاق فيينا، استمرار الحظر على توريد أنواع من الأسلحة، تشمل تكنولوجيا تطوير الصواريخ الباليستية، لمدة 5 سنوات… فاعتبرها «تجاوزاً للخطوط الحمر»، و «تقييداً للقدرات التسليحية الإيرانية…». قد يكون روحاني هيأ في تصريحه قبل أشهر للمعركة التي سيخوضها في الداخل مع المتشددين، خصوصاً أركان «الحرس الثوري»، الذين اقتطعوا جزءاً من الاقتصاد الإيراني لمصلحتهم، وأقاموا مؤسسات على هامش مؤسسات الدولة والقطاع الخاص واستثمارات ومنشآت اقتصادية للتحايل على العقوبات من أجل ضمان استمرار تمويل تزايد قوة «الحرس» في الداخل ومشاريعه التوسعية في الخارج. قام هؤلاء بذلك بحجة مواجهة العقوبات، لكن الفساد الذي استشرى بحكم الاقتصاد الموازي الذي أنشأوه، بات جزءاً من النقمة الشعبية على ما آلت إليه أحوال الإيرانيين الذين خضعت حياتهم اليومية لمفاعيل العقوبات، فيما استطاع «الحرس» ومناصروه تجاوزها بالاستثمارات التي أقاموها. لا أن «تجار العقوبات» كانت لهم وظيفة سياسية، لا تقتصر على الإفساد والإثراء بتمويلهم الحروب المباشرة وبالواسطة التي قاموا ويقومون بها في العراق وسورية واليمن ولبنان وفلسطين وغيرها، من تدخلات طهران في أوضاع داخلية لدول عربية.

إذا كان روحاني يرمي الى الحؤول دون استخدام «تجار العقوبات» المال الذي سينجم عن رفع هذه العقوبات في الوضع الداخلي، فإن هذا سيطلق من دون شك صراعاً داخلياً على كيفية استثمار المال الجديد الذي سيضخ في عروق الاقتصاد الإيراني. ومع أن العقوبات التي سترفع هي تلك المتعلقة ببرنامج إيران النووي، وأن تلك المتعلقة بنشاط طهران «الداعم للإرهاب»، وبسياساتها الإقليمية «التي تزعزع استقرار جيرانها» مؤجلة، فإن وجهة إنفاق الأموال بعد أن يبدأ الإفراج عنها تدريجاً، بالتزامن مع خطوات تنفيذ الاتفاق، ستكون موضوع نزاع داخلي طبعاً، لكن المرشد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي حسم الأمر لمصلحة استثمار جزء من هذه الأموال في نشاط «الحرس الثوري» الخارجي، حين أكد أن بلاده لن تتوقف عن «دعم شعوب العراق وسورية (وحكومتيهما) واليمن والبحرين والمجاهدين في لبنان وفلسطين». هذا يعني أن الوظيفة السياسية الخارجية لتجار العقوبات لن تتغيّر. فضلاً عن أنها تحتاج وضعية سياسية داخلية متفوقة، لأنه من غير المعقول أن يكون لهم هذا القدر من التأثير في دول عدة في المنطقة إذا تراجع نفوذهم الداخلي. قد يظن البعض أن آمال روحاني بتغيير عمل «تجار العقوبات» ستصاب بالخيبة، وقد تشهد الساحة الإيرانية الداخلية تجاذباً حول هذه المسألة، إلا أن القيادة الإيرانية موحدة حول الوظيفة السياسية الخارجية للأموال قبل رفع العقوبات وبعدها، فروحاني وفريقه لا يختلفان عن «الحرس الثوري» والمرشد في استثمار المكاسب التي حققتها طهران في الدول المذكورة، بالتفاوض مع الغرب والولايات المتحدة على النفوذ الإقليمي. ن يقف المحور العربي المتضرر من هذه السياسات الإيرانية متفرجاً، وهذا يؤذن باشتداد الصراع الميداني في كل الساحات التي عددها خامنئي، وفق أوضاع كل ساحة. وإذا كان الإصرار على استعادة اليمن من نفوذ طهران، بدليل تحرير مدينة عدن، مؤشراً الى ذلك، فإن حاجة طهران الى أن تعوّض عن التنازلات التي قدمتها في النووي، سيطلق مرحلة جديدة من مساعيها لإثبات قوتها، فالحملة الدعائية الكثيفة التي أعقبت التوقيع على الاتفاق، على أنه انتصار لإيران في وجه «الاستكبار العالمي»، والتي روّج لها حلفاء طهران أكثر من المسؤولين الإيرانيين أنفسهم، سرعان ما تكشفت عن تنازلات، بات بعض المسؤولين الإيرانيين يقرون بها لمجرد اعتراضهم على بنود في قرار مجلس الأمن. ولذلك يحتاج هؤلاء الى إظهار الانتصار في ميادين الصراع الأخرى. وقد تكون المهلة المعطاة في الاتفاق نفسه، لإبرامه نهائياً، آخر السنة، هي الفسحة الزمنية التي تعطي فرصة لأذرع طهران أن تحقق بعض الانتصارات. الجديد هو أن الساحة لم تعد خالية أمامها، كما كانت في السابق.

 

عصابات العراق الطائفية في حالة جنون؟
داود البصري/السياسة/25 تموز/15

حملات الموت المجانية في العراق, وتواصل عمليات القتل الطائفي المتزامن مع عسكرة كاملة للمجتمع العراقي وتوالي حروب التصريحات الساخنة والزيارات المكوكية لكبار القادة العسكريين الأميركيين للعراق من رئيس الأركان وحتى وزير الدفاع, هي أمور ساخنة ميزت صيفا عراقيا ساخنا اختلطت فيه حميع الأوراق, وانصهرت فيه كل المشكلات المتوارثة التي حولت حال المواطن العراقي لجحيم مطبق ولليل داج وسط أزمات لا تنته بل لربما ينتهي العراق ذاته قبل أن تنتهي. ولعل أخطر الأزمات التي يواجهها العراق حاليا استمرار نزيف الدم وسط رؤى وقناعات و شعارات طائفية رثة باتت تشكل إطارا عاما مدمرا للحالة العراقية. فمعارك الأنبار والفلوجة استنزفت طرفي القتال وخصوصا جماعة الحشد و معهم الحرس الثوري الإيراني الذين قدموا مئات الضحايا في معارك كر وفر جعلت كل أهل الرؤى الطائفية الزاعقة في حالة هياج ميداني انعكست أحواله المأساوية على السلم الأهلي في العراق, فمع كل قتيل عراقي يسقط في معارك المدن العراقية تتعمق الخنادق والعداوات الطائفية, وتنعكس أوضاع التوتر على أحوال الناس وأوضاعهم من خلال العمليات الانتقامية للجماعات والعصابات الطائفية السائبة, والحالة في محافظة ديالى تعبر عن أخطر صور الانتقام الطائفي. فالتفجير الأخير في السوق الشعبي في خان بني سعد لم يكن ضحاياه من الشيعة فقط, بل أن هنالك ضحايا كثر من أهل السنة شملتهم تلك العملية الإرهابية في ليلة العيد, إلا أن الجماعات الطائفية المسلحة مارست بعدها تطهيرا عرقيا مرفوضا وعدوانيا عبر دعوتها للأهالي من أهل السنة بمغادرة المنطقة فورا, خصوصا ان قائد الحشد الشعبي ورجل إيران الأول في العراق العميد الحرسي هادي العامري قد تولى المسؤولية الأمنية الأولى لتلك المحافظة القلقة والمختلطة, وهو بنفسيته الحاقدة وبروحه المريضة, وبطائفيته المتوحشة يمثل خطرا كبيرا على الحالة الطائفية فتوليه المسؤولية و حياة ملايين العراقيين معناها كوارث حقيقية ستقع على الأرض وبما سيصعد من حال الصراع الطائفي ويجعل عملية تحرير الأنبار والفلوجة أشبه بالمهمة المستحيلة, فالقضية لم تعد قضية “داعش” فقط بل قضية هويات طائفية, فمصير الفلوجة في حال هيمنة جماعة الحشد الشعبي عليها سيكون مظلما خصوصا أن من كلف مهمة السيطرة ليست الدولة الحاضنة و الراعية لكل العراقيين بل العصابات الطائفية المرنبطة بإيران والتي سبق لزعاماتها كالإرهابي الدولي أبو مهدي المهندس أو هادي العامري أن توعد مدينتي الفلوجة والرمادي بعواقب وخيمة و مهلكة وهو ما سيحفز الروح الطائفية ويجعل الكثير من الأطراف المحايدة وحتى الوطنية تلوذ بمظلة “داعش” لحماية نفسها وليس للدفاع عن “داعش”.

الحكومة العراقية بقيادة حزب الدعوة وحيدر العبادي تحديدا أثبتت فشلها الذريع في أن تكون حكومة كل العراقيين بل تحولت لكانتون طائفي ومصلحي مريع و أضحت توفر الغطاء السياسي والرسمي وحتى الاعتباري الدولي لجرائم عصابات الحشد التي دخلت بعد خسائرها الأخيرة في حالة جنون طائفي مطبق عبر عن نفسه بعمليات قتل طائفية لدرجة حرق الأبرياء في ديالى وهم أحياء انتقاما لخسائرهم في الفلوجة والصقلاوية ومحور الأنبار وهي خسائر مريعة ومرشحة للزيادة واوجدت توترا شعبيا شاملا في مدن الجنوب العراقي لدرجة أن شيوخ العشائر العراقية الجنوبية قد أحجموا عن إرسال أبناء قبائلهم للقتال تحت رايات جماعات الحشد بعد توافد مئات الجثث يوميا ما أوجد حالة من الرعب والوجوم والغضب الشعبي, وكما أسلفت فإن ضعف الحكومة العراقية القاتل, والفشل الذريع لرئيسها حيدر العبادي في إدارة الأزمة بعد أن أفلتت الخيوط الرئيسة من بين يديه عبر هيمنة قيادات الحشد من رجال إيران على القرار العسكري العراقي حتى تلاشى وأضمحل تقريبا دور وزير الدفاع و هيئة الأركان العراقية التي تكتفي بالزيارات البروتوكولية والتصريحات الإعلامية التافهة, فيما يتولى العامري والمهندس وبقية الشلة الإيرانية إدارة الأزمة وإنعكاساتها الميدانية, حتى قادة الحرس الثوري الإيراني وخصوصا السردار قاسم سليماني جن جنونه لخسائر جماعتهم في العراق كما تجلى حالة وهو يحضر في طهران حفل تأبين أحد القادة العراقيين المرتبطين بإيران وهو أبو منتظر المحمداوي الذي قتل في معارك الفلوجة. نون طائفي مطبق أدى لحمامات دم عراقية مجنونة لا نحسبها ستخمد طالما كان الفاشلون هم من يحكم العراق.