شارل الياس شرتوني: الفاشيات الشيعية وتدمير الدولة

110

الفاشيات الشيعية وتدمير الدولة
شارل الياس شرتوني/29 كانون الثاني/2023

لقد ظهرت الأزمة القضائية الناشئة وجها أساسيًا من أوجه تفكيك الدولة، وتمادي السياسة الانقلابية للفاشيات الشيعية في عملية هدم الكيان الدستوري والميثاقي والمعنوي للدولة اللبنانية، وإحالة البلاد الى نزاعات أهلية مفتوحة على كل الصراعات الاقليمية، وابقائها في دائرة الأزمات المالية والحياتية القاتلة التي دمرت الذخر الاجتماعي الذي بني على مدى المئوية التي تلت إنشاء دولة لبنان الكبير. إن ما جرى على المستوى القضائي في الأيام الماضية هو انقلاب سافر على ركائز دولة القانون، ودليل إضافي على دخولنا المعلن في دائرة الإرهاب المتعدد الأوجه وصراعات النفوذ النافرة، كما تبلورت مع إقالة القاضي طارق بيطار، وإطلاق سراح المتهمين من قبل المدعي العام التمييزي غسان عويدات، بعد انقضاء سنتين ونصف على توقيفهم دون مقاضاة، ونسف التحقيق الجنائي، ومراكمة المخالفات القانونية لجهة التعدي على صلاحيات المحققين العدليين وإقالتهم وعرقلة عملهم، والاغتيالات المرتبطة بحيثيات الانفجار، وإحالة ملف الانفجار الى وضعية الموت السريري، وثني ضحايا الانفجار والحراكات المدنية المرافقة عن متابعة حركتهم من أجل إحقاق الحق. لقد تجاوز المدعي العام التمييزي صلاحياته وكسر موجباته المهنية وما تمليه من التزام دقيق بالآليات والاخلاقيات القانونية، لحساب أداء مسيس ومعطوف بشكل مباشر على إملاءات السياسة الانقلابية التي يديرها الثنائي الشيعي، بالتواطؤ مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، على قاعدة المقايضات المصلحية بين أطراف الاوليغارشيات الحاكمة.

نحن أمام عملية تفكيك منهجية للمبنى الدولاتي من خلال التفخيخ، ووضع اليد، ونهب الموارد العامة، وتحويل الادارات العامة الى أدوات تصريف للسياسة الانقلابية، واستخدام القضاء لتشريع سياسات السيطرة، وتثبيت مراكز القوى داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، وترسيخ الائتلافات الاوليغارشية، واستعمال العنف الاستنسابي من أجل السير قدما في سياسة الاطباق على روافع العمل العام والقرار السياسي. ثمة تداخل عضوي بين الرئاسة الاسمية والحكومات والمجالس النيابية الصورية والمتواطئة وغير المستقلة والمهمشة، والقضاء المستخدم، ودور حاكمية المصرف المركزي كمهندس لسياسات نهب وتبييض الأموال العامة والخاصة، واستعمال وزارة الخارجية كاداة تخريج لسياسة السيطرة، وتغييب لبنان عن الحياة الدولية وتطويعه ومحاصرة دوره، وتثبيت موقعه كرافعة للسياسة الانقلابية التي يديرها النظام الاسلامي الايراني إقليميًا.

مما لا شك فيه أن التعايش مع هذا الواقع لم يعد ممكنا، وأن المواجهة مع الفاشيات الشيعية قد أصبحت خيار الضرورة. تلتئم المواجهة حول المحاور التالية: ١/ الحؤول دون متابعة تفخيخ المؤسسات الدستورية عبر استكمال وضع اليد عليها من خلال اللعبة السياسية القائمة في البلاد . ٢/ العودة الى التحكيم الدولي من خلال انفاذ القرارات الدولية (١٥٥٩، ١٦٨٠، ١٧٠١) على نحو فعلي ومنع الفاشيات الشيعية من تعطيل دور القوات الدولية من خلال الارهاب (اغتيال جندي اليونيفيل)، ومتابعة مسألة نزع السلاح، ووضع حد لتستر حزب الله بالقرارات الدولية من أجل متابعة سياسة التسلح والتوتر الاستنسابي، التي تختصرها مقولة “حماية سلاح المقاومة” ومدلولها الحقيقي، تأمين مسار سياسة السيطرة على البلاد وتداعياتها الإقليمية. ٣/ المباشرة الفورية بالاصلاحات المالية الهيكلية بالتعاون مع المؤسسات الدولية والدول المانحة، لجهة التحقيق الجنائي المالي، وإصلاح القطاع المصرفي، وإعادة أموال المودعين ووضع حد لمهزلة توزيع الخسائر، وإعادة إطلاق الحياة الاقتصادية على قاعدة التداخل بين الاستقرار السياسي، وتحفيز الاستثمارات، وربط الاقتصاد المالي بالاقتصاد الفعلي. ٤/ تدويل التحقيق الجنائي العائد لانفجار المرفأ الارهابي، وضم الملف القضائي اللبناني الى المحكمة الدولية.

المرحلة تتطلب حسما في الخيارات لجهة التصدي غير الموارب للعمل الانقلابي عبر التسويات السياسية والاصلاحية الوفاقية، ونزع سلاح حزب الله غير المشروط، وتحكيم الأمم المتحدة، والا فسياسة الخيارات المفتوحة ليست حكرا على أحد. على الفاشيات أن تعي أن التسليم بالارهاب وسياسة القضم والكذب وتعميم السلوك الهمجي، هي استدعاء لمتاهات خبرناها في السابق مع التحالف الفلسطيني واليساري الفاشي، وعلى وجه التأكيد لا أحد بصدد التسليم بسياسات الارض المحروقة والمفرغة التي لن تفضي الى شيء، وغدًا لناظره قريب