د. توفيق هندي/سلسلة “كي لا تتكرر مأساة لبنان” (07/12) «14 آذار» تتعثّر في خطواتها: من طريقة التعامل مع الثورة في سوريا إلى اغتيال شطح وحكومة سلام

65

د. توفيق هندي/سلسلة “كي لا تتكرر مأساة لبنان” (07/12) «14 آذار» تتعثّر في خطواتها: من طريقة التعامل مع الثورة في سوريا إلى اغتيال شطح وحكومة سلام

سلسلة من 12مقالة للدكتور توفيق هندي سوف تنشر تباعا في “جريدة اللواء” بوتيرة واحدة تحت عنوان “كي لا تتكرر مأساة لبنان”، وفي المقالة الأخيرة، سيقترح خريطة طريق لخلاص لبنان. موقعنا سينشر هذه المقالات يومياً / في اسفل المقالة 07 من 12

اضغط هنا لقراءة الحلقة الأولى
اضغط هنا لقراءة الحلقة الثانية
اضغط هنا لقراءة الحلقة الثالثة
اضغط هنا لقراءة الحلقة الرابعة
اضغط هنا لقراءة الحلقة الخامسة
اضغط هنا لقراءة الحلقة السادسة

كي لا تتكرّر مأساة لبنان (7/12)/«14 آذار» تتعثّر في خطواتها: من طريقة التعامل مع الثورة في سوريا إلى اغتيال شطح
د. توفيق هندي/اللواء/04 أيلول/2023
في 13 كانون الثاني 2011 أصدرت رئاسة الجمهورية بياناً أعلنت فيه إعتبار حكومة الرئيس سعد الحريري مستقيلة وذلك حسب مواد الدستور، بعدما فَقَدتْ أكثر من ثلث أعضائها المحددين في مرسوم تشكيلها.
بعد الاستشارات الملزمة، أصدرت رئاسة الجمهورية في 26 كانون الثاني 2011 مرسوماً بتكليف نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة. وكان تشكيلها أصبح ممكناً بخروج جنبلاط من تموضعه في 14 قوى آذار بعدما هزمها «حزب الله». وحصل ميقاتي على 68 صوتاً مقابل 60 للحريري. وإثر ذلك، حصلت اضطرابات في الشارع سرعان ما هدأت.

وفي 13 حزيران 2011، شكّل نجيب ميقاتي حكومته الثانية التي هيمن على قرارها «حزب الله» بمشاركة وزيرين لوليد جنبلاط. غير أن ميقاتي إستقال في 22 آذار 2013 وظلت حكومته تصرف الأعمال حتى 14 شباط 2014 عند تشكيل حكومة تمام سلام. كان السبب الظاهر لإستقالته رفض 8 آذار إجراء الانتخابات النيابية وضرورة التمديد لأشرف ريفي كمدير عام لقوى الأمن الداخلي كي لا يحدث فراغاً في هذا المركز السنّي الحسّاس. إنما في حقيقة الأمر، كانت حدّة التناقضات بين 14 و8 آذار ترتفع على وقع بداية تدخّل «حزب الله» في سوريا لمنع نظام الأسد من السقوط. فتناسلت الأحداث من كشف مؤامرة ميشال سماحة – علي مملوك والقبض على ميشال سماحة في 8 آب 2012 مروراً إلى اغتيال مدير شعبة المعلومات وسام الحسن في 19 تشرين الأول 2012، ربطاً بدوره في قضية سماحة-مملوك، وصولاً إلى الاعتداء على أربعة شيوخ سنّة في بيروت بتاريخ 18 آذار 2013. وكانت تلك التطورات كافية لدفع ميقاتي إلى الاستقالة، حفاظاً على موقعه السنّي.
خطأ تعاطي قوى 14 آذار مع الثورة في سوريا
منذ بداية الثورة في سوريا، كان رأي الدكتور محمد شطح ورأيي أن الموقف منها يجب أن لا يتعدّى دعمها سياسياً، تماماً كالموقف من القضية الفلسطينية، وأنه، مهما كانت أحقية القضية، يجب عدم توريط لبنان في صراعات «على الأرض»، ولا سيما في فلسطين أو سوريا. غير أن 14 آذار، كان لديها توجّه آخر، فورّطت نفسها في الميدان السوري. وبذلك، أعطت «حزب الله» الحجة للتدخّل العسكري والأمني في سوريا لدعم حليفها الإستراتيجي النظام الأسدي.
وقد إستفاقت 14 آذار متأخّرة كعادتها في 31 تشرين الأول 2012. فأصدرت بياناً تطالب فيه برفع شكوى أمام مجلس الأمن وجامعة الدول العربية ضد سوريا وطرد سفيرها في لبنان ونشر قوات دولية على الحدود معها لضبط الحدود معها بالاتجاهين والرد الفوري على الاعتدءات ومطالبة مجلس الأمن بأن تقوم قوات الطوارئ الدولية بمؤازرة الجيش اللبناني في مهمته.
ومن تداعيات هذا التصرف الأرعن لقوى 14 آذار، كارثة اللجوء السوري إلى لبنان التي يتخبط فيها وتهدّد كيانه.
إغتيال د. محمد شطح وخطأ تشكيل حكومة سلام
سُمّي تمام سلام (بصفة معتدلاً من 14 آذار) لتشكيل الحكومة العتيدة بشبه إجماع بعد بتزكية جنبلاط والسعودية له. فكان لا بد لقوى 8 آذار التي لا تمتلك الأغلبية النيابية بدون جنبلاط من ترشيحه لتتمكن من المشاركة في حكومته. ولكن لم يستطع سلام من تشكيل حكومته إلّا بعد ما يقارب الـ 11 شهراً في 15 شباط 2014. ومدّد البرلمان ولايته مراراً حتى إنتخابات الـ 2018. وبالتالي، إحتفظت 14 آذار بالأغلبية، مما أسعد المنتميين إليها لأن هذه الأغلبية مكّنتهم من ممارسة هوايتهم المفضّلة، أي لعبة السلطة.
وفي الأثناء، اغتيل الدكتور محمد شطح في 27 كانون الأول 2013. وقبل اغتياله بأسبوعين، كنا قد توصلنا هو وأنا إلى اقتناع بأن لا مفرّ من «الطلاق الحبّي» مع «حزب الله»، بمعنى عدم مساكنته في الحكومة والبرلمان و«طاولات الحوار»، لأنه سوف يستفيد من هذه المساكنة، من خلال تحويل الدولة ترساً له في تحقيق أهدافه على حساب لبنان، في ظل موازين وسياسات دولية وإقليمية في المنطقة مؤاتية له، فيتصرف على هواه غير آبه لرأي الآخر. وكان البديل في رأينا، يكمن في تشكيل تجمع سياسي يطرح بكل وضوح مشكلة احتلال إيران للبنان من خلال «حزب الله» ويناضل من أجل تحرير وطننا، معتمدين على تغّير في الظروف الدولية والإقليمية في مرحلة ما في المستقبل. وقد أتت الظروف المؤاتية عام 2017 مع دخول ترامب البيت الأبيض. غير أن قوى 14 آذار لم تكن جاهزة لتلقّفها، بل كانت قد فَقدتْ وحدتها ودخلت أطرافها بصراعات غير معلنة فيما بينها، إنطلاقاً من دعم سمير جعجع مرشح «حزب الله» للرئاسة، أي ميشال عون.
وفي تشييع الدكتور شطح، أعلن فؤاد السنيورة أن «ما قبل شطح ليس كما بعده». غير أن هذا الإعلان لم يترجم عملياً. وأكملت قوى 14 آذار مسيرتها في تشكيل حكومة سلام. وقد إلتقيت نادر الحريري (كان سعد الحريري في منفاه الإرادي) بُعيد إغتيال محمد لإقناعه بضرورة «الطلاق الحبي» مع «حزب الله» خصوصاً بعد إغتيال صديقي وتوأمي السياسي. لم يتجاوب وتحدث عن النأي بالنفس وربط النزاع والمساكنة من موقع قوة، متجاهلاً حقيقة تأثير سلاح الحزب على موازين القوى داخل مؤسسات الدولة وخارجها، واعتبر أن وجود ممثلين راديكاليين لقوى 14 آذار في الحكومة، مثل أشرف ريفي ونهاد المشنوق، يسمح بمساكنة متوازنة بين 14 و8 آذار. هكذا «عادت حليمة إلى عادتها القديمة». وأتى البيان الوزاري مشابهاً لبيانات حكومات المساكنة السابقة مع بعض «الماكياج». نقرأ في ختام البيان:
«إن حكومتنا حريصة على تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة والتعاون معها والتأكيد على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في إطار الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية. كما انها ستسعى إلى إقامة أفضل الصلات مع هيئات الشرعية الدولية واحترام قراراتها والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1701، للمساعدة على بسط السيادة اللبنانية على كامل أراضي البلاد، والتزام مواثيق الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية.
واستنادا إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة. مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة.
دولة الرئيس، النواب الكرام، تقتضي الحكمة، في هذه الأوقات العصيبة التي تمرّ بها منطقتنا، أن نسعى إلى تقليل خسائرنا قدر المستطاع، فنلتزم سياسة النأي بالنفس ونحصّن بلدنا بأفضل الطرق تجاه تداعيات الأزمات المجاورة ولا نعرّض سلمه الأهلي وأمانه ولقمة عيش أبنائه للخطر. هذه هي «المصلحة الوطنية» كما نفهمها. وعلى هذا الأساس نتقدم من مجلسكم الكريم طالبين الثقة».
ومع نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان في 15 أيار 2014، تحوّلت حكومة سلام حكومة تصريف أعمال إلى حين انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016 وتشكيل حكومة سعد الحريري الثانية في 18 كانون الأول 2016. تبعتها حكومة الحريري الثالثة التي تشكّلت بعد إنتخابات 2018 التي نالت قوى 8 آذار فيها أغلبية من 72 نائباً، مما صعّب على الحريري تشكيل حكومته الثالثة في 31 كانون الثاني 2019 التي قدّم إستقالتها في 29 تشرين الأول بعد 13 يوماً من إندلاع الاحتجاجات في الشارع.
وهكذا، انتهت مرحلة حكومات المساكنة. حكومتا حسان دياب ونجيب ميقاتي التي تلتها، كانتا حكومتَي 8 آذار.
لم يشارك سعد الحريري في انتخابات 2022 واعتكف عن العمل السياسي لأسباب متعددة. وحسناً فعل لأنه في رأيي، قد أدرك ولو متأخراً، أن مساكنة «حزب الله» لا طائلة منها.