خالد غزال/محور «الممانعة» تحت العباءة الأميركية

234

محور «الممانعة» تحت العباءة الأميركية
خالد غزال/الحياة/02 أيار/15

لا يكف خطاب محور «الممانعة» بقيادة إيران والدول أو المنظمات التي تدور في فلكها عن تقديم خطاب عالي النبرة مفاده أن هذا المحور يواجه المشروع الأميركي في المنطقة. يحاول هذا الخطاب استنساخ مرحلة تاريخية سابقة في الخمسينات والستينات، حيث كان المشروع القومي الصاعد ومعه حركة التحرر العربية بواجهان حقاً مشروعاً أميركياً – إسرائيلياً في المنطقة. لا مجال للمقارنة بين تلك المرحلة والواقع الراهن، حيث يعاني خطاب «الممانعة» انفصاماً، بين صراخ ضد المشروع الأميركي، فيما يعمل تحت خيمة وعباءة هذا المشروع، إما مباشرة، أو عبر وسائط تصب في نهاية المطاف في خدمة هذا المشروع. الأدلة على ذلك كثيرة جداً.

نبدأ من إيران قائدة هذا المحور، لم تكن الولايات المتحدة ترى في نظام الملالي خصماً أو عدواً، بل كانت تنظر إليه في وصفه حاجة أميركية في المنطقة يمكن توظيفه بما يناسب مصالحها. رأت الإدارة الأميركية أن إيران تشكل محوراً طائفياً ومذهبياً يمكن الاستناد إليه في مواجهة ما تراه تطرفاً «سنياً» في المنطقة. وسعت في المقابل إلى إنجاز اتفاق نووي يلائم المصالح الإيرانية على رغم اعتراضات دول غربية متعددة. أما الانحياز الأميركي الأكبر لإيران فكان من خلال تمكين الملالي من مد سيطرتهم في العراق وأفغانستان، وغض النظر عن التمدد الإيراني في أقاليم المنطقة. كمنت الفضيحة الكبرى في عمل القوات الإيرانية تحت القيادة العملية للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب في العراق خصوصاً، والاستغاثة الإيرانية والعراقية بالأميركيين خلال الحرب على «داعش» في الأشهر الأخيرة.

في العراق، أتى النظام المدعي ممانعة على ظهر الدبابات الأميركية بعد احتلال العراق عام 2003، وتمكين الأميركيين لنظام طائفي مذهبي بقيادة نوري المالكي. وعندما اندلعت مقاومة ضد الأميركيين في العراق، صدرت فتاوى متعددة من المرجعيات الشيعية ضد قتال الجنود الأميركيين في العراق. وفي الآونة الأخيرة سمعنا ولا نزال استجداءات من الحكومة العراقية لعودة الجيش الأميركي إلى العراق لمساعدته في استتباب الأمن. وتعقد الحكومة العراقية الصفقات مع الإدارة الأميركية لتسليح الجيش العراقي وتزويده الطائرات وتأمين تدريب جنوده.

في إعلامه، امتهن النظام الأسدي، منذ قيامه في سبعينات القرن الماضي، الصراخ ضد الإمبريالية الأميركية. لا علاقة مطلقاً بين هذا الصراخ وواقع الممارسة الأسدية. فالانقلاب الذي أتى بالأسد إلى السلطة في أعقاب تدخل الجيش السوري لمساعدة المقاومة الفلسطينية في حرب أيلول الأردنية على الفلسطينيين، هذا الانقلاب كان برعاية أميركية كاملة. على امتداد عهده، وعهد ولده، شكل النظام أحد أعمدة الخطة الأميركية في المنطقة، ونفذ الأعمال القذرة التي لا يمكن لأميركا وإسرائيل القيام بها. وضع جيشه منذ عام 1973 في خدمة حراسة الحدود الإسرائيلية ومنع إطلاق رصاصة واحدة على الأراضي المحتلة. تخلى عن الجولان، ومنع ذكرها في وسائل إعلامه بعد أن ضمتها إسرائيل إلى أراضيها. نفذ الخطة الأميركية بتصفية المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية في وصفها قوى اعتراض على مشاريع الحلول السلمية وفق المفهوم الإسرائيلي. أمعن في ضرب المقاومة الفلسطينية وشق صفوفها بعد عام 1982 وشرذمة قواها واغتيال قادتها. وظف الساحة اللبنانية في حرب بديلة مع إسرائيل واستنزف الطاقات اللبنانية، واستخدم هذه الساحة في الإرهاب القائم على خطف الأجانب، ثم التفاوض مع أميركا لإطلاقهم. استمر الابن على خطى الوالد، وعندما نشبت الانتفاضة السورية، تنبه الأميركيون إلى مخاطر سقوط النظام ومجيء بديل قد يشكل انقلاباً على السياسة القائمة خصوصاً تجاه إسرائيل. اعتمد الأميركيون سياسة تقوم على تدمير سورية، جيشاً ومجتمعاً وبنى تحتية، عبر تغذية الحرب الأهلية القائمة، وفي المقابل منع سقوط الأسد، وهي سياسة لا تزال مستمرة.

تبقى الإشارة إلى الميليشيات الدائرة في الفلك الإيراني. لم يكن لحزب الله اللبناني، ومعه الحرس الثوري الإيراني أن يتدخلا في سورية والعراق، من دون غض النظر الأميركي عن هذا التدخل. شجع الأميركيون ومعهم الإسرائيليون هذا التدخل انطلاقاً من مصلحتهم. فدخول حزب الله في الحرب الأهلية السورية مسألة مريحة لإسرائيل، سواء عبر إبعاد الخطر عن حدودها، أو من خلال إفقاد الحزب صفة المقاومة ضد العدو القومي، وتكريسه طرفاً مذهبياً يقاتل مع نظام وحشي ضد الشعب السوري، وهو ما سيؤجج الأحقاد الشعبية العربية ضد الحزب.

تكفي هذه الأمثلة القليلة لكشف زيف ادعاءات محور الممانعة عن تصديه للمشروع الأميركي. فحبذا لو يصمت إعلامه ويكف عن التزوير الفاضح للحقائق.