د. توفيق هندي/سلسلة “كي لا تتكرر مأساة لبنان” (05/12): نهج 14 آذار التنازلي والإستسلامي سمح لحزب الله بقلب الموازين لمصلحته

86

د. توفيق هندي/سلسلة “كي لا تتكرر مأساة لبنان” (05/12): نهج 14 آذار التنازلي والإستسلامي سمح لحزب الله بقلب الموازين لمصلحته

سلسلة من 12مقالة للدكتور توفيق هندي سوف تنشر تباعا في “جريدة اللواء” بوتيرة واحدة ابتداءً من اليوم تحت عنوان “كي لا تتكرر مأساة لبنان”، وفي المقالة الأخيرة، سيقترح خريطة طريق لخلاص لبنان. موقعنا سينشر هذه المقالات يومياً / المقالة 05 من 12

اضغط هنا لقراءة الحلقة الأولى
اضغط هنا لقراءة الحلقة الثانية
اضغط هنا لقراءة الحلقة الثالثة
اضغط هنا لقراءة الحلقة الرابعة

نهج «14 آذار» التنازلي والإستسلامي سمح لـ«حزب الله» بقلب الموازين لمصلحته
د. توفيق هندي/اللواء/01 أيلول/2023
فرض «حزب الله» منذ بداية حكومة السنيورة الأولى حتى يومنا هذا، «ثقافة الحوار وطاولاته وهيئاته ومؤتمراته» التي برع بإدارتها نبيه بري في ظل مسار تنازلي ارتضته قوى 14 آذار والذي تحدثنا عن حيثياته وأسبابه ومسبباته وأهدافه. ولا يزال الحوار يشكّل إحدى أدوات الاخضاع والتسّلط المفضّلة لدى «حزب الله».
ومنذ حكومة السنيورة الأولى، يمكننا قراءة ما آل إليه هذا النهج من تسليم بمنطق «حزب الله» في بيانها لنيل الثقة النيابية:
«إنه بيان الحفاظ على مقاومتنا الباسلة، بيان الحوار الهادئ حول الخيارات المتاحة لنا جميعاً في نطاق معادلة عربية نضالية تواجه إسرائيل واحتلالاتها وأطماعها وتحصّن لبنان، في الوقت ذاته. إنه بيان الالتزام بالتضامن العربي، والتأكيد على التمسّك بمبادرة قمة بيروت للسلام العادل والشامل، وعلى الاحترام لقرارات الشرعية الدولية».
ويمكن أيضاً قراءة العموميات والبرامج نفسها، والكلام المبتذل باللغة الخشبية الانشائية ذاتها في بيانات حكومات المساكنة التي تلت حكومة السنيورة الأولى.
أما «الاستراتيجية الدفاعية»، فشكّلت كلما احتدم الحوار حولها، صاعقاً لإحداث تغيير في موازين القوى والدفع بإتجاه وضع لبنان في دينامية أحداث تناسب الحزب. فعندما وصل الدور لمناقشة موضوع «الاستراتيجية الدفاعية» على طاولة حوار بري في الـ 2006، اندفع «حزب الله» في افتعال حرب تموز 2006.
وعندما تّم الاتفاق على «إعلان بعبدا» في هيئة الحوار التي قادها الرئيس ميشال سليمان بتاريخ 11 حزيران 2012، ولأن «حزب الله» رأى حينها أن التناقض فاضح بين مصلحته و«الاستراتيجية الدفاعية» المقترحة في الإعلان، كما في البند الذي يحول دون تدخّله وتدخّل غيره في الوضع السوري المتفجر، إندفع في مغامرته السورية في دعم نظام الأسد ومنعه من السقوط، باعتبار هذا النظام مكّوناً أساسياً في «محور المقاومة» وحاجة استراتيجية للحزب ولـ«الجمهورية الإسلامية في إيران».
ولكن ماذا عن خلفيات أحداث 7 أيار 2008 وأسبابها؟
1) التطورات التي سبقتها والظروف التي واكبتها :
أ- انتهت رئاسة إميل لحّود في 24 تشرين الثاني 2007. وتحوّلت حكومة السنيورة إلى حكومة تصريف أعمال تقوم بالإنابة بمهام رئاسة الجمهورية إلى حين انتخاب رئيس جديد. فتحرّرت 14 آذار من وجود الرئيس إميل لحّود وأصبحت تطمح إلى انتخاب نسيب لحّود رئيساً في الدورة الثانية بغالبية الـ 65 صوتاً، إنطلاقاً من تفسير صحيح للمادة 49 من الدستور يعتبر أن النصاب يكون مؤمناً بحضور 65 نائباً في الدورات التي تلي الدورة الأولى. بالتأكيد، هذا التفسير لم يكن يناسب قوى 8 آذار المسيطرة على رئاسة المجلس النيابي من خلال نبيه بري. وقد يكون هذا أحد الأسباب الأساسية غير المعلنة لأحداث 7 أيار 2008.
ب- استقالة الوزراء الشيعة والوزير يعقوب الصّراف في 11 تشرين الثاني 2006، بحجة تفرّد فريق 14 آذار الأكثري في الحكومة بالحكم، ورفضه مبدأ صيغة المشاركة الفاعلة في حكومة وحدة وطنية، وعدم تمثيل أكبر كتلة مسيحية (كتلة «التيار الوطني الحر») في الحكومة.
ج- تهرّب «حزب الله» وحلفائه من المشاركة في جلسة الحكومة المبرمجة لإقرار مشروع إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري الذي أرسلته الأمم المتحدة إلى لبنان. والبرهان على ذلك أن السنيورة رفض استقالتهم واجتمعت الحكومة في 13 تشرين الثاني 2006 وأقرّت المشروع.
د- نتيجة استمرار الحكومة في تجاهلها للاستقالة بدأت قوى 8 آذار القيام بعدة تحركات بغية إسقاطها في الشارع. فكان «الاعتصام المفتوح في وسط بيروت حتى استقالة الحكومة».
بدأ الاعتصام في 1 كانون الأول 2006 بحضور أكثر من مئة ألف مشارك في وسط بيروت، وقد ألقى ميشال عون خطاباً بالمحتشدين، مطالباً باستقالة حكومة السنيورة الأولى.
2) الواضح أن سياسة 14 آذار «المُسالِمة» و«المُستسلِمة» لـ«حزب الله» أوصلت الحزب إلى لحظة إتخاذ القرار بقلب الموازين في الدولة لمصلحته.
3) في المقابل، اعتبر وليد جنبلاط، بدفع رغبة في تحقيق كسب في الدولة، أن الوقت قد حان لتعقد قوى 14 آذار «تسوية» جديدة مع قوى 8 آذار من موقع «المنتصر» بعد الإتيان «المرجح» برئيس من صفوفها، وبالتالي تغيير موازين القوى في سلطة الدولة. ومن ناحية أخرى، بدافع من رغبته في إبراز إرادته وقدرته تجاه إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش والمجتمع الدولي، على التصدّي لسلاح «حزب الله» بعد أن كان أصرّ على وضع بند تسليم سلاح الميليشيات في القرار 1559 بعهدة اللبنانيين وأخفق في ذلك.
دفع هذا الوضع بالحكومة إلى اتخاذ قرارين: الأول بإعطاء الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية الأمر بتفكيك الامدادات السلكية لـ«حزب الله» لكونها إعتداء على سيادة الدولة، والثاني، إقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير لسماحه بوضع كاميرات مراقبة (تجسس) لمصلحة الحزب.
هذان القراران كانا ما ينتظره «حزب الله» كذريعة للتصرف عسكرياً مع قوى 14 آذار وقلب موازين القوى. فإجتاح بيروت وبعض الجبل في 7 أيار وقطف ثمار إجتياحه عبر انعقاد مؤتمر الحوار الوطني اللبناني في الدوحة في الفترة ما بين 16 أيار 2008 و21 منه.
أما مقررات مؤتمر الدوحة، فأتت على الشكل التالي:
– انتخاب رئيس جديد: هو قائد الجيش ميشال سليمان الذي انتُخب رئيساً في 25 أيار.
– إقرار قانون الإنتخاب: يعتمد القضاء كدائرة إنتخابية وتقسيم بيروت إلى ثلاث دوائر إنتخابية.
– تأليف حكومة جديدة: اتفق المتحاورون على تأليف حكومة وحدة وطنية مؤلفة من: 16 وزيراً للموالاة، 11 وزيراً للمعارضة، 3 وزراء لرئيس الجمهورية.
شكّل إنتخاب العماد سليمان في تلك المرحلة خسارة لقوى 14 آذار. فبات «حزب الله» يتحكم شكلاً برئاسة الجمهورية وفعلاً برئاسة البرلمان وبالثلث زائد واحد في حكومة السنيورة الثانية.
ومع بيان حكومة السنيورة الثانية التي تألفت في 11 أيلول 2008 على إثر اتفاق الدوحة وتغيير موازين القوى، أضحت بيانات الحكومات اللبنانية كافة تحتوي على «الثلاثي الذهبي»، أي «الشعب والجيش والمقاومة»، أو ما يعادله. وهذا ما جاء في بيان حكومة السنيورة الثانية:
«وانطلاقاً من مسؤولية الدولة في المحافظة على سيادة واستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. تؤكد الحكومة على ما يلي:
أولاً: حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر المحتلة والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء والتمسّك بحقّه في مياهه، وذلك بكافة الوسائل المشروعة والمتاحة.
ثانياً: التزام الحكومة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بمندرجاته كافة.
ثالثاً: العمل على وضع إستراتيجية وطنية شاملة لحماية لبنان والدفاع عنه يتفق عليها في الحوار الذي سيدعو إليه فخامة رئيس الجمهورية بمشاركة الجامعة العربية وذلك بعد نيل الحكومة الثقة في المجلس النيابي».
نلحظ في هذا البيان التسليم الكامل بمنطق «حزب الله».