وسام سعادة: إيران بعد الاتفاق: على من تُصرَف الأموال/علي بردى: إيران تودّع الخميني/داود البصري:طبول الحرب الطائفية الانتقامية في العراق

277

إيران تودّع الخميني؟
علي بردى/النهار/20 تموز 2015
هذا اليوم مشهود لإيران في الأمم المتحدة. يتوقع أن يرفع أعضاء مجلس الأمن أيديهم كي يرفعوا عنها العقوبات الدولية القارصة. يلجم اتفاق فيينا طموحاتها النووية. لكنه يعترف بها حارساً رئيسياً للتوازنات الإقليمية المستقبلية. به ترتسم ملامح “الشرق الأوسط الجديد”. يبدو هذا الإستثمار مجزياً للولايات المتحدة. غير أنه يبعث القليل من الأمل والكثير من القلق لدى جيران الجمهورية الإسلامية. ينظر الى تصويت مجلس الأمن على قرار رفع العقوبات الذي يرجح أن يعطى الرقم ٢٢٣١ على أنه ايذان ببدء تنفيذ اتفاق فيينا بين ايران ومجموعة 5 + 1 للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين الى ألمانيا. يشطب عملياً المفاعيل الرئيسية لستة قرارات (1696 و1737 و1747 و1803 و1835 و1929) أصدرت قبل عشر سنين. تختلف القراءات للاتفاق. تجنب الرئيس الأميركي باراك أوباما – الحائز جائزة نوبل للسلام – خوض حرب قال إنها “غير ضرورية” مع الجمهورية الإسلامية. وضع نصب عينيه هدفاً يمنعها من صنع قنبلة نووية. احتفى بتعزيز استراتيجية منع الإنتشار النووي. بيد أن الإتفاق فتح الباب واسعاً في المنطقة أمام سباق الحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وأمام سباق لشراء الأسلحة التقليدية. هذا استثمار اقتصادي هائل لشركات التكنولوجيا النووية وصنع الأسلحة، فضلاً عن الاستثمارات المالية الضخمة في مجالات تطوير عمليات استخراج النفط وتكريره وتصديره، وسوى ذلك من المجالات. يتعدى الأمر تحرير المليارات من الأرصدة الإيرانية المجمدة خصوصاً في مصارف الدول الغربية. يمكن ايران أن “تغش” في تنفيذ هذا الإتفاق. تاجر البازار يفعل ذلك أحياناً. غير أنه لا يجازف بخسارة تجارته في أي حال. همس ديبلوماسي ألماني: إذا كان المفاوض الإيراني نجح في “بلف” نظرائه من القوى الست الكبرى، سيجد حتماً من يقول له: أحسنت! دعك من اسرائيل التي لن تكون لها حصة من هذا الإستثمار. لا مكان هنا لشركات صنع التكنولوجيا النووية والأسلحة والنفط الإسرائيلية في المنطقة.
أما الدول الأخرى فوضعها يختلف. هناك سؤال مشروع عن استمراريّة “سياسات التنمّر” الايرانية المتشددة على رغم انهيار مفاهيم تصدير الثورة الإسلامية التي أطلقها آية الله روح الله الخميني. أدت هذه السياسات الى تأجيج النعرات المذهبية على امتداد العالم العربي. أثارت الشيعة في لبنان وسوريا والعراق والبحرين، وأخيراً اليمن. تتساءل السعودية ودول الخليج التي تنعم برخاء نسبي عما إذا كانت ايران ما بعد الإتفاق النووي “دولة مسؤولة” في هذه المنطقة الملتهبة. ثمة علاقة جدلية معقدة بين المخاض الديبلوماسي الذي أوصل الى هذا الإتفاق، وما جنته ايران طوال زهاء 35 عاماً من السياسات المتشددة. على غرار ما كانته في أيام الشاه محمد رضا بهلوي، أعادها الاتفاق حارسة لتوازن جديد تسعى الولايات المتحدة اليه. وضع الإيرانيون جانباً “سلاحهم النووي النظري”. عساهم يفعلون ذلك بسياسات التشدد الخمينية بغية إعطاء معنى ايجابي لهذا التوازن.

إيران بعد الاتفاق: على من تُصرَف الأموال؟
وسام سعادة/المستقبل/20 تموز/15
ما كان الاتفاق النووي الايراني الغربي حتمياً. كان يمكنه أن لا يتم. كان يمكن للمفاوضات أن تفشل ولو في اللحظة الأخيرة. هذا لم يحصل ليس لأن المدة الزمنية التي تفصل اتفاق الاطار عن الاتفاق النهائي كانت مدة تمارين معروفة مسبقة وتشويقية فقط لأغراض سينمائية، أو تمارين تصبّر صوفيّ ليس الا، أو أعمال زخرفة خطابية وتقنية لنص الاتفاق الواضح مضمونه النهائي و«مضمونية توقيعه» سلفاً. كانت هناك قضايا خلافية بامتياز، والحساب كان دقيقاً للنقاط التي على أساسها يكون التوقيع أو لا يكون. الجانب الايراني لم يستطع في نهاية المطاف التقدم خطوة واحدة على طريق فتح ثغرة في الحظر على استيراد الأسلحة والتكنولوجيا الحربية، مع أنها كانت معركة ظلّ يخوضها حتى الرمق الأخير قبل أن يحتسبها في النهاية بالمعادلة التالية: رفع العقوبات، والنجاح بالتسريع به، في مقابل سد الثغرات في آلية المراقبة الدولية بما يرضي جانباً من نقد الجمهوريين للمسودة – الاطار، يدخل سيولة مالية، وايران بأمسّ الحاجة اليها، وان كان الطريق الى ذلك سيعبّد بتدمير منشآت عديدة، بل معظم البرنامج النووي الايراني المحقق، واستبعاد كل ما كان قيد الامكان وغير محقق، وكل هذا كان بتكلفة مليارات الدولارات. اكثر من ذلك، حتى الحجم المتاح لايران من انتاج الطاقة النووية للاغراض السلمية سيبقى محدوداً، ولن تتحول الطاقة النووية فيها الى مركزية في كهربة وتصنيع البلاد وتقدم ابحاثها الطبية بل ستبقى طاقة رديفة. عين ايران كانت على السيولة المالية العائدة اليها من رفع العقوبات عن ريع النفط والغاز فيها. كيف ستستخدم ايران المال واين، هل للانضمام الى ركب الثورة الصناعية الاسيوية الكبرى التي تتقدمها فيها باكستان، رغم كل مشكلات هذه الاخيرة، مثلما تتقدمها باكستان نوويا، وبترسانة عسكرية نووية ايضاً؟ ام للمواظبة على الاستثمار في «حزب الله» و«انصار الله» وأمثالهما؟ هذا سؤال يصعب تغييبه. والأهم حين يتطوع انصار «حزب الله» للإجابة، عليه تذكيرهم بأنهم ليسوا، وليس العرب، المعنيين بالإجابة، وانما الايرانيون. الصراع على الاجابة هو صراع بين الايرانيين، والى حد كبير صراع بين «ايرانَين»: آسيوية نهوضيّة، وخمينيّة مكابراتية. لا مكان في المقابل للتشبيهات بـ«لحظة تجرّع السم» في نهايات الحرب الايرانية العراقية. لا خامنئي ولا اوباما تجرّعا كأساً شبيهة اليوم. الكوكتيل الذي في الكأس من تركيبة مختلفة. فالحرب لم تكن في الوارد اصلاً لو ان المفاوضات فشلت. لا واشنطن في وارد القيام بها، ولا اسرائيل في وارد تجاوز التنديد الدعائي بالبرنامج الايراني، ولا روسيا كانت لتسهّل الطريق الى هكذا حرب، وصفقة مضادات الطائرات الأخيرة كانت مؤشراً حاسماً. سيناريو الحرب كان سيبقى مستبعداً، مؤجلاً، لو لم يحصل الاتفاق. كذلك القنبلة النووية، ثمة مبالغة غير قليلة في التصوير بأن ايران كانت على قاب قوسين أو أدنى من تفجيرها.
الجانب الايراني كان يدرك تماماً ان لا حرب ستعاقبه في حال فشل الاتفاق، وهو يدرك ايضاً حاجة الغرب للتقاطع معه على «القُطعة»، بشكل يزيد وينقص، سواء في الشرق الاوسط او من ناحية الخطر الجهادي شرقه، المتمثل بحركة طالبان وتنظيم خراسان والانفصالية البلوشية. لكن ايران كانت بحاجة الى السيولة. الحصار الاقتصادي والمالي فرض اصلاً على تجربة فاشلة تصنيعياً وتنموياً بعد الثورة، وغير متوازنة من الاساس قبل الثورة، وغير قادرة على ان تشبع الحاجات بالريع النفطي وحده في بلد بهذا الاتساع وهذا العدد من السكان، هذا قبل الدخول في كيفية تحويل ارصدة هذا الريع الى الشرائح المنتفعة من النظام «الثوري»، والى اثنيات ومناطق دون اخرى والى قضايا ما وراء الحدود بدلاً من قضايا الايرانيين، وقبل الدخول في تقليص عائدات الريع النفطي بسبب الحصار والعقوبات.
ان يكون هذا المال المفرج عنه، طاهراً، نظيفاً، فهذا يعني، بعرف الايرانيين، الناس، ان يصرف بالشكل الذي يسمح لإيران بالانتقال من الطور الريعي والزراعي المتخلف والصناعي المتقادم والحرفي المتراجع والسياحي المندثر الى الطور الانتاجي المتكامل. ان تحجز ايران مكانتها في الخارطة السياحية لآسيا، في الخارطة الصناعية لآسيا، في الخارطة الزراعية لآسيا، فهذا يمكن ان يحققه ترشيد استخدام المال الريعي المفرج عنه، انما بشرط استثماره في غير الريع، وتخفيض استثماره في ريع التنظيمات المتشددة والفئوية في عدد من البلدان العربية التي صار كثير من الايرانيين يتعاملون معها كسارقة قوتهم. قبل الاتفاق، كان المواطن الايراني ينظر الى سارقين: الاستكبار العالمي الذي يحتجز ماله، والمقاتل العربي تحت راية ولاية الفقيه الذي يصرف عليه بسخاء فيما المواطن الايراني في حالة مقلقة حياتياً. اليوم اعتدل بعض المشهد: الاستكبار الكبير سيفرج عن المال، بقي الاستكبار .. الصغير، استكبار من تكمن مصلحته في حرف طريق الشعب الايراني عن الحرية والرفاه. أيضاً على الصعيد العسكري، الاتفاق مدخل للاختيار بين مسارين: فإما الإرتضاء بأبدية الحظر على استيراد الأسلحة المتطورة والبقاء بهذا الجيش الايراني المترهل جواً وبحراً وفي دباباته، ناهيك عن تخلف البنية التحتية للمواصلات وتداعيات ذلك على حركة الجيش، في مقابل انتعاشة منظومة «الحرس الثوري» الايرانية والعربية – التابعة، واما الاستفادة من المال العائد، ومن آفاق تطوير العلاقة مع الغرب، لبناء جيش ايراني جديد. في الحالة الاولى طبعاً سيزيّن للحرس الثوري انه يقيم امبراطورية «قزلباش مهدويين» عبر المنطقة، لكن في شروط القبول بنووية اسرائيل وباكستان العسكرية، وحداثة قطع الجيش التركي بل والجيوش العربية. وهذا سيبرز أكثر فأكثر منظومة «الحرس» كظاهرة طفيلية على ايران واقتصادها ودفاعها وأمنها وثقافتها وحضارتها.

طبول الحرب الطائفية الانتقامية في العراق
داود البصري/السياسة/20 تموز/15
في العراق النازف حتى الثمالة تدور اليوم رحى معارك دموية موجعة تؤسس لمرحلة رهيبة من الدمار الإقليمي الشامل, فطبول الحرب وشعارات الثأر تدوي في مختلف أنحاء العراق مؤذنة بدورات جديدة من حرب تدميرية داخلية باتت تحرق الأخضر واليابس وتهدد بامتدادات أفقية وعمودية على المستويين الداخلي, وحتى الإقليمي المحيط. حكومة حيدر العبادي التي قامت على أنقاض حكومة هزائم نوري المالكي و تخبطاته القاتلة يمكن إعتبارها حكومة حرب ميليشياوية تكثر من الكلام أكثر من الأفعال, وهي حكومة لم تضع بصماتها على أي إنجاز حقيقي أو إصلاحي أو تغييري سوى عبر الخوض في مسارب الأزمة السابقة نفسها, ومحاولة إنقاذ مايمكن إنقاذه عبر حملة علاقات عامة تحاول تجميل الوجه الطائفي البشع للحكومة دون أن تتمكن من أخفاء البشاعات أو دفنها تحت السجادة, فهي في الوقت الذي إستعانت فيه بقوة الميليشيات الممولة الموجهة والمقادة إيرانيا, وسمحت بالتواجد العلني والمفضوح لقادة الحرس الثوري الذين يتجولون في العراق بحرية مطلقة رغم المعارضة الإسمية الأميركية وكأنهم في بلدهم ولربما أكثر ورغم حجم الزفة الإيرانية الهائل إلا أن هزائم حكومة المالكي قد تجددت مع حكومة العبادي عبر فقدان السيطرة على الأنبار في فضيحة عسكرية مثيرة للتأمل؟
إذ أن الهزيمة باتت تكرر نفسها, حكومة العراق كانت في حالة إنشغال تام من أجل رتق خرق ضياع الموصل, لكن ضياع الأنبار قد خلط الأوراق من جديد وجعل مياه ودماء عديدة تجري تحت مختلف الجسور العراقية و عمق من حالة التناحر الطائفي الذي عمقته تدخل المرجعيات الدينية في العمليات العسكرية, وبروز دور العصابات الطائفية المسلحة التي همشت الجيش العراقي و أستغلت حالة الفراغ القيادي و الإنكسار النفسي و المد الطائفي الجارف لتمارس بلطجة رثة مدعومة بأجندات إيرانية المصدر هدفها إنهاء الجيش العراقي بالكامل وتشكيل مؤسسة الحرس الثوري العراقي التي ستكون تحت الرعاية و القيادة الإيرانية المباشرة من خلال رجال النظام الإيراني المعتمدين في العراق ومنهم من مارس الإرهاب الدولي ومحكوم بالإعدام لأدواره الإرهابية من أمثال نائب قائد الحشد الطائفي جمال جعفر أو أبو مهدي المهندس. اليوم وفي ظل التوجه الحكومي المدعوم ميليشياويا لإدامة حالة الحرب ومحاولة استرداد المدن المفقودة وفي طليعتها المدينة العقدة وهي الفلوجة التي كانت وما زالت رمزا للمقاومة العراقية منذ الأيام الأولى للإحتلال الأميركي, فان الحرب لإسترداد الفلوجة لسيطرة الدولة المركزية قرعت طبولها من خلال تصريحات طائفية مثيرة لقائد »فيلق بدر« هادي العامري الذي اعتبر الفلوجة غدة سرطانية ينبغي إستئصالها, ثم أتبع ذلك التصريح المعيب بآخر لنائب القائد العام للحشد الإرهابي أبو مهدي المهندس هدد فيه الفلوجة وأهلها بأوخم العواقب ويتمثل ذلك طبعا في التهجير و التغيير الديموغرافي, وتسليط الميليشيات أسوة بما حصل في تكريت قبل شهور مضت, ولكن في الفلوجة الوضع مختلفا بالمرة, فبعد الإعلان الحكومي عن بدء عمليات السيطرة عليها تمهيدا للسيطرة على الأنبار بالكامل تحدثت قيادات طائفية عن تخطيطها لحرب سريعة لن يطول أمدها تنتهي بالهيمنة التامة بسبب قوة النيران وتوفر آلاف البراميل القذرة التي ستستعمل في الحرب أسوة بما يحدث في معارك الجيش السوري ضد شعبه. ولكن وازاء المقاومة الشرسة وسقوط العشرات من قيادات الميليشيات في فخاخ محكمة فإن موضوع اجتياح الفلوجة قد تجمد ولف مصير العمليات الغموض التام في ظل تصريحات متناقضة ومتضاربة لعل أبرزها تصريح وزير الداخلية محمد الغبان, وهو أصلا من قيادات ميليشيا »بدر« الطائفية الإيرانية الولاء الذي نفى بدء العمليات في الفلوجة رغم الإعلان عن مصرع العديد من قيادات الميليشيات في الفلوجة ؟.. من نصدق؟ البيانات الحكومية المتناقضة المتذبذبة, أم الوقائع الميدانية وصور جنازات القتلى. غموض معركة الفلوجة يطرح إشكاليات كثيرة حول مصير عمليات الأنبار ومن ثم الموصل في ظل الخسائر البشرية المريعة التي تتكبدها تلك الميليشيات والتي بات لها ردود فعل خطيرة في الشارع العراقي, ويبدو أن صيف العراق الملتهب سيزداد التهابا وسخونة محرقة مع التخبط العسكري والرغبة الطائفية العارمة في الانتقام, وبما يجعل العراق بأسره في مهب الريح في ظل تخبطات سلطة طائفية تكثر من العويل والصراخ ورفع شعارات الثأر الانتقامية بدلا من إدارة الأزمة في بلد قد تفشى الخراب فيه بشكل مروع؟و أضحى استمرار وجوده مسألة وقت لاغير. كل عوامل التشظي والدمار وحروب الانتقام تتفاعل اليوم في عراق الطوائف والملل والنحل المتشابكة حتى النهاية؟