عقل العويط/ترى، ماذا ذهب يفعل بطريرك الموارنة في دمشق؟ هو، بعظْمة لسانه، قال في تصريح له، إنه ذاهب من أجل السلام

336

 عندما سيتدحرج كلّ سلاطين الاستبداد البشري و”الإلهي”
عقل العويط/النهار/13 حزيران 2015

كم أنا سعيدٌ، أيها القرّاء الأحبّاء، بهزيمة السيد أردوغان. لو استطعتُ، لكتبتُ مهنّئاً، إلى كلّ الذين اقترعوا ضدّه، وخصوصاً إلى الذين أدلوا بأصواتهم لصالح الأحزاب والاتجاهات العلمانية والمدنية والديموقراطية و”الهامشية”، وأيضاً لصالح حزب الشعوب الديموقراطي الكردي. وكم تلذّذتُ، أيها الأصدقاء، بالخسارة التي مُني بها هذا الرجل المتكبّر المتعجرف، في المناطق التي تغصّ باللاجئين السوريين.

قد يتمكن “مندوب الله” هذا على الأرض التركية، من تأليف حكومة أقلوية، لكن ما حدث له ولحزبه الإسلاموي الميمون، ليلة الأحد الفائت، كان صفعة رائعة ولذيذة، سمعتُ دويّها الأنيق في أعماق روحي المجرّحة بالعذاب الشرقي.

كم أحبّ، أيها السادة، أن تُوجَّه في القريب العاجل جداً، صفعاتٌ مماثلة إلى أنداده وأشباهه، من الذين يأخذون مسألتنا الشرقية إلى هاوية التخلف الديني، حيث يتحالف الاستبدادان البشري و”الإلهي”، ويتعانقان، ويتزاوجان، ويتناكحان، كما ليس لأحمقَين مسعورَين أن يتحالفا ويتعانقا ويتزاوجا و… يتناكحا! عقبال كلّ متعجرف محلي لبناني، وإقليمي عربي، وأعجمي، أيها السيد أردوغان!

ترى، ماذا ذهب يفعل بطريرك الموارنة في دمشق؟ هو، بعظْمة لسانه، قال في تصريح له، إنه ذاهب من أجل السلام.
يا عيني عليك وعلى السلام، أيها البطريرك!
أيها الراعي، الذي لا تستطيع أن تُحِلّ سلاماً روحياً متواضعاً، لا في “قطيعكَ”، ولا في ظهرانيكَ، ولا أن تستجلب رئيساً “مارونياً” لجمهورية بلادكَ، أثمّة أحدٌ يمكنه أن يبلع هدفاً هائلاً كهذا الهدف الذي تدّعيه؟ أم ثمّة أحدٌ، بَعدُ، يأخذ كلاماً “سياسياً” أو وطنياً، أو راعوياً، لكَ، على محمل الجدّ والمهابة، فيتوهّم، توهّماً فحسب، أن في إمكانكَ أن تُحِلّ سلاماً في ظهرانيّ الأسد المتهالك، أو في بلاد “داعش” و”النصرة”؟! لكنْ، ما دام الأمر، على ما تقول، ليتكَ، عندما كنتَ هناك أيها السيد، أنتَ الذي تحبّ الحوار، ولا تخشاه، حتى مع القتلة (على أنواعهم)، ليتكَ سألتَ عن مصير المفقودين اللبنانيين في سجون بشّار. ليتكَ سألتَ أيضاً عن مصير حبيبنا الأب باولو؟ وعن مصير المطرانَين الحزينَين؟!… أم أنّ السلام الذي تسعى إليه، يا ترى، أكبر من أن تدركه عقولنا المتواضعة، وأعظم وأعمق؟!

تذكّرتُ مَثَلاً كان يردّده البطريرك نصرالله صفير أمام الخلّص من زوّاره: يا كترة صحابي لمّن كَرْمي دبس، ويا قلّة صحابي لمّن كَرْمي يبس. الأحد الفائت، في الذكرى الثالثة لغياب غسان تويني، كم كان ليكون مفيداً التذكير العلني بهذا المَثَل الشعبي، الواقعي، الفذّ، لدى تعداد “حشود الأوفياء” الذين حضروا إلى الكاتدرائية الأرثوذكسية المهيبة للاحتفال بالمناسبة. خارج هذه “الحشود الوفية”، التي جعلتني ندرتُها أستحضر الفراغ في كاتدرائية مار جرجس للموارنة يوم رحيل ريمون إده، لا لزوم لأذكر بالطبع والطبيعة، كلّ الذين قتلوا جبرانه وسميره، أو ساهموا في قتلهما. بل سأركّز، “بافتخار عظيم”، على “وفاء” غالبية الذين بكَوا هاتين المقتلتَين، من أهل الطبقة السياسية الكريمة. لن أنسى، في المناسبة، “وفاء” الذين ناضل غسان بالكلمة الحرّة من أجلهم، ومن أجل حرياتهم الوطنية، وكراماتهم العامة والشخصية، وبسط ملاعب مؤسسته الإعلامية المهيبة لصولاتهم الكرتونية. ثمّ، هل يمكنني أن أنسى “وفاء” البلمنديين له، من أعلى الهرم إلى أسافله، أم يمكنني أن أنسى الطائفة الكريمة التي أعطاها تويني، ما يعطيه الإبن لأمّه، وأحياناً أكثر؟!

أإلهذا الحدّ، أبهذه السرعة، ييبس الوفاء عند الناس؟! تفه على أهل هذه الدنيا!

يحلو لي أن أفترض، تعقيباً على ما كتبْتُهُ في العدد الفائت من “الملحق”، تحت فقرة “فلتكن فيَّ جميع النساء!”، أن امرأةً ساطعة العقل من ذوات الخلْق الإنسانوي والأنتروبولوجي، قالت لي – افتراضاً – إن الفخّ الذي يقع في حبائله “شاعر المرأة”، يجعله مكشوف “الذكورية”، على رغم إنكاره إياها. معها حقّ، هذه السيدة المفتَرَضة. “شاعر المرأة” هو ذكوريّ. بل ذكوريٌّ بامتياز. لكنها، على أهمية الاستنتاج العياديّ هذا، أفترض أنها قد تكون مخطئة في التعميم. وقد تكون مخطئة أيضاً، ولا سيما، إذا تبادر إلى تحليلها، أن العشيق، أو العاشق، الشاعر تحديداً، لا بدّ أن يكون يمارس “ذكوريته” في جانبٍ ما، من جوانب علاقته بعشيقته، أو معشوقته، في متن اللغة الأدبية، أي خارج ملعب “الذكورة” التي ينطوي عليها الجانب “الطبيعي”. قد يقع أكثر “شعراء المرأة” في “ذكوريةٍ” نصّية، كهذه. ما ألذّ المرأة مطلقاً، وتحديداً، عندما تكتشف “ذكورية” كهذه، لدى شاعر. لكنها، هي، أو غيرها، ربما تقع في خطأ جسيم، إذا داخَلَها اعتقادٌ تحليليّ، منهجيّ، دلاليّ، كهذا، يمنحها “ذكورية” تعميم هذا الاستنتاج على الشعراء. أبعد من هذه الملاحظة، وخارجها، “يجب” أن تعرف المرأة، ومطلقاً النساء كلهنّ، بل خصوصاً الرجال جميعهم، أن ثمّة – في الافتراض أو في الواقع – رجلاً، “ذَكَراً” ما (ولا بدّ)، يهرب من “ذكوريته” البطريركية، لكي يتحرّر من كلّ “ذكورة”، فلا يبقى من أثرها فيه، إلاّ ما يرتبط بالطبع البشري. وهذا ليس من “الذكورية” في شيء. بل يصير هذا الطبع البشري، الذّكَري، هو بالذات، “الأنوثة”، مغموراً بمياهها، لا بمياهه. وشتّان! على الهامش: مثل هذا “الهرب” الافتراضي، أو الواقعي، يليق به “هربٌ” افتراضيّ، أو واقعي، مماثل، في الجانب “النسوي” الآخر!

“النسوية”، مثل “الذكورية”، كم لا أحبّها!

نخصّص العدد المقبل من “الملحق” لتحدّي أنفسنا، وتحدّي العاملين فيه، كما تحدّي زوّاره وضيوفه، مغتنمين مناسبة مرور خمسين عاماً وعام على صدور عدده الأول. العدد التكريمي هذا، ليس هدفه التلذّذ بالنرجسية، ولا استدراج المدائح، أو استدرارها، ولا أيضاً الوقوع في الأسطرة والأيقنة. لن نسكر من دمعة، وإن كانت مثلّثة التقطير. هدف العدد فقط، تحدّي الذات، مرةً جديدة، ودائمة، والاستمرار في طرح الأسئلة الصعبة عليها، والتعهد أمام أهل الحلم والحرية، أننا لا نستطيع إلاّ أن نواصل الحلم بالحلم والحرية! هدفنا هو هذا: أن نظلّ نحمي هذا الإرث الكبير، وأن نجعل استمرارنا في العمل الثقافي الخلاّق، مستحقاً الحياة المشرّفة، لتمتيع الذات والآخر – لتمتيعهما نعم – بلذّة مراودة ملاعب الحلم والإبداع والحرية! لدى كلّ صياحٍ أسبوعيّ للديك (السبت)، ثمّة امتحانٌ واختبارٌ لنا، كما لو أننا لا نزال في بداية الطريق. لن تأخذنا عجرفةٌ طاووسية، إلى حدّ نظنّ فيه أن بطّيخة أو قرنبيطةً قد فرّخت في رؤوسنا. لن نلقى مصيراً كالمصير الأسوَد الذي قد يلقاه المتعجرفون من سلاطين الكلمة، ولا خصوصاً المصير الذي يجب أن يلقاه الاستبداديون المتعجرفون من سلاطين الأرض و… السماء!