الياس الزغبي/حزب الله نحو العزلة

232

نحو العزلة
الياس الزغبي/لبنان الآن/12 نيسان/15

لا يُعقل أن يكون “حزب الله” غافلاً عن مأزقه، ولا يطرح سؤالاً مصيريّاً على نفسه: أين كنت وأين أصبحت وإلى أين أذهب؟

سؤال بديهي يتوقّف عنده كلّ جسم حيّ، مهما كان مصدره ومنشأه وعلّة وجوده و”وليّ” أمره.

33 سنة منذ تأسيسه على يد “باسدران” ثورة الخميني، كافية بتقلّباتها وتطوّراتها ونجاحاتها ومآسيها، كي تجعل قيادته تتبصّر قليلاً، وتأخذ نَفَساً، ولو قصيراً، قبل أن تندفع نحو نقطة اللارجوع واللاخلاص.

فهذا الحزب، قبل أيّ شيءٍ آخر، لبناني بقادته وسياسيّيه وعناصره، وليس من المنطقي أن يكون قد فقد صفته اللبنانيّة إلى هذا المستوى الضيّق من التماهي والاندماج في الحالة الإيرانيّة الراهنة، والانخراط في مشروع “ولاية الفقيه” بدون الالتفات إلى المصلحة الوجوديّة لطائفة لبنانيّة كيانيّة بمعظمها.

نقول “ليس من المنطقي”، يعني لا يمكن أن يُقْدم لبناني عاقل على هذا الانزلاق الضرير في الحروب المتناسلة بلا أفق ولا قعر.

طوائف وأحزاب لبنانيّة كثيرة انزلقت في حروب الآخرين، لكنّها استدركت نفسها في لحظة ما، أو على منعطف ما، وأدركت أنّ خلاصها في لبنانيّتها وليس في انتمائها إلى أيّ خارج كان. ونتج عن استخلاصها الدروس والعبر إيمان بوطنها ضمن حدوده وميثاقه (عيشه المشترك) وسيادته.

وحده “حزب الله”، من بين القوى السياسيّة والطائفيّة الحيّة والفاعلة، يضع نفسه اليوم خارج مثلّث الوطنيّة اللبنانيّة: الحدود والميثاق والسيادة.

سبق سواه إلى إطاحة حدود لبنان على خَطّي الذهاب والإياب مع سوريّا وما بعدها، وكان نموذجاً في هذا الخرق الذي نسجت قوى التطرّف الأُخرى على منواله (“الدولة الإسلاميّة في العراق والشام”).

أسقط ميثاق العيش المشترك بتفرّده في قرارات التورّط في الحروب الخارجيّة واستئثاره بالقرار الوطني في الحرب والسلم.

وجعل السيادة وجهة نظر، حين ربط نفسه بمشروع سياسي – حربي إقليمي لا ناقة للبنان فيه ولا جمل، وتنكّر لما وقّع عليه بشأن تحييد لبنان، إعلان بعبدا.

هذا الخرق المثلّث وضع “حزب الله” على طريق عزلتَيْن: عزلة خارجيّة عن العرب والعالم، وعزلة داخليّة عن سائر الطوائف والأحزاب اللبنانيّة، بمن فيها أكثر من حليف في منظومة “8 آذار”، وقد بات ذلك واضحاً في صمت بعض حلفائه عن ورطته وارتباك آخرين في تحديد موقفهم من انكشافه في حروب سوريّا والعراق واليمن على الأقلّ.

حتّى حواره مع “تيّار المستقبل” بات في مهبّ الريح، وغير ذي جدوى في حال العودة إلى جلسته العاشرة.

لقد أفرغه “حزب الله” من معناه الأوّل، تهدئة التوتّر المذهبي، بعد انفضاح تبعيّته الصافية للمشروع المذهبي الإمبراطوري الإيراني. وكان يمكن عزل الحوار الثنائي، ولو مرحليّاً، عن ورطته في سوريّا والعراق، لكنّ ورطته اليمنيّة أسقطت آخر ورقة توت عن عورته.

فكيف يستطيع أيّ لبناني من خارج دائرة “حزب الله”، أن يغضّ الطرف ويستمرّ في حوار لم يَعُد يغطّي إلاّ خطر الانزلاق الأخير في حروب مجهولة الاتجاه. حتّى أنّ راعي الحوار الرئيس نبيه برّي بات في حال حرج شديد من “كثرة الضرب الذي يفكّ اللحام”!

في مقالات سابقة، كانت هناك دعوات صادقة إلى “حزب الله” كي يتبصّر ويعدّ للعشرة. ولكن، ما الحيلة إذا كان لا يملك زمام أموره، خلافاً لكلّ بروباغندا قائده حول ملائكيّة طهران، وطهرانيّة أو حريّة قراره.

فلا إيران ملاك حارس لمصالح شعوب المنطقة العربيّة، بمن فيها الطائفة الشيعيّة من العراق إلى لبنان، ولا حسن نصرالله سيّد القرار الحرّ في وظيفته و”تكليفه الشرعي”.

وكأنّنا بلسان حال قيادة “حزب الله” تقول مع الشاعر آيليّا أبو ماضي:

” جئتُ لا أعلم من أين ولكنّي أتيتُ \.. وسأبقى ماشياً إنْ شئتُ هذا أم أبَيْتُ ..”

هو بالتأكيد يعرف من أين أتى سنة 1982، ولكنّه أيضاً لا يعرف أين “يجب أن يكون” وإلى أين يمشي.

وبالتأكيد أكثر، هو لا يتّجه إلى “مئة سنة من العزلة” كما في الرواية الشهيرة لغبريال غارسيا مركيز، بل إلى عزلة تُقاس بالشهور والأيّام وليس بالأعوام.

مرّة أُخرى، إنّه في حاجة ملحّة لمن يُنقذه من نفسه. اللبنانيّون فشلوا حتّى الآن في هذه المهمّة، فمن يستطيع ذلك سوى إيران؟!