روزانا بومنصف: تعقيدات إضافية أسقطت رهان الحل الحكومي//اميل خوري: حوارات الأحزاب لن تُنتج سوى التهدئة

230

تعقيدات إضافية أسقطت رهان الحل الحكومي مخاوف من عدم تجاوز الأزمة “على البارد”
روزانا بومنصف/النهار/26 حزيران 2015

من غير المرجح ان تلقى الصرخة التي وجهتها الهيئات الاقتصادية والمجتمع المدني للافرقاء السياسيين من أجل انقاذ عمل المؤسسات ومنع البلد من الانتحار عبر التوجه الى ملء الشغور في سدة الرئاسة الاولى أولاً أي صدى ايجابي في ظل تمسك الافرقاء بأولوية مصالحهم وحساباتهم الشخصية على مصالح البلد وابنائه. هذا على الاقل الانطباع الذي استبق النداء الذي وجهته هذه الهيئات والذي اعقبه أيضاً، في ضوء ابداء جهات سياسية عدة ومختلفة الاتجاهات، يأسها من امكان الخروج من المأزق الحالي الذي بات يواجهه البلد بتعطيل الحكومة بعد مجلس النواب ومنع حصول انتخابات رئاسية. إذ يتبين يوماً بعد يوم ان الرهان الذي عقده بعض المراجع والأفرقاء على عدم امكان ان تطول اجازة الحكومة اكثر من اسبوعين في ضوء تعطيل التيار الوطني الحر امكان انعقاد مجلس الوزراء كان خاطئاً مع اتجاه التعقيدات الى اقفال الباب الاخير للمؤسسة التي تجمع مختلف الافرقاء على طاولتها بعد الاقفال القسري لمجلس النواب أيضاً. وهذا الخطأ كان مبنياً على ان “حزب الله” الحريص علناً ومبدئياً على بقاء الحكومة بحيث لن يفرط بها اولى مطالب حليفه بتعيين العميد شامل روكز قائداً جديداً للجيش على موضوع الحكومة وفاعليتها ما يشي بالأهمية الكبرى الذي لا يزال يعلقها الحزب على حليفه الوحيد الذي يؤمن له التغطية الداخلية ازاء تدخله في سوريا. وهو موقف تردد انه ابلغه ايضا الى قائد الجيش العماد جان قهوجي من باب انه مضطر ان يتضامن مع حليفه أياً كان التقدير لدور الأخير في قيادته الحالية للجيش على اثر اللقاء الأخير الذي عقده العماد ميشال عون مع الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. وهو تضامن سرى على حلفاء عون علماً ان بعضهم غير مقتنع وقلق من تعطيل البلد والاثمان التي يرتبها على اللبنانيين لكن يستمر هؤلاء في اعلان التضامن مع عون باستثناء الرئيس نبيه بري من قوى 8 آذار.

ثمة أخطاء أخرى تتصل بواقع وعود يقال ان عون تلقاها من الرئيس سعد الحريري بتعيين روكز في قيادة الجيش في مقابل تعيين عماد عثمان او سمير شحاده في قيادة الامن الداخلي، وهو لذلك يتمسك بتعهدات يقول انها اعطيت له ويرفض الدخول في صفقة على اساسها بحيث يؤتى بروكز في مقابل اتمام انتخابات رئاسة الجمهورية تساهم في وصول رئيس مقبول من الجميع بعدما رفض هو شخصيا في وقت سابق من الحوار بينه وبين الرئيس سعد الحريري ان يعلن تقديم أي شيء يتصل او يعبر عن امكان قبوله من الفريق الآخر علماً انه كان مهد الطريق لذلك عبر اجراء حديث صحافي يتفق على كل تفاصيله. اذ انه بعدما وافق على ذلك وتعهد به تراجع بدوره عن اعطاء حديث يعلن فيه انه مع سيادة الدولة اللبنانية على كل اراضيها ومع انتشار الجيش في كل المناطق وفي ظل الموقع العربي للبنان بعيداً من محورية اقليمية معينة. الا ان خطأ أكثر فداحة يبدو ان خصوم عون ارتكبوه في معرض عدم الرد عليه وفق ما يقتضي اظهاره بمن يعبث بتراتبية المؤسسة العسكرية باعتبار ان العميد روكز ليس وحده المؤهل والكفي لأن يشغل قيادة الجيش وموقعه يأتي في المرتبة 13 بين من يستحقون ذلك ويليه بضعة آخرون أيضاً. إذ ان الرد بما يجب حول تجاوز المؤسسة العسكرية في الوقت الذي هو ابنها يضعه في موقع من يتجاوز القوانين ويخالفها شأنه شأن من يتهمهم بذلك معلناً التمسك بالدستور والقوانين وعدم انتهاكها كما ان الرد بتلك الطريقة كان سيوفر امكان المساومة معه على حل لقاء تعيين روكز كالحصول مثلاً على امكان انعقاد مجلس النواب ومنع تعطيل اعمال الحكومة ان لم يكن على صفقة لانتخاب رئيس جديد. وهو الأمر الذي لم يحصل في الوقت الذي ذهب عون أبعد في الكلام على الفيدرالية بما استفز كثراً من زوايا عدة من بينها التساؤل اذا كان “اعلان النيات” بينه وبين “القوات اللبنانية” مبني على أمر استراتيجي وليس على أمر تكتي في ضوء المواقف السابقة للقوات ابان الحرب من الفيدرالية. كما ان الذهاب الى الفيدرالية بدا مستغرباً في ضوء طلب لا يمكن ان يعد حيوياً كمطلب تعيين قائد للجيش وفي وقت تذهب المنطقة الى التفكك لكن بالتزامن مع حرص اقليمي ودولي على وحدة لبنان واستقراره. عند النقطة التي وصلت اليها الأمور لا يبدو اي مخرج في الأفق بل مزيد من التأزيم ولا مساعي تبدو ناجحة حتى الآن. ومع صورة الهيئات الاقتصادية التي اطلقت النداء من اجل منع انتحار البلد عادت الى اذهان البعض صورة مماثلة اثر الاعتصام الذي شل البلد في 2007 وأدى الى ما كاد يشبه الانهيار الاقتصادي قبل ان يؤدي التأزم الى تطورات أمنية تحت ذرائع مختلفة ما أدى الى اتفاق الدوحة لاحقاً. ومن هذه الزاوية ثمة من يقلق ويعيد الى الواجهة مخاوف من الا يكون الخروج من المأزق الراهن الا “على الحامي” مجدداً تحت ظرف اقليمي او محلي ما او اثر تطورات في سوريا عبر الشمال هذه المرة وليس عبر البقاع فقط خصوصاً ان رهان عون على التعطيل حتى تلبية مطالبه سيؤدي في السياق العادي للأمور الى التمديد لقائد الجيش الحالي وليس الى حصوله على قيادة الجيش.

في انتظار حسم الوضع في سوريا واليمن حوارات الأحزاب لن تُنتج سوى التهدئة
اميل خوري/النهار/26 حزيران 2015

يمكن القول إن استمرار اللقاءات بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، وبين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، تبعث على الارتياح في صفوف الناس حتى وان لم تحقق سوى إزالة التوتر وتخفيف الاحتقان بين هذه الأحزاب، وهو ما يساعد الجيش وقوى الأمن الداخلي على حفظ الأمن والاستقرار ولو في حده الأدنى. وقد لا تكون المرحلة الحالية تتطلب أكثر من ذك في انتظار أن تنجلي صورة الوضع المثير للقلق في المنطقة. والسؤال المطروح هو: هل تنتقل هذه الاحزاب في لقاءاتها من مرحلة إزالة التوتر والتشنج في ما بينها الى مرحلة تحقيق وحدة الهدف سبيلاً لتحقيق وحدة الصف، لأن لا وحدة صف من دون تحقيق وحدة الهدف؟ يرى سياسيون متابعون أنه يصعب على هذه الاحزاب التوصل الى تحقيق وحدة الهدف ما دامت الحروب تعم دولاً عدة في المنطقة، ولا أحد يعرف متى تنتهي وعلى أي حل ستستقر. فالتيار الوطني الحر يختلف في موقفه عن “القوات اللبنانية” في كثير من الأمور. التيار يقف مثلاً مع الخط السياسي الإيراني، ومع المقاومة وسلاحها ومع تدخل هذا السلاح في سوريا وغير سوريا، الى حد أن رئيس التيار العماد عون أعلن أنه يرفع رأسه بالمقاومة، في حين أن “القوات اللبنانية” ليست مع الخط الايراني ولا هي مع سلاح “حزب الله” ولا مع تدخل هذا السلاح في سوريا وغير سوريا، ولا ترفع رأسها إلا بالجيش اللبناني وبالدولة اللبنانية. لذلك، يصعب جمعهما حول هدف واحد قبل أن تكون الحروب في دول المنطقة قد انتهت الى حل يجعل كل حزب في لبنان، قادراً على أن يبني على الشيء مقتضاه. وما بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، لا يختلف عما بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” ما يجعل اللقاءات المستمرة بين هذه الاحزاب لا تعدو كونها لقاءات ترطيب أجواء تحقيقاً لتهدئة لا بدّ منها في المرحلة الدقيقة التي يواجهها لبنان ولجعله قادراً على احتواء تداعيات ما يجري في المنطقة واطفاء نارها كلما اقتربت منه أو امتدت اليه، وقد نجحت هذه اللقاءات في تحقيق ذلك ولا شيء أكثر في الوقت الحاضر، لأن تحقيق وحدة الهدف بين هذه الاحزاب توصلا الى تحقيق وحدة الصف ينتظر انتهاء الحروب في دول المنطقة ومعرفة نوع الحلول التي ستنهيها، أهي حلول تقاسم النفوذ فيها، أم حلول التقسيم، واي أنظمة ستقوم فيها، هل هي الانظمة الديموقراطية التي لا شيء يدل حتى الآن ان هذه الأنظمة تصلح في دول تشتد فيها الصراعات المذهبية والعرفية، بحيث لا حكم يصلح فيها سوى حكم الوفاق والتوافق الذي تتمثل فيه كل القوى السياسية والأساسية على أن يعقب قيام مثل هذا الحكم، ومنعاً للتقسيم نظام فيديرالي أو كونفيدرالي، في عدد من دول المنطقة.

وفي انتظار معرفة ما سوف ستستقر عليه دول المنطقة بعد انهاء الحروب فيها، فان الاحزاب المتناكفة والمتصارعة في لبنان لا تستطيع تحقيق وحدة الهدف نظراً لارتباط بعضها بخارج يريدها ان تكون الى جانبه في الصراع الدائر وليست حرّة في خياراتها الا بعد انتهاء هذا الصراع، ولا يمكن بالتالي تحقيق وحدة الصف ما لم تتحقق وحدة الهدف، وسيبقى كل حزب في موقعه وفي موقفه ولكن من دون ان يشكل هذا الاختلاف في المواقع والمواقف، خلافاً يبلغ درجة التصادم والاقتتال.

واذا كانت اللقاءات بين القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، توصلت الى “اعلان نيات” يتضمن مشاريع ومواضيع مهمة، فلأن التزام تنفيذها مؤجل الى ما بعد تبلور صورة الوضع في المنطقة، اذ لا مجال لتنفيذها والاهداف ليست واحدة بفعل التجاذبات الداخلية والعربية والاقليمية والدولية، وهذه التجاذبات هي التي حالت حتى الآن دون الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية ولا موقف واحداً من السلاح خارج الدولة، وهي المواضيع المهمة التي اذا صار اتفاق عليها يصر في الامكان اخراج لبنان من كل الأزمات التي يتخبط فيها بسبب استمرار الشغور الرئاسي، مع استمرار التجاذبات والصراعات بين دول المنطقة. فهل تتوصل الأحزاب الأساسية في لبنان الى اتفاق على انتخاب رئيس يستطيع ان يحقق الوفاق الوطني الشامل، وقد بات انتخابه مطلب الغالبية الساحقة في الداخل وفي الخارج، وعدم انتظار اتفاق الخارج عليه، وهو انتظار قد يطول لكي يفرض هذا الخارج على اللبنانيين رئيساً، وكأن لا شأن للبنانيين به أو أنهم يتدخلون بما لا يعنيهم…