د. توفيق هندي/سلسلة “كي لا تتكرر مأساة لبنان”، الحلقة (12/08)/ مقدّمة ضرورية لفهم إتفاق معراب ومطالب جعجع من فرنجية والأجوبة غير المُرضِية

98

د. توفيق هندي/سلسلة “كي لا تتكرر مأساة لبنان”، الحلقة (12/08)/ مقدّمة ضرورية لفهم إتفاق معراب ومطالب جعجع من فرنجية والأجوبة غير المُرضِية

05 أيلول/2023

سلسلة من 12مقالة للدكتور توفيق هندي سوف تنشر تباعا في “جريدة اللواء” بوتيرة واحدة تحت عنوان “كي لا تتكرر مأساة لبنان”، وفي المقالة الأخيرة، سيقترح خريطة طريق لخلاص لبنان. موقعنا سينشر هذه المقالات يومياً / في اسفل المقالة 08 من 12

اضغط هنا لقراءة الحلقة الأولى
اضغط هنا لقراءة الحلقة الثانية
اضغط هنا لقراءة الحلقة الثالثة
اضغط هنا لقراءة الحلقة الرابعة
اضغط هنا لقراءة الحلقة الخامسة
اضغط هنا لقراءة الحلقة السادسة
اضغط هنا لقراءة الحلقة السابعة

مقدّمة ضرورية لفهم إتفاق معراب مطالب جعجع من فرنجية والأجوبة غير المُرضِية
كي لا تتكرّر مأساة لبنان (8/12)
د. توفيق هندي
لا شك أن الدافع الرئيسي لميشال عون وسمير جعجع إلى عقد الإتفاق الذي سُمّيَ باتفاق معراب، هو السعي وراء السلطة، ربطاً بطبيعة كل منهما العميقة. أعرف عون «حلة» ونَسَباً لأنني جالستُهُ انفرادياً حولي 200 ساعة كخصم غالباً، والحليف (أيام الاحتلال السوري) أحياناً. أما جعجع، فكنت مستشاره السياسي منذ كانون الثاني 1986 (مارست هذا الدور إنساناً حرّاً ولم أكن أداة تنفيذية في يده) وشريكاً (ليس بحجمه بالتأكيد) في إنتفاضة 15 كانون الثاني 1986. غير أني أعترف بأني لم أتنبّه، حتى زمن غير بعيد إلى أولوية الصراع من أجل السلطة لديه، وكنت أعتبر أنه قد يخطئ في «السياسة السياسية»، غير أنه يعود عن خطئه حين يدرك أن ما يفعله يُضِرّ بقضية «القوات» ومسلماتها.

ولكن، هل كان اتفاق معراب هو الأول بين الرجلين بعد الماضي الدموي الذي ميّز العلاقة بينهما، كما أُريد تظهيره في المسار الذي أوصل إليه؟ بالتأكيد كلا. فلنتذكر الاتفاق التكتيكي على مقاطعة إنتخابات 1992 بين «القوات» و«التيار»، وكان جعجع آنذاك لم يدخل السجن بعد. غير أن تعاون «القوات» و«التيار» في الغياب القسري لعون وجعجع في مرحلة الإحتلال السوري كان قائماً على مستوى الطلاب والعمل النقابي واللقاءات الجماعية المشتركة بين قواعد التيارين، كما في لجنة التنسيق الثلاثية (قوات، تيار وأحرار)، أيضاً في «لقاء قرنة شهوان» (غير العلني) وتلاقي «البريستول» و«ثورة الأرز». غير أن طبيعة هذا التلاقي لم تكن سلطوية في حينها، بل أَمْلتها الظروف القاهرة والنخوة الوطنية والسيادية لقاعدتي «القوات» و«التيار» آنذاك. وما جعل هذا التنسيق ممكناً هو غياب المتنافسين الإثنين على السلطة، عون وجعجع.

ولكي نفهم المسار الذي أوصل إلى اتفاق معراب، لا بد من نظرة على الأصول التاريخية لتناقضات أطراف «14 آذار».
فمنذ تأسيس رفيق الحريري «تيار المستقبل» عام 1995، أراد أن يكون له وجه لبناني جامع وليس تنظيماً سنّياً بحتاً. فكان من بين أعضائه عدد من المسيحيين رأوا في انتمائهم إليه منصة لوصولهم إلى السلطة، وقلّة من الشيعة وتماهى بعض الدروز معه من دون أن يكونوا أعضاء فيه. واستقطب عدداً من «القيادات المحلية» المسيحية دخلت بتحالف معه، هرباً من استتباعها لـ«القوات» أو «التيار»، وتحقيقاً لمصالحها السلطوية.

هذا الواقع أكمل طريقه مع سعد الحريري في 2005 ولم يحصد جعجع من انتخابات تلك السنة إلّا ستة مقاعد نيابية، وفي انتخابات 2009 خمسة، ممّا زاد من امتعاضه من سعد الحريري. وفي حكومة السنيوره الأولى، فلم تمثل «القوات» إلّا بوزير واحد من أصل 24 وزيراً، وفي حكومة السنيورة الثانية تمثلت بوزيرين من أصل ثلاثين وزيراً، وفي حكومة سعد الحريري بوزيرين أيضاً من أصل ثلاثين. اما في حكومة تمام سلام، رفض أن يشارك نتيجة تصرف حلفائه في قوى «14 آذار» الذين همّشوه وفق وجهة نظره، رافضين الاعتراف به زعيماً وازناً في «14 آذار» والزعيم المسيحي الأقوى داخلها. لكنه تذرّع بضرورة خضوع «حزب الله» لشرط وقف تدخّله العسكري في سوريا لكي تشارك «القوات» في الحكومة

مفاوضات جعجع – فرنجية
وفي تاريخ 14 شباط، أُعلن عن لقاء في باريس تبيّن فيما بعد أن التحضير له استغرق نحو سنة، بين ميشال عون وسعد الحريري. فكتبت منشوراً في ذلك اليوم على صفحتي «فايسبوك» «Dr. Toufic Hindi» مطلعه: «عون رئيساً للجمهورية في 25 أيار والحريري رئيساً لأول حكومة في عهد الرئيس عون!». وبالفعل، تشكّلت حكومة تمام سلام في اليوم التالي وحصلت بسرعة قياسية على الثقة من البرلمان. هذا التطور فاجأ جعجع ودفعه إلى التواصل مع سليمان فرنجية ليقّدم له صفقة لا علاقة لها بمواقف وطنية من «حزب الله» أو من سوريا-الأسد، بل قائمة على معادلة: أدعم تَرَشُّحِك لرئاسة الجمهورية في مقابل مكاسب سلطوية لي حاضراً ومستقبلاً.

وأرسل جعجع مدير مكتبه، طوني الشدياق، إلى فرنجية. وتشكّلت لجنة للبحث، من الشدياق ممثلاً جعجع، والوزير يوسف سعادة ممثلاً فرنجية. وكانت لجعجع ثلاثة مطالب:
1- أن يكون له كلمة في تسمية قائد الجيش.
2- أن تكون وزارة الداخلية للـ«قوات».
3- أن يدعم فرنجية ترشيح جعجع للرئاسة عند إنتهاء ولايته، وربطاً، أن يرتّب علاقته بسوريا، و«حزب الله».

كان رد فرنجية على مطالب جعجع الثلاثة على النحو التالي:
1- لا إمكانية لديه للمساعدة في موضوع قائد الجيش كون باعتبار أن له حليف إسمه ميشال عون يريد تسمية شامل روكز، صهره آنذاك، لهذا المركز.
2- بالنسبة إلى موضوع وزارة الداخلية، ليس رئيس الجمهورية من يشكّل الحكومة، ولكن إذا كانت وزارة الدخلية من حصة قوى 14 آذار وإذا كانت لوزير مسيحي، فلن تذهب عند ذلك إلّا إلى «القوات».
3- عند إنتهاء ولايتي سوف أدعم ترشح جعجع، وسوف أسعى إلى تطبيع علاقته مع سوريا، و«حزب الله»، غير أن القرار ليس بيدي بل أيدي الأطراف الثلاثة.
هذا الرد لم يكن في مستوى آمال جعجع، فبدأ التفتيش من ذلك الحين عن حل آخر.