اميل خوري: لبنان يتجه تدريجاً نحو دولة فاشلة//روزانا بومنصف: هل يكون لبنان ملاذاً لمسيحيّي الشرق

227

هل يكون لبنان ملاذاً لمسيحيّي الشرق؟ أفكار على هامش المخاوف ومتغيّرات المنطقة
روزانا بومنصف/النهار/2 تموز 2015
قبيل مغادرة الرئيس الراحل الياس الهراوي قصر بعبدا في العام 1998 بعد ولايته الممددة، رغب في تصحيح بعض الاخطاء الكبيرة التي ارتكبت في قانون التجنيس الذي وقعه العام 1994 والتي كانت مجحفة في حق المسيحيين وقامت قيامتهم عليه في ذلك الوقت، فارسل النائب السابق اوغست باخوس الى سوريا من اجل محاولة رصد او حشد مجموعات مارونية او مسيحية ترغب في الحصول على الجنسية اللبنانية، نظرا الى ما كان سائدا عن طموح مضمر لدى السوريين في الحصول على هذه الجنسية. وفيما لم يوفق النائب باخوس بما توقعه الرئيس الهراوي ( وليس واضحا كيف كان سيقنع الرئيس اللبناني نظيره السوري حافظ الاسد بذلك ) فان البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير اعترض على هذا المسعى معتبرا ان ” الخطأ لا يصحح بخطأ اكبر”، فمات المشروع في مهده.
ليس كل ما تجري المباحثات في شأنه حول لبنان يتصل بالازمة السياسية اليوم والشغور الرئاسي. بل ان مسألة النازحين او اللاجئين تطرح هماً اكبر. وبعد ما يزيد على 20 سنة على حادثة الهراوي بات جزءا كبيرا من مسيحيي سوريا والعراق في لبنان وليس من حاجة للبحث عنهم خارجه. بعض هؤلاء يطلب الهجرة الى الولايات المتحدة والدول الاوروبية، والكثيرون منهم يتوقع ان يبقوا في لبنان على امل التمكن من العودة الى ديارهم قريبا. هم اتوا الى لبنان بحكم الحرب المستعرة في العراق والتي هجرت المسيحيين فيه منذ الاحتلال الاميركي لهذا البلد في 2003 واخيرا بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق شاسعة في العراق وكذلك في سوريا ونتيجة الحرب المستمرة في هذه الاخيرة. ويسود اقتناع شامل لا يقتصر على لبنان فحسب ان لا عودة محتملة للاجئين السوريين الى سوريا في المدى المنظور، كما انه من غير المحتمل ان يتمكن المسيحيون من العودة الى سوريا او الى العراق، علما ان المخاض الذي يمر فيه البلدان ليس مرجحا للانتهاء خلال سنوات قليلة وليس مؤكدا او ثابتا انه سيكون لهم ملاذ آمن. بعض الافكار او التساؤلات بات يطرح في ظل المطالبات بحماية المسيحيين في الشرق وعقد المؤتمرات لهذه الغاية من جهة وتأمين مظلة ضامنة لهم في المنطقة تقيهم طلب الهجرة الى اوروبا او اميركا خشية تفريغ المنطقة من المسيحيين ايضا. يضاف الى ذلك المخاوف من هجرة اضافية للمسيحين من لبنان تبعا للمخاوف من المستقبل، وما اصاب المسيحيين في المنطقة بات يتمحور وفق ما ينقل عن متصلين بالخارج اذا كان لا يشكل الوجود المسيحي العراقي والسوري ثقلا يمكن ان يضاف الى الثقل المسيحي في لبنان معنويا وعملانيا. فهناك زيارات راعوية يقوم بها القادة الروحيون للكنائس الى المناطق المسيحية في العراق وسوريا من اجل تقوية روح الصمود والبقاء لدى من بقي في ارضه. لكن المسألة قد تكون اصعب من معالجتها على هذا النحو في ظل مستقبل لا يبدو مشرقا بالنسبة اليهم. في حين ان مسألة اعطاء فرصة لهم لحمل الجنسية اللبنانية قد تؤمن بقاء المسيحيين العراقيين في بيئة غير غريبة كليا عنهم فضلا عن امكان رفد الطوائف المسيحية في لبنان باعداد يمكن ان تبعد عنهم هاجس التحول الى اقلية تتضاءل قدرتها السياسية وحيثيتها يوما بعد يوم.
ومع ان هذه المسألة متروكة لعامل الوقت، فان هذه الافكار او الاحتمالات تكتسب جدية في ضوء محاولة رصد بعض ردود الفعل من الافرقاء السياسيين او الطوائف الاخرى وما اذا كانت تشكل حساسية محددة ام لا في ظل عدم اعتراض بعض القيادات الاساسية وفق ما تفيد بعض المعلومات. فهل يمكن ان يشكل لبنان ملاذا للمسيحيين في الشرق كما كان منذ قرون عدة؟
لا شيء خرج الى العلن حتى الآن. وثمة تحولات ديموغرافية واعادة رسم خرائط في المنطقة بحيث قد لا يكون سهلا التنبؤ بما قد ينتهي اليه الوضع في الدول المجاورة. الا ان المشكلة الطارئة المتمثلة في هجرة مسيحية قسرية من المنطقة تشكل محاذير كبيرة لا ينوي احد الدخول فيها في الوقت الذي يتعين وضع اطار مستقبلي ممكن او محتمل في انتظار حل قد يأتي متأخرا اذا هاجر المسيحيون من المنطقة. ولذلك فان هذه الافكار تتسم ببعد طارىء ايضا على رغم انها تحتاج الى بلورة مجموعة عوامل قد يكون في مقدمها معرفة موقف الطوائف الاخرى من هذا الاحتمال اي فتح باب التجنس امام المسيحيين العراقيين والسوريين وما هي ردود فعلهم على ذلك. وثم اذا كان ثمة اثمان سياسية او غير سياسية او مطالب بموازاة احتمال فتح التجنيس للمسيحيين بمطالب لطوائف اخرى على نحو مماثل باعتبار ان رفع سقف المطالبات قد يعطل الخطوة او يخفف من ابعادها التي قد تنتهي بأعادة ضخ الاقلية المسيحية باعداد قد لا تكون بسيطة.
هناك ما هو مهم يتصل برد فعل اصحاب الشأن اي اللاجئين المسيحيين من العراق وسوريا، كما من رد فعل المسيحيين انفسهم انطلاقا من ان غالبية هؤلاء ليسوا من الطائفة المارونية بحيث قد يعترض الموارنة على هذه المسألة. اضف الى ذلك وجود محاذير تتصل باختلاف قوي لا يمكن انكاره في ما يتعلق بثقافة سياسية وبيئة مختلفة لهؤلاء عن البيئة اللبنانية في حال استيعابهم كلبنانيين ومنحهم حقوق المواطنة.
لكنها افكار ستجد طريقها قريبا الى البحث العلني ولو ليس بالصراحة نفسها.’

 

لبنان يتجه تدريجاً نحو “دولة فاشلة” هل صار لكل زعيم سياسي دستوره؟
اميل خوري/النهار/2 تموز 2015
هل بدأ لبنان الدخول في دائرة الدولة الفاضلة فلا رئيس يحكم ولا حكومة تعمل ولا مجلس نواب يشرع، ولا حتى دستور يحترم فصار تطبيقه انتقائياً وبحسب مصلحة كل حزب؟ ففي التعيينات يجب احترام الدستور اما في انتخاب رئيس للجمهورية فلا وجود لهذا الدستور أو يفسره كل طرف بحيث يمكن القول أن كل زعيم صار فاتحاً دستوراً على حسابه… والمؤسف أن بعض الزعماء اللبنانيين وتحديداً الموارنة هم الذين يعطون المثل السيئ في تطبيق الدستور مع أن التزام أحكامه التزاماً دقيقاً كاملاً هو لمصلحة كل اللبنانيين ولمصلحتهم بالذات والا كان البديل منه “شريعة الغاب”، فعندما جرت انتخابات 2005 و2009 وفازت قوى 14 آذار بالأكثرية النيابية، رفضت قوى 8 آذار الاعتراف بنتائجها واعتبرتها أكثرية نيابية ولست أكثرية شعبية، مع أنها كانت انتخابات حرة ونزيهة. وكل الدول الديموقراطية تلجأ الى الانتخابات للخروج من الأزمات أي بالعودة الى الشعب كي يقول كلمته فيها وما حقيقة موقف 8 آذار سوى استجابة لرغبة سوريا التي كانت تريد حكومة وحدة وطنية وان كاذبة تتألف من اكثرية لا تقرر ومن أقلية تعطل صدور أي قرار أو تمنع تنفيذه اذا كان لا يعجبها، وقد اضطرت قوى 14 آذار الى القبول بذلك تجنباً للفراغ الحكومي وما يلحق ذلك من ضرر بالوطن والمواطن، وبررت قبولها هذا تحت مقولة الا يكون ذلك قاعدة انما استثناء، واذا بالاستثناء يصبح قاعدة بحيث لم يعد في الامكان تشكيل اي حكومة الا اذا كانت تضم ممثلين عن 8 و14 آذار اي اضداد لا يتفقون احياناً حتى على أمور صغيرة عملاً بسياسة النكايات المتبادلة، وكان تشكيل مثل هذه الحكومات يساوي بين الرابح والخاسر في الانتخابات النيابية ما أفقد نتائجها الأهمية رغم أنها حكومات فاشلة وأقلها انتاجاً وإنجازاً، ومع ذلك ظلت مفروضة بحكم واقع شاذ لم يعشه لبنان من قبل. لانه كان يحترم الدستور وليس مثل اليوم أصبح من حق أي حزب او تكتل ان يفرض عند تشكيل الحكومات على الرئيس المكلف لا بل حتى على رئيس الجمهورية اسماء الوزراء والحقائب والا طالت أزمة التشكيل وكان الفراغ الحكومي القاتل.
وفي انتخاب رئيس الجمهورية طلعت أحزاب وكتل ببدع وهرطقات دستورية لا مثيل لهما… فأعطى نواب لأنفسهم حق التغيب عن جلسات الانتخاب بدون أي عذر مشروع سوى تعطيل النصاب للحؤول دون انتخاب رئيس غير مقبول منهم… وهو مثل سيئ أعطاه كل نائب لنفسه في كل استحقاق كي يعطل النصاب ويدخل البلاد في أزمة رئاسية مفتوحة على كل الاحتمالات ولمصلحة خارج له أهدافه ولكي يطلب منه التدخل لحل هذه الأزمة ويقبض الثمن…
يستمر انتهاك الدستور بطرح بدع وهرطقات جديدة كلها تخرج لبنان من أزمة الانتخابات الرئاسية وقد تصبح قاعدة تعتمد في كل أزمة ولا يبقى للدستور عندئذ وجود مثل “بدعة” استطلاع الرأي، حول من هو المرشح الماروني الأقوى لكي يعرض على النواب انتخابه والا كانوا يخالفون رأي الشعب وهذا أشبه بالمشروع الأرثوذكسي في الانتخابات النيابية. وقد نسي اصحاب هذه البدعة أو تناسوا أن الدستور ينص صراحة على انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري وليس للنائب أن يتقيد بنتائج اي استفتاء أو استطلاع، والا فليعدل الدستور وليصبح انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. ومن جهة أخرى فأن خطورة الأخذ بهذا الاقتراع “البدعة” قد يجعل المسلم الشيعي يلجأ الى استطلاع الرأي أيضاً لانتخاب رئيس للمجلس وان يفعل المسلم السني الشيء نفسه لايصال من يمثل الطائفة تمثيلاً صحيحاً لمنصب رئاسة الحكومة بحيث لا تعود حاجة الى انتخاب رئيس للجمهورية من الاكثرية النيابية، ولا حاجة الى انتخاب رئيس المجلس من هذه الاكثرية أيضاً ولا حاجة أيضاً الى اجراء استشارات نيابية لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، فماذا يبقى عندئذ من الدستور عندما تصبح “البدع” والهرطقات، بديلاً منه.
لقد أحسن النائب سليمان فرنجية بصراحة قوله، انه مع العماد عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية حتى وان جاءت نتائج الاستطلاع مخالفة لذلك، لانه لا ينتخب شخصاً فقط انما ينتخب خطاً سياسياً.
الواقع أن المعارك الرئاسية غالباً ما تخاض على أساس خط سياسي لكل مرشح، هي تخاض اليوم على أساس مرشح يؤيد الخط السياسي الايراني ومرشح يناهض هذا الخط. فلماذا استطلاع الرأي اذاً حول الاشخاص وليس حول الخط لمعرفة اي منهما يريد اللبنانيون؟ ولماذا الاستطلاع ان لم تكن نتائجه ملزمة هل لكسب الوقت ام لاضاعته، خصوصاً أن أحزاباً عارضت إجراءه. فالكتائب أكدت وجوب التزام الدستور واعتبار اي التفاف عليه تمييعاً للاستحقاق، و”تيار المستقبل” أعلن حرصه علىعدم الانزلاق نحو اي بدع جديدة ترمي الى اختراع اعراف جديدة وملتوية تعطل انجاز انتخاب الرئيس.
فليذهب النواب إذاً لانتخاب رئيس وفقاً للدستور وآليته، وبدون لف ودوران.