الياس حرفوش: أيّ إيران بعد الاتفاق؟//إيران توسّع «طموحها النووي» إلى مواجهة التطرّف

189

إيران توسّع «طموحها النووي» إلى مواجهة التطرّف
محمد صالح صدقيان { واشنطن – جويس كرم /الحياة/05 تموز/15
في أول حديث له عن ملف سياسي إقليمي بعدما امتنع الفريق المفاوض الإيراني عن مناقشة قضايا إقليمية خلال المحادثات النووية مع الدول الست، اعتبر وزير الخارجية أحمد جواد ظريف أن الاتفاق الذي حُدد موعد إبرامه بعد غد الثلثاء، نقطة انطلاق جديدة لتنسيق المواقف من أجل مواجهة التطرّف في المنطقة. ومع اكمال الإدارة الأميركية تحضيرات لإبرام الاتفاق، تبذل الغالبية الجمهورية في الكونغرس محاولات لإقناع الديموقراطيين بإحباطه تشريعياً. ودعا ظريف في كلمة مسجّلة نشرت على صفحته الإلكترونية، مجموعة الدول الست إلى اتخاذ قرار حساس وتاريخي بين إبرام اتفاق أو مواصلة خيار فرض ضغوط. وقال: «على رغم بعض الخلافات المتبقية خلال هذه الساعات الأخيرة، لم نكن قريبين من التوصل إلى اتفاق شامل كما اليوم»، لكنه استدرك مضيفاً «أن الاتفاق غير مؤكّد، ويحتاج إلى شجاعة ومرونة لحسم الخلافات، بعيداً من الأوهام والتهور الناتجة عن العادات القديمة». وكرر ظريف استعداد بلاده لإبرام «اتفاق جيد ومتوازن، وفتح آفاق جديدة للتعامل مع التحديات المهمة والمشتركة»، مشيراً إلى «النمو والانتشار السريع لنزعة التطرّف العنيفة والبربرية الهمجية اللتين تهددان العالم كله، وقد اقترحنا مواجهتهما من خلال مشروع عالم ضد العنف والتطرّف الذي يجب أن يتحوّل إلى أولوية للدول كلها.
واعتبر ظريف أن «التهديد الذي نواجهه هو استهداف رجال ملثمين الحضارة الإنسانية، لأن لا أحد في مأمن من هذا الخطر العالمي الذي يحتاج التصدي له إلى اعتماد أساليب جديدة».
وأكد ظريف أن إيران «تقف دائماً في الخط الأمامي لمكافحة التطرّف، وآمل في أن يركّز زملائي اهتمامهم على هذا الموضوع، ويجنّدوا مصادرهم لمواجهة هذا التهديد الحيوي».
ورأى محللون أن «ظريف أراد قبل أيام من التوقيع على الاتفاق النووي توجيه رسالة علنية واضحة إلى الولايات المتحدة في شأن استعدادها لتنسيق مواجهة تنظيم داعش في المنطقة، ما يشير إلى أن الصفقة النووية باتت قاب قوسين أو أدنى، وأن الفترة المقبلة ستشهد فتح نقاش حول قضايا رفضت إيران بحثها سابقاً، ومنها آلية مواجهة تنظيم داعش وبقية الجماعات الإرهابية».
إلى ذلك، أبلغت مصادر ديبلوماسية غربية في طهران «الحياة»، أن إبرام الاتفاق النهائي يحتاج إلى حسم نقطتين أساسيتين، الأولى تتعلق بإمكان الوکالة الدولية للطاقة الذرية الاطلاع على ماضي إيران النووي، لاسيما على صعيد الأبعاد العسكرية المحتملة، لأن أطرافاً، مثل فرنسا تحديداً والولايات المتحدة بدرجة أقل، ترفض الاکتفاء بآلية التفتيش المستقبلية للمنشآت الإيرانية.
واللافت في هذا الإطار إعلان رئيس الوكالة يوكيا أمانو قبل مغادرته طهران إلى فيينا أمس، أن التحقيق حول احتمال وجود بُعد عسكري للبرنامج النووي الإيراني قد ينجز بمساعدة طهران في نهاية السنة الحالية.
أما النقطة الثانية فلا تزال تتمحور حول إيجاد تفاهم مع إيران حول آلية إعادة فرض العقوبات الدولية عليها إذا نكست بتعهدات الاتفاق. لكن مصادر توقعت أن ينحسر الخلاف على هاتين النقطتين خلال الساعات الـ72 المقبلة. ومع ترحيب وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد اتصال هاتفي مع ظريف، بـ «الجهود الصادقة التي تبذلها الأطراف للتوصل إلى اتفاق»، أبلغ ديبلوماسي أميركي «الحياة» أن «جوهر المفاوضات وهدفها بالنسبة إلى واشنطن وطهران هو مصلحة مشتركة بإنهاء عداء عمره ٣٦ سنة. ويجعل ذلك الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته كيري على قناعة بأنهما على موعد مع التاريخ إذا أنجز الاتفاق». لكن هذا الأمر يتطلّب تخطي أوباما عقدة الكونغرس الذي بدأ اعضاؤه مشاورات لدرس الخيارات المتاحة للتعاطي مع أي اتفاق. فمهلة الثلثاء ترتبط أولاً وأخيراً بالكونغرس بسبب القانون الجديد الذي يجبر الرئيس الأميركي على تقديم نص الاتفاق قبل 9 تموز (يوليو)، على أن ينجز الكونغرس مراجعته خلال يوماً. وإذا رفضت الغالبية الجمهورية في المجلسين الاتفاق، سيضطر أوباما إلى استخدام حق النقض لتخطي التصويت، وهو السيناريو الأكثر احتمالاً.

 

أيّ إيران بعد الاتفاق؟
الياس حرفوش/الحياة/05 تموز/15
ربما كانت المفاوضات الدائرة مع إيران بشأن برنامجها النووي ستجري بقدر أكبر من السلاسة والوضوح لو كان يجلس على طاولة التفاوض في فيينا المرشد الإيراني علي خامنئي من جهة وقادة الحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي من الجهة الأخرى. فالوفد الإيراني المفاوض الذي يمثل الرئيس روحاني والوفد الأميركي الذي يمثل الرئيس أوباما لا يملكان في الحقيقة القدرة على إبرام أي اتفاق نهائي إلا بعد العودة إلى أصحاب القرار الفعلي في البلدين، أي إلى رأس الهرم الإيراني وإلى أعضاء الكونغرس الذين سيكون على إدارة أوباما أن تعرض الاتفاق عليهم لتحصل على موافقتهم على أي تعهد برفع العقوبات عن إيران. منذ بداية جولات التفاوض، التي صارت مثل رواية ألف ليلة وليلة، لكثرة ما أجلت شهرزاد الإيرانية التفاوض إلى اليوم التالي، كان واضحاً أن عدم الثقة هو العنصر الغائب عن نوايا المفاوضين. الأميركيون، ومثلهم جزء كبير من المجتمع الدولي، يشككون في نية إيران الاكتفاء ببرنامج نووي سلمي. ويتساءلون: إذا كان هذا البرنامج حقيقة سلمياً، فلماذا لم تعلن عنه إيران قبل أن تتسرب أخباره عبر المعارضة الإيرانية وأجهزة الاستخبارات الغربية؟ وتدعم هذا الشك التقارير المتكررة لوكالة الطاقة النووية التي رفضت تأكيد سلمية هذا البرنامج منذ تم الكشف عنه قبل أكثر من عشر سنوات. أما الإيرانيون فيشككون من جهتهم بالنوايا الغربية، ويظنون أن هدفها النهائي هو القضاء على الثورة الإيرانية، وليس فقط مراقبة مشروعها النووي.
ظل الأمر كذلك طوال فترة ولاية جورج بوش الابن ومحمود أحمدي نجاد. واحتاج إطلاق التفاوض من جديد إلى المناخ المعتدل الذي خيّم على الطقس في البلدين، في ظل باراك أوباما وحسن روحاني، فقد ربط الرجلان نجاحهما السياسي بهذا الاتفاق. أوباما اعتبر التطبيع مع طهران إنجازاً خارجياً تاريخياً يوازي في أهميته إعادة العلاقات مع كوبا أو اغتيال أسامة بن لادن. وروحاني اعتبر التقارب مع واشنطن تزكية لمشروعه الموصوف بـ «الإصلاحي» في وجه التيار الداخلي الذي يقود معركة مواصلة العداء للغرب، والذي يتمثل بشكل خاص بـ «الحرس الثوري». وفي ذهن روحاني أن رفع العقوبات أو تخفيفها يمكن أن يسهل إعادة تحريك العجلة الاقتصادية وتحسين ظروف الإيرانيين، وهو أمر يصعب تحقيقه إلا في حال التوصل إلى اتفاق يزيل الهواجس الغربية حيال إيران.
وفيما ترك الكونغرس الأميركي لأوباما مهمة التفاوض وأخذ على عاتقه مهمة العرقلة، وربما إلغاء الاتفاق بالكامل، خلال ثلاثين يوماً من التوقيع في فيينا (إذا تم ذلك بعد غد الثلثاء)، فإن روحاني وفريقه يواجهان مشكلة كسب رضا خامنئي صاحب «الخطوط الحمر» الشهيرة التي أعلنها الأسبوع الماضي. إذ كيف سيمكن مع هذه «الخطوط» التوصل الى اتفاق يرضي الغربيين، إذا لم يتضمن رفعاً تدريجياً للعقوبات بالتوازي مع تطبيق إيران التزاماتها، وكذلك مراقبة منشآتها العسكرية والتحقيق مع علمائها النوويين؟ وهما النقطتان اللتان اعتبرهما خامنئي من المحرمات، مؤكداً «نحن لا نقبل بأي طريقة من الطرق مثل هذا الأمر». المفاوضات مع إيران في فيينا ليست نووية الطابع فقط. إنها مفاوضات سياسية تتعلق بالدرجة الأولى بالصورة المطلوبة من إيران بعد الاتفاق. من الصعب أن تبقى إيران «ثورية» كما تريد أن تقدم نفسها بعد اتفاقها مع قوى «الاستكبار العالمي». ولذلك، وفي حجم الصعوبات التي تواجه مفاوضات فيينا، يمكن تصور مفاوضات لا تقل صعوبة تدور في طهران، حول الوجهة التي ستسير عليها بعد الاتفاق النووي، إذا حصل، في ما يتصل بمشروع الثورة وبعلاقة إيران مع الإقليم المحيط بها ومع العالم الخارجي. لا بد أن تحسم إيران أمرها وتقرر مصدر الخطر الأكبر على مستقبل النظام والبلد: هل هو في بقائها داخل جدران العزلة الدولية كما هي الآن، أو في إنهاء هذا الوضع والتطبيع مع العالم، مع ما يترتب على ذلك من أثمان سياسية واقتصادية لا بد من دفعها؟