عصفوريّة. القدس عن يمينك، البحر من ورائك، وبرّ سوريا من أمامك، فيسّر الله مسارك وإلى الخامنئي دُر. الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/26 أيول/2024
أصدق توصيف يُطلق على لبنان اليوم هو أنّه “عصفوريّة” بحقٍّ وحقيق، تسيرُ على هَدْيِ الهُدهُد وهدير الطيران الإسرائيلي.
أتتذكّرون أغنية “عَ هدير البوسطة” لزياد الرحباني وذاك الواحد “اللي عم ياكل خس”، والآخر “اللي عم ياكل تين”، والثالث “اللي هوّي ومرتُه البشعة…”؟ هكذا لبنان اليوم، عجقة ركّاب ومنظّرين وخبراء عسكريين “ع حطِّة ايدك، شي متّفقين وشي مش متّفقين”، لا يجمع بينهم سوى العداء لإسرائيل بالمطلق، وتضامُنٍ مع حزب الله يتراوح بين الخجول والمُفرط حتّى الانتحار بلبنان ودولته وجيشه.
واحد، مفصول عن الواقع، يريد من سمير جعجع وسامي الجميّل أن يوحدا موقفهما مع جبران باسيل وسليمان فرنجية، ومن ثمّ أن يتعاضدوا مع حزب الله لمواجهة المرحلة! وواحدة، مجنونة، لا ترى عيبًا في أن يسلّم حزب الله زمام الأمور إلى الجيش ومن بعدها يحميه وينقذ بيئته باقي مجانين المنظومة. وإعلامي، مهلوس من الممانعة، راح مهلّلًا يبني تحليله على سقوط صاروخ باليستي دقيق على تل أبيب، ولمّا بالغ في الهرطقة قال له المقدّم: “أنت تتكلّم عن صاروخ تمّ إسقاطه ولم يصب هدفه”، لكنّ المهلوس لم يسمع وأكمل “الردّة” بلا هوادة، فقاطعه عندها الضيوف الآخرين لمنعه من تضليل الناس اكثر، فانتفض عندها “صاحبنا” وقال منفعلًا بلهجته البقاعيّة: “شو إذا ما صاب الصاروخ هدفُه بيكون ما عبر لِ حدود؟ هوّي بمجرد يقطع لِ حدود يعني صاب الهدف”.
ويأتيك بوق البعث مفخّمًا حرف “القاف” في كلامه، متذاكيًا قائلًا: “إذا حدا مغشوش أنّ حزب الله أقوى من حلف الأطلسي يكون حماراً”، وهو نفسه كان يقول منذ فترة ليست ببعيدة: “بكبسة زر السيّد يدمّر وزارة الدفاع الإسرائيليّة”!ّ!! ولا أنسى عبقري الزمان الذي منذ بداية حرب غزّة وهو يحاول إقامة حوارات ولقاءات هدفها تشكيل حاضنة لبنانيّة لحزب الله، فإذا به في الآونة الأخيرة، لثلاث أو أربع مرات، صار يهدّد بترك أيّ برنامج حواري إذا عارض رأيه أحد الضيوف!! ونِعمَ الحوار، ونِعمَ الجنون. وحقّ ربي جنّت العالم. “الله وكيلك عصفوريِّه وفالتِه”!!!
تكتمل حفلة الجنون هذه بمواقف حكومة لبنان المزعومة التي تذهب لتشحذ وقفًا لإطلاق النار بطلب وضغط من الثنائي الشيعي، لكن بدل أن تأتي بالأمان للشعب اللبناني، تتلهّى بالتغطية على إيران وإجرامها بحقّ اللبنانيين، وتتباهى بالتضامن مع غزّة وبعدم قبولها بفصل مسارنا عمّا يجري هناك!!! يعني الشيء ونقيضه. أستغفر الله. ماذا أسمّي هذه الأفعال!!؟ جنون؟ غباء؟ أم هبَل مُستدام؟
على الجميع أن يعترف ويقرّ أن لا قرار في المنطقة إلّا لنتنياهو. حزب الله يتوسّل وقفًا لإطلاق النار ولا صحّة للإدّعاءات بأنّه لا يتجاوب مع المساعي الدولية، وبأنّه يفرض شروطه على الطاولة.
اللبنانيون عليهم أن يختاروا علنًا ومن دون مواربات:
“إنقاذ لبنان” أم “إنقاذ حزب الله”.
إذا كنتم تُريدون إنقاذ حزب الله، فالحقوا المبادرات الدوليةّ وصلّوا لكي يقبل نتنياهو بتسوية وبوقف لإطلاق النار، وبعودة الأمور إلى ما قبل 7 أكثوبر. أمّا إذا كنتم تريدون إنقاذ لبنان، فما عليكم إلّا تنفيذ طلبات نتنياهووالذهاب إلى مرحلة جديدة بأسوأ أحوالها هي أفضل من احتضان حزب الله الذي يحمل في سجلّه العدلي، المَحمي بالسلاح، تدميرين شاملين للبنان مرفوقين بقتل آلاف اللبنانيين الأبرياء. وإن كان سيّد الحزب “لا يعلم”، فهذا لا يُبرّئه من الجريمة.
نتنياهو قالها بوضوح منذ فترة ليست بوجيزة، ولم يُعر أحد كلامه أيّ انتباه: “أريد أن أرى حزب الله يسلّم سلاحه للجيش اللبناني”، والمؤكّد أن لا حلول تحت هذا السقف.
إذًا، احتضان حزب الله والتغطية على انتهاك إيران للسيادة اللبنانيّة، أم العمل يمشيئة نتنياهو لإنقاذ لبنان؟
أنا اخترت: وقف التفنيص وعنتريّات قوّة الصواريخ الوهميّة، حزب الله يستسلم ويسلّم سلاحه للجيش اللبناني، وحسن نصرالله يٌساق إلى المحاكمة لتدميره لبنان مرتين. أمّا مَن يتمسّك بإيران وبفقيهِها، فدلّيناه مرّة على الطريق: القدس عن يمينك، البحر من ورائك، وبرّ سوريا من أمامك، فيسّر الله مسارك وإلى الخامنئي دُر.