إيلـي فــواز: انتحار الأقليات//خيرالله خيرالله: دروز سوريا وثمن رفض حلف الأقلّيات

372

انتحار الأقليات
إيلـي فــواز/لبنان الان/18 حزيران/15

من منّا لا يذكر قبل سنتين تقريباً تأكيد الجنرال ميشال عون في مقابلة تلفزيونية لقناة سوريّة ان النظام السوري سيحسم معركته ويسيطر على كامل الأراضي السورية ويسحق من يعترضه في غضون ايام. الجنرال الثمانيني، والذي من المفترض ان يكون لديه خبرة عسكرية مستفيضة في أمور الحرب، لم يرَ ولم يتنبه لا هو ولا من حوله من مستشارين، أن نظام الأسد سقط لحظة قام أطفال درعا بالمطالبة بالحرية من على جدرانها. فالنظام الذي قام طوال اربعين عاماً على تخويف الناس وإرهابهم سقط بمجرد رفض الناس لتلك المعادلة.

وبعدما سقط الرهان على إعادة الأسد للأمور إلى نصابها لم يعد يرى الجنرال من سوريا  سوى داعش وجبهة النصرة والتكفير، ومصير المسيحيين في المنطقة. وداعش كما جبهة النصرة هي الركن الأساس لدى الجنرال لتغطية حرب حزب الله في سوريا و دعمه بكل الوسائل الممكنة. مقاتلو حزب الله العابرون للحدود في قاموس عون هم مقاومون او شهداء. كل عظاته عن قدسية السيادة سقطت. اصبح الدفاع عن المقامات الدينية واجب ولو تطلب الأمر عبور الحدود، ولو من خلال المليشيات.

مهمة الدفاع عن الأقليات خاصة المسيحية، أوكلها الجنرال لحزب الله، ولم ينتفض ضميره الوطني لخبر انتشار السلاح بيد بعض الأهالي المسيحيين في مناطق البقاع بإشراف حليفه، بل أعلن عنه بافتخار من على شاشته البرتقالية. داعش كما جبهة النصرة هي أيضاً الركن الأساس لدفاعه عن “علمانية” نظام البعث “الحامي للأقليات”. فجأة وقبل ايام بدأ الحديث عن تخلي النظام عن منطقة السويداء، على اساس كما اتضح ان فيها 27 ألف جندي وضابط سوري-درزي تخلفوا عن الالتحاق بقطعهم العسكرية. هكذا انكفأ اللواء 52 معاقبةً.

وبالفعل صرح قيادي كبير في جيش الاسد لجريدة الراي انه من المتوقع انسحاب الجيش من السويداء وترك الساحة ليتصارع عليها كل من داعش والنصرة اذا لم يلتحق أبناء السويداء بكتائب الجيش السوري. وهكذا بين ليلة و ضحاها اصبح الاسد، حليف العلمانيين، خطراً أساسياً على الاقليات، يعول على الطائفية من اجل اطالة امد حكمه. لقد تحوّل الأسد من حامي الأقليات الى خطر على وجودهم، تماماً مثل داعش. فهو يخيّرهم بين الوقوف الى جانبه وتحويلهم الى خط دفاع عن الشام، وبالتالي معاداة محيطهم السنّي الواسع والوقوف الى جانب نظام متهاوي مجرم، وبين تركهم فريسة صراعات النصرة وداعش.

فجأة اختفت “علمانية” بشار التي طالما تحدث عنها جبران باسيل في مؤتمراته الصحافية، وأصبح هو نفسه تكفيرياً بامتياز بمجرد تخيره الدروز بينه وبين الموت. بمراجعة سريعة لمواقف الجنرال من الأزمة السورية نرى ان تعويله على انتصار النظام سقط، بل وأصبحت بوادر انهيار النظام واضحة مع تقدم عمر الحرب. تعويله على حزب الله رد “التكفيريين” سقط هو الاخر في وديان القلمون، فالتعدي على البلدات البقاعية كما خطر الجهات “التكفيرية” على حدود لبنان ما زال قائماً، ناهيك عن كارثة سقوط حمص بيد داعش، اذا ما حصلت على “المقاومين” وجمهورهم. الخسائر التي يمنى بها كل محور الممانعة يكاد لا ينتبه لها عون. يردد معهم ان المناطق التي يخسرها النظام ليست مهمة. ادلب ليست مهمة. تدمر ليست مهمة. الشمال كله ليس مهماً. الجنوب كله ليس مهماً، حتى بتنا نحتار ما هو المهم لدى هذا المحور؟ تلال القلمون الفارغة؟ ام التطهير العرقي للساحل المختلط بين سنة وعلويين؟ لا يريد ان يرى الجنرال ان جبهة النصرة اصبحت امراً واقعاً تتعامل معه دول الجوار وتدعمه قوى اقليمية، بحيث لا يمكن لأي حل في سوريا ان يتجاهل وجودهم. وبالتالي قد يكون لوجودهم ونفوذهم امتداد على لبنان. من الواضح ان الجنرال أخطأ في كل خياراته السياسية. وهذا ليس بغريب على تاريخ الرجل. ومع هذا يريد ان يتبوء رئاسة الجمهورية. يريد للبنانيين ان يأتمنوه على المركز الاول في الجمهورية السعيدة. الاقليات في الشرق استطاعت ان تستمر عبر العصور من خلال قيمتها من جهة وتعاملها مع قوى الامر الواقع من جهة اخرى بكثير من الحنكة. اليوم ببساطة قررت تلك الاقليات ممثلة بنصرالله وعون و بشار الانتحار.

 دروز سوريا وثمن رفض حلف الأقلّيات
خيرالله خيرالله/المستقبل/18 حزيران 2015

عندما لا يدخل فريق مذهبي حلف الأقلّيات، يبحث النظام السوري عن طريقة لمعاقبة هذا الفريق الذي يفترض به أن يكون تحت جناحيه وفي تصرّفه بصفته العلويّة. هذا ما يحصل حاليا في السويداء حيث يهدّد النظام الدروز بـ«داعش«، حليفه الموضوعي في الحرب التي يشنّها على شعبه. استفاد النظام، ولا شك، من مجزرة «قلب لوزة« في محافظة إدلب السورية، وهي مجزرة راح ضحيتها نحو عشرين مواطنا درزيا قتلتهم «جبهة النصرة« التي تعدّ حاليا قوّة أساسية في المواجهة مع النظام. أراد إستغلال المجزرة في مكان آخر، أي في السويداء التي تمثّل مع جبل لبنان ثقل الوجود الدرزي في سوريا ولبنان والمنطقة. أراد النظام، الذي أسّسه حافظ الأسد، القول للدروز أن كلّ الأقلّيات في حمايته وأن على مَن يرفض هذه الحماية ودفع ثمن الحماية تحمّل النتائج. هذا ما يفسّر إلى حدّ كبير سحب النظام قواته من مناطق معيّنة قريبة من السويداء دعما لـ«داعش«. أراد أن يؤكّد للدروز أنّه سيتركهم لمصيرهم، خصوصا بعد رفض دروز جبل العرب في حوران التجنيد الإجباري، أي أنّهم رفضوا الدخول في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه من منطلق مذهبي.

اللعبة التي يمارسها النظام السوري قديمة. لا يتقن غيرها على الرغم من أنّه عفا عنها الزمن من جهة، إضافة إلى أنّها صارت مكشوفة من جهة أخرى. لا يعرف النظام، وربّما لا يريد أن يعرف، من هم الدروز وما أهمّية الدروز في المنطقة وما أهمّية الدور الذي لعبوه في مجال نشوء الكيان السوري. رهانه على لعبة تجاوزتها الأحداث، خصوصا أن التطورات على الأرض تتسارع على نحو سريع وذلك في اتجاه واحد وحيد يتمثل في سقوط النظام بشكل رسمي بعد سقوطه عمليا على أرض الواقع وتحوّله دمية إيرانية لا أكثر.

متى استعرضنا ما فعله النظام السوري في لبنان منذ سبعينات القرن الماضي، خصوصا من خلال تعامله مع الطوائف فيه، نجد أنّ بشّار الأسد لا يمتلك غير القراءة من الكتاب القديم الذي تركه له والده. في الفصل الأول من الكتاب العداء لسنّة المدن والتحالف مع سنّة الأرياف. هذا ينطبق على سوريا ولبنان في آن، علما أن بشّار لم يدرك أصلا معنى دخوله في مواجهة مع سنّة الأرياف انطلاقا من درعا.

في فصل آخر من الكتاب القديم الذي يقرأ منه بشّار الأسد، وهو فصل لا يقلّ في أهمّيته عن الفصل الأوّل، هناك تركيز على الأقليات وعلى كيفية بث الرعب في جسم كلّ أقلّية من أجل الإحتماء بصاحب أكبر ميليشيا مذهبية في المنطقة، أي ما يُفترض أنّه «الجيش العربي السوري«، الذي يسيطر عليه الضباط العلويون. هناك نظام حماية للأقلّيات فرضه حافظ الأسد الذي عمل في البداية على تدجين مسيحيي لبنان عن طريق تخويفهم بالفلسطينيين. كان حافظ الأسد في اساس انتشار الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان وتوسيعه. كان الهدف واضحا كلّ الوضوح. أراد التأكيد للمسيحيين أن جيشه هو الوحيد القادر على حمايتهم من السلاح الفلسطيني الذي كان يتدفّق على لبنان من الأراضي السوريّة.

قبل ذلك، في صيف العام 1973، بعث، عندما أغلق الحدود مع لبنان، برسالة بالغة الأهمّية والوضوح إلى سليمان فرنجيه، الرئيس اللبناني وقتذاك. فحوى الرسالة، التي فهمها سليمان الجدّ تماما، أن هناك رئيسا واحدا لسوريا ولبنان هو حافظ الأسد وأن لا مجال لتعاط من الندّ للندّ بين رئيسي البلدين. جاء إغلاق الحدود في أيّار 1973 بعد مواجهات بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية المسلّحة. ساهم في إشعال المواجهات تنظيم فلسطيني، موال في قسم منه، للنظام في سوريا. خطف هذا التنظيم الذي تبيّن أن بعضه تحت رعاية الأجهزة السورية جنديين لبنانيين…على الأرض اللبنانية. كان تسليح الميليشيات التابعة للأحزاب المسيحية في لبنان ووضعها في مواجهة مع المسلّحين الفلسطينيين جزءا من استراتيجية النظام السوري الذي عمل في الوقت ذاته على تهجير مسيحيي الأطراف إلى جبل لبنان. مَن يتذكّر مجزرة القاع قرب الحدود السورية ـ اللبنانية وغيرها من المجازر التي ارتكبها النظام السوري بدم بارد في السبعينات من القرن الماضي؟. في موازاة عملية إخضاع المسيحيين ودفعهم حتّى في إتجاه اسرائيل، كان هناك جهد إنصب على تدجين الدروز أيضا. لم يكن إغتيال كمال جنبلاط في العام 1977 بعيدا عن هذا الجهد في وقت كان حافظ الأسد يرفض كلّيا أن يشاركه أي طرف لبناني وغير لبناني في الإمساك بالورقة الفلسطينية. كان مطلوبا في كلّ وقت إخضاع الدروز وتأليب المسيحيين عليهم وتأليبهم على المسيحيين. هل صدفة تشجيع عملاء النظام السوري الدروز على قتل مسيحيين في قرى الشوف فور انتشار نبأ إغتيال كمال جنبلاط على يد ضابط علوي معروف بالإسم ومجموعة تابعة له؟.

كان هناك في كلّ وقت، عداء لا حدود له لدى النظام السوري لأهل السنّة في لبنان، خصوصا لسنّة المدن. تشهد على ذلك بيروت وطرابلس وصيدا. إغتال النظام السوري، أو الذين يمون عليهم، شخصيات عدة. إغتال المفتي حسن خالد في عهد الأسد الأب وإغتال رفيق الحريري في عهد الأسد الإبن. إغتال الرئيسين صائب سلام وتقيّ الدين الصلح وآخرين سياسيا. حدث كلّ ذلك على خلفية استمالة شيعة لبنان كي يشكلوا عنصرا وازنا يضمن استمرار حلف الأقلّيات بقيادة العلوي السوري.

جاءت الثورة السورية لتغيّر كلّ المعادلة الإقليمية التي طرأ عليها تغيير جذري في العام 2003 مع تسليم اميركا العراق على صحن من فضّة إلى ايران. جاءت الثورة في وقت صارت ايران اللاعب الاساسي في سوريا ولبنان، خصوصا بعد ملئها الفراغ الأمني والعسكري الناجم عن الإنسحاب السوري من لبنان بعد حصول جريمة إغتيال رفيق الحريري في العام 2005. يلعب بشّار الأسد حاليا في الوقت الضائع. إنّه الوقت الذي يفصل بين السقوط العملي للنظام وسقوطه رسميا. ما ورد في الكتاب القديم الذي ورثه عن والده لم يعد ينفع. هذا لا يعني في أي شكل التقليل من الخطر الذي يهدّد دروز سوريا. من هذا المنطلق، تبدو دعوات النائب وليد جنبلاط إلى التعقّل والرويّة في محلّها. وليد جنبلاط يعرف ما هو النظام السوري. يعرف تماما مدى خطورته ومدى إقتناعه بنظرية أنّ نهايته يجب أن تعني نهاية سوريا أيضا، بما في ذلك نهاية دروزها وكلّ الأقلّيات فيها…إنّه بالفعل نظام خطر على كلّ ما هو حضاري في المنطقة مثل ثقافة العيش المشترك. إنّه نظام خطر في حياته وفي مرحلة مماته ذات الطابع الذي يتسّم بالبطء الشديد.