الكولونيل شربل بركات: الغرور والعيش بالأحلام/جرّت إيران شيعة لبنان ليصبحوا حطب وقود لحروبها/نهاية حزب الله قريبة واذلاله ليس بالبعيد

264

الغرور والعيش بالأحلام
الكولونيل شربل بركات/26 أيلول/2024

جرّت إيران شيعة لبنان ليصبحوا حطب وقود لمعركتها في الاستيلاء على دول الشرق الأوسط، وهم بالفعل تحولوا إلى وسائل قتالية لا رأي لها ولا فكر يديرها أو يؤثر على تصرفها

نهاية حزب الله تبدو قريبة وإذلاله ليس بالبعيد. فهلا يفهم اللبنانيون، وخاصة الفئة المثقفة بأنه كلما أعطي مزيدا من الثقة بالنفس سيرتد ذلك عليهم دمارا وخرابا ومزيدا من التضحيات المجانية؟

إن الغرور الذي دفع به الاسرائيليون “سيد المقاومة” نحو عمى البصر والبصيرة تعمم اليوم على وسائل الاعلام ودور النشر ومدعي الفكر والتحليل وكبار ضباط الجيش والاساتذة الجامعيين وغيرهم ممن يمارسون قيادة الساحة الفكرية والرأي العام.

جرّت إيران شيعة لبنان ليصبحوا حطب وقود لمعركتها في الاستيلاء على دول الشرق الأوسط، وهم بالفعل تحولوا إلى وسائل قتالية لا رأي لها ولا فكر يديرها أو يؤثر على تصرفها، وهي، كما قال “السيد”، تنفّذ تمنيات الولي الفقيه بدون مناقشة أو تحليل. المشكل هنا بأن الشارع في لبنان الذي كان يقود الفكر النيّر في العالم العربي، والصحافيين المدققين الذين كانوا رواد الحركة الثقافية في المنطقة كلها، تخلّوا عن وسيلة التمحيص والتساؤل ليتبنوا ما تلقنه الماكينة الاعلامية للحزب، والتي بدورها تنقل الأوامر “الشاهانية” كما هي.

في الكلام على غزة وحربها لم نجد حتى الآن، وبعد قرابة العام على الهجوم البربري الذي قامت به جماعات “حماس” الارهابية ضد مدنيين اسرائيليين وتغنى به كل الاعلام، لا بل وحتى شرائح كانت تدّعي بأنها من المثقفين في العالم العربي، ومنهم من يحملون شهادات الدكتورا، لا بل يدير بعضهم شركات كبرى ويعتبرون من المفكرين على مستوى المنطقة، لم نجد من يحلل أو يواجه جماعة حماس الذين لم يقدّروا ولا حتى أخذوا بعين الاعتبار ردة فعل الاسرائيليين العنيفة أثناء تحضيرهم للعملية، بدون شك، والتي أدت إلى الكثير من التدمير والوفيات لا بل إلى القضاء على كل ما بني في القطاع وعليه من آمال الفلسطينيين العاديين.

وتتكرر القصة في لبنان مع حزب الله الذي لم يتعلّم ولا أتخذ العبر أو قيّم ما أعطي له من قبل الاسرائيليين من فرص بدأت في انسحاب سنة 2000 الذي منحه انتصارا مجانيا، ومن ثم القرار 1701 الذي لم يشترط نزع سلاحه بعد حرب 2006 بحسب القرار 1559 وتركه يدّعي النصر الالاهي، ما سينقله إلى حالة السيطرة على الدولة وبالتالي تعريض لبنان بأكمله للتدمير، كما حدث في غزة وسيحدث اليوم بكل تأكيد.

المشكلة أن الطبقة التي تدّعي الفهم في العالم العربي ومنها اللبنانيين، تُجاري الحزب المسلح في تحليلاته وتنفيذه لأوامر الولي الفقيه بدون حساب للعواقب، وهي بعد كل صفعة لا تتعلم أن تناقش وتحلل وتقيّم، ولا نقول تتخذ العبر، لأنها لم تعد على هذا المستوى من التفكير، إذ تسير بفضل الدفع وبدون توجيه إلا زيادة الحقد وتضييق الرؤية التي تحصر القتال مع اسرائيل بخطط رئيس وزرائها ولعبته السياسية، وكأن كل المآسي التي نعيشها تفاصيل في هذه اللعبة، ولا حرج أمام من يدّعي الفهم بأنه لم يفقه بعد إلى أين تتجه الأمور وما ستكون عليه الفواتير التي سيدفعها لبنان، وهو قد هدم اقتصاده وثقافته وطمس فكره النير وعاد إلى القرون البدائية في التصرف بدون تخطيط والتمادي بالانتحار وشرب السم مرة تلو الأخرى، وكل ذلك بفضل فكر الملالي وربيبه الحزب الالاهي.

إن الغرور الذي دفع به الاسرائيليون “سيد المقاومة” نحو عمى البصر والبصيرة تعمم اليوم على وسائل الاعلام ودور النشر ومدعي الفكر والتحليل وكبار ضباط الجيش والاساتذة الجامعيين وغيرهم ممن يمارسون قيادة الساحة الفكرية والرأي العام. لم نعد نجد من يناقش مسلمات جماعة الحزب ممن يدعون العمل بمجال الاعلام أو التحليل السياسي. فقمة الفرص الاعلامية أن تستضيف جماعة الحزب ومحلليه بدءً من سالم زهران إلى قنديل ورزق أو قصير وسواهم ممن تفيض بهم وسائل الاعلام. وهؤلاء يدعون ليس الفهم فقط بل الفوقية، ويمتازون بالغرور الذي لا بد قد تعلموه من “سيد المقاومة”، وبالطبع يعيشون ويريدون أن يعيش الكل في التلذذ بأحلام اليقظة التي يمارسون ويدفعون مستمعيهم دفعا إليها.

لقد دمر الحزب حياد لبنان بين العرب فقام بحرب إيران في سوريا ومن ثم نقل المعركة إلى داخل دول عربية ليحاربهم في بيوتهم، ووزع على ابنائهم أقراص الكابتاغون المخدرة بكل وقاحة وبدون أدنى وخذ لضمير أو شعور بالحياء. وهو دمّر الاقتصاد في لبنان بعد أن قهر طائفة بكاملها وسيطر عليها ومنع عنها الثقافة والانفتاح وسجنها في قمقم التبعية والرجعية الخمينية وخزّن متفجراته تحت بيوت أبنائها. وها هي تدفع بيوم واحد حوالي الست مئة قتيل والفي جريح بدون سبب. وهو شوّه صورة لبنان بأكمله في دول العالم واغتصب الديمقراطية بأن فصّل قانون انتخاب على قياسه صادر بواسطته المجلس النيابي ثم عين رئيسا مسخا هدم صرح الرئاسة وحولها لمقعد موظف من الفئة الثالثة يعينه ساعة يشاء ويمنع تعيينه متى أراد.

يحضرني في هذا الحزب قصة الأمير العربي الذي ضربه قاطع طرق كفا على وجهه أمام ابنته فقام وناوله دينارا وعندما سألته ابنته كيف له أن يعطيه مالا بعد ما فعل وهو القادر على قطع رأسه، فجاوب الأمير بأن هذه الحثالة اصغر من أن أوسخ سيفي فيه وهذا الدينار سيؤدي به لحتفه بدون شك. وهذا ما جرى إذ اعتقد اللص بأنه قوي يمكنه ضرب من يريد فانتهى به الأمر لأن يقطع أحدهم رأسه كما قال الأمير. فهل إن باراك يوم أعطى هذا الحزب جنوب لبنان بدون شروط سنة 2000 كان يفكر ببعد نظر هذا الأمير وبأنه سينتهي به المطاف لأن يغتر فيأتي من يعاقبه؟ لا ندري، ولكن نهايته تبدو قريبة وإذلاله ليس بالبعيد. فهلا يفهم اللبنانيون، وخاصة الفئة المثقفة بأنه كلما أعطي مزيدا من الثقة بالنفس سيرتد ذلك عليهم دمارا وخرابا ومزيدا من التضحيات المجانية؟ وبأن التعاطف معه جريمة بحد ذاتها ستجرهم كلهم إلى نفس المصير؟

اسرائيل ماضية بتأديب أعدائها والدفاع عن مواطنيها، على ما يبدو، إن بنتانياهو أو بغيره. ومن يشعر بالانزعاج عليه اقتناص الفرص والتقدم بحلول لحماية نفسه من عظائم الأمور. ومن له أذنان سامعتان فليسمع. ولكن التباكي بعد العهر والغرور لا ينفع.