ربى كبّارة: الأسد ومواصلة العزف على وتر حماية الأقليات// حسان حيدر: لماذا سُلّمت تل أبيض إلى حلفاء الأسد؟

509

لماذا سُلّمت تل أبيض إلى حلفاء الأسد؟
 حسان حيدر/الحياة/18 حزيران/15

أجمعت التحليلات والآراء على أن «داعش» تلقى «ضربة كبيرة» بخسارته مدينة تل ابيض عند الحدود مع تركيا، والتي قيل انها كانت تشكل طريق إمداد حيوية له بالمقاتلين والسلاح، وإن «وحدات حماية الشعب» الكردية حققت «انجازاً ضخماً» وأثبتت انها حليف للأميركيين في «محاربة الإرهاب» يعتمد عليه. لكن المحللين والمعلقين تناسوا حقائق واضحة تثير تساؤلات عديدة حول معركة تل ابيض ككل: اسبابها وتوقيتها ونتائجها. أولاً، اعترف قادة من القوات الكردية التي دخلت المدينة بأنهم استولوا عليها من دون جهد عسكري فعلي. وقال احدهم ان «مقاتلي داعش انسحبوا من دون قتال يذكر. كان انتصاراً سهلاً». وهذا يعني ان السكان المدنيين، ومعظمهم من العرب السنّة، الذين فروا الى تركيا، انما فعلوا ذلك ليس بسبب المعارك، بل نتيجة «تجاوزات» أقر مسؤولون اكراد بحدوثها في تصريحات موثقة.

ثانياً، لا بد من الإشارة الى ان «داعش» لا يهرّب، بالطبع، الأسلحة والرجال من طريق المعابر الرسمية بين سورية وتركيا. ولو كان في حاجة الى ذلك، لقام به عبر المناطق الحدودية غير المراقبة والتي تمتد مئات الكيلومترات بين البلدين. وإذا كان قادراً على اختراق شبكات الأمن الحدودية التركية مثلما يفترض المحللون، فهو بالتأكيد قادر على اختراق تلك التي سيقيمها الأكراد في المناطق التي تمددوا اليها. أي ان تل ابيض ليست بالأهمية التي ألصقت بها، فالتنظيم المتطرف يمتلك من السلاح ما يفيض عن حاجته بعدما استولى منذ السنة الماضية على مخازن ضخمة للجيش العراقي في الموصل والرمادي مليئة بالأسلحة الأميركية، وبينها دبابات وآلاف الآليات العسكرية. ثالثاً، تربط «وحدات حماية الشعب»، الذراع العسكرية لحزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي بقيادة صالح مسلم، علاقة وثيقة بـ «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبدالله اوجلان، المتحالف مع نظام بشار الأسد ووالده من قبله. وسبق لهذه «الوحدات» ان تعاونت مع الجيش النظامي السوري الذي اخلى مواقعه في مناطق وجودها بين الرقة وحلب، ليسمح لها بإقامة نوع من «الحكم الذاتي» هدفه الأساس مواجهة نفوذ «الجيش السوري الحر». حتى انها دخلت في مواجهات عنيفة مع «الجيش الحر» ومع فصائل كردية اخرى انتقدت تعاون مسلم مع نظام الأسد واتهمته باغتيال معارضيه. رابعاً، تفيد بيانات عسكرية كردية وأميركية بأن «وحدات حماية الشعب» حصلت على غطاء جوي من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وكان التنسيق واضحاً بين الطرفين. لكن هذه «الفاعلية» الأميركية في «معركة» تل ابيض لم تظهر عندما تعلق الأمر بتقدم «داعش» في تدمر مثلاً بعد انسحاب الجيش النظامي منها بلا قتال، او عندما حشد قواته لاحتلال الرمادي التي انسحب الجيش العراقي منها بلا قتال ايضاً. خامساً، ثمة دلائل ومؤشرات عديدة ومتكررة الى ان «داعش» الذي يخوض معارك ضد فصائل المعارضة السورية في اكثر من جبهة، يرتبط بعلاقات استخباراتية واضحة بالنظامين السوري والإيراني، سهلت له التوسع في سورية والعراق، بهدف تأكيد ما يواصل حاكم دمشق وحلفاؤه ترديده من ان العالم سيواجه في حال سقوطه «تنظيمات ارهابية». وهو افتراض تتبناه الولايات المتحدة ايضاً وتقول انها تخشاه لتبرير امتناعها عن تقديم دعم جوهري للمعارضة السورية.

لكن لماذا يضطر «داعش» المتعاون مع نظام الأسد، الى إخلاء مناطق خاضعة لسيطرته لتتسلمها قوات حليف آخر للنظام، اي «الاتحاد الديموقراطي» الكردي؟ السبب هو التقدم الميداني الذي حققته أخيراً قوات المعارضة، وخصوصاً الفصائل الإسلامية التي وحدت جهودها، في جبهات درعا وحلب وإدلب، والذي أقلق الأميركيين المتمسكين عملياً ببقاء الأسد الى حين الاتفاق مع الروس والإيرانيين على استبداله، بما لا يتعارض مع مصالح اسرائيل الحريصة على بقائه. ذلك ان واشنطن تعرف ان لتركيا دوراً في إنجاز هذا التنسيق المستجد في صفوف المعارضة، والذي يقال انه يلقى دعماً خليجياً. ومع ان «داعش» كان منتشراً عند الحدود التركية، الا ان اي عمل كان يمكن ان يقوم به كان سيضطر الأميركيين وحلفاءهم الى مشاركة الأتراك في الرد عليه، اما اكراد «الاتحاد الديموقراطي» فلا يشكلون قلقاً سوى لأنقرة وحدها، ومنحُهم المزيد من الأرض والقدرات العسكرية قد يدفعها الى فرملة سياستها السورية الجديدة التي تخطت «الحدود» الأميركية.

 

الأسد ومواصلة العزف على وتر حماية الأقليات
ربى كبّارة/المستقبل/18 حزيران/15

منذ أن انطلقت الثورة السورية قبل أربعة أعوام وثلاثة أشهر، يحصر بشار الأسد ألاعيبه، الموجهة أساساً لابتزاز المجتمع الدولي، تحت عنوانين اثنين لا ثالث لهما. فالمناهضون له هم مجرد إرهابيين وليسوا ثواراً، وحماية الأقليات حكر عليه خصوصاً أن الأقليات بتنوعها هي من أبرز مصادر الغنى الفكري والثقافي وحتى الاقتصادي الذي تتميز به دول هذه المنطقة. فقد أطلق الأسد، الذي لطالما روّج زوراً لعلمانية نظامه، مقولة حماية الأقليات من الساحة المسيحية حيث حقق نجاحات، ليستهدف بعدها الموحدين الدروز من دون أن يتمكن حتى الآن من حصد نتائج مفيدة. فقد تنامت مخاوف المسيحيين مع انتقال الثورة الى التسليح، خصوصاً أن احتكار الأسد لحماية الأقليات، لاقى تجاوباً من قادة مسيحيين روحيين وزمنيين في سوريا وخارجها، بما ساهم في نجاح عملية «التدجين» وفق تعريف سياسي لبناني سيادي. فمن قضية راهبات معلولا التي وجدت حلهّا، الى أزمة اختطاف مطرانين ما زال مصيرهما مجهولاً، الى تهجير مسيحيي الموصل ومن ثم الأزيديين في العراق، نجح الأسد في جمع قادة الكنائس تحت عباءة أمن النظام. ويلفت المصدر الى أهمية هذا النجاح. فلو كان الأكليروس المسيحي متفلتاً من سطوة النظام والخوف لكانت لشهاداته ولمواقفه ارتدادات واسعة خصوصاً في الغرب قياساً على سابقة شهادات الراهب باولو دالوليو الذي انحاز منفرداً الى الثوار قبل أن تعتقله «داعش» في تصرفات تصب حكماً في مصلحة النظام الذي سبق له أن أطلق بعضاً من قياداتها من سجونه «لتلطيخ براءة الثورة».

واليوم أتى دور الموحّدين الدروز. فثمة تزامن لافت للمجزرة التي ارتكبها أمير تونسي من «جبهة النصرة» بأبناء قلب لوزة، مع سقوط قاعدة «اللواء 52 « وقرى محيطة في الجبهة الجنوبية بأيدي الثوار بما يقربهم من خط الدفاع الأول عن دمشق، ومع سيطرة الثوار على مطار الثعلة الاستراتيجي في محافظة السويداء رغم الانسحاب لاحقاً في إطار تبريد الأوضاع وفق مصدر التقى مؤخرا، خارج لبنان، شخصيات من كبار موحدي محافظتي إدلب والسويداء. ويلفت المصدر الى سهولة الحل لقضية إدلب حيث لا يتعدى العدد 20 ألفاً. أما في السويداء حيث تتركز الغالبية فالقضية أكثر تعقيداً لأسباب منها احتفاظ النظام بموالين حتى بين بعض المشايخ، ومنها فئة محايدة لكنها خائفة، ومنها فئة قليلة تدعم علناً الثورة. ويراهن المصدر على وقع دعوة الشيخ وحيد بلعوس لـ«الحياد الإيجابي» سواء تجاه الثوار أو تجاه النظام خصوصاً عبر منعه من استخدام أربع قواعد عسكرية هامة ومجهزة متوزعة داخل السويداء في اشتباكات مع خارجها. ويشدد السياسي السيادي على أهمية دعوة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أبناء ملته للمصالحة مع النسيج الاجتماعي الطاغي، أي السنّي، بدل الاندراج تحت مظلة النظام لحماية الأقليات. ويرى أنه بذلك كمن يشتري «بوليصة تأمين» للمستقبل، معرباً عن أمله بأن يشكّل موقف قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، الرافض لأن يكون إرهاب «داعش» سبباً للقبول بإرهاب الأسد وبضرورة رفض الإرهابين معاُ. فيما يعتبر مثلاً النائب ميشال عون حماية الأسد للأقليات «خشبة الخلاص الوحيدة». أما بشأن الإنجازات التي حققها النظام الأسدي تحت عنوان «إرهابيون لا ثوار» فهي جليّة ولا جدل حولها. فقد نجح، باعتماده على القوة العسكرية المفرطة وحدها، في دفع الثورة من «سلمية، سلمية» ومن «الشعب السوري واحد واحد» الى أن تصبح ثورة مسلحة، فعنفية، ومؤخراً الى ثورة ذات طابع إسلامي «متطرف» وحتى «إرهابي» يخشاه الغرب ودوائر القرار. ويرى المصدر أن الأسد يواصل عبثاً مساعيه لابتزاز المجتمع الدولي بشعار فقد عملياً فعاليته أي شعار «أنا أو داعش وأخواتها». إذ في مقابل وضوح التفاهم الدولي على أن الأسد بات خارج مستقبل سوريا، ما زال العائق الأساسي، ينحصر في غموض التوافق على البديل، للسير على طريق إنجاز حل سياسي لمرحلة انتقالية.