لبنان الانتقالي: وصاية دولية “مشكورة” ! نبيل بو منصف/النهار/25 كانون الثاني/2025
قد لا تكون هناك رمزية تعبيرية اكبر للطابع الاستثنائي الذي يحكم لبنان في المرحلة الانتقالية الحالية التي يجتازها من هذا الرسم البياني. لم تمر الأيام العشرة الأولى بعد على تكليف القاضي الدولي رئيس محكمة العدل الدولية سابقا ومندوب لبنان سابقا في الأمم المتحدة نواف سلام بتشكيل أولى حكومات عهد الرئيس جوزف عون ، حتى راح الإعلام اللبناني “يبشر” الناس بان لبنان استعاد بلمح البصر افة أزمات تأليف الحكومات كما لو ان شيئا لم يحصل في الأسابيع الأخيرة التي واكبت “الفجر الموعود”.
غلب الطبع التطبع في لحظة واستعاد الداخل السياسي والإعلامي معاجم ومفردات الازمات ووجد الرئيس المكلف نفسه امام شلالات النصائح والتحذيرات والتوجيهات المنهمرة عليه، بما لا ينقص سوى ان “يمسكوا بيده” ويقيموا له عمارة حكومته الواعدة. هذه الفورة المباغتة في استعجال نواف سلام تقديم حكومة يراها كل على هواه، صنيعة أهواء لم تتكيف بعد في العمق مع مرحلة انتقالية هبطت على لبنان هبوطا صاعقيا منذ انتخاب الرئيس جوزف عون، ستتجه الان نحو الفصل الثاني القسري في التكيف سواء مع الموجبات والمعايير التي ستكشفها الحكومة الجديدة والتي يستحيل على رئيسها التراجع عن عامل التغيير الإصلاحي الساحق في تركيبتها والا انتهت كل الامال والطموحات الواعدة عليه. كما سواء في الحيز الأوسع من الحكومة المنتظرة نفسها وهو الاختبار الكبير للمجتمع الدولي في مواكبة لبنان الانتقالي بعدما اندفع هذا المجتمع بقوة غير مسبوقة في الضغط والتدخل اللذين أديا الى انتخاب رئيس الجمهورية وتسمية الرئيس المكلف.
غالب الظن ان القوى السياسية اللبنانية تمارس جميعا تقية تجاهل ما اخضعت له على ايدي “ممثلي” المجتمع الدولي الذي تمثل بامتياز في شراكة ثلاثية أميركية سعودية فرنسية بدا اللبنانيون في غالبيتهم الساحقة فرحين مرحبين بها ، بل مطالبين بديمومتها في رعاية “دولتهم” الناشئة مجددا ، بما يعكس انهيارا قياسيا ساحقا لثقتهم في الطبقة السياسية المترهلة بعد طول سنوات الكوارث. والحال ان لبنان خبر بمرارة تاريخيّة وصايات أسوأ طغاة العالم مثل نظام الأسد البائد ونفوذ ايران الظلامي وقبلهما وصاية السلاح الفلسطيني الذي فجر الحرب اللبنانية ، ومعهم جميعا حروب إسرائيل على لبنان .. لبنان هذا الذي ينهض الان من ركام الحرب العدوانية المخيفة الأخيرة التي شنتها إسرائيل على مناطق واسعة منه، تراه يركن باطمئنان لرؤية “وصاية ” دولية عليه لأنها ليست وصاية تدخل سافر في محاصصات او تسلط سلطوي او أهداف تآمرية كما درج على وصفها خطاب الممانعين لمنع العالم من مواجهة الهيمنات المتعاقبة عليه ، بل لعلها وصاية لا مفر منها لاستكمال عوامل ديمومة التخلص من عصر والانتقال الى عصر اخر.
ترتسم قبيل أيام قليلة من الموعد المحدد لإتمام الانسحاب الإسرائيلي من قطاعات محتلة في جنوب لبنان صورة الخشية مما قد يحصل ان مددت إسرائيل احتلالها. تتولى لجنة خماسية برئاسة جنرال أميركي وعضوية فرنسية لبنانية إسرائيلية اممية الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف العمليات العدائية بين لبنان وإسرائيل. في اللحظة نفسها تنعقد لجنة السفراء الخمسة للدول الخمس المعنية برعاية الوضع اللبناني لمواكبة مجريات أوضاع لبنان بعد انتخاب رئيس الجمهورية وفي عز احتدام الثرثرة اللبنانية حيال مخاض تأليف حكومة نواف سلام. لجنتان خماسيتان دوليتان لبلد لا يقاس بأصغر الولايات في الولايات المتحدة… انها الوصاية “المطلوبة المشكورة” فقط لئلا يعود لبنان الى زمن الكآبة !