نوح فيلدمان/ لوموا جورج بوش عن اتفاق إيران

319

 لوموا جورج بوش عن اتفاق إيران
نوح فيلدمان/أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»/الشرق الأوسط/19 تموز/15

يعد اليوم الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لإدارة جورج دبليو. بوش، ذلك أن الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأميركي باراك أوباما مع إيران لتقييد برنامجها لصنع الأسلحة النووية يرقى لمستوى الاعتراف العملي بأن إيران انضمت للولايات المتحدة كعنصر إقليمي محوري ليس على مستوى الخليج فحسب، إنما كذلك في الشرق الأوسط بأكمله. ولم يكن من الممكن تحقق هذا الصعود الإيراني – ولم يكن هذا الاتفاق ليصبح ضروريًا – لو أن الولايات المتحدة لم تخلص إيران من القوة الإقليمية الوحيدة التي بذلت أقصى ما بوسعها لاحتوائها: العراق في ظل قيادة صدام حسين. ويعكس الاتفاق الذي أعلن عنه الثلاثاء ما ستشير إليه كتب التاريخ باعتباره توجهًا مميزًا للسياسة الخارجية في عهد أوباما، حيث ورث عالمًا كان يشهد بداية تراجع الهيمنة الأميركية المطلقة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة. وفي مواجهة قوى صاعدة مثل الصين بمنطقة المحيط الهادي، وروسيا في أوروبا، وإيران في الشرق الأوسط، استجاب أوباما لذلك عبر رفض الدخول في مواجهات صريحة أو جهود الاحتواء القوي التي قد تسفر عن اندلاع صراعات مباشرة. بدلاً من ذلك، فضل أوباما القبول الهادئ والعملي لصعود القوى التي تمثل تحديًا للولايات المتحدة. بالنسبة للصقور وأنصار الاحتواء، فإن هذا يرقى إلى صورة من صور الانهزامية. ومع ذلك، فإنه من وجهة نظر نمط معين من خبراء السياسة الخارجية الواقعيين، فإن هذه السياسة تعكس تفكيرًا منطقيًا. إذا لم يكن بمقدورك – أو لا ترغب في – وقف صعود قوة ما، فإن بإمكانك التعاون معها سعيًا للحد من مخاطر العنف. ويعد الاتفاق المبرم مع إيران نموذجًا لهذه البراغماتية، فربما كان بإمكان واشنطن في مرحلة مبكرة قصف إيران للحيلولة دون تحولها لقوة نووية. بيد أن بوش لم يقدم على ذلك قط، وذلك لعدة أسباب بينها أن غموضًا شديدًا اكتنف عواقب ذلك الإجراء، علاوة على أن هذا كان سيجعل القوت الأميركية المرابطة بالعراق عرضة بدرجة بالغة للانتقام الإيراني من خلال الميليشيات الشيعية.

وبمجرد استبعاد خيار توجيه ضربة عسكرية لإيران، لم يعد لدى واشنطن نفوذ يذكر يمكنها من منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. من ناحيته، اختار أوباما الاعتماد على العقوبات الاقتصادية القوية، واستجاب النظام الإيراني بإظهاره أنه رغم ضيقه من العقوبات، فإنها لا تمثل تهديدًا وجوديًا لإيران. وقد مهد هذا الموقف الوضع لإبرام اتفاق توافق إيران بمقتضاه على الامتناع عن امتلاك أسلحة نووية، بينما تظل في الوقت ذاته قريبة بما يكفي من امتلاكها على نحو يعزز وضعها الجيوسياسي الإقليمي. من ناحيتها، نجحت الولايات المتحدة بمقتضى الاتفاق في تقليص احتمالات اندلاع صراع مباشر مع إيران – الأمر الذي ربما كان سيحدث حال اختيار طهران الشروع في بناء أسلحة نووية.

من المنظور الأميركي، لا يعد هذا الاتفاق بمثابة مكسب كبير – ومن المتوقع أن نسمع هذه النقطة تحديدًا مرارًا داخل الكونغرس على امتداد الأسابيع القليلة القادمة. بيد أنه من المنظور البراغماتي الواقعي، فإن هذا الاتفاق أقصى ما يمكن أن تأمل واشنطن في الحصول عليه، ذلك أنه من الواضح أن العقوبات الاقتصادية لم تكن لتجعل إيران تتخلى عن برنامجها النووي من حصولها على شيء في المقابل – ويتمثل هذا الشيء في اعتراف أميركي رسمي بمكانة إيران الإقليمية القوية.

على الجانب الآخر، يشعر الإسرائيليون والسعوديون بغضب عارم – تحديدًا لأنهما البلدان اللذان استغلتهما واشنطن في الاحتفاظ بنفوذها الإقليمي. الآن، تعترف الولايات المتحدة بأنها لم تعد القوة الوحيدة المهيمنة الإقليمية، الأمر الذي أضعف موقفيهما بصورة بالغة.

الآن، عليك التركيز في السبب وراء هذا الوضع الذي وصلت إليه الولايات المتحدة. لو أن واشنطن لم تقدم قط على غزو العراق، ربما كان العراق في ظل قيادة صدام حسين سيستمر في دوره التقليدي في احتواء إيران. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة أمدت العراق بالمال والسلاح خلال الحرب الإيرانية – العراقية تحديدًا بهدف الإبقاء على احتواء إيران. وكان السعوديون آنذاك سعداء باضطلاع العراق بهذا الدور، وكذلك كان الحال مع إسرائيل. إلا أن السعوديين لم يرق لهم الأمر عندما انقلب صدام على جيرانه وغزا الكويت. إلا أنه عند تصحيح هذا الخطأ في حسابات العراق، ورغم ما لحق بالعراق من ضعف جراء العقوبات وفرض منطقة الحظر الجوي، فإنه ظل منطقة عازلة ضد إيران. ورغم أن الإيرانيين دعموا نظام بشار الأسد في سوريا واستغلوا «حزب الله» اللبناني كأداة ضد إسرائيل، فإن تلك تبقى تحركات جرت في إطار عام للقوى الإقليمية ظل في جوهره من دون تغيير. وجاء غزو العراق ليغير كل ذلك. ولو كان العراق خرج من هذا الغزو دولة ديمقراطية فاعلة، وليس دولة ضعيفة من دون قدرة عسكرية تذكر، ربما كان سيبقى بإمكانه احتواء إيران. إلا أن هذا الأمر كان غير محتمل، فالعراق الديمقراطي كن سيصبح دومًا تحت قيادة شيعية، وكانت أي حكومة شيعية في بغداد ستبدي دومًا موقفًا إيجابيًا نسبيًا حيال طهران. ومع غياب قوة إقليمية تحتويها، تمكنت إيران من توسيع دائرة نفوذها عبر الاضطلاع بدور أكثر هيمنة داخل سوريا وعبر تيسير صعود «حزب الله» ليتحول إلى القوة المهيمنة داخل لبنان.

ويبقى التساؤل: هل كان باستطاعة أنصار فكرة الحرب داخل إدارة جورج بوش التكهن بهذه التطورات؟ هل أدركوا أنه، سواء أصبح العراق ديمقراطيًا أم لا، فإنهم يخلقون ظروفًا ستيسر الصعود الإيراني؟ بالنسبة للمؤمنين حقًا بالفكر المحافظ الجديد، فإن الانتصار في العراق كان يجري النظر إليه دومًا باعتباره خطوة أولى نحو الإطاحة بالنظام في إيران، بما يسمح بظهور حكومة ديمقراطية موالية للولايات المتحدة هناك. إلا أن آخرين لم ترد على ذهنهم ببساطة فكرة أن أي حكومة ديمقراطية بالعراق ستكون موالية لإيران، وذلك بالنظر إلى الانقسام الآيديولوجي حول حكم آيات الله، والذي يرفضه شيعة العراق ولا يزالون يرفضونه في الجزء الأكبر منهم. في الواقع، حمل هذا الرأي بعض الوجاهة، ومع ذلك تظل الحقيقة أن شيعة العراق بالتأكيد أكثر موالاة لإيران لأنهم يعيشون في كنف دولة واهنة، بينما ستبقى إيران القوية المجاورة بجانبهم إلى الأبد.موجز القول إن إخفاق واشنطن في خلق حكومة عاملة في دولة قوية محل عراق صدام حسين، كان السبب وراء إبرام أوباما هذا الاتفاق مع إيران. وسيحكم التاريخ على موقفه هذا – مثلما حكم بالفعل على موقف بوش.

بالاتفاق مع «بلومبيرغ»