الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري: لا حقيقة في هذه الحرب إلاّ الموت…هم اعتقدوا أنّهم حفروا أنفاقاً للدفاع عن أرضهم، لكنّهم في الحقيقة بنوا قبوراً لشعبهم على سقف جهنم
يُحكى أنّه أبّان حرب الـ 1967 بين العرب وإسرائيل، دخل أنور السادات، وكان نائب رئيس مصر، على رئيسه جمال عبد الناصر ليقول له إنّه لو كان صحيحًا ما تتناقله وسائل الإعلام العربيّة والمصريّة عن سير المعارك، لكان يُفترض أن تكون جيوش مصر والأردن وسوريا قد التحمت في القدس وحرّرتها منذ عشر ساعات. امتعض الرئيس عبد الناصر من شكوك السادات وأمره بعدم التدخّل في مجريات الحرب، لكنّ السادات كان بصيرًا وشفّافًا، إذ لم تمرّ ساعات قليلة حتّى انهزمت الجيوش العربيّة أمام إسرائيل، وراح عبد الناصر يعلّل خسارته بالادعاء بأنّه جرى تضليله! وبالطبع هو لم يعترف بمحاولة السادات تحذيره.
هكذا هم غالبيّة العرب، لا يعرفون كيف يخسرون، ولا متى ينكفئون، ولا حتّى كيف ينتصرون!!
هل فعلًا تمّ تضليل عبد الناصر لَمّا كان أحمد سعيد يُعلن انتصارات وهميّة على إسرائيل عبر إذاعة “صوت العرب”، أم كان عبد الناصر وجهازه الإعلامي يتّبعون سياسة “جوزيف غوبلز” في غسل الأدمغة: “كذّب، ثمّ كذّب، حتّى تُصبح الكذبة حقيقة”!!؟ الأمر نفسه، والسؤال نفسه، ينطبقان على محمد سعيد الصحّاف الذي بقي يؤكّد، عام 2003، على أنّ الجيوش الأميركيّة لم تدخل بغداد، حتّى ظهر عسكر أمريكان يتمشّون خلفه وهو يُجري حديثًا تلفزيونيًّا ينعتهم خلاله بـ “العلوج” و “السم والعلقم”…
مستحيل أن يُصبح الكذب حقيقة، ومع ذلك رأينا أنّ الصحّاف لم يتّعظ من تجربة أحمد سعيد، ونشاهد اليوم أبا عبيدة، الناطق باسم كتائب القسّام، لم يتعلّم من تجربة الإثنين، ما يُحتّم هزيمة كتائبه كما هُزمت الجيوش العربيّة في حرب 67، وجيش صدّام في العام 2003.
إذا تابعت تصاريح أبي عُبيدة في الأيام الماضية، يُخيّل إليك أنّ جيش الدفاع الإسرائيلي قد ينهار في أيّة لحظة، ناهيك عن أنّ كلّ المحطات المحليّة وتلك العربيّة، يتمادون في استضافة المحلّلين والخبراء العسكريين الذين يقصّون عليك ملحمات واساطير حول غزّة وحول بطولات “المقاومين” الفلسطينيين، لا الأساطير اليونانيّة والسومريّة تُقارن بها، ولا بطولات هيراكليس وجلجامش. وصل الأمر بهؤلاء المحلّلين إلى بناء كلّ تحاليلهم على أفلام مركّبة لعمليّات عسكريّة وهميّة ينشرها الإعلام العسكري التابع لحماس. فمتى يُدركون أنّ الأضاليل لم ولن تُعطي انتصارات في الحروب، وهي مهينة للمنطق وللفهم، وتستحقر عقول الناس!!؟ (غدًا او بعده سننشر هذه الأفلام ونبيّن التلاعب فيها).
هل هو التاريخ يُعيد نفسه دائمًا؟ لا أبدًا، بل هناك مَن يُكرّر الأخطاء والأضاليل نفسها!!!
لا يمكنك أن تبرّر هجوم 7 تشرين الأول بالادّعاء بأنّه نتيجة لحصار غزّة وتضييق الخناق على شعبها من قبل الإسرائيليين لأكثر من 16 عامًا، وأنتَ خلال هذه الأعوام بنيتَ مئات الكيلومترات من الخنادق، وتسلّحت بأفتك الأسلحة! كيف حقّقتَ كلّ ذلك وأنتَ محاصر!!؟
لا تستطيع أن تقف خلف انطلاق شرارة الحرب الأولى، وتجلس بعدها تنوح مناشدًا الأمم وقف الهجوم عليك.
لن ينفعك التسلّح بالإنسانيّة وأنت البادي بالحرب، ووزعت البقلاوة في الشوارع ورقصت ابتهاجًا يوم نحرتَ عدوّك بلا رحمة.
التلحُف بكوفيّة ياسر عرفات نكاية بمسيحيي لبنان، لن تُنجي غزّة من مصيرها، كما لم تحرّر طريق جونية القدس. التظاهرات في العواصم الأوروبيّة لن تشفع بأطفال غزّة طالما تظاهرة واحدة لم تخرج في عواصم عربيّة مؤثّرة.
والحروب لا تُخاض بعرض أشلاء الأطفال على الشاشات، طالما هناك مَن يكذب متباهيًا بأنّ الغزاويين يخرجون من تحت الأنقاض وهم يحيّون “المقاومة”، بينما لا نراهم سوى مفجوعين، ولا نسمع منهم غير النحيب وطلبات الإغاثة وأنين الألم.
اليوم، وبحسب ما تردّده وسائل الإعلام، ستتمّ صفقة لتبادل الأسرى، كلّ ثلاثة فلسطينيين مقابل إسرائيلي، فتذكّروني بأنّ هلال الممانعة و”المقاومة” سيُعلن نصرًا وهميًّا لمجرّد أنّه نجح في إطلاق مائة وخمسين معتقلًا فلسطينيًّا في السجون الإسرائيليّة، وسوف ينسى كلّ الذين سقطوا في غزّة!!! إنها ليست صفقة ثلاثة مقابل واحد، بل هي صفقة مائة وخمسون معتقلًا فلسطينيًّا مقابل أربعة عشر ألف ضحيّة فلسطينية انتحرتهم حماس. للأسف، هكذا انتصارات وهميّة ومن عند الله، ليست بغريبة عن عقيدة مَن كان بإمكانه جعل غزّة سنغافورة جديدة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها عام 2005، فجعلها مدينة للأنفاق!!!
هم اعتقدوا أنّهم حفروا أنفاقًا للدفاع عن أرضهم، لكنّهم في الحقيقة بنوا قبورًا لشعبهم على سقف جهنم.