شارل الياس شرتوني/الفاشية الشيعية والتدمير المنهجي لدولة القانون

91

الفاشية الشيعية والتدمير المنهجي لدولة القانون
شارل الياس شرتوني/22 تموز/2022

هانا آرنت: “عندما يكذب الكل عليك باستمرار، النتيجة ليست انك تعتقد هذه الأكاذيب، بل أن لا أحدًا يعتقد شيئًا [بعد اليوم]” 

إن توالي المسرحيات منذ نهاية الانتخابات النيابية الفارغة المدلول، وتظهير معالم الدولة الشيعية: مع انتخاب نبيه بري للمرة الثلاثين على التوالي، وتثبيت واقع الاستثناء السيادي لحزب الله من خلال تموضعه خارج اللعبة الدستورية واملاءاته على كل مستويات القرار السياسي في البلاد، واستخدام القضاء من أجل النيل من كرامة واستقلالية الكنيسة المارونية، وتعريض ألأمن الوطني من خلال الخوض في مواجهات إقليمية مبنية على أساس مصالح النظام الايراني، تبرز أكثر من كل وقت أن الكيان الدستوري والمعنوي للدولة اللبنانية قد دخل في دائرة التغييب الارادي، والانتقال المتدرج الى صيغ سياسية هجينة وممسوخة، لا تعريف لها سوى في خانة العمل الانقلابي الذي يسعى الى تثبيت ألامر الواقع، ريثما تنضج الظروف الانقلابية وتتيح المجال أمام إقامة نظام سياسي شيعي يتماثل مع النظام الايراني في مضمونه الأيديولوجي وتطلعاته التوسعية على مستوى المنطقة.

إن كل مراهنة على الاستحقاق الرئاسي من أجل وضع حد للسياسة الانقلابية هو ضرب من الوهم، يشبه التوقعات الخرقاء التي نسبت للانتخابات النيابية والتوليفة الحكومية. لقد آن الأوان للكف عن هكذا مراهنات، والتعاطي معها كاستحقاقات فارغة المضمون تحمل في ذاتها أسباب تهافتها. إن أي تعاط مع هذا الواقع الپسودو-دستوري يقع ضمن دائرة البلف الارادي الذي سوف يساهم في استغراق سياسات التأزم على تنوع محاورها، وما سوف يتأتى عنها من تتابع للانهيارات التي تطال البنيات الاجتماعية والاقتصادية والايكولوجية العميقة، وهذا ما تسعى اليه السياسة الانقلابية للفاشيات الشيعية. إن مواجهة هذه السياسة محتومة إذا ما أردنا الخروج من مقابضها النافذة وظلالاتها الاقليمية المطبقة على أي أفق بديل. تبدأ المواجهة مع الرفض المبرح لواقع الاستثناء السيادي الذي تفرضه معادلة “الشعب الجيش والمقاومة”، وما نشأ عنه من ازدواجيات مؤسسية ومنازعة لشرعية الدولة اللبنانية.

إن الغياب الفادح والمتواطئ لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والمجلس النيابي الصوري هو تغطية لاستباحة الأدوار الدستورية الملازمة لهم من قبل حسن نصرالله ونبيه بري في مجالات السياسات الخارجية والدفاعية والمالية والقضائية (Fonctions régaliennes)، على حساب مبدأ فصل السلطات الذي يعرف، بادىء ذي بدء،النظام الديموقراطي، وحصرية قرارات السلم والحرب بيد الدولة، واستخدام الادارة العامة كروافع لسياسة السيطرة الشيعية ،وترفيد سياسات النهب والجريمة المنظمة التي تديرها في لبنان وعلى المستويين الاقليمي والدولي. بكلام آخر، حسن نصرالله ونبيه بري يمثلان سياسة السيطرة الشيعية وعلينا التعاطي معهما على هذا الأساس، إن أية ممالاءة في هذا المجال لا تقع في دائرة الاعتدال السياسي، بل في سياق الاذعان والقصور المعنوي والكذب، المواجهة تبدأ باعلان هذه الحقائق والعمل على أساسها.

إن فترة رئاسة ميشال عون هي أسوأ ما عرفته الجمهورية اللبنانية لجهة التواطؤ الارادي والمصلحي على الحقوق السيادية لحساب فصيل مسلح يعمل لصالح سياسة الانقلاب التي يديرها النظام الاسلامي الإيراني، إن أية متابعة لنهج الجمهورية الصورية من خلال الإتيان برئيس مستخدم من قبل حزب الله هي مساهمة في هذه الديناميكية الانقلابية. إن الاستخدام السياسي للقضاء هو سمة من سمات جمهورية الطائف، من خلال قضاء فاسد ومستتبع كما هو بين من خلال أداءت مجلس القضاء الأعلى (الفساد والتبعية الارادية والعمالة والجبن)، وتردي المستوى العلمي والمهني والاخلاقي لدى القضاة (هذا ما قاله لي منذ عشرين سنة ادمون “كان عنا قضاة أصحاب علم وأخلاق، اليوم عنا قضاة لا علم ولا أخلاق”، ودنيز المعوشي عندما سألتها عن أحوال القضاء، جوابها كان حاسما “صورة عن هالمجتمع الفاسد اللي عايشين في”).

قضاة الفاشيات الشيعية ،أدوات في خدمة سياسة القمع والسيطرة وتحصين الجريمة المنظمة، كما هو بارز مع علي ابراهيم في الملفات المالية، وفادي عقيقي في ملفات مرفأ بيروت، وأحداث عين الرمانة، والتعدي السافر على المطران موسى الحج. أما سياسة التفكيك المنهجي للجيش والمؤسسات الأمنية، فهو تكملة لما ابتدأ مع جمهورية الطائف، من محاصصات ومواقع نفوذ، واستعمال هذه المؤسسات مواطىء لسياسات النفوذ، وتصفية الحسابات، وتحويلها الى مؤسسات پريتورية تخدم الاوليغارشيات التي أتت بها، نحن أمام نموذج الدولة الپريتورية المدغمة بتركيبة پوليارشية تختصر واقع الحكم في البلاد. أخيرًا لا أخرا تحويل لبنان الى مجموعة مقاطعات اوليغارشية أسست لعملية نهب الأموال العامة والخاصة على قاعدة المقايضات بين أطرافها وأولوياتها المتبدلة.
إن تضافر هذه المؤشرات قد اختصرته حادثة المطران موسى الحج التي تنبئ أننا امام نهج توتاليتاري قائم على الكذب والعنف وكل ما يستدعيه من تداعيات لا عد ولا حصر لها. ان مسرحية ردود الفعل من قبل الفاشيات الشيعية، وشيخ عقل الطائفة الدرزية، سامي أبو المنى، ووليد جنبلاط وما انطوت عليه من كذب ورياء وفقدان للاستقامة الاخلاقية بأبسط تجلياتها، تطرح اسئلة كبيرة حول مستقبل الديموقراطية في مجتمع سياسي قائم على انتفاء معنى الحقيقة والصدق والأمانة، بئس المواطنة مع هكذا أداءات ونوايا.