شارل الياس شرتوني/المبادرة الڤاتيكانية وسبل التدويل

62

المبادرة الڤاتيكانية وسبل التدويل
شارل الياس شرتوني/01 تموز/2021

إن الدعوة التي وجهها الكرسي الرسولي في روما الى جميع الكنائس اللبنانية هي تعبير عن وعيه خطورة الأزمة اللبنانية في كل مندرجاتها، وضرورة الدفع بسبل جديدة لحلها في ظل واقع الاقفالات الداخلية والسياسات الانقلابية التي تتقاطع من خلال الانهيارات المعممة، وتضاعف ديناميكيات العنف التي تنحو باتجاه إسقاط النماذج التعددية والديموقراطية والليبرالية الناظمة للكيان الوطني اللبناني، والتدمير الشامل وتغيير معالم الجغرافيا السياسية والبشرية، وما سوف ينشأ عنها من سياسات تهجير وتبدل في الديناميكيات السكانية والمدينية والاقتصادية والاجتماعية. هذا يعني بالتالي انضمام لبنان الى لائحة الدول الفاشلة واتساع دائرة الفراغات الاستراتيجية وما ينتج عنها من ترددات تؤثر بشكل مباشر على الأمن الإقليمي المتهاوي، والأمن الأوروپي الذي يحمل تبعاتها على الأصعدة الأمنية والاستراتيجية. إن إجتماع الڤاتيكان هو مدخل احتمالي لديناميكية دولية جديدة تهدف الى القاء الضوء على خطورة الأوضاع اللبنانية بأبعادها الوجودية والاستراتيجية والإنسانية، والسعي إلى اخراج اللبنانيين والمسيحيين من واقع العزلة الذي فرضته الاقفالات الاوليغارشية والسياسة الانقلابية التي تقودها إيران على المستويين الداخلي والإقليمي.

إن البعد الروحي والمعنوي لهذا الاجتماع يهدف الى إعادة الديناميكية السياسية الى فسحة التعاطي العقلاني والسعي الاخلاقي للتسوية الفعلية للنزاعات، واستئصال لبنان من دوامات سياسات النفوذ الاقليمية، والعودة الى الدائرة الدپلوماسية للتذكير بالطابع الدولي للأزمة اللبنانية، وكسر العزلة التي تفرضها الاوليغارشيات المافيوية على اللبنانيين، ووضع حد للسياسات الانقلابية التي تسعى الى تغيير مرتكزات الاجتماع السياسي اللبناني، وإعادة سبل التسوية السياسية الى التداول الديموقراطي بين فاعلي المجتمع المدني وخارجا عن منطق الدوائر الاوليغارشية المغلقة، وفتح ملفات الإصلاحات الهيكلية على تنوع موضوعاتها (المالية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والبيئية والصحية…). ليس هنالك من مدخل أفضل من الدور الڤاتيكاني لخروج لبنان من سياسات النفوذ المدمرة التي تسعى الى تفعيل الأزمات وتوسيع نطاقاتها وتمديدها، تمهيدا لارساء انهيارات سيستيمية تقضي على الكيان اللبناني وتؤدي الى تبدلات تطال البنيات الانتروپولوجية الملازمة له. علينا أن نفعل المبادرة الڤاتيكانية ونجعل منها باب عبور باتجاه سياسة التدويل، لإنه لا مجال لبناء أية سياسة تسووية عادلة في ظل السياسة الانقلابية التي تديرها الفاشيات الشيعية، والاقفالات التي تفرضها الاوليغارشيات المتحالفة معها على قاعدة حماية وتبادل المصالح المشتركة.

إن المنحى المدمر الذي تأخذه الأزمات المتداخلة لن يترك في المستقبل القريب مجالا لأية تسوية سياسية عقلانية وعادلة، ومعالجة سوية للمسائل المالية والاقتصادية والحياتية المتكاثرة على نحو سرطاني. إن أية مراهنة بعد اليوم على السياسات الاوليغارشية وأي تأقلم مع وقع السياسة الانقلابية الشيعية، هو إضاعة لوقت لم نعد نملكه ولفرص لن تتوافر في المستقبل القريب، لسبب بسيط هو أن لبنان لن يكون سوى فسحة نزاعية تتماثل مع الفراغات الاستراتيجية التي تتآكل النطاق العربي على نحو استوائي. إن السياسة الانقلابية الشيعية لن تلبث ان تولد مضاداتها السنية على نحو أكثر ثباتًا وانطلاقا من النموذج الذي خبرناه مع انفجار النظام الاقليمي: تداعي نموذج الدولة الوطنية لحساب تمدد السياسات الامپريالية الاسلامية المتصادمة، وتصاعد نفوذ التيارات الارهابية، وتوظيف الولاءات الاولية من مناطقية وقبلية وطوائفية ومذهبية في خدمة سياسات نزاعية مفتوحة كما نشهدها في سوريا والعراق واليمن وليبيا…،. إن خصوصية لبنان الانسانية التي أسست لها الخيارات القيمية والسيادية والديموقراطية للمسيحيين اللبنانيين، تبقى السبيل الاوحد من أجل بناء مسار انتقالي يخرجنا من واقع الاندثار المبرمج الى واقع إعادة البناء والحلول السياسية الفعلية والمستديمة.