شارل الياس شرتوني: كيف يؤتى بالحل مع هذه الزمرة القاتلة والمنافقة؟

98

كيف يؤتى بالحل مع هذه الزمرة القاتلة والمنافقة؟
شارل الياس شرتوني/26 شباط/2026

نحن لسنا ضمن اعتبارات دستورية أو إصلاحية تمكننا من تحديد مسارات واقعية، سواء لجهة إنتخاب رئيس للجمهورية، أو وضع خريطة طريق لحل الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية المتضافرة. انقضت ثلاث سنوات ونيف على الأزمة الراهنة، والمافيا الحاكمة تراوغ وتبتدع الحجج تبريرًا لعدم الرغبة في إيجاد حلول عملية، هذا مع العلم أن المخارج التقنية، ومواكبة صندوق النقد والدول المانحة، والحراكات المدنية متأهبة للخوض في الورشات الإصلاحية وإصلاح الحوكمة، إبتداء من الانتخاب الرئاسي وتشكيل حكومة تباشر فورا العمل ووصولا الى حركية العمل المدني وأبعاده التمكينية المتنوعة. إن ربط الاستحقاق الدستوري الرئاسي بالمفكرة الانقلابية لحزب الله ومواليه تحت شعار مبتذل (إنتخاب رئيس لا يطعن المقاومة في ظهرها) هو مفارقة دستورية وسياسية، لإن الاستحقاق تمليه اعتبارات دستورية، غير ملزمة للثنائي الشيعي، وأهدافه السياسية لا تعني سواهم، وليست حصيلة توافق سياسي بين الأطراف اللبنانيين. إن التعطيل المتعمد للاستحقاق الرئاسي، والابقاء على حكومة تصريف أعمال استنفدت مدتها، وعلى واقع التعطيل الذي يحول دون قيام المجلس بعمله الانتخابي، ليسوا من باب الصدفة بل نتيجة لسياسة هادفة تتوخى تفكيك الكيان المعنوي والدستوري للدولة اللبنانية، وإحالة الحياة السياسية الى ساحة صراع مفتوحة بين قوارض تترصد بعضها، وإرساء ديناميكية تفتيتية قائمة على نهج “النزاعات المتناسلة”، وتعميم الانهيارات، وتسمير لبنان على خط تقاطع النزاعات الاقليمية وتداعياتها.

إن اللعبة الرئاسية بمسارها الحاضر تضليلية بإمتياز لأنها مسألة تحايل على الظروف، ومراهنة على موازين القوى الاقليمية والداخلية المتحركة، وعلى عوامل الاهتراء الداخلي المديد من أجل تثبيت الأمر الواقع، وإضفاء شرعية على عملية انقلابية انسيابية تتعمد إطالة آمد الأزمات وما يرافقها من إنهيارات بنيوية، وتعمم الفساد، وهجرات متنامية وتبدلات سكانية وعقارية، وإفقار، كأفضل سبل من أجل تثبيت سياسة وضع اليد على نحو مضطرد. إن لعبة الاسماء، والثرثرة والتندر حول اصحاب الحظوة عند مراكز القوى، وتأثير الأجواء واللاعبين الاقليميين والدوليين ،هي مؤشرات پاتولوجية لواقع سياسي متهافت، ولتداعي الكيان الدستوري للدولة اللبنانية، والبقاء داخل دائرة المقايضات الاوليغارشية التي تسعى آلى إحكام إغلاقاتها، وتقاضي مرتباتها مقابل تنازلات ومبادلات، وفي أحسن الاحوال التسليم بالانتخابات لقاء تثبيت دوائر النفوذ والتبعيات، ومتابعة عمليات النهب والمحاصصة وتشريع اقتصاد الجريمة المنظمة، وواقع الاستثناءات السيادية والحدود المسيبة والمفتوحة على نزاعات منطقة متفجرة ومتآكلة. هذا يعني بالتالي، أنه لا نية ولا إرادة في تطبيع الأوضاع لجهة الاستقرار السياسي والأمني، واطلاق ديناميكية اصلاحية تراكمية حثيثة تعوض عن أحوال التعطيل المديد، وتحول دون تمدد وتركز الأعطاب السيستمية، ودخول البلاد في سياق إفراغي يقضي على المتبقي من المناعة الاخلاقية والسياسية والمهنية. الفاشيات الشيعية تعي تماما مؤديات عملها وتعمل على دفع هذا المسار الاندثاري الى خواتمه.

الأزمات المالية تأخذ المنحى ذاته لجهة الحؤول دون تبلور أي سياق إصلاحي منهجي يعيد البلاد الى الثبات المالي والنقدي ويضع حدًا لتقويض الحياة الاقتصادية، والأزمات الاجتماعية والبيئية والصحية والتربوية المتداخلة. لا سبيل للخروج من دوامة الانهيارات المتسلسلة دون إعتماد خريطة طريق متوازية في خطوطها: ١- البت في مسألة الاستقرار الأمني والسياسي والخروج من سياسة المحاور المتلاطمة، الذي يندرج في أحوالنا في معادلة تربيع الدائرة; ٢/ لا بد من وضع حد لإشكالية مغلوطة ومضللة تعريفًا، هي مسألة توزيع الخسائر التي لم يدفع ثمنها سوى المودعون الذي لم يتمكنوا من سحب ودائعهم، والتي سوف تبقى موضوعا لجدال مضلل ما لم يجر تحقيق مالي جنائي يثبت الوقائع الجرمية، ويحدد المسؤوليات الجنائية، وآليات التعويض على تنوع مندرجاتها، ويفتح الباب أمام المقاضاة بعيدا عن استعمال القضاء في مجال تصفية الحسابات السياسية وتغطية أعمال تبييض أموال الفساد والجريمة المنظمة والتهريب؛ ٣/ إعادة هيكلة النظام المصرفي على قاعدة تقسيم عمل عقلانية،تنهي دوره في عملية تبييض الاموال، والمضاربات المالية والعقارية، والسياسة الانقلابية، لحساب ارتباطه العضوي بالاقتصاد الفعلي على تنوع مرتكزاته وفاعليه، وإعادة البنك المركزي الى دوره كناظم ومراقب للتداولات المالية؛ ٤/ إعادة حركة الاستثمارات الى البلاد التي تكفل وحدها عملية استعادة الثبات المالي والنقدي؛ ٥/ إخراج الدولة اللبنانية من دائرة الريوع والحيازات والزبائنيات التي أسست للفساد، وإفلاس المالية العامة وقتل الدور الانمائي للدولة لحساب دولة القوارض وتقاسم المسالب؛ ٦/وضع حد لسياسة إعادة توزيع الخريطة الاقتصادية والمالية والعقارية التي تدفع بها سياسة السيطرة التي تديرها الفاشيات الشيعية، كرافعة أساسية من روافع السياسة الانقلابية.
لقد ظهرت مأساة الانفجار في مرفأ بيروت أحد أبشع أوجه السياسة الانقلابية، والطابع الارهابي الذي اتخذته، والرداءة الاخلاقية التي تلف الحياة السياسية والعامة، وطابع العنف الشامل والعدمي الذي يوصف العلاقات السياسية والاجتماعية، وانهيار دولة القانون لحساب علاقات النفوذ والهمجية المتنامية على كل الأصعدة. إن أية تسوية سياسية تخرج عن مقاربة شاملة لاسباب سقوط دولة القانون، وأولوية الاعتبارات السيادية والإصلاحية، تقع في دائرة التعمية والتواطؤ الموضوعي والإرادي على مستقبل البلاد الوطني، وعلى إمكانية استعادتها للمبادرة ضمن حيز زمني وداخلي واقليمي محكوم بديناميكيات متفجرة.