د. توفيق هندي/سلسلة “كي لا تتكرّر مأساة لبنان” (12/04)/خصوم حزب الله ساعدوه كي ينجح في انقلابه منذ 2005

90

د. توفيق هندي/سلسلة “كي لا تتكرّر مأساة لبنان” (12/04)/خصوم «حزب الله» ساعدوه كي ينجح في انقلابه منذ 2005
د. توفيق هندي/اللواء/31 آب/2023

سلسلة من 12مقالة للدكتور توفيق هندي سوف تنشر تباعا في “جريدة اللواء” بوتيرة واحدة ابتداءً من اليوم تحت عنوان “كي لا تتكرر مأساة لبنان”، وفي المقالة الأخيرة، سيقترح خريطة طريق لخلاص لبنان. موقعنا سينشر هذه المقالات يومياً على هذه الصفحة. المقالة 04 من 12

اضغط هنا لقراءة الحلقة الأولى
اضغط هنا لقراءة الحلقة الثانية
اضغط هنا لقراءة الحلقة الثالثة

خصوم «حزب الله» ساعدوه كي ينجح في انقلابه منذ 2005
في 17 تموز 2005، شكّل الرئيس فؤاد السنيورة حكومة من 24 وزيراً، 15 لقوى 14 آذار و9 لقوى 8 آذار (4 للرئيس لحود و5 وزراء شيعة للثنائي) وبدون أي تمثيل لـ«التيار الوطني الحر». هذه كانت النتيجة الطبيعية للخطايا الأربع الأولى المدوّنة في المقالة الأولى من هذه السلسلة.
بعد فشل المفاوضات السرية للغاية بين عون و14 آذار التي أطلَقتها من خلال اتصالاتي في 23 كانون الأول 2005 لتدارك الأمر وعودة المياه إلى مجاريها بينهما، وبعد عودة الوزراء الشيعة عن إعتكافهم في 3 شباط 2006، تم توقيع «تفاهم مار مخايل» الإثنين الواقع في 6 شباط 2006، وانتقل «التيار الوطني الحر» نهائياً من ضفة 14 آذار إلى ضفة 8 آذار، محدثاً خللاً إستراتيجياً في ميزان القوى لمصلحة فريق «حزب الله»، كما كنت توقّعت في خلوة «لقاء قرنة شهوان» في 17 نيسان 2005.
كانت الحكمة تقتضي من القوى التي انقّضت على ثورة الأرز في 14 آذار وأمسكت بقرارها، أن تستفيد من الدينامية الدولية لاستكمال تطهير الدولة من رواسب مرحلة الإحتلال السوري.
وكان يفترض أن تكون مهمة 14 آذار الأساسية تطهير الأجهزة الأمنية من رواسب مرحلة الإحتلال السوري ومن رجالات 8 آذار فيها، وإعادة صياغة مهامات هذه الأجهزة وتوجهاتها، كي تُحصّن الثورة في إطار تطبيق ما يتعلق بتسليم سلاح الميليشيات وفقاً للقرار 1559. لكن ما حدث كان النقيض تماماً.
لماذا حدث هذا الأمر؟ وما هي أسبابه في تحليل أوّلي؟ فالتساؤل الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو: كيف يمكن اتخاذ قرارات صائبة فيما سارعت قوى 14 آذار إلى إجراء الانتخابات النيابية في توقيتها المحدد (on time) ووفقاً لقانون غازي كنعان؟ فنتيجة لذلك وللإتفاق الرباعي، حصلت 8 آذار على 57 نائباً في البرلمان! وفي الوقت عينه كانت قوى 14 آذار قد هرولت لوضع بند نزع سلاح الميليشيات في القرار 1559، «في عهدة اللبنانيين»! فحصلت 8 آذار على الثلث زائد واحد في حكومة السنيورة الأولى، كما ظّل «حزب الله» وحلفاءه محتفظين بسلاحهم وقرار تحريكه بحجة وصف نفسهم «مقاومة» (بقبول ضمني في البداية وواضح فيما بعد من الرئيس السنيورة)! كما غّطى الرئيس السنيورة طرح مسألة مزارع شبعة واعتبار أن القرار 425 لم يطبق كاملاً بهدف شرعنة «المقاومة» (تلك الصفة التي كانت قد أصبحت مرادفة لـ«حزب الله») من أجل تحرير كل شبر من الأراضي اللبنانية من براثن العدو الصهيوني. وللتأكد مما ورد، ما عليكم إلّا الإطّلاع على بيان حكومة السنيورة وبرنامجها الذي يتحدث كما لو أن وحدة اللبنانيين مُنجزة، وذلك استناداً إلى وهم النصر المنقوص لـ 14 آذار والزمالة القديمة لأقطاب أسياسيين مهيمنين على قراراتها، مع «حزب الله» وأتباعه في مرحلة الإحتلال السوري، ومنطق «العفو عند المقدرة».
ولفهم ما حدث، لا بد من العودة إلى التاريخ القريب. فلا ننسى أن آل جنبلاط ترأسوا ما سمّي بـ«الحركة الوطنية» ومارسوا ما سمّي بـ«المقاومة الوطنية ضد العدو الصهيوني» إلى جانب التنظيمات المنتمية إلى «الحركة الوطنية».
أما المستقبليون، فلم ينسوا إطلاقاً ماضيهم القومي العربي بإنتماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالذات، كما الرئيس فؤاد السنيورة وغيرهم من المستقبليين إلى «حركة القوميين العرب» التي أنجبت، عند «تمركس» بعضها، قيادات كجورج حبش ونايف حواتمه ومحسن إبراهيم.
كما لا يزال الشعور السنّي العام يعتبر أن القضية الفلسطينية كما المقاومة من أجل تحرير فلسطين، هي حكر على السنّة، وأن الشيعة، ولا سيما «حزب الله»، هم متطفليين على القضية وقد اختطفوها منهم ويتنّطحون زوراً بأنهم يريدون إزالة «الكيان المؤقت» عبر مقاومة إسلامية أُطلق عليها مسمّى «محور المقاومة» (وقيادتها العليا هي بيد الجمهورية الإسلامية في إيران).
وأخشى أن أجزاء وازنة في هاتين المجموعتين لا تزال، حتى هذه اللحظة، من الماضويين الذين رفضوا التأقلم مع ما اِستجّد دولياً وإقليمياً وعربياً وإسلامياً. هؤلاء لن يواكبوا و/أو لم يريدوا ولا يريدون أن يواكبوا التغيّرات الجذرية التي طرأت على العالم الذي شهد ويشهد تقلّبات إستراتيجية ضخمة ترسم صورة جديدة للنظام العالمي، وكذلك التَغّيُرات الضخمة في طبيعة القيادات العربية (أمثال محمد بن سلمان ومحمد بن زايد و…) التي طّلقت توجهات الأسلاف وأدخلت بلدانها في الحداثة بإيجابياتها وسلبياتها، وبمفهوم جديد لما يعني أن تكون عربياً، بعيداً عن مفهوم «عربي الإنتماء والهوية»، الموجود في إتفاق الطائف بالنكهة القومية العربية على طريقة عفلق، والحصري والإرثوزي وعبد الناصر…
والحقيقة أنه يمكن التحدث اليوم عن عالم عربي، ينتمي إليه لبنان، وليس عن إنتمائه إلى الوطن العربي أو الأمة العربية أو العروبة، تلك الأوصاف التي تُعبِّر بشكل أو في آخر عن أيديولوجيا مضى عليها الزمن، أعني القومية العربية.
لذا، التخوّف حقيقي اليوم من عودة تعامل أطراف 14 آذار بقياداتها ذاتها مع مسيرة خلاص لبنان بعد رفع الإحتلال الإيراني، بالطريقة ذاتها التي تعاملت بها مع الخروج السوري من لبنان في العام 2005.
وكانت طريقة التعامل أدّت إلى النتائج التالية:
1) إغتيالات بالجملة لرجالات الثورة، من رفيق الحريري وباسل فليحان وصولاً إلى لقمان سليم، مروراً بسمير قصير، جورج حاوي، جبران تويني، بيار الجميل، وليد عيدو، أنطوان غانم، وسام الحسن ومحمد شطح.
2) ترسيخ نهج حكومات المساكنة الدونية مع «حزب الله» تحت مُسمى حكومات الوفاق الوطني أو الوحدة الوطنية، في تطبيق خاطئ لما هو وارد في اتفاق الطائف.
مما دفع الثنائي الشيعي إلى إعتبار حكومة السنيورة الأولى فاقدة للشرعية، عندما قرر الوزراء الشيعة في بداية تشرين الثاني 2005 الإعتكاف للتأكيد على أن «المقاومة ليست ميليشيا ولوضع العصي على طريق اقرار المحكمة الخاصة بلبنان لمقاضاة المسؤولين عن اغتيال الحريري.
3) كان من الطبيعي الوصول إلى ترسيخ ما سُّمِيَ بطاولات الحوار، للإتفاق خارج المؤسسات الدستورية على «المسائل الخلافية» والعودة بعد الإتفاق إلى «تشريعها» في تلك المؤسسات، ولا سيما الحوار حول البدعة المسماة «الاستراتيجة الدفاعية»، وهي التسمية المُلّطفة من 14 آذار لتسليم السلاح والوسيلة الواضحة لدى «حزب الله» لإبقاء سلاحه.
4) خضوع حكومة السنيورة لإملاءات «حزب الله» بهدف وقف حرب تّموز 2006 الذي إِفتعلها هرباً من التقدم النسبي بإقتراحات طاولات الحوار التي لم تكن تناسبه. فارتأى أن يقلب الموازين رأساً على عقب ويخلق دينامية احداث تناسبه لخلط الأوراق والتحكم بالمسارات السياسية والأمنية في لبنان، مما أّدى إلى الخلل حتى يومنا هذا في تطبيق القرار 1701.
5) إتباع «حزب الله» سياسة إنقلابية تدريجية بدأت باعتكاف الوزراء الشيعة. تمّت العودة عن الإعتكاف في 3 شباط 2006 عندما اعترف السنيورة بشكل غير مباشر بأن المقاومة (أي حزب الله) ليست ميليشيا في جلسة برلمانية من تدبير بري، ويا للصدفة، قبل ثلاثة أيام من توقيع ما سمّي بـ«تفاهم مار مخايل» الذي قلب الموازين.
6) إستقالة الوزراء الشيعة الخمسة مع إستقالة الوزير الأوحد من وزراء الرئيس إميل لحّود يعقوب الصّراف، باعتبار أن الثلاثة الآخرين كانوا قد غّيروا تموضعهم في الأثناء. حدثت هذه الإستقالة في 11 تشرين الثاني 2006 وقد افتتحت مرحلة جديدة في مسار حكومة السنيورة التي وصفتها 8 آذار بالحكومة البتراء، غير الميثاقية وغير الدستورية. وكان هذا التطور النتيجة الحتمية لسياسة 14 آذار بعامة، ونتيجة لتغيير في موازين القوى أحدثته حرب تمّوز التي أدّت إلى «نصر إلهي» ادّعاه «حزب الله» على أنقاض لبنان.