ديانا مقلد: زعيق العنصرية والسوشيال ميديا/نايلة تويني: جورج الريف يتحدّى الأمن والقضاء/نبيل بومنصف: حين يُغتال المجتمع

554

حين يُغتال المجتمع!
نبيل بومنصف/النهار20 تموز 2015
نادرة الجرائم التي هزت المجتمع اللبناني بمثل ما فعلت جريمة قتل جورج الريف على رغم الاجتياح المتفاقم للجرائم الفردية في لبنان. ولعل هذا الشهيد المجتمعي استشهد مرات عدة على يد مجرم متوحش في ذاك المشهد الذي قدم عبره الفعل الجرمي الى الرأي العام بأدق تفاصيله المذهلة، تماما كما يذبح التنظيم الداعشي ضحاياه ممعنا في إشاعة الرعب والذهول. لن نقف ولو وهلة امام السخافات السياسية وسواها مما واكب الجريمة ونذهب رأسا الى الاهم في خلاصات جريمة نظنها من الاولويات الأكثر الحاحا. يعنينا في المقام الاول هذا الانفجار الشعبي العارم لغضب وأسى قل نظيرهما لدى اللبنانيين حيال ضحية تفلت على القانون وغطرسة عليه نسج حوله الكثير ولن نأخذ منه سوى السجل العدلي للمجرم المثبتة جريمته صوتاً وصورة وتسجيلاً وربما اعترافاً لدى المحققين على ما نفترض. هذه الجريمة توازي لدى دول العالم المتحضر الذي لسنا منه طبعاً، او على الأقل لم نعد منه، اعتداء موصوفاً بكل معايير الهجوم المنظم على المجتمع بأسره. وإذا كان القضاء يأخذ لدى إطلاقه الأحكام كل ما رافق وسبق الجريمة في الاعتبار، فإن الأدعى هنا ان تشكل الغضبة العارمة على هذه الجريمة احدى العوامل المؤثرة حكماً في الحكم على الجاني القاتل الذي حين جندل جورج الريف بسكينه كان يقطع مع عمر الضحية وحياته الأمان الفردي للبنانيين. في اكثر دول العالم تحضراً وأكثرها تمتعاً بقوة القانون لا تزال الجريمة الفردية التحدي الاكثر شراسة. فكيف بلبنان الذي ينازع دوماً على مشارف الوقوف بين شبه دولة عشائرية ومشروع عبثي لإقامة دولة طبيعية. ولكن “الاغتيال” الوحشي لجورج الريف بالطريقة المنقولة رأساً الى العموم وضع هذه الناحية المجتمعية في رأس الخيارات الحاسمة التي تتوقف عليها بقايا امل، ولا نقول ثقة، بالأجهزة والدولة وخصوصاً القضاء. وإذا كان من دليل على التوهج الغاضب الذي أشعلته الجريمة فها هو لا يزال مثبتاً على مواقع التواصل الاجتماعي التي ما عرفت من قبل اشتعالاً حاداً مماثلاً حيال اي جريمة للمطالبة بلفظ حكم الإعدام على الجاني وإسقاط الحماية السياسية عنه. الأهم هنا ان يعاين الناس نقطة أمان حاسمة في صدقية الاجهزة ومن ثم القضاء في تحكيم منطق العدالة وحده الى الحدود القصوى التي يمليها القانون لأن أي تهاون بعد هذه الوحشية سيستتبع ابشع استعادة لتفشي أمرين: انهيار اي ثقة او امل بعدالة حقة لبنانية، واسلاس القيد لمنطق العدالة الشخصية والفردية اي تعميم العنف بأبشع واخطر مظاهره اطلاقا. وتكفي اللبنانيين عشائريات وقبليات متحكمة في طول الدولة وعرضها. فحذار فعلاً هذه المرة الاستهانة بغضبة الضحايا والناس.

 

جورج الريف يتحدّى الأمن والقضاء
نايلة تويني/النهار/20 تموز 2015

قد ينظر البعض الى جريمة قتل جورج الريف في قلب بيروت على انها حادث عادي، وجريمة شخصية يمكن أن تحصل في كل زمان ومكان، ولا يرى فيها أمنيون حادثاً فوق العادة، ويقولون إن مدينة نيويورك مثلاً تشهد عدداً من الجرائم يومياً تفوق نسبته بكثير ما يجري في لبنان. لكن المخيف في لبنان، وتحديداً في جريمة الريف، ثلاثة امور: الاول ان للمتهم سوابق لم يحاسب عليها كما ينبغي، وربما أفلت مرة أخرى من العقاب على رغم أنه ارتكب جريمته عمداً وجهاراً نهاراً! لكن الافلات من العقاب يشجع الفاعل وأمثاله على التمادي في ارتكاب الجرائم وتجاوز القوانين، وخصوصا اذا ما توافر له ولهم غطاء سياسي أو مظلة امنية. الأمر الثاني هو الشهود، اذ بدا ان النخوة لدى اللبنانيين تراجعت الى حد التغاضي عن الجريمة، والاكتفاء بالتفرج عليها، بل تصويرها، لا لهدف مهني، وانما للتباهي بأسبقية نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فالناس شاهدوا ما شاهدوا وانفضّوا خوفاً أو لامبالاة، أو هروباً من واقع مهين يتعرض له الشاهد لدى ادلائه بافادته، اذ تطلب القوى الامنية له ما يسمى “النشرة” ما إن تطأ قدماه أرض المخفر للتأكد من انه ليس مطلوباً في مخالفات او جرائم، وبذلك يتحول الشاهد متهماً، وعليه ان ينتظر “النشرة” وإلا منع من الانصراف، وعومل كموقوف احتياطاً. والامر الثالث هو القضاء والامن. فالقوى الامنية كثيراً ما تعجز عن القبض على مجرم او مطلوب لعلة فيها، اذ حصل أن تبلّغ مطلوب ساعة انطلاق الدورية ووجهتها ومسارها، فأتيح له الهروب قبل أن تصل اليه. وهذا دليل فساد يستكمل خطه في التحقيقات وكتابة المحاضر، ليصل الملف الى القضاء خالياً مما يوجب المحاكمة أو اصدار الاحكام القاسية، هذا اذا عدل القضاء وحكم. في هذا الاطار لا تعود جريمة قتل جورج الريف في وضح النهار جريمة عادية، بل “بروفة” لجرائم يمكن ان ترتكب كل يوم، ما دام البلد على بركة الله لا رقيب ولا حسيب. واذا اضفنا الى جريمة الريف خطف تشيكيين ومدير مصرف في البقاع، وإن اختلفت الدوافع، ومقتل سيدة في حادث سيارة انقضّت عليها مرات عوض ان تهب لنجدتها، والاعتداءات المتكررة على ناس آمنين في الفنار واطلاق قذائف عليهم، الى حوادث اخرى مماثلة، وعدم القبض على مرتكبيها، لأدركنا ان الخطط الامنية لا تجدي وانها تمضي وفق اجندة سياسية تتوافق عليها الاحزاب للتخلص من بعض المشاغبين عليها، ولا تسري على الذين يحظون بدعم تتنوع مصادره. وحال الخطط تشبه تطبيق قانون السير الجديد الذي يسري على الناس العاديين، ولا يشمل المواكب المسلحة، وسيارات الكبار وابنائهم، الى الضباط المكلفين تطبيقه وزوجاتهم. واقع مؤسف قد لا تنفع معه المناشدات، لكن الاكيد ان الصمت والاستسلام ليسا حلاً، لذا سنظل نطالب. فهل يحاكم قاتل الريف، ويحاسب، فينقذ بعضاً من سمعة متهاوية للامن والقضاء والدولة؟

زعيق العنصرية والسوشيال ميديا
ديانا مقلد/الشرق الأوسط/20 تموز/15
بعد خلاف على أفضلية المرور أقدم طارق على طعن جورج فمات جورج بعد ساعات متأثرا بجروحه.. جريمة قتل مروعة التقطت كل تفاصيلها هواتف المارة في شوارع بيروت. تحولت المشاهد إلى فيديو تداوله الآلاف في لبنان وخارجه وأرفق الفيديو بتعليقات طائفية على وسائل التواصل الاجتماعي استخدمت فيها كل مخزونات الكراهية وما راكمته مشاعر الاحتقان بسبب الأزمة اللبنانية والإقليمية.. الحادثة ليست فريدة ولا معزولة للأسف. هناك الكثير من حالات الاحتقان اليومي المماثلة في بلادنا لأسباب طائفية أو مذهبية أو عرقية تصب في النهاية في خانة التحريض ضد الآخر والتي أمنت لها ساحات مواقع التواصل الاجتماعي منصات مفتوحة أطلقت العنان لمشاعر العنصرية والكراهية حتى باتت من عاديات التخاطب على السوشيال ميديا. في الأسبوع الماضي أثار المقرر الأممي الخاص للأمم المتحدة المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية في تقرير له مخاوف جدية من تطور تلك الأنماط العنصرية بسبب التقدم التقني الذي يسهل انتشار الشعور المعادي للغير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تعد مظاهر العنصرية وكراهية الأجانب والأقليات شائعة في وسائل الإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.. التقرير حفل بأمثلة كثيرة من أوروبا ودقّ ناقوس الخطر لجهة استخدام التكنولوجيات الحديثة بصورة أدوات لنشر الأفكار العنصرية وتوسيع شبكة المؤيدين لتلك الآراء في ظل الحماية التي توفرها هذه المنصات لهوية من ينشرونها.. طبعا لا نحتاج إلى دراسات في المنطقة العربية لنتحقق من كم العنصرية والكراهية الذي تزخر به مواقع السوشيال ميديا وكم سهلت تلك المنصات انتشارها وتداولها.. هذا الكلام لا يعني بأي حال أن المشكلة هي في تلك المنصات. نعم، لقد غيرت التكنولوجيا الكثير من الأمور لكن هناك أشياء لم تستطع تغييرها وهو العقل الإنساني المسؤول بالدرجة الأولى عما نرتكب ونفعل ونشعر ونقول. فالسوشيال ميديا تساعد على الانتشار والتعميم أكيد لكنها أيضا تستخدم لمنع انتشار الآيديولوجيات العنصرية ومشاعر الكراهية إن رغبنا.. لا شك أن أحد أسباب قوة السوشيال ميديا هو أنها تستجيب لرغباتنا الأولى، فنحن ننجذب لفكرة أننا يمكن أن نصرخ بما نشاء وأن يسمعنا آخرون خصوصا حين نريد أن نعبر عن مشاعرنا بشكل غرائزي أحيانا.. فحين يقدم طارق على قتل جورج وتنتشر الصور على «فيسبوك» و«تويتر» تعمل السوشيال ميديا كعدسات مكبرة اجتماعيا فتضخم التفاصيل وتسمح بتظهير هويات القاتل والضحية بحيث تضاعف من تأويلاتها.. السوشيال ميديا تضخم المعلومة وتضخم المشاعر وحتما تضخم العنف وتعممه.. كأننا في مقهى عام حيث كل شيء هادئ والجميع منشغل بأحاديث هادئة خاصة لكن فجأة يلكم شخص شخصا آخر وبسرعة تتحول الساحات إلى حلقات ملاكمة يتورط فيها الجميع.. وسائل التواصل الاجتماعي تضخم اللكمة الأولى واللكمة الأولى في هذه الحالة هي نسبة الجريمة إلى أنها مسلم قتل مسيحيا وفي حالات كثيرة أخرى هي سني قتل شيعيا أو بالعكس أو عربي قتل كرديا أو بالعكس.. وحتى لا ننشغل بالراهن وننسى ما كنا عليه قبل السوشيال ميديا، لا مناص من استذكار كيف كنا وما زلنا نعيش في مجتمعاتنا وسط حواجز لا مرئية تفصل داخل بلادنا بين جماعات تعيش في مكان واحد. من منا لا يعرف فردا واحدا على الأقل في أسرته يجاهر بكراهية آخر من دين أو مذهب أو عرق أو جنسية بصيغة واضحة.. نظم التعليم وأدبيات السياسة والثقافة الدينية والعامة جميعها عندنا تزرع الكراهية.. ثقافة العنصرية سابقة على السوشيال ميديا التي لم تفعل سوى أن صفعتنا وظهرت لنا ما لم يعد بالإمكان احتماله وتجاهله..