باسل الأمين/موقع درج: معنى أن تعطى وزارة الثقافة لـ”حزب الله”: انتصار جديد على الكتاب … وزير حزب الله الملالوي ومهرجان بيروت الأدبي الفرنكفوني

33

معنى أن تعطى وزارة الثقافة لـ”حزب الله”:انتصار جديد على الكتاب …
وزير حزب الله الملالوي ومهرجان بيروت الأدبي الفرنكفوني
«حزب الله»، الذي صفّى آخر بؤر المقاومة الفلسطينيّة، لم يُسامَح على فعلته فحسب، بل التفّت حوله القلوب والعواطف

باسل الأمين/موقع درج/24 تشرين الأول/2022

“ثمّة من يريد للبنان ألا يكون جزءاً من المشهد الثقافي العالمي، هؤلاء لا يعرفون سوى ثقافة العزل وعدم تقبّل الرأي الآخر”. في ظل التطبيع “النفطي” بين لبنان واسرائيل الذي أفضى إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية ارتفعت مؤخراً أصوات ضد كتب يرى “حزب الله” ومعه منظومة الممانعة أن وجودها في معرض كتاب تستضيفه بيروت، هو تطبيع ثقافي. فبعد سنوات من التعطيل بسبب الأوضاع العامة وبسبب الوباء، عاد “مهرجان بيروت الأدبي الفرنكفوني” ليتصدّر واجهة الأحداث الثقافية في العاصمة اللبنانية، الّا أنّ منظمي المهرجان لم يكونوا على دراية بأنّ تصريحاً لوزير الثقافة اللبناني محمد مرتضى سيكون العائق الأوّل أمام إعادة تشكيل جسر ثقافي بين لبنان والعالم.

الحدث الذي ينظّمه “المعهد الفرنسي في لبنان”، يجمع أكثر من مئة كاتب يؤلّفون أدباً بالفرنسيّة من خلال استثمار حوالي 40 مكاناً ثقافيّا، وجولات للكتاب في الشوارع للقاء القراء. هذا المهرجان بالنسبة إلى المنظمين هو أحد محاولات إعادة إحياء المشهد الثقافي في مدينة تبقى مركزاً حيوياً للفكر. تبدل كل شيئ بعد تصريح وزير الثقافة اللبناني الذي كتب في 8 تشرين الأول/أكتوبر الجاري على حسابه الشخصي على موقع “تويتر” متّهما بعض الأدباء المشاركين في المهرجان من دون ذكر أسمائهم بأنّ “بينهم عدداً من معتنقي المشاريع الصهيونية فكراً وممارسة، وداعميها، سواء في أعمالهم الأدبية أو في حياتهم العادية”. نجحت تلك الحملة بدفع أربعة من كبار الكتّاب الأعضاء في لجنة “جائزة غونكور” وهم إريك إيمانويل شميات والطاهر بن جلّون وباسكال بروكنير وبيار أسولين للإنسحاب من المهرجان، على الرّغم من تأكيد اللّجنة أنّ سبب الانسحاب غير مرتبط بتصريح الوزير، بل تم ذلك بسبب “الوضع الأمني في لبنان” فيما اتخذ آخرون هذا القرار لأسباب شخصية.

في ظل التطبيع “النفطي” بين لبنان واسرائيل الذي أفضى إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية ارتفعت مؤخراً أصوات ضد كتب يرى “حزب الله” ومعه منظومة الممانعة أن وجودها في معرض كتاب تستضيفه بيروت، هو تطبيع ثقافي. لم تكلّ حملات ما تعرف بـ”مناهضة التطبيع” بعد تصريح مرتضى المحسوب على الثنائي “أمل” و”حزب الله” الذي عاد وحذف تغريدته لاحقاً، عن اتّهام المهرجان بأنه يروّج للتطبيع “الناعم” كمحاولة من فرنسا لتمرير كتّاب فرنسيين “صهيونيّي الهوى” على حد وصف الوزير. ليست هذه هي المرة الأولى التي يمارس فيها “حزب الله” وحركة “أمل” ضغطًا للتنديد بـ “الترويج للصهيونية”، من خلال نسف الأحداث أو فرض الرقابة على الأعمال، التي يمكن، وفقًا لإتّباع ممارسات تشبه عن بعد الممارسات الإسرائيليّة نفسها. كان ذلك واضحا في البيان الذي أطلقه الكاتب الفرنسي من أصل لبناني سليم نصيب معبّرا فيه عن “إشمئزازه الشديد” من تصريح الوزير. “هل الوزير يتحدث عني؟ عن شخص آخر؟ عدة آخرين؟..على أي حال، فإن هذا التلميح إلى المؤلفين “الملثمين” الذين يدعمون سراً “المشاريع الصهيونية” أثار اشمئزازي، كما أنّه ليس الخوف هو ما جعلني أتخلى عن المجيء، بل قناعة منّي بذلك”. نصيب، صاحب “العشيق الفلسطيني” و”كان صرحاً من خيال”، كان جاهزاً لإطلاق روايته الجديدة “الجلبة” خلال المهرجان التي ولد بطلها في بيروت لعائلة يهوديّة، وجاء اعتذاره عن المجيء تضامنا مع الكتّاب الفرنسيّين. خلقت عمليات الانسحاب المتتالية هذه نوعًا من عدم الارتياح بين منظمي معرض بيروت، خاصة وأن هذا المهرجان غير المسبوق يأتي بعد أربع سنوات من الحدث الأدبي الكبير الأخير. واستفزّ هذا الجدل العديد من الكتّاب اللّبنانيين. وصف الكاتب حازم صاغية في مقال سابق له تصريح الوزير بـ”الخطاب العنصري والنازي” نسبة لسياسة حرق الكتب التي تروّج لآراء مضادة لآراء الأنظمة الشموليّة. كما أوضح صاغيّة لـ”درج” أنّه “ثمّة من يريد للبنان ألا يكون جزءاً من المشهد الثقافي العالمي، هؤلاء لا يعرفون سوى ثقافة العزل وعدم تقبّل الرأي الآخر”.

ليس صاغية وحده من علّق على ثقافة العزل الذي يتّبعها الثنائي الشّيعي، فالكاتب اللبناني الفرنسي شريف مجدلاني المشارك في المهرجان أكد خلال نقاش مضمون الكتابة والترجمة إلى العربيّة، أنّ “مشكلة هؤلاء مع لبنان تكمن في أنّهم يوما ما لم يكونوا جزءا من واجهته السياسية والثقافية، ولهذا السبب يحاولون دائما اعادة تشكيله لكي يشابه ثقافتهم الإنعزاليّة”. في عام 2009، هاجم “حزب الله”، الكتاب المدرسي لمؤسسة خاصة باللغة الإنجليزية والذي تضمن مقتطفات من يوميات آن فرانك – وهي شابة يهودية هولندية ماتت في معسكر اعتقال نازي. بعد الجدل، انتهى الأمر بالمؤسسة إلى التخلي عن الكتاب.

غالبًا ما تكون الشخصيات اللبنانية موضوع حملات ضدهم بسبب سفرهم إلى إسرائيل، مثل المخرج اللّبناني زياد الدويري الذي جرى توقيفه في لبنان بتهمة التطبيع بسبب دخوله الأراضي الفلسطينية بجواز سفر فرنسي عقب تصوير فيلمه “الصدمة” عام 2017. كما أنه في عام 2015، كان الكاتب الفرنسي من أصل لبناني أمين معلوف الحائز جائزة غونكور، عرضة لحملة في لبنان لإدلائه بحديث إلى وسيلة إعلام إسرائيلية. قال الرجل المتهم بطعن سلمان رشدي خلال عمليّة استجوابه، إنّه “لم يقرأ سوى صفحتين” من كتاب رشدي “آيات شيطانية“.

في تلك الحملات منهجيّة واضحة تظهر بوضوح عدّاء الثنائي “أمل” و”حزب الله” للثقافة بمعناها الحرّ الرافض للاستغلال الايديولوجي والتطويق السياسي. الكاتب حازم صاغية خاض وكتّاباً آخرين نقاشات متكررة في السنوات الماضية بشأن استخدام التطبيع كذريعة للقمع الثقافي وفي مقال كتبه قبل نحو عامين يقول صاغية:”ليس بلا دلالة أنّ غلاة مناهضة التطبيع هم غلاة الحماسة للجيوش؛ إذ هي أداة الحرب مع إسرائيل، لكنّها، في الوقت نفسه، أداة القمع لشعوبها…”. ويتابع صاغية: “الحجج التي تقطع بضعف الصلة بين التطبيع والقمع كثيرة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أنّ من يطبّع غير قمعيّ. الحجج التي تقطع بقوّة الصلة بين مكافحة التطبيع والقمع كثيرة…في لبنان، اختير السلاح والتسلّح المباشران اللذان ساهما في تقويض حياة برلمانيّة كانت قابلة للتطوير والإصلاح. في سوريّا، اختير الأسد ضدّ شعبه. في العراق، اختير صدّام حسين وحروبه.

«حزب الله»، الذي صفّى آخر بؤر المقاومة الفلسطينيّة، لم يُسامَح على فعلته فحسب، بل التفّت حوله القلوب والعواطف. «الصُدف» تكرّرت حتّى صارت «قانوناً».الخيارات هذه لم تكرّس القطيعة بين القضيّة الفلسطينيّة وحقّها المؤكّد وبين مسائل الحرّيّة والديمقراطيّة، بل أفقرت القضيّة نفسها وأضعفت صلتها بكلّ ما هو حيٌّ خارج نطاقها المباشر…”.