د. توفيق هندي/سلسلة “كي لا تتكرر مأساة لبنان” (06/12) حكومة سعد الحريري الأولى والـ«سين – سين» والخطأ تلو الخطأ

78

د. توفيق هندي/سلسلة “كي لا تتكرر مأساة لبنان” (06/12) حكومة سعد الحريري الأولى والـ«سين – سين» والخطأ تلو الخطأ

سلسلة من 12مقالة للدكتور توفيق هندي سوف تنشر تباعا في “جريدة اللواء” بوتيرة واحدة  تحت عنوان “كي لا تتكرر مأساة لبنان”، وفي المقالة الأخيرة، سيقترح خريطة طريق لخلاص لبنان. موقعنا سينشر هذه المقالات يومياً / في اسفل المقالة 06 من 12

اضغط هنا لقراءة الحلقة الأولى
اضغط هنا لقراءة الحلقة الثانية
اضغط هنا لقراءة الحلقة الثالثة
اضغط هنا لقراءة الحلقة الرابعة
اضغط هنا لقراءة الحلقة الخامسة

حكومة سعد الحريري الأولى والـ«سين – سين» والخطأ تلو الخطأ
د. توفيق هندي/اللواء/02 أيلول/2023

قبل ستة أشهر من قبول رفيق الحريري ترؤس حكومته الأولى، علمت بالأمر فتواصلت مع صديقي الحميم المرحوم زاهي بستاني لكي يحاول إقناع الحريري بعدم الإقدام على هذه الخطوة باعتبار أنها تُسهّل وضع يد سوريا-الأسد على لبنان بتوفير المال الضروري لتثبيت إحتلالها فيه. غير أن الحريري أجاب زاهي بأنه سوف يرفض تشكيل حكومة يفرض حافظ الأسد عليه أسماء وزرائها. فكان رد زاهي أنه لن يتمكن من رفض أي شيء متى قَبِل بتشكيل الحكومة. وهكذا حصل، وانتهت مسيرة رفيق الحريري الحكومية بإستشهاده على يد «الممانعة».
وعندما علمت بأن سعد الحريري يستعد لترأس الحكومة العتيدة، التقيته وأخبرته بما حصل مع أبيه وأن السيناريو ذاته يمكن أن يتكرر معه، وبالتالي نصحته بألا يكرّر خطأ أبيه.
غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن. فشَكلت حكومة سعد الحريري الأولى إنعطافاً أساسياً في مسار تدحرج الأوضاع في لبنان نحو مزيد من إمساك «حزب الله» وسوريا-الأسد بقراراته وأوضاعه.
وكان عهد المحافظين الجدد في واشنطن قد انتهى مع إنتهاء ولاية جورج بوش الإبن ووصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2009 مع سياسة خارجية معاكسة تماماً لسياسة سلفه، تنحو إلى التعاطي الإيجابي مع إيران وحلفائها في المنطقة، مقابل نظرة غير إيجابية إلى العلاقة مع العرب.
وكان لهذا التغيير إنعكاسٌ على الوضع الإقليمي تبلور بتبريد التناقضات بين السعودية وسوريا، مما أدّى إلى تعاون مستجدّ بين البلدين، فكانت مرحلة «السين-سين» بعد مرحلة من التناقض الحاد بينهما على إثر اغتيال الرئيس الشهيد الحريري وإخراج سوريا من لبنان بشكل مُذِلّ.
وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا الوضع على تصرف قوى 14 آذار، ولا سيما على «رئيسها» سعد الحريري، نظرا» إلى طبيعة علاقات «14 آذار» بالمملكة، وفي شكل خاص، علاقة سعد العضوية بها.
في الأثناء، جرت الانتخابات النيابية في 9 تموز 2009 ونجحت 14 آذار في الإستحصال على غالبية مقاعد البرلمان. غير أنها كانت قد فقدت زخمها وتخلخلت وحدتها نتيجة أحداث 7 أيار 2008 واتفاق الدوحة.
وبعد لعبة شد الحبال بين الموالاة والمعارضة تشكّلت حكومة الحريري الأولى في 9 تشرين الثاني 2009، أي بعد خمسة أشهر ويومين من تاريخ الانتخابات. وحصل «حزب الله» وحلفاؤه على ما يرضيهم: 15 وزيراً لقوى 14 آذار و10 وزراء لقوى 8 آذار و5 وزراء لرئيس الجمهورية. أي أن 8 آذار لم تحصل على الثلث زائد واحد شكلاً، ولكن ضمناً قبلت 14 آذار بالوزير الملك المختبئ في مجموعة الوزراء الخمسة المحسوبة على الرئيس سليمان، أعني عدنان السيد حسين، بدليل ما كتبته جريدة «الأخبار» في 17 تموز 2009 (أي في بداية المفاوضات لتشكيل الحكومة) في مقال معنون «الحريري ينتظر الـ «س.س» ويشترط التخلّي عن الثلث لزيارة دمشق»، جاء فيه ما يلي:
«وقد تبلّغ الحريري من أكثر من قيادي في المعارضة أنه يصعب التفاهم على هذا الأمر (أي أن لا يكون لـ 8 آذار الثلث زائد واحد)، وأن أكثر ما يمكن أن تقدمه المعارضة من تسهيل (لتشكيل الحكومة) هو عدم اشتراط الثلث زائداً واحداً بصورة علنية ومباشرة، في مقابل أن تحصل على ضمانات بأن يكون الثلث زائداً واحداً في جيبها عند أي تصويت. وهذا يعني أن تختار هي الوزير الحادي عشر الذي يمكن أن يكون ضمن حصة رئيس الجمهورية».
وبالإضافة إلى ذلك، حصلت 8 آذار على ما يهم «حزب الله» والنظام الأسدي في بيان الحكومة:
«انطلاقاً من مسؤوليتها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه، تؤكد الحكومة على حق لبنان، بشعبه وجيشه ومقاومته، في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من قرية الغجر، والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء والتمسّك بحقه في مياهه، وذلك بالوسائل المشروعة والمتاحة كافة. وتؤكد التزامها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بمندرجاته كلها. كما تؤكد العمل لتوحيد موقف اللبنانيين من خلال الإتفاق على استراتيجية وطنية شاملة لحماية لبنان والدفاع عنه تقرّ في الحوار الوطني».
بُعيد تشكيل الحكومة، تمّت زيارة الحريري الأولى إلى دمشق التي وُصفت بالتاريخية، في 19 كانون الأول 2009.
وبعد شبه الاعتذار الذي أعلنه وليد جنبلاط للرئيس السوري بشار الأسد عن «كلام مسيء أُطلق في لحظة تخلٍّ وغضب»، إلتقاه في آذار 2010 في دمشق لطلب المسامحة. كان هذا متوقعاً بعد أن كان جنبلاط وراء إصدار قراري الحكومة في 5 أيار 2008. فكانت أحداث 7 أيار. فإرتدع. ودفعته طبيعته الزئبقية إلى التموضع خارج 14 آذار من حينها.
ثم كانت زيارة الحريري الثانية لدمشق في 18 أيار 2010 قبل لقائه الرئيس الأميركي أوباما. وزار الأسد للمرة الثالثة في 31 أيار 2010 بُعيد زيارة أوباما. والموضوع الأساسي الذي أثاره أوباما هو تهريب السلاح من سوريا إلى «حزب الله» في لبنان. وبدا سعد الحريري كأنه بات يلعب دور أبيه كصلة وصل بين سوريا-الأسد والغرب.
أما زيارة الحريري الرابعة لدمشق، فحدثت في 18 تموز 2010، بحضور 13 وزيراً، تخللها التوقيع على عدد كبير من الإتفاقات بين لبنان وسوريا في المجالات كافة، ترجمة للـ«علاقات الأخوية المميزة» بين الشعبين والدولتين.
وآخر زيارات الحريري إلى دمشق كانت في 30 آب 2010، لتدارك تداعيات حادثة برج أبي حيدر بين «حزب الله» و«الأحباش»، والتي رفعت منسوب التناقض بين استفاقة متأخّرة لبعض 14 آذار من خلال المطالبة بـ«بيروت منزوعة السلاح» و«حزب الله» المتحدث عن «فتنة تعدّها إسرائيل من خلال معلومات تشي بأن المحكمة الدولية سوف تتهم أعضاء في الحزب باغتيال الحريري عبر استخدام شهود الزور». بالتأكيد، أكمل الأسد طريق الخداع في السحور الشهير في 30 آب الذي جمعه مع سعد الحريري بإسداء نصائحه بضرورة «التهدئة والحفاظ على الوحدة الوطنية والمقاومة التي تحمي لبنان».
ولكن في 6 أيلول 2010، أي بعد السحور الشهير بأسبوع، قرأت في الصفحة الأولى من صفيحة «الشرق الأوسط» عنوان مثير لمقابلة أجراها مراسلها في لبنان ثائر عباس، يعترف فيها الحريري بأنه أخطأ باتهام النظام السوري باغتيال أبيه، واصفاً هذا الاتهام بأنه «سياسي». فهاتفت صديقي الحميم وتوأمي السياسي المرحوم الدكتور محمد شطح، لأخبره بالأمر. وإلتقينا كالعادة في المساء. فأخبرني أن عندما هاتفته كان عند الحريري، ولم يخبره شيئاً عن هذه المقابلة. وتبين أن المقابلة «مَرَّت» في الرياض ودمشق بشبه مفاوضات بين الطرفين قبل أن تُنشر بعد موافقتهما عليها.
في النتيجة، أدّى هذا المسار التنازلي لحكومة الحريري الأولى إلى ما كان متوقعاً. ففي 12 كانون الثاني 2011 (عند ظهور أول بوادر «الربيع العربي» في سوريا. ويا للصدف!) أعلن وزراء «تكتل التغيير والإصلاح» و«حركة أمل» و«حزب الله» استقالتهم من الحكومة بذريعة وصول محاولات تسوية مشكلة المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري إلى طريق مسدود، مع رفض الرئيس سعد الحريري عقد جلسة لمناقشة قضية «شهود الزور»، بحسب بيان الاستقالة. كما اتهموا فريق 14 آذار بالرضوخ للضغوط الخارجية ولا سيما الأميركية، وتَبِعَهُم وزير الدولة «الوديعة» عدنان السيد حسين بالاستقالة.
أدّت استقالة الوزراء الأحد عشر إلى فقدان الحكومة نصاب الحكومة الدستوري. وفي 13 كانون الثاني 2011 أصدرت رئاسة الجمهورية بياناً أعلنت فيه اعتبار الحكومة مستقيلة بحسب مواد الدستور باعتبار أنها فقدت أكثر من ثلث أعضائها المحددين في مرسوم تشكيلها. وبعد الاستشارات الملزمة، أصدرت رئاسة الجمهورية مرسوما بتعيين نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة. وقد أصبح هذا الأمر ممكناً بسبب ترك جنبلاط تموضعه في 14 آذار.
وفي 13 حزيران 2011، تشكّلت حكومة نجيب ميقاتي التي هيمن عليها «حزب الله» بمشاركة وزيرين لجنبلاط. غير أن ميقاتي استقال في 22 آذار 2013 وظلت حكومته تصرّف الأعمال حتى 14 شباط 2014 عند تشكيل حكومة تمام سلام.